الأحاديث القدسية :14-و لا يَمْلَأُ جَوْفَ ابنِ آدمَ إِلَّا التُّرَابُ

تاريخ الإضافة 22 يونيو, 2023 الزيارات : 2043

و لا يَمْلَأُ جَوْفَ ابنِ آدمَ إِلَّا التُّرَابُ

 عن أبي واقد الليثي رضي الله عنه قال: “كنَّا نأْتي النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذا نزَلَ عليه، فيُحدِّثُنا، فقال لنا ذاتَ يومٍ: إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قال: إنَّا أنزَلْنا المالَ لإقامِ الصَّلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ، ولَوْ كان لِابنِ آدمَ وادٍ ، لَأحبَّ أنْ يَكُونَ إليهِ ثَانٍ ، و لَوْ كان لهُ وادِيانِ لَأحبَّ أنْ يَكُونَ إليهِما ثالثٌ ، و لا يَمْلَأُ جَوْفَ ابنِ آدمَ إِلَّا التُّرَابُ ، ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ على مَنْ تابَ) صححه الألباني في  السلسلة الصحيحة

وعن ابن عباس رضي الله عنهما يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول (لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب) رواه البخاري في كتاب الرقاق

معنى كلمات الحديث :

قوله: (إنَّا أنزَلْنا المالَ لإقامِ الصَّلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ) إنَّ اللهَ سُبحانَه جعل المالَ لخلقه؛ لِيُقِيموا به شعائرَ الدِّينِ، ويُظْهِروا معالِمَ الشَّرعِ؛ مِن صَلاةٍ، وزكاةٍ، وغيرِهما، لا أنْ يَضَعوا ما رزَقَهُم اللهُ مِن المالِ في غيرِ مَوضِعِه.

 “ولو كانَ لابنِ آدمَ وادٍ” أي: مِن المالِ

 “لَأحبَّ أنْ يكونَ إليه ثانٍ، ولو كان له واديانِ لَأحبَّ أنْ يكونَ إليهما ثالثٌ”، والوادي: هو كلُّ مُنفَرِجٍ بيْن الجِبالٍ .

 “ولا يَملَأُ جوفَ ابنِ آدمَ إلَّا التُّرابُ” يُرِيدَ بالجوفِ البطن.

والمعنى المقصود: أنَّه لا يَمَلُّ مِن محبَّةِ المالِ؛ وذلك لأنَّ الإنسانَ بطَبْعِه ميَّالٌ إلى حُبِّ المالِ، وفيه طمَعٌ، ولا يَشبَعُ منه، وليس له حدٌّ يَنْتَهي إليه، إلَّا ما كان مِن مادَّتِه وهو التُّرابُ ، ولا يشبع من خلق من التراب إلا بالتراب، ويحتمل أن يكون ذكر التراب دون غيره لما أن المرء لا ينقضي طمعه حتى يموت، فإذا مات كان من شأنه أن يدفن، فإذا دفن صب عليه التراب، فملأ جوفه وفاه وعينيه، ولم يبق منه موضع يحتاج إلى تراب غيره.

 “ويَتوبُ اللهُ على مَن تابَ”أي ويقبل الله رجوع من رجع عن الحرص وعن التمني.

ويمكن أن يكون معناه أن الآدمي مجبول (الجبلّة :أصل الخلقة)على حب المال، وأنه لا يشبع من جمعه، إلا من حفظه الله تعالى، ووفقه لإزالة هذه الجبلة عن نفسه.

 فوضع “ويتوب” موضعه إشعاراً بأن هذه الجبلة مذمومة جارية مجرى الذنب، وأن إزالتها ممكنة بتوفيق الله وتسديده، فوقع قوله: ويتوب الله إلخ موقع الاستدراك، أي أن ذلك العسر الصعب يمكن أن يكون يسيراً على من يسره الله تعالى عليه.

شرح الحديث

يولد المرءفي هذه الدنيا لا يملك شيئا، فلما يكبر ويكون قويا قادرا على الكسب يندفع نحو زينة الحياة الدنيا بطبيعته، فيحرص عليها، وينميها، وكلما وصل إلى درجة تطلع إلى ما فوقها، يجري وراءها، ويلهث، ولا يتوقف، ولا يضعف حبه بتقدم عمره، بل قد يزداد، وكلما ازداد حرص على الحياة وطول العمر، يشيب ابن آدم ويهرم وتصيبه الشيخوخة والكهولة، لكن خصلتان من خصاله تبقيان قويتين شابتين، حب المال، والحرص على الحياة، حقيقة جاءت بها الشريعة، وصدقها الواقع، وهي الطبيعة والفطرة التي فطر الناس عليها، لكن الشريعة أمرت بمعالجة هذه الخلقة، وتغيير هذا الطبع ليوافق الشرع، فنفرت من الاستجابة للشهوات، ووضحت بشتى الأساليب أن غرس الشهوات في الإنسان ابتلاء من الخالق واختبار، وأن عاقبة الجري وراءها خسران في الآخرة ونار، قال تعالى :” اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور   “الحديد: 20 .

فالمال وزينة الدنيا من أخطر الفتن ، لأن صاحبه لا يدرك خطره -غالباً- إلا بعد فوات الأوان، بهجته تعمي الأبصار عن رؤية حقيقته، وجمعه يدفع إلى المزيد من جمعه، مع الغفلة عن حله وغير حله، وحبه يدفع إلى الاحتفاظ به وادخاره وكنزه والبخل به، فهو كالمخدر الذي يشل حركة التفكير والتعقل والتدبر، إلا من عصمه الله، لأننا جميعا نؤمن أن ما نجمع من مال سنذهب عنه، ونتركه لغيرنا، وكلنا نؤمن أننا لن نأخذ من أموالنا شيئاً بعد موتنا، فالله يقول”ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم “الأنعام: 94
روى الإمام مسلم من حديث مطرف عن أبيه قال : أتيت النبي صلى الله عليه و سلم وهو يقرأ ألهاكم التكاثر قال يقول ابن آدم مالي مالي !! وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت ؟
كأنه أفاد بهذا التفسير أن المراد التكاثر في الأموال  إنكار منه صلى الله عليه وسلم على ابن آدم بأن ماله هو ما انتفع به في الدنيا بالأكل أو اللبس أو في الآخرة بالتصدق , وأشار بقوله فأفنيت . فأبليت إلى أن ما أكل أو لبس فهو قليل الجدوى لا يرجع إلى عاقبة.

 

وقد اختلف العلماء في أيهما أفضل؟ الفقر؟ أم الغنى؟

المال فتنة لمن افتتن به ، فيمكن أن يكون عند الإنسان الملايين ولكنها في يده وليست في قلبه ، وأغلب العلماءعلى أن الغني الشاكر أفضل، لما تضمنه من زيادة الثواب بالقرب المالية، احتجاجاً بحديث: ذهب أهل الدثور بالأجور… وفي آخره: { ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء }  [الحديد: 21]

وقال النبي صلي الله عليه وسلم لعمرو بن العاص (نعم المال الصالح للرجل الصالح )، وحديث: إن الله يحب العبد الغني التقي الخفي. رواه مسلم

 وحديث سعد:” إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة”، وقد وصفت يد الغني المعطي بأنها العليا.

أيضا الفقير نفعه مقصور على نفسه، أما الغني فنفعه يتعدى إلى غيره، والشكر أسهل من الصبر، فالفتنة بالغنى أخف، لذا قال مطرف بن عبد الله: لأن أعافى فأشكر أحب إلي من أن أبتلى فأصبر.
وقال سعيد بن المسيب عند موته، وقد ترك مالاً: اللهم إنك تعلم أني لم أجمعه إلا لأصون به ديني.
قال الحافظ ابن حجر: ودعوى أن جمهور الصحابة كانوا على التقلل والزهد ممنوعة، بالمشهور من أحوالهم، فإنهم كانوا على قسمين بعد أن فتحت عليهم الفتوح؛ فمنهم من أبقى ما بيده، مع التقرب إلى ربه بالبر والصلة والمواساة، مع الاتصاف بغنى النفس، وهم قليل بالنسبة للطائفة الأخرى، ومن تبحر في سير السلف علم صحة ذلك.

فالمال في ذاته ليس شرًا ولا مذمومًا في نظر الإسلام ، والنبي صلي الله عليه وسلم قال: ما نفعني مال كمال أبي بكر، وكان سيدنا أبو بكر من التجار الذين رزقهم الله بسطة في المال وكان ماله في خدمة الدعوة، حتي أنه في غزوة تبوك جاء بماله كله ليسلمه للنبي صلي الله عليه وسلم فقال له ماذا أبقيت لأهلك ؟ قال له أبقيت لهم الله ورسوله . 
وكان عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف من أثرياء المسلمين وكانت أموالهما معدة أيضا للإنفاق في سبيل الله .
ومن أدعية النبي صلي الله عليه وسلم بخصوص المال ، حيث كان يقول ( اللهم إني أسألك الهدي والتقي والعفاف والغني )
وحين جاءت أم سليم بابنها أنس ليخدم النبي وهو ابن عشر سنين فقالت ادع الله له فدعا له بعدة دعوات منها أن يكثر الله ماله .
فوائد الحديثِ:
1- أنَّ الآدَميَّ لا يُشبِعُه كَثرَةُ المالِ، وأنَّهُ لا يَملَأُ بَطنَه إلَّا التُّرابُ.
2- أنَّ الإكثارَ مِن المالِ لا يُقَلِّلُ مِن حِرصِ الآدَميِّ على جمعه وتكثيره، إلا من رحم الله.
3- الحَذَرُ مِن الانشِغالِ بِالمالِ والفِتنةِ بِالمالِ.
4- أنَّ المُؤمِنَ يَنبَغي أنْ يَكونَ أكْبَرَ هَمِّهِ العَمَلُ لِلآخِرةِ، وألَّا تَغُرَّه الدُّنيا وشَهَواتُها.


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود

 رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود   ما أجمل أن يتلمس الدعاة في عصرنا الحاضر السير على خطى الأنبياء، والتخلق بأخلاقهم، والاقتداء بهم في الدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، من خلال المنهج القرآني في عرض قصصهم، وأحوالهم مع أقوامهم؛ من خلال دراستي لأحد سور القرآن (سورة هود)

تاريخ الإضافة : 24 أبريل, 2024 عدد الزوار : 51 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع