فقه الصلاة : 49- العدد الذي تنعقد به الجمعة

تاريخ الإضافة 10 أكتوبر, 2023 الزيارات : 12637

فقه الصلاة : 49- العدد الذي تنعقد به الجمعة

الجماعة شرط لصحة الجمعة :

لا خلاف بين العلماء في أن الجماعة شرط من شروط صحة الجمعة ،

لحديث طارق بن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة ) صححه الألباني

واختلفوا في العدد الذي تنعقد به الجمعة إلى خمسة عشر مذهبا ذكرها الحافظ في الفتح ،وأشهرها خمسة أقوال نذكرها على النحو التالي :

العدد الذي تقام به الجمعة:

اختلف أهل العلم في أقل عدد من أهل البلد المستوطنين يمكن به إقامة صلاة الجمعة على أقوال كثيرة أشهرها ما يلي:

1. أنها تنعقد بأربعين رجلاً وهو مذهب الشافعية ومشهور مذهب الحنابلة.

ودليلهم : عن عبدالرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه أنه كان إذا سمع النداء يوم الجمعة ترحم لأسعد بن زرارة فقلت له: إذا سمعت النداء ترحمت لأسعد بن زرارة، قال : “لأنه أول من جمّع بنا في هزم النّبيت من حرة بني بياضة في نقيع يقال له: نقيع الخضمات، قلت: كم أنتم يومئذ ؟ قال : أربعون”رواه أبو داود

 

وجه الدلالة : أن أول صلاتهم الجمعة كان وعددهم أربعون  فدل على أن ذلك هو أقل عدد تصح به الجمعة.

2. أنها تنعقد باثني عشر رجلاً وهو مذهب  المالكية.

ودليلهم:عن جابر رضي الله عنه قال: “بينما نحن نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبلت عير تحمل طعاماً فالتفتوا إليها حتى ما بقي مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلاً فنزلت الآية {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًاَ}”رواه البخاري

وجه الدلالة: أنه أقل عدد ثبت لدينا إقامة الجمعة بوجوده فقد استمر صلى الله عليه وسلم وليس معه إلا اثنا عشر رجلاً، وما يشترط للابتداء يشترط للاستدامة. 

3. أنها تنعقد بأربعة ، وهذا مذهب الحنفية، ورواية عند الحنابلة

واستدلوا بما يلي : قال اللَّه تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر اللَّه وذروا البيع…} الآية

وجه الدلالة: أن ما ذكر في الآية يقتضي منادياً وذاكراً وهو المؤذن والإمام والاثنان يسعون لأن قوله: “فاسعوا” لا يتناول إلا المثنى، ثم مادون الثلاث ليس بجمع متفق عليه فإن أهل اللغة فصلوا بين التثنية والجمع، فالمثنى وإن كان فيه معنى الجمع من وجه فليس بجمع مطلق واشتراط الجماعة ثابت مطلقاً.

ويناقش: بأن الخطاب في الآية لعموم المؤمنين بوجوب إقامة صلاة الجمعة إذا نودي لها، وأقل ما تتجه له صيغة الخطاب في الآية هم الثلاثة لأنهم أقل الجمع فتنعقد الجمعة بثلاثة لأنهم أقل الجمع.

الدليل الثاني:عن أم عبد اللَّه الدوسية قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ” الجمعة واجبة على كل قرية وإن لم يكن فيها إلاَّ أربعة “

وجه الدلالة: أن هذا الحديث أثبت أن الجمعة تقام في القرية وإن لم يكن فيها إلاَّ أربعة، وهذا يدل على أن أقل عدد تنعقد به الجمعة هو أربعة وأن ما كان أقل من ذلك فإنه لا تنعقد به الجمعة.

و هذا الحديث لا يجوز الاحتجاج به لأن فيه معاوية بن يحيى ومعاوية بن سعيد وهما مجهولان.

4-أنها تنعقد باثنين فما فوق ، وهذا مذهب ابن حزم والشوكاني :

قال ابن حزم: إن الاثنين جماعة فيحصل الاجتماع، ومن المعلوم أن صلاة الجماعة في غير الجمعة تنعقد باثنين بالاتفاق، والجمعة كسائر الصلوات فمن ادعى خروجها عن بقية الصلوات، وأن جماعتها لابد فيها من ثلاثة فعليه الدليل”و أما حجتنا فهي ما قد ذكرناه قبل من حديث مالك بن الحويرث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له : ” إذا سافرتما فأذنا و أقيما ، و ليؤمكما أكبركما “، فجعل عليه السلام للاثنين حكم الجماعة في الصلاة … “

وقال الشوكاني في النيل : ” و اعلم أنه لا مستند لاشتراط ثمانين أو ثلاثين أو عشرين أو تسعة أو سبعة ، كما أنه لا مستند لصحتها من الواحد المنفرد ، و أما من قال أنها تصح باثنين فاستدل بأن العدد واجب بالحديث و الإجماع ، و رأى أنه لم يثبت دليل على اشتراط عدد مخصوص ، و قد صحت الجماعة في سائر الصلوات باثنين ، و لا فرق بينها و بين الجماعة ، و لم يأت نص من رسول الله صلى الله عليه و سلم بأن الجمعة لا تنعقد إلا بكذا، و هذا القول هو الراجح عندي…”.

5- أنها تنعقد بثلاثة رجال وهو رواية عند الحنابلة ، وقول أبي يوسف من الحنفية، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.

دليلهم : قال اللَّه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ..}  الآية.

وصيغة الجمع في قوله {فَاسْعَوْا} يدخل فيها الثلاثة، فيكون الثلاثة مأمورون بالسعي إلى صلاة الجمعة وهذا يدل على أنها تنعقد بهم. وإنما قلنا ثلاثة ولم نقل اثنين حتى يتقدم الإمام عليهما ، وفي الجماعة معنى الاجتماع، وذلك لا يتحقق إلا باثنين من الحضور على الأقل.

وعن أبي الدرداء رضي اللَّه عنه قال: سمعت رسول اللَّه يقول: “ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية”. أبو داود

أما حديث كعب ابن مالك فقد حصل ذلك الرقم اتفاقاً وليس في الأثر أنهم أمروا أن لا يقيموا الجمعة إلا باكتمالهم أربعين رجلاً.

و قال ابن تيمية في الاختيارات :” و تنعقد الجمعة بثلاثة ، واحد يخطب و اثنان يستمعان ، و هو إحدى الروايات عن أحمد ، و قول طائفة من العلماء.
و قوى ابن عثيمين مذهب أهل الظاهر و قال : لكن ما ذهب إليه شيخ الإسلام أصح ، إذ لابد من جماعة تستمع ، و أقلها اثنان ، و الخطيب هو الثالث ، و حديث أبي الدرداء يؤيد ما قاله الشيخ.

وقد أفتت بذلك اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية “من كان مقيماً مثلكم إقامة تمنع قصر الصلاة في السفر فعليه إقامة صلاة الجمعة على الصحيح من أقوال العلماء، ولا يشترط لوجوبها ولا لصحتها أن يكون العدد أربعين رجلاً، بل يكفي أن يكونوا ثلاثة فأكثر، من الرجال المستوطنين، على الصحيح أيضاً من أقوال العلماء؛ لعموم قوله تعالى‏:‏ ‏‏{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}، وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين» رواه مسلم‏.‏ وغير المستوطنين من المقيمين إقامة تمنع القصر تلزمهم الجمعة تبعاً لغيرهم من المستوطنين‏”. (فتاوى اللجنة الدائمة 2/211)

 

الترجيح:

بعد الإطلاع على هذه المسألة والنظر في الأقوال الواردة فيها ومعرفة أدلة هذه الأقوال، ومناقشة ما يحتاج إلى مناقشة من هذه الأدلة تبين لي – واللَّه أعلم بالصواب- أن القول الراجح هو القول الأخير وهو أن الجمعة تنعقد بثلاثة رجال فإذا وجد ثلاثة رجال من أهل الجمعة صحت إقامة صلاة الجمعة في المكان الذي يقيمون به. وذلك لقوة أدلته ؛ ولأن هذا العدد أقل الجمع الذي يمكن أن يحصل به اجتماع، خاصة حينما يتقدم الإمام للخطبة والصلاة فيكون خلفه اثنان وبالتالي تكتمل الجماعة ويحصل الاجتماع، ويليه في القوة المذهب الرابع أنها تنعقد باثنين فما فوق لتشابه الأدلة .

مكان الجمعة :

الجمعة يصح أداؤها في المصر(البلد) والقرية والمسجد وأبنية البلد والفضاء التابع لها ، كما يصح أداؤها في أكثر من موضع ؛ فقد كتب عمر رضي الله عنه إلى أهل البحرين : ( أن جمعوا حيثما كنتم ) . رواه ابن أبي شيبة ، وقال أحمد : إسناده جيد . وهذا يشمل المدن والقرى .

وقال ابن عباس : ( إن أول جمعة جمعت في الإسلام بعد جمعة جمعت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة لجمعة جمعت ب ( جوائى ) : قرية من قرى البحرين ) . رواه البخاري وأبو داود .

وعن الليث بن سعد أن أهل مصر وسواحلها كانوا يجمعون على عهد عمر وعثمان بأمرهما وفيها رجال من الصحابة .

وعن ابن عمر أنه كان يرى أهل المياه بين مكة والمدينة يجمعون فلا يعتب عليهم . رواه عبد الرزاق بسند صحيح .

هل يشترط المسجد ؟
قال في عون المعبود : ” و ذهب البعض إلى اشتراط المسجد ، قال : لأنها لم تُقم إلا فيه .
و قال أبو حنيفة و الشافعي و سائر العلماء إنه غير شرط ، و هو قوي إن صحت صلاته صلى الله عليه و آله و سلم في بطن الوادي ، و قد روى صلاته صلى الله عليه و آله و سلم في بطن الوادي ابن سعد و أهل السير ، و لو سُلم عدم صحة ذلك لم يدل فعلها في المسجد على اشتراطه “.

 

و قال ابن قدامة : ” و لا يشترط لصحة الجمعة إقامتها في البنيان ، و يجوز إقامتها فيما قاربه من الصحراء ، و بهذا قال أبو حنيفة ، و قال الشافعي : لا تجوز في غير البنيان ، لأنه بوضع يجوز لأهل المِصْر قصر الصلاة فيه ، فأشبه البعيد ، و لنا أن مصعب بن عمير جمَّع بالأنصار في هَزْم النَّبيت في نقيع الخضمات (والنقيع بطن من الأرض يستنقع فيه الماء مُدَّة ، فإذا نضب الماء نبت الكلأ) و لأنه موضع لصلاة العيد فجازت فيه الجمعة ، كالجامع ، و لأن الجمعة صلاة عيد ، فجازت في المصلى كصلاة الأضحى ، و لأن الأصل عدم اشتراط ذلك ، و لا نصَّ في اشتراطه ، و لا معنى نصًّ فلا يشترط ” .

صلاة الجمعة مرتين في مسجد واحد :
الأصل في الجمعة عدمُ التعدد في المحلة الواحدة، فضلًا عن المسجد الواحد، إذ المقصود بالجمعة اجتماع المؤمنين كلهم، وموعظتهم، وأكمل وجوه ذلك أن يكون في مكان واحد لتجتمع كلمتهم، وتحصل الألفة بينهم، ولهذا كان الأصل ألا تتعدد الجمع إلا لعذر شرعي، كبعد مسافة على بعض من تجب عليهم، أو لضيق المسجد الأول الذي تقام فيه عن استيعاب جميع المصلين، أو نحو ذلك مما يصلح مسوغًا لإقامة الجمعة.
ولما كانت الحاجة في الغرب ماسة إلى مثل هذا التعدد في كثير من الأماكن، وكان اعتبار الحاجات أمرًا مقررًا في الجملة عند علماء المذاهب المتبوعة جميعًا أمكن القول بأن هذا التعدد عندما تدعو الضرورة إليه مما تتسع له أصول المذاهب جميعًا، ولكن لا يكون التعدد لمجرد الترفه ، أو لاعتبارات مذهبية أو حزبية، وليس لتلبية ضرورة، ولا حاجة معتبرة.


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 278 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم