ورثة الفردوس (7)
(وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ)
هنا تشير الآية التاسعة إلى الصفة السابعة من صفات المؤمنين ، حيث يقول تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ)
مكانة الصلاة من الدين :
الصلاة هي الركن الأعظم بعد الشهادتين، فرضها الله -عز وجل- في السماء ليلة المعراج، حيث عُرِج بسيد البشر إلى السموات العلا إلى سدرة المنتهى، ثم رفعه الله إلى مستوى لم يبلغه أحد وفرض عليه الصلوات الخمس بلا واسطة ملك؛ وهذا من أعظم الأدلة على منزلة الصلاة عند الله -تعالى- ومكانتها من الدين، وهي عمود الدين كما في قال النبي لمعاذ “ ألا أُخبِرُك بِرأسِ الأمرِ ، وعمودِه، وذِروَةِ سَنامِه؟ قلت: بلَى، يا رسولَ اللهِ، قال: رأسُ الأمرِ الإسلام، وعمودُه الصَّلاةُ، وذِروةُ سَنامِهِ الجِهادُ ” ، وهي آخر ما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم أمته وهو على فراش الموت منادياً: (الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم)
ومن أراد أن يحاسب نفسه صادقاً فليتفقد نفسه في صلاته وصلته مع ربه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، ومن أجل هذا فإنها أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة فإن قبلت قبل سائر العمل، وإن ردت رد سائر العمل.
والصلاة لم يُرخص في تركها لا في مرضٍ ولا في خوف، بل إنها لا تسقط حتى في أحرج الظروف وأشد المواقف في حالات الفزع والقتال قال تعالى : (حَـافِظُواْ عَلَى الصَّلَواتِ والصلاة الوسطى وَقُومُواْ لِلَّهِ قَـانِتِينَ فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ) [البقرة:238، 239]. رجالاً أو ركباناً، مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها تومِئون إيماء قدر الطاقة.
كيف تكون المحافظة على الصلاة ؟
1- إسباغ الوضوء لها .
2- أن تؤدى الصلاة في أول وقتها
3- إتمام الأركان بالطمأنينة وعدم العجلة .
4- الخشوع والتدبر واستحضار عظمة الله جل وعلا .
ما ورد في فضل المحافظة على الصلاة:
1– قال ابن مسعود: سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، أيّ العمل أحب إلى الله؟
قال: الصلاة على وقتها . قلت: ثم أيّ؟
قال: بِرُّ الوالدين . قلت: ثم أي؟
قال: الجهاد في سبيل الله. رواه البخاري
2- وعن أبي هريرة رضي الله عنه: {أن أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! دلني على عملٍ إذا عملته دخلت الجنة؟ قال: تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤتي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان، قال الأعرابي: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا } فلما ولّى من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا } رواه البخاري ومسلم .
3- ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة وذلك الدهر كله } رواه مسلم .
4- ويقول: {من حافظ على الصلوات الخمس ركوعهن وسجودهن ومواقيتهن، وعلم أنهن حق من عند الله دخل الجنة } أو قال: {وجبت له الجنة أو قال: حرم على النار } قال الألباني حسن لغيره
5- وفي الحديث (هل تدرون ما يقولُ ربُّكم ؟ قلنا : لا قال : فإنَّ ربَّكم يقول : من صلَّى الصلاةَ لوقتِها ، و حافظَ عليها و لم يُضيِّعْها استخفافًا بحقِّها ، فله عليَّ عهدٌ أن أُدخِلَه الجنَّةَ و من لم يُصَلِّها لوقتِها ، ولم يحافِظْ عليها ، و ضيَّعها استخفافًا بحقِّها ، فلا عهدَ له عليَّ ، إن شئتُ عذَّبتُه ، و إن شئتُ غفرتُ له) قال الألباني حسن لغيره
ما ورد من آثار عن السلف :
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقوم من الليل, ثم يوقظ أهله ويقول لهم: الصلاة الصلاة، ثم يتلو هذه الآية: “وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى”سُورَةُ طَهَ: 132.
بل انه رضي الله عنه عندما طعنه أبو لؤلؤة المجوسي وأغمي عليه, أراد الصحابة أن يوقظوه, فقال أحدهم: أيقظوه بالصلاة, فإنكم لن توقظوه بشيء إلا الصلاة, فقالوا: الصلاة الصلاة يا أمير المؤمنين، فإذا به يستيقظ ويقول: الصلاة الصلاة، لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة.
ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: “الصلاة مكيال، فمن أوفى استوفى، ومن طفف فقد علمتم ما قال الله في المطففين .
وهذا أحد السلف يقال له الربيع بن خثيم يهادى به بين رجلين يحملونه إلى المسجد, فقيل له: يا أبا يزيد, لقد رخص لك لو صليت في بيتك، فقال: انه كما تقولون، ولكني أستحي أن أسمع منادي الله ينادي: حي على الصلاة حي على الفلاح ثم لا أجيب !!!
خطورة التهاون بالصلاة :
قال تعالى : ” فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (60) “مريم
والمقصود بإضاعة الصلاة تأخيرها عن أوقاتها لأن ترك الصلاة عدم إقامتها عمداً ، ولذا قال سعيد بن المسيب : هو ألا يصلي الظهر حتى يأتي العصر ، وألا يصلي العصر حتى يأتي المغرب … هذه إضاعة الصلاة .
وقال تعالى :﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾ سورة الماعون
لو قال : في صلاتهم ساهون لهلك معظم المسلمين ، بل عن صلاتهم ساهون .
إذن ما معنى السهو عن الصلاة ؟ السهو عن الصلاة تأخيرها عن وقتها ؛فالسهو عن الصلاة يشبه إضاعة الصلاة .
قال عطاء بن دينار: الحمد لِلَّهِ الَّذِي قَالَ: عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ وَلَمْ يَقِلْ فِي صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ.
كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ قَامَ فَنَقَرَ أَرْبَعًا لَا يَذْكُرُ اللَّهُ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا»
فَهَذَا آخَّرَ صَلَاةَ الْعَصْرِ إلى آخر وقتها، وهو وقت الكراهة، ثُمَّ قَامَ إِلَيْهَا فَنَقَرَهَا نَقْرَ الْغُرَابِ لَمْ يَطْمَئِنَّ وَلَا خَشَعَ فِيهَا أَيْضًا، وَلِهَذَا قَالَ لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا، وَلَعَلَّهُ إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى الْقِيَامِ إِلَيْهَا مُرَاءَاةَ النَّاسِ لا ابتغاء وجه الله، قال الله تَعَالَى: “إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا”
النِّسَاءِ
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوماً فقال: (من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون، وفرعون وهامان ، وأبي بن خلف )صححه الشيخ أحمد شاكر
وإنما خص هؤلاء الأربعة بالذكر لأن تارك المحافظة على الصلاة إما أن يشغله ماله أو ملكه أو رياسته أو تجارته فمن شغله عنها ماله فهو مع قارون ، ومن شغله عنها ملكه فهو مع فرعون، ومن شغله عنها رياسة ووزارة فهو مع هامان ، ومن شغله عنها تجارته فهو مع أبي بن خلف .
وعن عبد الله بن قرط -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ” أولُ ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله ” رواه الطبراني.
ما السر في ابتداء صفات المؤمنين بالصلاة وانتهائها بالصلاة ؟
افتتح الله ذكر هذه الصفات الحميدة بالصلاة، واختتمها بالصلاة، تعظيما لشأنها فدل على أفضليتها، كما قال رسول الله : صلى الله عليه وسلم ” استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن” .صححه الألباني في تمام المنة .
وتقديم الخشوع للاهتمام به، فإن الصلاة بدونه كجسد بلا روح ، فقد بدأ بالخشوع في الصلاة، وكأنه إشارة إلى أول ما يرفع، وختم بالمحافظة عليها إشارة إلى آخر ما يبقى.
والخشوع غير المحافظة، فالخشوع أمر قلبي متضمن للخشية والتذلل، وجمع الهمة والتدبر، وأمر بدني وهو السكون في الصلاة كما سبق ذكره فهو صفة للمصلي في حال تأديته لصلاته.
وأما المحافظة فهي المواظبة عليها، وتأديتها وإتمام ركوعها وسجودها وقراءتها والمشروع من أذكارها، وأن يوكلوا نفوسهم بالاهتمام بها، وبما ينبغي أن تتم به أوصافها .
ما السر في إفراد الصلاة أولا وجمعها آخرا ؟
وذكرت الصلاة أولاً بصورة المفرد ليدل ذلك على أن الخشوع مطلوب في جنس الصلاة، ففي كل صلاة ينبغي أن يكون الخشوع، أياً كانت الصلاة فرضاً أو نافلة، فالصلاة ههنا تفيد الجنس.
وذكرت آخراً بصورة الجمع للدلالة على تعددها من صلوات اليوم والليلة إلى صلاة الجمعة والعيدين وصلاة الجنازة، وغيرها من الفرائض والسنن، فالمحافظة ينبغي أن تكون على جميع أنواع الصلوات.
واستعمال الجمع مع المحافظة أنسب شيء للدلالة على المحافظة عليها بأجمعها. وقد جيء بالفعل المضارع، فقال: (والذين هم على صلواتهم يحافظون)، بخلاف ما مر من الصفات للدلالة على التجدد والحدوث، لأن الصلوات لها مواقيت وأحوال تحدث وتتجدد فيها فيصلى لكل وقت وحالة، فليس فيها من الثبوت ما في الأوصاف التي مرت، فهناك فرق مثلاً بينها وبين قوله: (الذين هم في صلاتهم خاشعون)، لأن الخشوع ينبغي أن يكون مستمراً ثابتاً في الصلاة لا ينقطع، فهو صفة ثابتة فيها. وكذلك قوله: (والذين هم عن اللغو معرضون) فإنه ينبغي أن يكون الإعراض عن اللغو دائماً مستمراً لا ينقطع، وكذلك قوله: (والذين هم لفروجهم حافظون) فإن حفظ الفروج ثابت دائم.