تيسير فقه الصلاة : 42-حكم صلاة المنفرد خلف الصف

تاريخ الإضافة 10 أكتوبر, 2023 الزيارات : 5697

تيسير فقه الصلاة : 42-حكم صلاة المنفرد خلف الصف

اختلف الفقهاء في حكم صلاته على ثلاثة أقوال:

القول الأول : لا تصح وعليه الإعادة، وهو مذهب النخعي، والمشهور عن أحمد وإسحاق وابن المنذر واستدلوا بما يلي :

حديث وابصة بن معبد: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد الصلاة” رواه الترمذي

وحديث علي بن شيبان قال: “صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم فانصرف فرأى رجلاً يصلي خلف الصف، فوقف نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى انصرف الرجل فقال له: استقبل صلاتك، لا صلاة للذي خلف الصف”أخرجه ابن ماجة

القول الثاني : صلاته صحيحة ويكره لغير عذر ، وهو مذهب أبي حنيفة، ومالك والشافعي واستدلوا بما يلي :

حديث أبي بكرة رضي الله عنه أنه دخل المسجد ونبي الله صلى الله عليه وسلم راكع، قال: فركعت دون الصف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “زادك الله حرصاً ولا تَعُد
فقد أتى أبو بكرة بجزء من الصلاة خلف الصف ولم يؤمر بالإعادة وإنما نهي عن ذلك فكأنه أرشد إلى الأفضل
وأما حديث وابصة فالأمر بالإعادة للاستحباب

وحملوا النفي في قوله صلى الله عليه وسلم ( لا صلاة لمنفرد خلف الصف على نفي الكمال لا الصحة .

واستدلوا بحديث البخاري في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في بيت أنس قال أنس (فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَفْتُ وَالْيَتِيمَ وَرَاءَهُ وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ)
واستدل به على جواز صلاة المنفرد خلف الصف وحده، وإن كان الحافظ ابن حجر ضعف هذا الدليل وذلك لأن المرأة لا ينبغي أن تصف مع الرجال فوقوفها خلفهما سنة مأمور بها.

القول الثالث : التفصيل :

فإن انفرد لعذر صحت صلاته و إلا بطلت وهو قول الحسن البصري وقول عند الحنفية واختاره ابن تيمية وابن القيم .
واستدلوا بأدلة القول الثاني لكنهم قالوا إن نفي الصحة لا يكون إلا بفعل محرم أو ترك واجب ، والقاعدة أنه لا واجب مع العجز .

والراجح هذا القول الأخير فهو أعدل الأقوال وجمعا بين الأدلة .
وعليه من جاء ووجد فرجة وجب عليه الدخول فيها، ولا تصح صلاته منفرداً، أما إن لم يجد فرجة فيصلي خلف الصف منفرداً ولا إعادة عليه، وينال الثواب الذي يناله من شهد الجماعة، إذ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وقد رفع الله الحرج عن هذه الأمة .

وفي هذه المسألة تفصيل كما يلي :
ومن لم يجد فرجة ولا سعة في الصف فللفقهاء فيه مذاهب:
القول الأول : عند المالكية وأحد قولَي الشافعية أنه يقف منفردًا خلف الصف ولا يجذب أحدًا؛ لئلا يَحرِمَ غيرَه فضيلةَ الصف السابق، بل زاد المالكية أنه إن جذب أحدًا فلا يطعه المجذوب، وهذا رأي الكمال بن الهمام من الحنفية.

القول الثاني : عند الحنفية والقول الثاني عند الشافعية يستحب أن يجذب إليه شخصًا من الصف ليصطف معه، لكن مع مراعاة أن المجرور سيوافقه، و إلا فلا يجر أحدًا؛ منعًا للفتنة.

القول الثالث : وعند الحنابلة يقف عن يمين الإمام إن أمكنه ذلك؛ لأنه موقف الواحد، فإن لم يمكنه ذلك فله أن ينبه رجلاً من الصف ليقف معه، و إلا صلى وحده خلف الصف، ويكره تنبيهه بجذبه، واستقبحه أحمد وإسحاق؛ لما فيه من التصرف بغير إذنه.

وهذا القول هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، ورجحه الشيخ ابن عثيمين؛ للقاعدة الشرعية: أن الواجب يسقط مع العجز؛ ولقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ }، وقوله: (لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا)، ولقوله- صلى الله عليه وسلم: (وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) متفق عليه.

وقال الشيخ العثيمين رحمه الله :
هذه المسألة لها ثلاثة أوجه إذا جاء الإنسان ووجد أن الصف قد تم:
– فإما أن يصلي وحده خلف الصف.
وإما أن يجذب أحداً من الصف فيصلي معه.
وإما أن يتقدم فيصلي إلى جنب الإمام الأيمن.
نقول المختار من هذه الأمور أن يصف وحده خلف الصف، ويصلي مع الإمام، وذلك لأن الواجب الصلاة مع الجماعة وفي الصف، فهذان واجبان، فإذا تعذر أحدهما وهو المقام في الصف، بقي الآخر واجباً وهو صلاة الجماعة، فحينئذ نقول: صلِّ مع الجماعة خلف الصف لتدرك فضيلة الجماعة.

وبناءً على ما سبق:
فصلاة المنفرد خلف الصف إن لم يمكنه إلا ذلك صحيحة باتفاق الفقهاء.
ومن أجاز منهم له أن يجذب رجلاً من الصف أمامه فإنما اشترط معرفة موافقة المجرور على ذلك مسبقًا، ولذلك فإنا نرى قصر ذلك على هذه الحالة فقط، أمّا إن لم يعلم المنفرد خلف الصف هل يوافقه المجذوب أو لا أو علم عدم موافقته على ذلك فليس له أن يجذب أحدًا؛ وذلك تأدبًا مع مذهب المخالف ودرءًا للفتنة.

حكم من كبر للصلاة خلف الصف ثم دخله وأدرك فيه الركوع مع الإمام :

عن أبي بكرة أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع، فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (زادك الله حرصا ولا تعدد) رواه أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي.

(لا تعدد) قيل لا تعد في تأخير المجئ إلى الصلاة ، وقيل لا تعد إلى دخولك في الصف وأنت راكع ، وقيل لا تعد إلى الإتيان إلى الصلاة مسرعا .

والجمهور يري صحة صلاته مع الكراهة وقالوا لأن أبي بكرة أتى ببعض الصلاة خلف الصف ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة .

حكم صلاة المرضى وكبار السن في صف خاص في آخر المسجد (كما هو الحال بمساجد مصر)

لا حرج على من يصلي جالساً على كرسي في أن يصلي في الصف مع المصلين القائمين، وعليه أن يحرص على عدم إحداث فرجة في الصف وعدم أذية أحد بصلاته على الكرسي .

وإذا صلى جماعة قعوداً في صف خلف الصفوف فصلاتهم صحيحة ما داموا يأتمون بالإمام داخل المسجد ، وهذا الأمر داخل في خلاف العلماء -الذي بيناه سابقا -في حكم صلاة المنفرد خلف الصف، والجمهور على صحتها مع الكراهة، وذهب الحنابلة إلى بطلانها، وتوسط شيخ الإسلام فاختار صحتها للعذر، وبطلانها بدونه ،فإذا كان الهدف من تخصيص هذه المقاعد الحفاظ على تسوية الصفوف والتيسير على إخواننا المرضى وكبار السن فهو عذر شرعي مقبول والتيسير سمة من سمات شرعنا الحنيف .

هل تجوز الصلاة بين السواري (الأعمدة ) في المسجد ؟

الأصل في الصفوف أن تكون متراصة ومتقاربة ومتصلة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : {من وصل صفاً وصله الله ، ومن قطع صفاً قطعه الله} أي وصله الله بثوابه ، وصله بجنته ووصله برضاه ، ومن قطع صفاً قطعه الله من ثوابه، ومن رضاه، وعن جنته، فنهى الشرع عن تقطيع الصفوف الحسية لكي لا تقع المقاطعة المعنوية، والشحناء والبغضاء ، فلذا يجب أن يصلي المسلمين بصفوف متراصة كالحب الذي في قلوبهم على بعضهم بعضاً، لذا كان الصحابة يتناهون عن الصلاة بين السواري (الأعمدة ) التي تقطع صفوفهم.

فقد أخرج ابن ماجه عن ضرة بن إياس المزني، رضي الله عنه ، قال:”كنا ننهى أن نصلي بين السواري على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونطرد عنها طرداً”

وأخرج الترمذي عن عبد الحميد بن محمود قال: “صلينا خلف أمير من الأمراء فاضطرنا الناس فصلينا بين الساريتين ، فلما صلينا، قال أنس بن مالك: كنا نتقي هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح

لكن إن اضطررنا إلى الصلاة بين الأعمدة فنصلي بينها اضطراراً .

وأما صلاة المنفرد بين الأعمدة أو الإمام فلا حرج فيها، والصلاة بين عمودين دون تتميم الصف عن اليمين والشمال أيضاً لا حرج فيها لأن التراص وعدم الانقطاع حاصل وإن ضاق المسجد فنصلي بين الأعمدة ولا حرج.


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 365 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم