ورثة الفردوس 8- نعيم الجنة

تاريخ الإضافة 25 July, 2023 الزيارات : 7610

8- ورثة الفردوس

الخاتمة مع قول الله تعالى:

أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْفِيهَا خَالِدُونَ

أي أولئك المتصفون بهذه الصفات الحميدة وهي :

1- الإيمان: وهو التصديق بالله ورسله واليوم الآخر.

2- الخشوع في الصلاة: وهو الخضوع والتذلل لله والخوف من الله تعالى، ومحله القلب، فإذا خشع القلب خشعت الجوارح كلها لخشوعه.

3- الإعراض عن اللغو: أي الباطل، وهو الشرك والمعاصي كلها، وكل ما لا حاجة فيه وما لا يعني الإنسان، وإن كان مباحا.

4- أداء الزكاة المالية المفروضة.

5- حفظ الفرج، والتعفف من الحرام كالزنا والشذوذ.

6- أداء الأمانة ورعاية العهد والعقد: ومعنى الأمانة أو العهد يجمع كل ما يحمّله الإنسان من أمر دينه ودنياه، قولا وفعلا، وهذا يشمل معاشرة الناس والوعود وغير ذلك. والأمانة أعم من العهد، وكل عهد فهو أمانة فيما فيه قول أو فعل أو معتقد.

7- المحافظة على الصلاة: بإقامتها والمبادرة إليها أوائل أوقاتها، وإتمام ركوعها وسجودها.

فمن عمل بما ذكر في هذه الآيات، فهم الوارثون الذين يرثون جنات الفردوس، الماكثون فيها أبدا على الدوام.

وفي الصحيحين أن رسول اللهقال: “إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس، فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة، ومنه تفجر أنهار الجنة، وفوقه عرش الرحمن

وعن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله : ما منكم من أحد إلا وله منزلان: منزل في الجنة ومنزل في النار، فإن ماتفدخل النار وَرثَ أهل الجنة منزله، فذلك قوله: ” أُولَئِكَ هُمُالْوَارِثُونَ .قال الألباني إسناده صحيح على شرط الشيخين

فالمؤمنونيرثون منازل الكفار؛ لأنهم خلقوا لعبادة الله تعالى، فلما قام هؤلاءالمؤمنون بما وجب عليهم من العبادة، وترَكَ أولئك ما أمرُوا به مما خُلقواله -أحرزَ هؤلاء نصيب أولئك لو كانوا أطاعوا ربهم عز وجل.

وصف نعيم أهل الجنة :

إنالحديث عن الجنة يسوق النفوس إلى رحاب الملك القدوس ،الجنة هي دار النعيموالجزاء الجزيل الذي أعده الله لأهل طاعته ، وهي نعيم كامل لا يشوبه نقصولا يعكر صفوه كدر ،لا نكد فيها ولا خصام ،لا مرض ولا أسقام،لا هم ولا غم ولا حزن ولا تعب ولا نوم  .

أحزان قلبي لا تزول       حتى أبشر بالقبول

وأرى كتابي باليمين        وتقر عيني بالرسول

قيل للإمام أحمد متى الراحة ؟ قال عند وضع أول قدم في الجنة .

يقول جل وعلا: “إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً * وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا * قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً * عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً * إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراًالإنسان:5-22

وفي الصحيحين عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال: قال الله عزَّ وجلَّ: أعْدَدْتُ لعبادي الصالحينَ مَا لاَ عَيْنٌ رأتْ ولاأذنٌ سمعتْ ولا خطرَ على قلب بَشَر. وأقْرَؤوا إن شئتُم فَلاَ تَعْلَمُنَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْيَعْمَلُونَالسجدة: 17

فيا أيها المشتاقون ..مهما كان جمال الوصف فلا يعدُّ شيئاً بجانب الحقيقة الساطعة التي طبعها الله الجنة عليها لأنَّ الله تعالى إنما وصفها لنا على قدر عقولنا ، وصوّرها على حسب تصورنا وفهمنا.

يقول ابن القيم رحمه الله : وكيف يقدر العقل القاصر الضعيف قدر جنةٍ غرسها الرحمن بيده ، وجعلها جزاءً لأحبابه ، وملأها برضوانه ورحمته ، وزيَّنها وأتقنها بعظيم قدرته ، ووصف نعيمها بالفوز العظيم ، ووصف مُلكها بالمُلك الكبير ، قال الله : ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً ، عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً ﴾

والله إنه لنعيمٌ لا يستطيع الخيال له تصويرا ، ولا يستطيع اللسان عنه تعبيرا .

وذكر النبي صلى الله عليه وسلم الجنة يوماً لأصحابه فقال: ” هيورب الكعبة نور يتلألأ، وريحانة تهتز، ونهر مضطرب، وقصر مشيد، وزوجة حسناءجميلة، وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة، وحلل كثيرة،ثم قال صلى الله عليه وسلم: ألا من مشمر للجنة؟

فقال الصحابة: نحن المشمرون لها يا رسول الله؛ فقال صلى الله عليه وسلم لهم: قولوا إن شاء الله عز وجل” أخرجهابن ماجةمن حديثأسامة بن زيدرضي الله عنهما

وقالأبو هريرة : قلنا: يا رسول الله! حدثنا عن الجنة ما بناؤها؟

فقال صلى الله عليه وسلم: ” لبنة من ذهب، ولبنة من فضة ملاطها المسك ( أي مونتها) ، وحصباؤها (الحصى) اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران ، من دخلها ينعم ولايبأس، ويخلد ولا يموت، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه” أخرجهأحمد

وحدَّث الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه يوماً فقال :  ( بينما أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر ، قلت لمن هذا القصر ؟! قالوا : لعمر بن الخطاب ، فذكرت غيرتك يا عمر فوليت مدبراً ) .. فبكى عمر رضي الله عنه وقال : أعليك أغار يا رسول الله !! رواه البخاري

صفة أهل الجنة :

عنأبي هريرة رضي الله عنه أيضاً، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

” إنأول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر في ليلة البدر، ثم الذين يلونهم علىأشد كوكب دري في السماء إضاءة، لا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون ولايتفلون – لا مخاط ولا تفل –  أمشاطهم الذهب والفضة ، ورشحهم المسك،وأزواجهم من الحور العين، على صورة أبيهم آدم، ستون ذارعاً في السماء”رواه البخاري ومسلم

)لا يبولون ولا يتغوطون( لا بول ولا غائط في الجنة

وفي رواية الإمام البيهقي أنه قال: “جمالهم كجمال يوسف، وقلبهم كقلب أيوب”جمال أهل الجنة كجمال يوسف، وقلوب أهل الجنة على قلب أيوب الصابر الذي صبر على قضاء الله وقدره.

طعامهم وشرابهم ولباسهم :

قال تعالى : “وَالسَّابِقُونَالسَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ * عَلَى سُرُرٍمَوْضُونَةٍ * مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ * يَطُوفُ عَلَيْهِمْوِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِمَّايَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ * جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً * إِلَّا قِيلاً سَلاماًسَلاماً * وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍمَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ * وَفُرُشٍمَرْفُوعَةٍ * إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّأَبْكَاراً * عُرُباً أَتْرَاباً * لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ * ثُلَّةٌ مِنَالْأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ“الواقعة:10-40

أما لباسهم: “وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌفاطر:33.

وهم يأكلون ما يشاءون ولا يتخمون أبدا بل إذا أكل الإنسان منهم وأراد أنيأكل غير ذلك أخرج ما أكل رشحا يرشحه ، عرقا يعرقه لا بول ولا غائط وإنما عرق رائحتهكرائحة المسك بفضل الله ورحمته وكرمه سبحانه وتعالى .

عن جابر رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال: “إنأهل الجنةِ يَأكلُون فيها ويشْرَبُون ولا يتفُلُون ولا يبُولونَ ولايَتَغَوَّطونَ ولا يمْتَخِطون، قالوا: فما بالُ الطعام؟ قال: جُشاءٌورَشْحٌ كَرشحِ المسكِ يُلْهَمُونَ التسبيحَ والتحميدَ كما يُلْهَمُونَالنَّفس”

وعن زيدِ بن أرقمَ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: « والذي نفسُ محمدٍ بيدِه إن أحدَهُمْ (يعني أهل الجنةِ) ليُعْطَى قوةَمائةِ رجلٍ في الأكل والشرب والجماعِ والشهوةِ، تكون حاجةُ أحدهم رَشْحاًيفيض مِنْ جلودهم كرشْحِ المسْكِ فَيَضْمُر بطنه » أخرجه أحمد والنسائي.

وعن أبي سعيد رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قالَ: « إذا دخل أهل الجنةِ الجنة ينادِي منادٍ: إن لكمْ أنّ تَصِحُّوا فلاتَسْقموا أبداً وإن لكم أن تَحْيَوْا فلا تموتوا أبداً، وإنَّ لكم أنتشِبُّوا فلا تَهرموا أبداًوإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً، وذلك قولُالله عز وجل: ” وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَاكُنتُمْ تَعْمَلُونَالأعراف:43

صفة أزواج أهل الجنة:

قال تعالى : “فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِالرحمن:70-78

وقال تعالى : “إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءًفَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً عُرُباً أَتْرَاباًلأَصْحَابِ الْيَمِينِثُلَّةٌ مِنْ الأَوَّلِينَوَثُلَّةٌ مِنْ الآخِرِينَالواقعة:38-40

“إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءًيعنى إذا ماتت المؤمنة وهي عجوز ترجع إلى سن الشباب، جميلة وحسناء في سن ثلاثة وثلاثين .

“فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراًإذا جامعتها ألف مرة وجدتها بكراً في كل مرة.

“عُرُباً أَتْرَاباً”عرباً: جمع عروب، والعروب: هي المرأة التي تتفنن في كلمات الحب والعشقوالغرام لزوجها و”أَتْرَاباً” يعني في سن واحدة

وعن أنس رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال: لقاب قوسِ أحدِكم أو موضعِ قدمٍ في الجنة خيرٌ من الدنيا وما فيهَا، ولَوْأنَّ امرأةً من نساءِ الجنة اطلعتْ إلى الأرض لأضاءت ما بيْنَهُمَا ولملأتما بينهما ريحاً ولنَصِيِفُها (يعني الخمارَ) خيرٌ من الدنيا وما فيهارواه البخاري.

بعض القصص عن السلف :

يروى عن ثابت أنه قال : كان أبي من القوّامين لله في سواد الليل.. يقول أبوه : رأيت ذات ليلة في منامي امرأة لا تشبه النساء ، فقلت لها : من أنت يا أمة الله ؟!

قالت : أنا حوراء من حور الجنة .

فقلت : زوجيني نفسك .

فقالت: اخطبني من عند ربي وادفع مهري.

فقلت : وما مهرك ؟!

فقالت : مهري طول التهجد ، والقيام في الظلام.

فقالت : مهري طول التهجد ، والقيام في الظلام .

ولله در من قال :

يا خاطب الحور في خدرها*** وطالباً ذاك على قدرها

انهض بجدٍ لا تكن وانياً*** وجاهد النفس على صبرها

وقم إذا الليل بدا وجهه*** وصم نهاراً فهو من مهرها

فلو رأت عيناك إقبالها*** وقد وبدت رمانتا صدرها

وهي تمشي بين أترابها*** وعقدها يشرق في نحرها

لهان في نفسك هذا الذي*** تراه في دنياك من زهرها

وقال مالك بن دينار : كان لي أحزاب أقرؤها كل ليلة ، فنمت ذات ليلة فإذا أنا في المنام بجارية ذات حسن وجمال وبيدها رقعة ، فقالت : أتحسن أن تقرأ ؟..

فقلت : نعم ، فدفعت إلي الرقعة ، فإذا مكتوب فيها هذه الأبيات :

لهاك النوم عن طلب الأماني *** وعن تلك الأوانس في الجنان

تعيش مخلداً لا موت فيها*** وتلهو في الخيام مع الحسان

تنبّه من منامك إن خيراً*** من النوم التهجد بالقرآن

لهذا كله بادر المبادرون، وتنافس المتنافسون يوم سمعوا بما سمعوا من هذا الوصف، ماذا كان منهم ؟أحدهم قال: لأشترين حورية من الحور العين بثلاثين ختمة للقرآن في قيام الليل ، وجد الرجل حتى بلغ تسعاً وعشرين ختمة فغلبه النوم في آخرها ، فنام فرأى حوراء من حوريات الجنة ذات حسن وجمال وبيدها رقعة ، فقالت : أتحسن أن تقرأ ؟..

فقال : نعم ، فدفعت إليه الرقعة ، فإذا مكتوب فيها هذه الأبيات :

أتخطُبُ مثْلِي وعنِّي تَنَامُ     ونومُ المُحبِّينَ عنِّي حَرَام

لأنا خُلِقْنَا لكلِّ امرئٍ     كَثيرِ الصلاةِ كثيرِ القِيام

فقام بعدها، وأكمل ذلك واجتهد لإتمام ما عزم عليه .

وأبو سليمان الداراني -عليه رحمة الله- نام ليلة من الليالي، وهو عابد زاهد يقول : فرأيت -فيما يرى النائم- كأن حورية جاءتني، وقالت: ما هكذا يفعل الصالحون يا أبا سليمان ؟! أتنام وأنا أربى لك في الخدور من خمسمائة عام؟!لا إله إلا الله! فما نام بعدها إلا قليلاً.

أدنى أهل الجنة منزلة وآخر من يدخلها:

عنالمغيرة بن شعبةرضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سألموسى بن عمران عليه السلام ربه جل وعلا وقال: يا رب! ما أدنى -أي: من أقلأهل الجنة منزلة؟

فقال له رب العزة جل وعلا: أدنى الناس منزلة في الجنة ياموسى رجل يأتي بعدما يدخل أهل الجنة الجنة, فيقال له: ادخل الجنة, فيقولالعبد لربه: يا رب! كيف أدخل الجنة وقد أخذ الناس أماكنهم وأخذاتهم, لقدوجدتها ملأى!!!!

فيقول الله عز وجل له: أترضى أن يكون لك مثل ملك من ملوكالدنيا؟ فيقول: رضيت يا رب, فيقول الله عز وجل له: لك ذلك وعشرة أمثال ذلكمعك, ولك ما اشتهت نفسك، ولذت عينك, يقول موسى: يا رب! فهذا أدنى أهل الجنةمنزلة، فكيف يكون حال أعلاهم منزلة؟

فقال الله جل وعلا: يا موسى! أولئكالذين غرست كرامتهم بيدي، وختمت عليها فلم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطرعلى قلب بشر) صحيح مسلم

آخر الناس دخولاً الجنة:

عنعبد الله بن مسعودرضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (إن آخر رجل يدخل الجنة رجل يمشي على الصراط مرة ويكبو مرة، وتسفعه النار مرة, حتى إذا ما جاوز الصراطنظر إلى خلفه -أي: إلى للنار- وقال لها: تبارك الذي نجاني منك, الحمد للهالذي أعطاني ما لم يعط أحداً من الأولين والآخرين من خلقه!!!

فيرفع الله له شجرة غرسها الله بيديه, وهنا يقول العبد: أدنني منها -قربني من هذه الشجرة- أستظل بظلها وأشرب من مائها؟

فيقول اللهجل وعلا: عبدي فهلاّ إن أعطيتكها -أي: إن أعطيتك وقربتك إلى هذه الشجرة- هلستسألني شيئاً غير ذلك؟

يقول: لا يا رب لا أسألك غير ذلك أبداً, لقدنجيتني من النار، وسوف تقربني إلى هذه الشجرة أستظل بظلها، وأشرب من مائها،لا أسألك شيئاً بعد ذاك،

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: وربه يعذره؛لأنه يرى ما لا صبر له عليه, فيقربه الله من الشجرة, فيستظل العبد بظلها،ويشرب من مائها,

فيرفع الله له شجرة هي أحسن من الأولى، فيقولالعبد بعد فترة: يا رب! فيقول الله جل وعلا: ماذا تريد يا عبدي؟ فيقول: يارب أدنني من هذه الشجرة, أستظل بظلها وأشرب من مائها؟

فيقول الله جل وعلا: عبدي ألم تعط العهود والمواثيق ألا تسأل غير الذي سألت؟فيقول: وعزتك لا أسألك غير هذا، قربني من هذه ولن أسأل بعد ذلك, فيقربهالله عز وجل؛ لأنه يرى ما لا صبر له عليه, فيمكث العبد تحت هذه الشجرةالثانية،

وبعد فترة يرفع الله له شجرة على باب الجنة, فينظر إليها ويقول: يا رب! أدنني من هذه الشجرة أستظل بظلها وأشرب من مائها؟

فيقول الله جلوعلا: عبدي ألم تعط العهود والمواثيق ألا تسأل غير الذي سألت؟فيقول: وعزتك لا أسأل غير هذا, فيقربه الله عز وجل؛ لأنه يرى ما لا صبر لهعليه, فإذا ما جاء العبد تحت هذه الشجرة التي هي على باب الجنة, استمع إلىأصوات أهل الجنة قال: يا رب! أدخلني الجنة -أتدرون ماذا يقول له رب العزة؟يقول له رب العزة جل وعلا: عبدي ما الذي يرضيك مني؟ أترضى أن أعطيك الدنياومثلها معها؟ فينظر العبد إلى الرب جل وعلا ويقول: أتهزأ بي وأنت ربالعالمين؟ فيضحكعبد الله بن مسعودويقول للصحابة: لماذا لا تسألوني عن سبب الضحك؟! فيقولون له: مم تضحك؟ فيقولابن مسعود : أضحك لضحك رسول الله!!!

حدث النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث فضحكفسأله الصحابة: مم تضحك يا رسول الله؟ قال: أضحك لضحك رب العزة( لأن العبدحينما يقول لربنا: أتهزأ بي وأنت رب العالمين؟! يضحك الله من عبده ويقول: (إني لا أستهزئ بك ولكني على ما أشاء قادر) صحيح مسلم

رؤية الله في الجنة:

إن نعيم الجنة الحقيقي ليس في طعامها ، ولا في ثمرها، ولا في حريرها،ولا في عسلها، ولا في بنائها، ولا في قصورها، ولا في حورها، ولكن نعيمالجنة الحقيقي في رؤية وجه الله الكريم : “وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌالقيامة:22-23

ولِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌيونس:26

والحسنى: هي الجنة، والزيادة: هي التمتع بالنظر إلى وجه رب الجنة جل وعلا, هذه هي غاية المنى، وهذا هو غاية المراد، أن نتمتع بالنظر إلى وجه 

الكريم عز وجل, والحديث رواهأكثر من عشرين صحابياً فيالصحيحينوغيرهما.

عنصهيب الروميرضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذادخل أهل الجنة الجنة ينادي عليهم رب العزة جل وعلا ويقول: يا أهل الجنة! هل أزيدكم شيئاً؟ فيقول أهل الجنة: يا رب! وأي شيء تزيدنا؟ ألم تبيضوجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة؟ ألم تنجنا من النار؟ فيكشف الحجاب فما أعطواشيئاً أعظم من النظر إلى وجه الله الكريم

وفي حديث آخر عنأبي سعيد الخدريرضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذاما دخل أهل الجنة الجنة نادى عليهم رب العزة جل وعلا وقال: يا أهل الجنة! يا أهل الجنة! فيقول أهل الجنة: لبيك ربنا وسعديك، والخير كله في يديك.

فيقول لهم ربنا: يا أهل الجنة! إني قد رضيت عنكم فهل رضيتم عني؟ فيقولون: سبحانك ربنا وما لنا لا نرضى وقد أدخلتنا الجنة, وبيضت وجوهنا، ونجيتنا منالنار؟

فيقول الله جل وعلا: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟

فيقول أهل الجنة: وأيشيء أفضل من ذلك يا ربنا؟

 

فيقول الله جل وعلا: أحل عليكم رضواني فلا أسخطعليكم بعده أبداً) أخرجه البخاريومسلم

فأعظم نعيم الجنة هو أن نتمتع بالنظر إلى وجه الله عزوجل؛ لأن الله سبحانه سيكلمنا ليس بيننا وبينه ترجمان

عنعدي بن حاتمأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مامنكم من أحد إلا سيكلمه ربه يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان، فينظرالعبد أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم, وينظر العبد أشأم منه فلا يرى إلا ماقدم, وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه, فاتقوا النار ولو بشقتمرةصحيح البخاري

ومن دعائه صلى الله عليه وسلم : ( اللهم إني أسألك لذة النظر إلى وجهك ، والشوق إلى لقاءك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة ) ..

اللهم لا تحرمنا لقاءك ، والنظر إلى وجهك يا رب العالمين..

فهذا هو أعظم النعيم .. وإنَّ أعظم العذاب في النار حرمانهم من النظر إلى وجه الله الكريم ﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ﴾ ..

هذا هو أقسى عذابهم ..كما أنَّ أعظم نعيم هو رؤيته جل جلاله .

هذه هي الجنة، والحديث عن الجنة يطولوهذا كلهما هو إلا تقريب للمعاني .

ويعجبني الكلام الذي قاله الشيخ الشعراوي ، حينما استقبل في قصر من قصور الضيافة فيأمريكا، وانبهر الناس من حوله بهذا البناء والإعداد،فقال لهم هذا العالم: هذا إعداد البشرللبشر، فما بالكم بإعداد رب البشر, ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطرعلى قلب بشر.

وصدقعلي بن أبي طالب رضي الله عنه حينما قال:


واعمل لدار غد رضوان خازنها        والجار أحمد والرحمن بانيها

قصورها ذهب والمسك طينتها    والزعفران حشيش نابت فيها

أنهارها عسل مصفى ومن لبن         والخمر يجري رحيقاً في مجاريها

والطير تجري على الأغصان          عاكفةتسبح الله جهراً في مغانيها

فمن يشتري الدار في الفردوس      يعمرهـابركعة في ظلام الليل يخفيها

 

اللَّهُمَّارزقنا الخُلْدَ في جنانِك، وأحِلَّ علينا فيها رضوانَك، وارزقْنا لَذَّةالنظرِ إلى وجهك والشوقَ إلى لقائك من غيرِ ضرَّاءَ مُضِرَّة ولا فتنةٍمُضلةٍ ،اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل،اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل..


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 14 May, 2024 عدد الزوار : 989 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن العظيم

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

أحدث المقالات

“لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ… “

حقوق آل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم-

فضل الصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم

الرد المبين على منكري سنة النبي الأمين

ماذا كتب مايكل هارت عن الرسول في كتابه الخالدون مئة؟

قدر الحبيب النبي عند الرب العلي

لماذا نحتفل بميلاد الرسول ؟

محمد النبي الإنسان

يا محب الرسول عليك بخمسة أمور

“وإنك لعلى خلق عظيم”

الرسول صلى الله عليه وسلم كأنك تراه

جوانب العظمة في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم-

الرسول القدوة

شمس محمد تسطع على العالم محمد الغزالي

مرافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة

كيف ربى الرسول أتباعه على العزة والكرامة

بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ

الاشتياق إلى النبي للشيخ محمد المنجد

أنت مع من أحببت

ما الحكمة في أن رسول الله كان أميا ؟

كيف ربى الرسول أصحابه ؟

شرح حديث “ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان”

سبيل الوصول إلى محبة الرسول

خصائص رسالة النبي صلى الله عليه وسلم

وسراجا منيرا

وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ

خصائص النبي محاضرة للشيخ المنجد

 (24) Towards Salvation of the Heart. Part (3)