فقه الصلاة : 39 – آداب الإمام والمأموم في الصلاة
أولا آداب الإمام
1- تخفيف الصلاة مع الكمال والتمام:
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أمَّ أحدكم الناس فليخفف؛ فإن فيهم الصغير، والكبير، والضعيف، والمريض ،وذا الحاجة فإذا صلى وحده فليصلِّ كيف شاء)متفق عليه
ولحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن معاذ بن جبل رضي الله عنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ثم يرجع فيؤمُّ قومه، فصلى العشاء فقرأ بالبقرة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا معاذ أفتانٌ أنت؟ ثلاث مرات. (فلولا صليت بـ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى)، و(وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (؛ فإنه يصلي وراءك: الكبير، والضعيف، وذو الحاجة) متفق عليه
ولحديث أبي مسعود رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: والله يا رسول الله إني لأتأخر عن صلاة الصبح من أجل فلان، مما يطيل بنا، فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم غضب في موعظة قطّ أشدَّ مما غضب يومئذٍ، ثم قال: (أيها الناس، إن منكم منفِّرين، فأيكم أمَّ الناس فليخفف؛ فإن فيهم المريض، والضعيف، والكبير، وذا الحاجة) متفق عليه
ولحديث أبي قتادة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطوِّل فيها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوَّز (فأخفف)في صلاتي كراهية أن أشق على أمِّه) متفق عليه
والتخفيف أمر نسبي يُرجع فيه إلى ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وواظب عليه، وهديه الذي واظب عليه هو الحاكم على كل ما تنازع فيه الناس، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة تبيّن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات الخمس، وسبق بيان ذلك في صفة الصلاة، فَفِعل النبي صلى الله عليه وسلم هو التخفيف الذي أمر به؛ ولهذا قال ابن عمر رضي الله عنهما: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالتخفيف ويؤمُّنا بالصافات) رواه النسائي وصححه الألباني
والتخفيف لا يعني الإخلال بالصلاة ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قال: “ما صَلَّيْتُ وَراءَ إِمامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلاةً ولا أَتَمَّ صَلاةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ” رواه مسلم.
والتخفيف والإطالة من الأمور النسبية التي تختلف باختلاف الزمان والمكان، فيراعي الإمام حالة المأمومين.
2- تطويل الركعة الأولى أكثر من الثانية:
لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (لقد كانت صلاة الظهر تقام فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته، ثم يأتي أهله فيتوضأ، ثم يرجع إلى المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى مما يطيلها) رواه مسلم .
3- تطويل الركعتين الأوليين وتقصير الأخريين من كل صلاة:
لحديث جابر بن سمرة رضي الله عنه وفيه أن سعداً رضي الله عنه قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إني لأصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمدُّ في الأوليين وأحذف في الأخريين، ولا آلو ما اقتديت به من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم) متفق عليه.
4- مراعاة مصلحة المأمومين بشرط ألا يخالف السنة:
لحديث جابر رضي الله عنه فقد راعى فيه النبي صلى الله عليه وسلم مصلحة الناس فيؤخر العشاء إذا لم يجتمع أصحابه، قال جابر: (والعشاء أحياناً وأحياناً: إذا رآهم اجتمعوا عجَّل، وإذا رآهم أبطؤوا أخَّر) متفق عليه.
فالصلاة هنا يسن تأخيرها، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يراعي أحوالهم ولا يشق عليهم فيقدمها إذا اجتمعوا، أما غير العشاء من الصلوات الأخرى فكان يصليها في أول وقتها ما عدا الظهر في شدة الحر ، ومما يدل على هذه المراعاة: إيجاز النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة عند سماعه بكاء الصبي مخافة أن يشقَّ على أمه، وتطويله الركعة الأولى في الصلاة؛ ليدرك الناس الركعة الأولى، ويؤخذ من هذا استحباب انتظار الداخل أثناء الركوع حتى يدرك الركوع ما لم يشق على المأمومين .
5- لا يصلي في موضعه الذي صلى فيه المكتوبة:
لما روي عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه يرفعه: (لا يصلي الإمام في الموضع الذي صلى فيه، حتى يتحوّل) صححه الألباني في مشكاة المصابيح.
والمعنى في كراهة ذلك: خشية التباس النافلة بالفريضة.
6- يمكث في مكانه بعد السلام يسيراً:
لحديث أمِّ سلمة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه، ومكث يسيراً قبل أن يقوم). وفي لفظ: (كان يسلم فينصرف النساء فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم).
ولفظ النسائي: (أن النساء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كنَّ إذا سلّمْنَ من الصلاة قمْنَ وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من الرجال ما شاء الله، فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال).
7-يستقبل المأمومين بوجهه إذا سلم:
ولا يطيل القعود بعد السلام مستقبل القبلة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقعد إلا مقدار ما يقول: (اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام) رواه مسلم
ثم يستقبل الناس بوجهه كما في حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه) رواه البخاري
والمعنى: إذا صلى صلاة ففرغ منها وسلم استقبل المأمومين بوجهه؛لأن استدبار الإمام المأمومين إنما هو لحقِّ الإمامة،فإذا انقضت الصلاة زال السبب، فاستقبالهم حينئذ يرفع الخيلاء والترفع على المأمومين.
8- ينصرف إلى الناس بعد السلام تارة عن يمينه وتارة عن شماله:
لا حرج في شيء من ذلك؛ لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (لا يجعل أحدكم للشيطان شيئاً من صلاته يرى أن حقّاً عليه أن لا ينصرف إلا عن يمينه، لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ينصرف عن يساره). متفق عليه
9- لا يخصّ نفسه بالدعاء الذي يؤمن عليه المأمومون دونهم:
لِمَا روي عن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه، وفيه: (لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يؤمَّ قوماً إلا بإذنهم، ولا يختصَّ نفسه بدعوة دونهم ؛ فإن فعل فقد خانهم) رواه أبو داود
قوله : (ولا يختص نفسه بدعوة دونهم) أي الذي يؤمنون عليه: كالدعاء في القنوت وأما دعائه لنفسه في السجود فلا يدخل في النهي.
ثانيا / آداب المأموم
1- إذا سمع الإقامة فلا يسرع وعليه السكينة والوقار:
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا). متفق عليه
وفي لفظ: (إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)متفق عليه
2- لا يقوم المأموم إذا أقيمت الصلاة حتى يخرج الإمام :
لحديث أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني قد خرجت) متفق عليه.
3- هل يستحب ألا ينصرف قبل الإمام ؟
قولان للفقهاء وسبب ذلك الاختلاف على تفسير حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم يوماً فلما قضى الصلاة أقبل عليهم بوجهه فقال: (أيها الناس إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع، ولا بالسجود، ولا بالقيام، ولا بالانصراف ) رواه مسلم
فقوله (ولا بالانصراف) ذهب الحسن والزهري إلى أن حق المأموم ألا ينصرف حتى ينصرف الإمام أخذاً بظاهر هذا الحديث، وعليه فإنه يستحب أن لا ينصرف المأموم قبل انصراف إمامه عن القبلة؛ لئلا يذكر سهواً فيسجد، إلا أن يخالف إمامه السنة في إطالة الجلوس مستقبل القبلة، فلا بأس بانصراف المأموم حينئذٍ.
والجمهور على خلافهما؛ لأن الاقتداء بالإمام قد تم بالسلام من الصلاة،
ويراد بالانصراف المذكور: التسليم؛ فإنه يقال: انصرف من الصلاة: أي سلم منها.
4- الفتح على الإمام إذا لُبِّس عليه في القراءة:
لحديث المسور بن يزيد المالكي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي لفظ: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة، فترك شيئاً لم يقرأه، فقال له رجل: يا رسول الله، تركت آية كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هلا أذْكَرْتَنِيها)؟ قال: كنت أُرَاها نسخت) حسنه الألباني في صحيح سنن أبي داوود.
عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة فقرأ فيها فَلُبِسَ عليه، فلما انصرف قال: لأبيٍّ: (أصليت معنا)؟ قال: نعم، قال: (فما منعك)؟ صححه الألباني في صحيح سنن أبي داوود.