السنن المهجورة (19) سنة ادخال السرورعلى المسلمين

تاريخ الإضافة 16 مارس, 2024 الزيارات : 845

السنن المهجورة (19) سنة ادخال السرورعلى المسلمين

يقول النبي  صلى الله عليه وسلم : “  أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ ، و أحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ يدْخِلُهُ على مسلمٍ ، أوْ يكْشِفُ عنهُ كُرْبَةً ، أوْ يقْضِي عنهُ دَيْنًا، أوْ تَطْرُدُ عنهُ جُوعًا ، و لأنْ أَمْشِي مع أَخٍ لي في حاجَةٍ أحبُّ إِلَيَّ من أنْ اعْتَكِفَ في هذا المسجدِ ، يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا “

خلقنا الله من طينة الأرض التي فيها اللين واليابس، وجعل الله فينا المشاعر والأحاسيس …. الحب والبغض والسعادة والحزن ، وعلمنا ديننا أن نكون دائما سببا لإسعاد الناس لا سببا في إحزانهم .

أن نكون سببا في الخير لا في الشر ،أن نكون ممن يسعد الناس بقدومهم لا ممن يتعس الناس بوجودهم ، فهذا حديث رسول الله  صلى الله عليه وسلم يبين لنا أن من أعظم الأعمال أجرا عند الله سبحانه وتعالى : سرور تدخله على قلب مسلم .

ديننا يعلمنا دائما أن نكون سعادة لكل من حولنا ،وقبح إلينا الغلظة والخشونة والعنف ، وقد رأينا هذا في قوله تعالى لنبينا  صلى الله عليه وسلم:

” واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين ” الشعراء 215 ، وقوله أيضا : ” فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ” آل عمران/159

والبعض منا يظن أن التبسط واللين ضد الهيبة وقوة الشخصية ، ويقلل من المكانة الاجتماعية بين الناس ، وأن الرجولة تعني أن يكون غليظا خشنا في التعامل مع الناس ، لابد أن يكون رسميا ….

نقول : كل شيء في ديننا فيه التوازن ؛ فديننا لا يعرف التطرف والجنوح إلى جهة دون جهة ، وقد كان رسول الله  صلى الله عليه وسلم من أهيب الناس له هيبة ؛ حتى عمرو بن العاص يقول:  “إنه ما ملأ عينه من وجه رسول الله هيبة له ” قال : ” ولو قيل لي صف رسول الله ما استطعت” سبحان الله العظيم ! وكان مع هذه الهيبة كان صلى الله عليه وسلم بساما ضحاكا كما تقول عائشة رضي الله عنها .

1- إسعاد الناس بالبسمة والتبسط :

يقول جرير بن عبد الله رضي الله عنه  :  ” ما رآني رسول الله  صلى الله عليه وسلم إلا وتبسم في وجهي ” فكانت الابتسامة دائما مرتسمة على وجهه  صلى الله عليه وسلم ، وكان لين جانبه وبساطته المعهودة تجعل في قلبه مكانا لكل مسلم من المسلمين حوله فلا يشعر أحد منهم بغربة عن المجلس أو برهبة أو بخشية حتى الرجل الذي اقترب منه رسول الله  صلى الله عليه وسلم ارتعدت فرائصه فقال له : “هون عليك يا أخي فإنما أنا ابن امرأة من مكة كانت تأكل القديد ، يعني أنا لست جبارا ولا ذا سلطان ظالم … إنما أنا ابن امرأة عادية من أهل مكة ” والقديد هو اللحم المقدد كانوا يعرضون اللحم للشمس ليصير يابسا كوسيلة من وسائل الحفظ .

والمقصود الإشارة إلى أنه رجل عادي بسيط متواضع لا متكبر ولا متغطرس ولا يجعل لنفسه مكانة فوق الناس ، وكان  صلى الله عليه وسلم  يرفض أن يجلس والناس حوله قيام ، كان يرفض أن يأتي فيقوم له أصحابه قياما وحق له  صلى الله عليه وسلم أن يُحترم وأن يُجل وأن يُعظم لكنه كره أن يتميز على أصحابه ، فكان رسول الله  صلى الله عليه وسلم (هاشّا باشّا بسّاما ضحّاكا ) باشّا  من البشاشة وهي السرور الذي يظهر في الوجه.

وعلمنا رسول الله  صلى الله عليه وسلم ” تبسمك في وجه أخيك صدقة” وقال : ” لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق ” فإشاعة البسمة على من حولنا هدي نبوي نقتدي فيه برسول الله  صلى الله عليه وسلم .

قصة زاهر مع الرسول صلى الله عليه وسلم :

وكان له مواقف فيها ممازحة حتى نتعلم ، كان أحد الصحابة  من سكان البادية (الصحراء) اسمه زاهر وكان الرسول  صلى الله عليه وسلم يقول :

” زاهر باديتنا ونحن حاضروه ” وكان يأتي النبي  صلى الله عليه وسلم  ببعض الهدايا ، ويبادله الرسول صلى الله عليه وسلم  بعض الهدايا ؛ فكان إذا نزل المدينة يبدأ أولا فيمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ينطلق إلى السوق ، وجاء زاهر مرة ولم يجد النبي صلى الله عليه وسلم  فانطلق إلى السوق ، وأُخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقدوم زاهر ، فذهب حتى أتى زاهر من خلفه ، واحتضنه ، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم ينادي قائلا :  من يشتري العبد ؟ من يشتري العبد ؟  وزاهر يقول : اتركني اتركني حتى عرف زاهر الرسول صلى الله عليه وسلم من صوته فقال : إذن تجدني كاسدا يارسول الله ، قال : ولكنك عند الله لست بكاسد .

فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم  لم يقلل من قيمته ولا هيبته ولا مكانته هذا التبسط الجميل مع واحد من أصحابه رضوان الله عليهم .

زوجك الذي في عينيه بياض ؟

وجاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم  تسأل عن زوجها فقال النبي صلى الله عليه وسلم  : زوجك الذي في عينيه بياض ؟

فسكتت المرأة تحاول أن تتذكر زوجها كيف في عينيه بياض ؟ فلما رجعت البيت رأت زوجها فجعلت تنظر في عينيه ، قال لها ما بك ؟ قالت سألت عنك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي : زوجك الذي في عينيه بياض؟

فقال زوجها : أما ترين بياض عيني غلب سوادهما ؟

فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمازح ويتباسط مع أصحابه ويدخل السرور عليهم بهذه اللطائف ، لكن ساعة الجد كانوا رجالا جادين ، فكل شيء له مقامه وكل شيء له مقداره ومكانته .

2- إسعاد الناس بالتبشير بالخير : 

أيضا من الأسباب التي تدخل بها السعادة على إخوانك غير البسمة والممازحة والتبسط ، التبشير بالخير ؛ لا تحرص على أن تكون دائما وكالة أنذروا خليك في وكالة أبشروا !!!

أذكر الخير …. انشر الخير…..  إذا علمت خبرا سارا كن أول من يبشر به ، إذا علمت خبرا سيئا فلا تخبر به إلا طبعا للضرورة إذا تعين عليك ، لكن لست مكلفا أن تتصل يا فلان أنا علمت في كذا وكذا ….. مما يسوؤه ويحزنه سبحان الله العظيم!!

الشيخ عبد الحميد كشك ذات مرة – وكانت الهواتف قليلة في الماضي-  اتصل به رجلا من الأسكندرية عند الجيران ، فطلبوا الشيخ ، وراح فقال خيرا يا ابني ؟ قال أنا حلمت إنك مت !! فقال الشيخ : عشان استريح من وشك (وجهك).

فما الضرورة في أن تزف الأخبار السيئة للناس لماذا لا نتبع قول النبي  صلى الله عليه وسلم ” يسروا ولا تعسروا ، بشروا ولا تنفروا “

فالخبر السيء لا تكن ناقلا له ، انقل الأخبار السارة ؛ فإذا اضطررت لخبر سيء فتجمل في عرضه أو نقله وتلطف مع من تخبره .

ويذكر أن الأمام ابن سيرين وهو من أعلام التابعين وله أخبار عديدة في تفسير الرؤى جاءه رجل محزون مكروب قال له رأيت في الرؤيا كأن أسناني كلها قد وقعت فأخبرني من أخبرني أن أهلي جميعا سيموتون .

فقال له : بل سيبارك الله في عمرك حتى تكون آخر أهلك موتا .

المؤدي واحد لكن فارق كبير بين التعبيرين .

قصة سهلة بنت ملحان عند وفاة ابنها :

وهذه المرأة الصالحة أم أنس بن مالك سهلة بنت ملحان- رضي الله عنها – لما مات ابنها الصغير، كيف نقلت الخبر لزوجها ؟

شيء عجيب والله يا إخواني ، قدمت له العشاء وتزينت وتعطرت له حتى جامعها ، ثم في الأخير قالت له : الجيران استعرنا منهم عارية (أخذنا شيء سلف للمنفعة) وقد أرسلوا في ردها ، قال وما المشكل في ذلك عاريتهم واستردوها ؟ قالت فإن الله أودع ولدك عبد الله عارية عندك ، وقد استرد الله عاريته !!!

غضب الرجل وذهب يشكوها لرسول الله فتبسم النبي  صلى الله عليه وسلم قائلا ” بارك الله في ليلتكما ” وحملت في هذه الليلة بغلام ، وعوض الله تبارك وتعالى الزوجين خيرا .

 خليك دائما بشير خير ، لا تكن نذيرا ، لا تكن ناقل للسوء والأحزان ، إذا اضطررت لذلك تلطف ، انتق العبارات راعي من أمامك أنه ليس كتلة من الصخر هو إنسان عنده ما عنده من مشاعر ، ربما خبر يؤدي إلى وفاة إنسان إلى حدوث سكتة قلبية أو دماغية أو جلطة …. وخاصة إذا كان مرهف الحس ، أو كان عنده ما عنده من البشر من الخفة في تلقي الأخبار ، فبعض الناس عنده جلد وصبر ، وآخرون ليس عندهم قوة لتلقي الأخبار الحزينة .

مشهد توبة الله على كعب بن مالك :

أنقل لكم مشهد كعب بن مالك ، وكعب كان أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن رسول الله في غزوة تبوك وأمر الرسول  صلى الله عليه وسلم بهجره هو وصاحبيه ( يقاطع تربية وتأديبا له ) ، بعد خمسين ليلة نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر توبة الله على كعب وصاحبيه فخرج النبي وأخبر بعض أصحابه  بالخبر وكان ذلك في الثلث الأخير من الليل ، ماذا فعل القوم ؟

خرج أحدهم حتى صعد على جبل سلع (وكان جبلا بجانب مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم  ولم يعد له وجود الآن مع التوسعات) وقف على جبل سلع  وجعل ينادي بأعلى صوته يا كعب بن مالك أبشر! وآخر ركب الفرس وجعل يعدو سريعا حتى وصل إلى كعب ليبشره ، وذهب كعب إلى المسجد عند الفجر فاستقبله الناس وهنأوه قال : فقام إلىّ طلحة مهرولا فهنأني واحتضنني فوالله لا أنساها له .

وتوجهت إلى رسول صلى الله عليه وسلم فإذا بوجهه يبرق من السرور .

هذا هو المجتمع عندما يحب بعضه بعضا ويفرح الجميع فيه بتوبة الله على عبد من عباده ( كعب بن مالك )

أغرب طريقة لإيصال خبر سيء

عندما عاد الأب من السفر وجد إبنه الأصغر باستقباله في المطار، فسأله الأب
على الفور: كيف جرت الأمور في غيابي؟ هل حدث مكروه لكم؟

أجابه الابن: لا يا أبي كل شئ على مايرام ولكن… حدث شئ بسيط وهو أن عصا المكنسة قد انكسرت .

أجابه الأب مبتسماً: بسيطة جداً، ولكن كيف انكسرت؟

أجاب الابن: أنت تعرف يا أبي عندما تقع البقرة على شئ فإنها تكسره

أجاب الأب متعجباً :البقره!!! قل تقصد بقرتنا العزيزة؟

أجابه الابن: نعم، نعم، عندما كانت تهرب مذعورة، دهست فوق عصا
المكنسة وارتمت البقرة على الأرض وانكسرت عصا المكنسة

أجاب الأب: والبقرة، هل حدث لها مكروه؟

أجاب الابن: ماتت

صرخ الأب: ماتت، ومما كانت تهرب مذعورة؟

أجابه الابن: كانت تهرب من الحريق

قال الأب: حريق وأي حريق هذا؟

قال الابن: لقد احترق منزلنا

قال الأب: ماذا ؟؟ منزلنا احترق؟؟ وكيف احترق المنزل؟

قال الابن: أخي الكبير – رحمه الله

قاطعه الأب: هل مات أخوك؟؟

قال الابن: نعم، أخي كان يدخّن فسقطت السجارة على السجادة

فاحترق المنزل ومات أخي بداخله

قال الأب وقد انهارت أعصابه: ومتى كان أخوك مدخناً؟

قال الابن : لقد تعلم الدخان كي ينسى حزنه

قال الأب: وأي حزن هذا؟

قال الابن: لقد حزن على والدتي

قال الأب: وماذا حدث لأمك ؟!!؟

قال الابن: ماتت

والخلاصة:

كن دائما سببا لإسعاد غيرك …. كن رحمة للناس .

إذا حضرت سعد الناس بك ، وإذا غبت افتقدك الناس وتفقدوك يسألون عنك .

نسأل الله أن نكون ممن يسعدون باسعادهم الناس ، وأن يقضي حاجات المحتاجين وأن يفرج كرب المكروبين ….اللهم آمين.


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود

 رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود   ما أجمل أن يتلمس الدعاة في عصرنا الحاضر السير على خطى الأنبياء، والتخلق بأخلاقهم، والاقتداء بهم في الدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، من خلال المنهج القرآني في عرض قصصهم، وأحوالهم مع أقوامهم؛ من خلال دراستي لأحد سور القرآن (سورة هود)

تاريخ الإضافة : 24 أبريل, 2024 عدد الزوار : 42 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع