هكذا حج الصالحون

تاريخ الإضافة 24 مايو, 2024 الزيارات : 6544

           مواقف وكلمات لبعض السلف في الحج 

للصالحين في الحج أحوالاً زكية وسيرا عطرة، وقد كانت تمر عليّ آثار أجدني مضطرا للوقوف عندها طويلا معجبا ومندهشا مما فيها من قوة في العبادة وصدق في الالتجاء والانطراح بين يدي الرب سبحانه وتعالى ، ومن صفاء أرواح تستشعر قربها من الله في هذه الشعيرة العظيمة.

كان عمر بن الخطاب يجعل من الحج فرصة للقيا عماله ومحاسبتهم قال عطاء بن أبي رباح: كان عمر يكتب إلى عماله أن يوافوه بالموسم فإذا اجتمعوا قام فقال: أيها الناس إني استعملت عليكم عمالي هؤلاء ولم أستعملهم ليصيبوا من أبشاركم ولا من أموالكم ولا من أعراضكم، ولكن استعملتهم ليحجزوا بينكم… إلى آخر ما قال .

وعن المعرور بن سويد قال: خرجنا حجاجا مع عمر بن الخطاب فعرض لنا في بعض الطريق مسجد فابتدره الناس يصلون فيه، فقال عمر: ما شأنهم؟ فقالوا: هذا مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال

عمر: أيها الناس إنما هلك من كان قبلكم باتباعهم مثل هذا حتى أحدثوها بيعا، فمن عرضت له فيه صلاة فليصل، ومن لم تعرض له فيه صلاة فليمض.

و قبل عمر بن الخطاب الحجر ثم قال: أما والله لقد علمت أنك حجر، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك.أخرجه البخاري

و كان عامر بن عبد قيس التميمي إذا أراد الحج وقف يتوسم الرفاق ، فإذا رأى فئة قال : يا هؤلاء .. إني أريد أن أصحبكم على أن تعطوني من أنفسكم ثلاث خلال ، فيقولون : ما هي؟! قال : أكون لكم خادما لا ينازعني أحد في الخدمة ، وأكون مؤذنا لا ينازعني أحد في الأذان ، وأنفق عليكم بقدر طاقتي ، فإذا قالوا نعم انضم إليهم ، فإن نازعه أحد منهم شيئا من ذلك بحث عن غيرهم.

– وقدم المهدي مكة وسفيان الثوري بمكة، فدعاه فقال له سفيان – وقد رأى ما قد هيأه للحج -: ما هذه الفساطيط؟ ما هذه السرادقات؟اتق الله وأعلم أن عمر بن الخطاب حج فأنفق ستة عشر دينارا، وفي رواية: فسأل كم أنفقنا في حجتنا هذه؟ فقيل: كذا وكذا دينارًا – ذكر شيئا يسيرا – فقال: لقد أسرفنا.

– وقال سفيان الثوري:أدخلت على المهدي بمنى فقلت له: اتق الله فإنما أنزلت هذه المنزلة، وصرت في هذا الموضع بسيوف المهاجرين والأنصار؛ وأبناؤهم يموتون جوعا، حج عمر بن الخطاب فما أنفق إلا خمسة عشر دينارا، وكان ينزل تحت الشجر فقال لي: أتريد أن أكون مثلك؟ قلت: لا تكن مثلي، ولكن كن دون ما أنت فيه، وفوق ما أنا فيه! فقال لي: اخرج.

– وعن طلق بن حبيب قال: قال عمر:يا أهل مكة اتقوا الله في حرم الله ! أتدرون من كان ساكن هذا البيت؟ كان به بنو فلان فأحلوا حرمته فهلكوا، وكان به بنو فلان فأحلوا حرمته فهلكوا، حتى ذكر ما شاء الله من قبائل العرب أن يذكر ثم قال: لأن أعمل عشر خطايا بغيره أحب إلي من أن أعمل واحدة بمكة.

و سئل الحسن البصري رحمه الله تعالى: ما الحج المبرور؟ قال: أن تعود زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة.

– وقال سفيان بن عيينة:حج علي بن الحسين رضي الله عنهما فلما أحرم واستوت به راحلته اصفر لونه وانتفض ووقعت عليه الرعدة ولم يستطع أن يلبي، فقيل له: لم لا تلبي؟ فقال: أخشى أن يقال لي: لا لبيك ولا سعديك. فلما لبى غشي عليه ووقع عن راحلته، فلم يزل يعتريه ذلك حتى قضى حجه.

– وقال الحسن بن عمران– ابن أخي سفيان بن عيينة -: حججت مع عمي سفيان آخر حجة حجها سنة سبع وتسعين ومائة فلما كنا بجمع وصلى استلقى على فراشه، ثم قال: فد وافيت هذا الموضع سبعين عاما أقول في كل سنة: اللهم! لا تجعله آخر العهد من هذا المكان، وإني قد استحييت من الله من كثرة ما أسأل ذلك، فرجع فتوفي في السنة الداخلة يوم السبت أول يوم من رجب سنة ثمان وتسعين ومائة ودفن بالحجون… وتوفي وهو ابن إحدى وتسعين سنة.

– وقال علي بن الموفق: حججت ستين حجة، فلما كان بعد ذلك جلست في الحجر، أفكر في حالي وكثرة تردادي إلى ذلك المكان، ولا أدري هل قبل مني حجي أم رد! ثم نمت فرأيت في منامي قائلا يقول لي: هل تدعو إلى بيتك إلا من تحب! قال: فاستيقظت وقد سرى عني.

وكان عبد الله بن المبارك إذا كان وقت الحج اجتمع إليه إخوانه من أهل مرو فيقولون: نصحبك يا أبا عبد الرحمن، فيقول لهم: هاتوا نفقاتكم، فيأخذ نفقاتهم فيجعلها في صندوق ويقفل عليها، ثم يكتري لهم ويخرجهم من مرو إلى بغداد، ولا يزال ينفق عليهم ويطعمهم أطيب الطعام وأطيب الحلواء، ثم يخرجهم من بغداد بأحسن زي وأكمل مروءة، حتى يصلوا إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا صاروا إلى المدينة قال لكل رجل منهم: ما أمرك عيالك أن تشتري لهم من المدينة من طرفها؟

فيقول: كذا، ثم يخرجهم إلى مكة فإذا وصلوا إلى مكة وقضوا حجهم قال لكل واحد منهم: ما أمرك عيالك أن تشتري لهم من متاع مكة؟

فيقول: كذا وكذا فيشتري لهم، ثم يخرجهم من مكة فلا يزال ينفق عليهم إلى أن يصيروا إلى مرو، فإذا صاروا إلى مرو جصص أبوابهم ودورهم، فإذا كان بعد ثلاثة أيام صنع لهم وليمة وكساهم فإذا أكلوا وشربوا دعا بالصندوق ففتحه، ودفع إلى كل رجل منهم صُرة بعد أن كتب عليها اسمه.

الصالحون… وماء زمزم

– قال ابن عيينة: قال عمر بن الخطاب: اللهم إني أشربه لظمأ يوم القيامة.

– وقال عكرمة: كان ابن عباس رضي الله عنهما إذا شرب من ماء زمزم قال: اللهم علما نافعا، ورزقا واسعا، وشفاء من كل داء.

– قال الحسن بن عيسى: رأيت ابن المبارك دخل زمزم فاستقى دلوا واستقبل البيت ثم قال: اللهم إن عبد الله بن المؤمل حدثني عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ماء زمزم لما شرب له» اللهم أني أشربه لعطش يوم القيامة فشرب.

– وقال أبو بكر محمد بن جعفر سمعت ابن خزيمة وسئل من أين أوتيت هذا العلم؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«ماء زمزم لما شرب له» وإني لما شربت ماء زمزم سألت الله علما نافعا.

– وقال أبو بكربن العربي:ولقد كنت بمكة مقيما في ذي الحجة سنة تسع وثمانين وأربعمائة، وكنت أشرب ماء زمزم كثيرا، وكلما شربته نويت به العلم والإيمان، حتى فتح الله لي بركته في المقدار الذي يسره لي من العلم، ونسيت أن أشربه للعمل، ويا ليتني شربته لهما حتى يفتح الله علي فيهما، ولم يقدر، فكان ميلي إلى العلم أكثر منه إلى العمل، ونسأل الله الحفظ والتوفيق برحمته.

– وقال ابن حجر:واشتهر عن الشافعي الإمام أنه شرب ماءا زمزم للرمي، فكان يصيب من كل عشرة تسعة

ثم قال الحافظ ابن حجر: وأنا شربته مرة وسألت الله – وأنا حينئذ في بداية طلب الحديث – أن يرزقني حالة الذهبي في حفظ الحديث، ثم حججت بعد مدة تقرب من عشرين سنة، وأنا أجد من نفسي المزيد على تلك المرتبة، فسألته رتبة أعلى منها، فأرجو الله أن أنال ذلك.

قال الحميدي: كنا عند سفيان بن عيينة فحدثنا بحديث «ماء زمزم لما شرب له» فقام رجل من المجلس ثم عاد فقال: يا أبا محمد! أليس الحديث الذي قد حدثتنا في زمزم صحيحا؟ فقال: بلى، فقال الرجل: فإني شربت الآن دلوا من زمزم على أن تحدثني بمائة حديث! فقال سفيان: اقعد. فقعد، فحدثه بمائة حديث.

 الصالحون في يوم عرفة

– قال ابن المبارك: جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة، وهو جاث على ركبتيه، وعيناه تهملان، فالتفت إليّ، فقلت له: من أسوأ هذا الجمع حالا؟ قال: الذي يظن أن الله لا يغفر لهم.

– وروي عن الفضيل بن عياض أنه نظر إلى نشيج الناس وبكائهم عشية عرفة، فقال: أرأيتم لو أن هؤلاء صاروا إلى رجل فسألوه دانقا – يعني: سدس درهم – أكان يردهم؟ قالوا: لا. قال: والله، للمغفرة عند الله أهون من إجابة رجل لهم بدانق.

– ورأى سالم بن عبد الله بن عمر سائلا يسأل الناس في عرفة فقال: يا عاجز أفي هذا اليوم تسأل غير الله تعالى؟ !.

ووقف مطرف بن عبد الله وبكر المزني بعرفة، فقال أحدهما: اللهم لا ترد أهل الموقف من أجلي.

 وقال الآخر: ما أشرفه من موقف وأرجاه لإله لولا أني فيهم!.

 ووقف الفضيل بعرفة والناس يدعون وهو يبكي بكاء الثكلى المحترقة قد حال البكاء بينه وبين الدعاء فلما كادت الشمس أن تغرب رفع رأسه إلى السماء وقال: واسوءتاه منك وإن عفوت.

شعر جميل في وصف يوم عرفة وحال الحجيج فيه

قال ابن القيم رحمه الله في ميميته المشهورة:

وراحوا إلى التعريف يرجون رحمة  —- ومغفرة ممن يجود ويكرم

فلله ذاك الموقف الأعظم الذي —-  كموقف يوم العرض بل ذاك أعظم

ويدنو به الجبار جل جلاله —         يباهي بهم أملاكه فهو أكرم

يقول عبادي قد أتوني محبة —-      وإني بهم بر أجود وأرحم

فأشهدكم أني غفرت ذنوبهم —- وأعطيتهم ما أملوه وأنعم
فبشراكم يا أهل ذا الموقف الذي —-     به يغفر الله الذنوب ويرحم

فكم من عتيق فيه كمل عتقه  —–     وآخر يستسعى وربك أرحم

وما رؤى الشيطان أغيظ في الورى  —- وأحقر منه عندها وهو ألأم
وذاك لأمر قد رآه فغاظه  —–            فأقبل يحثو الترب غيظا ويلطم

لما عاينت عيناه من رحمة أتت —-    ومغفرة من عند ذي العرش تقسم
بنى ما بنى حتى إذا ظن أنه —-      تمكن من بنيانه فهو محكم

أتى الله بنيانا له من أساسه —–         فخر عليه ساقطا يتهدم

وكم قدر ما يعلو البناء وينتهي —-   إذا كان يبنيه وذو العرش يهدم

 

وقال الشيخ الأديب علي الطنطاوي:«لو كان يجوز أن يحضر هذا الموقف غير المسلم لاقترحت على الأمم المتحدة أن توفد من يدعي المساواة ومحاربة العنصرية والتمييز بين الناس، ليرى هذا المشهد الذي لم تبصر عين الشمس مثيلا له!.

مشهد متفرد ما رأى أحد ولن يرى مثله من هنا أعلن محمد صلى الله عليه وسلمحقوق الإنسان قبل أن تعلنها الثورة الفرنسية بأكثر من ألف عام.

أعلنها عملا سبق القول، وأعلنوها قولا ما بعده عمل!!. لما وقف في حجة الوداع في أكبر جمع إسلامي كان على عهده صلى الله عليه وسلم، فقرر حصانة الدماء والأموال والأعراض وحرمة التعدي عليها، وأن الناس سواء: ربهم واحد وأبوهم واحد (كلكم لآدم وآدم من تراب)، فلا يتكبر متكبر ولا يستعل مستعل، فما خلق الله واحدا من التبر وواحدا من الطين، بل الكل من التراب وإلى التراب، ثم إلى موقف الحساب، ثم إلى الثواب أو العقاب، ألغى شرف النسب والمال والجاه الموروث، فالكريم هو الكريم بمزاياه بأعماله، لا بأهله ولا بآله، ولا بثروته ولا بماله }إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ{[الحجرات: 13]»ذكريات (3/183).


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 14 مايو, 2024 عدد الزوار : 1034 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن العظيم

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع