قصة الشيخ الغزالي مع والده في مرضه
حكى الشيخ الغزالي موقفا حدث له وهو طالب بالأزهر، يقول رحمه الله:
جاءتني (برقية) من البلد تطلب حضوري فورًا، فأدركت أن خطرًا داهم الأسرة، وسافرت وأنا مشتت الذهن، واسودّت أفكاري عندما رأيت دكان أبي –عن بُعد- وهو مغلق.
تحرّكت قدماي بلا وعي إلى البيت، ورأيت أبي يصرخ من “مغص كلوي” أصيب به، والأولاد من حوله حيارى، وقد أعطاه الطبيب بعض الأقراص المخدّرة، ولكن الآلام كانت أربى وأقسى، وقالوا: لا بد من جراحة تستخرج ما في الكلى من حصيَّات…
وفتحت الدكان ووقفت مكان أبي أعمل، وأنا خبير بذلك لأني في أثناء الإجازة الصيفية أساعده، ومضت عدة أيام ونحن نتروّى ونتدارس ما نصنع… أجور الأطباء فوق الطاقة، ولو أمكن إعدادها فإن الجراحة يومئذ غير مأمونة العقبى، وقد مات عمٌّ لي في جراحة مشابهة… ماذا نصنع؟
وحاصرني غم ثقيل، وأخذت شخوص الأشياء تتقلص أمام عيني، وثبتت بصيرتي على شيء واحد، الله وحسب! وكأنما كنت أكلم الناس وأنا حالم…
وجاء رجل يشتري بعض الأغذية، ولما قدمتها له قال لي بصوت ضارع: ليس معي ثمن الآن، وأقسم بالله أنه صادق، وأنه غدا يجيء بالثمن!
ووقر في نفسي أن الرجل محرج فقلت له: خذ البضاعة وهي مني إليك… وانصرف الرجل غير مصدّق ما سمع…!
أما أنا فذهبت إلى ركن في الدكان، وقلت: يا ربّ، نبيّك قال لنا: “داووا مرضاكم بالصدقة”! فأسألك أن تشفي أبي بهذه الصدقة…!
وجلست على الأرض أبكي، وبعد ساعة سمعت من يناديني من البيت –وكان قريباً- فذهبت على عجل وقد طاش صوابي…
وفوجئت بأبي يلقاني وراء الباب يقول: نزلت هذه الحصاة مني –وكانت حصاة أكبر قليلاً من حبة الفول- لا أدري ما حدث، لقد شفيت…!
وفي صباح اليوم التالي كنت في الكلية أحضر الدروس مع الزملاء…!
إن الذي يجيب المضطر إذا دعاه رحمني ورحم الأسرة كلها، فله الحمد…