الهوية الإسلامية في بلاد الغرب
معنى مصطلح هوية :
الهُوِيَّة : بضم الهاء وكسر الواو وتشديد الياء المفتوحة نسبة مصدرية للفظ (هو) وهي استعمال حادث في اللغة العربية.
أصلها من كلمة (هو) وهو ضمير منفصل يعود على شخص ما، ولهذا فمن الخطأ أن ننطق كلمة الهوية بفتح الهاء بل بضمها فنقول (الهُوية) وليس(الهَوية)
أما الهوية بفتح الهاء فهي البئر البعيدة ، والموضع الذي يهوي ويسقط من وقف عليه.
وفى “المعجم الوسيط” الصادر عن مجمع اللغة العربية عرَّفها بأنَّها:(حقيقة الشيء أو الشخص التي تميزه عن غيره)
وبعض الباحثين عرَّفها بأنها:(مجموعة العقائد والمبادئ والخصائص التي تجعل أمة ما تشعر بمغايرتها للأمم الأخرى)
إذن فهُوية الشيء حقيقته وأصله .
ونعني بالهُوية الإسلامية : الانتماء إلى الله ورسوله وإلى دين الإسلام وعقيدة التوحيد التي أكمل الله لنا بها الدين وأتم علينا بها النعمة، وجعلنا بها الأمة الوسط وخير أمة أخرجت للناس، وصبغنا بفضلها بخير صبغة قال تعالى : (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ )[البقرة:138]
وقال تعالى : {هُوَ سَمَاكُمُ المسلمين مِن قَبْلُ وَفِي هذا}.الحج 78
ومعنى الآية أن الله هو الذي سماكم المسلمين (من قبل) في الكتب المتقدمة { وَفِي هَذَا } يعني: القرآن.
فنحن ننتسب إلى ديننا فيقال مسلمون لا ننتسب لشخص النبي فيقول محمديون أو إلى جنس فيقال العرب ولا إلى بلد فيقال مكيون (نسبة لمكة)ولا إلى قبيلة فيقال قرشيون إنما نحن المسلمون ولا فخر!!!
يقول الدكتور يوسف القرضاوي :
أنا إن سألت القوم عني من أنا ؟
أنا مؤمن سأعيش دوما مؤمنا ..
لن أنحني .. لن أنثني .. لن اركنا ..
أنا مسلم .. هل تعرفون المسلما ؟
أنا نور هذا الكون إن هو أظلما ..
أنا في الخليقة ري من يشكو الظما ..
وإن دعا الداعي أنا حامي الحما ..
أنا مصحف يمشي وإسلام يُرى ..
أنا نفحة عُلوية فوق الثرى ..
الكون لي ولخدمتي قد سخرا
ولمن أنا .. أنا للذي خلق الورى ..
ولغيره لن أنحني لن أنثني لن أركنا ..
أنا من جنود الله .. حزب محمد ..
وبغير هدى محمد لا أهتدي
أهمية الحديث عن الهوية :
إنَّ الحديث عن “الهُوية” في الواقع المعاصر، ليس مِن قبيل الترَف الفكري، أو الفراغ الوقتي الذي يُقْضَى كيفما اتفق؛ وذلك لأن الأمم لا تحيا بدون هُوية؛ إذ الهُويَّة بالنسبة للأمة بمثابة البصمة التي تُميزها عن غيرها، وهي أيضًا: الثوابت التي تتجدَّد، ولكنَّها لا تتغيَّر، ولا يمكن لأمة تريد لنفسها البقاء والتميُّز أن تتخلَّى عن هُويتها، فإذا حدث ذلك فمعناه: أن الأمة فقدت استقلالها وتميُّزها، وأصبحتْ بدون محتوى فكري، أو رصيدٍ حضاري.
والهوية الإسلامية قد تضعف لدى بعض الأفراد أو المجتمعات دون بعضها الآخر، ولكن أن تذوب الهوية فهذا لم ولن يكون، لأنَّ هذا الدين محفوظ بحفظ الله وقد تكفل الله به.
لا عز لنا إلا بالإسلام :
ولو قرأنا تاريخ العرب قبل الإسلام لرأينا أن العرب كانوا أمة منسية أمة لا ذكر لها ؛ بل إن الدولتين العظميين في هذا الوقت فارس والروم لم تفكر واحدة منهما مجرد تفكير في احتلال الجزيرة العربية وإخضاعها لها ،لأنها كانت أرض فقيرة الموارد وأهلها قبائل متفرقة يرحلون خلف الماء والكلأ ، فلما جاء الإسلام صار العرب أمة كريمة عزيزة مهيبة الجانب لأن الإسلام وحدهم تحت رايته بعيدا عن العصبية القبلية ؛ بل قال النبي لأصحابه محذرا من العصبية (دعوها فإنها منتنة )
وانطلق الصحابة بهذا الفهم الواضح حتى ألقاها عمر على سمع الزمان لتسطر بأحرف من نور (لقد كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله .)
وهذا ربعي بن عامر قبل معركة القادسية ؛ لما سأله رستم قائد الفرس ما جاء بكم؟ فقال: الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضِيق الدنيا إلى سعَتَها، ومن جَوْر الأديان إلى عدل الإِسلام.
الحرب على الهوية :
وقد علم أعداء ديننا أن الإسلام هو سر قوة المسلمين ، وكانوا عقب كل معركة ينهزمون فيها أمام المسلمين يسألون أنفسهم هذا السؤال : ما سر قوة المسلمين؟ كيف ينتصر المسلمون و هم قلة في العدد و العدة علينا ونحن أكثر عدة و عتاد؟؟
و كان أول من طرح هذا السؤال هو هرقل قيصر الروم ( النصارى) الذي أذهلته الهزائم المتوالية لجيوشه على يد المسلمين، فجمع قواده و راح يؤنبهم و يسألهم : من هؤلاء الذين تقاتلون؟ أليسوا بشراً مثلكم؟؟ فوقف قائد الجيوش الرومانية و قال له:
“إنهم بشر و لكنهم ليسوا كالبشر، إنهم رهبان بالليل فرسان بالنهار، إنهم يصلون و يصومون، و لا يشربون الخمر ، و لا يزنون و لو سرق ابن ملكهم لقطعوا يده ، و ما منهم من أحد إلا و يتمنى أن يموت قبل أخيه…..” . فقال هرقل : والله إن كانوا كما تقول ليملكن موضع قدمي هاتين.
و كان المسلمون كما قال قائد القوات فملكوا موضع قدمي هرقل، و خرج من بلاد العرب و هو يردد عبارته الشهيرة :” سلام عليك يا سوريا سلام لا لقاء بعده“…
وهذا لويس التاسع ملك فرنسا، وكان قائد الحملة الصليبية الثانية، وهزم في المعركة وأسر في المنصورة ثم فدى نفسه ورجع إلى بلده ، وقد كان في سجنه يفكر متسائلا ما سر قوة المسلمين؟ وهل من الممكن أن ننتصر عليهم ؛ فهداه شيطانه إلى أن سر قوة المسلمين في عقيدتهم وتمسكهم بدينهم ؛ فالانتصار عليهم يكون بإفساد عقيدتهم، وتشويه دينهم ، بإبراز الخلافات المذهبية والتناقضات والشبهات ، وأنه غير قادر على مواكبة روح العصر ؛ وجندوا لهذا الأمر جيوشاً من المبشرين والمستشرقين ودعاة التغريب من المفكرين والصحفيين والإعلاميين الذين قاموا بحركة تشويه للإسلام بهدف تشكيك المسلمين فيه، وهو ما عرف بعد بـ(الغزو الفكري)
التحذير من الذوبان :
الشاهد أننا في التاريخ كله لم يكن لنا عز ولا شرف ولا سيادة إلا بالتمسك بالإسلام ،وأنا أريد في هذا المقام أن أخص إخواني المسلمين المغتربين هنا بالحديث عن موضوع الهوية الإسلامية لأني أري البعض منا استسلم للواقع الذي يعيشه في الغرب فذاب ذوبانا كبيرا في العادات ونمط الحياة وطريقة التفكير واللسان ، بل وللأسف الوقوع في المحرمات كشرب الخمر ومصادقة النساء ، والسقوط في أوحال الربا ، واستحياء البعض من أن يعرف أنه مسلم فيجامل من حوله على حساب دينه ، ومنا من يشاركهم في أعيادهم الدينية ممالأة وانهزاما ، بل واسفاه من المسلمات من تنزع حجابها في الدراسة أو العمل ؛ إرضاء لمن حولها أو تقليدا ومحاكاة رغم أن كندا ليست من الدول التي تضيق بالمحجبات كبعض الدول الغربية الأخرى ، وربما هناك حالات لكنها فردية لا تذكر ، والخطر الأكبر في أبنائنا الذين نشأوا وتعلموا هنا ، وشبوا في هذا المجتمع غرباء العقل والفكر واللسان !!!
فواجبنا هنا أن ننبه على هذا الأمر ونوقظ هذا الحس في أنفسنا وأبنائنا وإخواننا الذين يعيشون معنا ، والمسلم الحق هو من لا ينفتح كلية فيذوب في غيره ويفقد هويته ، ولا ينغلق ويتقوقع ، إنما يكون عنده مصفاة لعمل فلترة لأي شيء يرد عليه ، وأي جهاز كمبيوتر متصل بالانترنت بدون برنامج مضاد للفيروسات (Anti Virus) فهو عرضة للفساد والعطب ؛ فأي شيء يعرض لنا يحتاج إلى فلترة ،تصفية ، نتوقف عنده جائز غير جائز ، فيه شبهة ….وهكذا نرجع لعلماء الشريعة الثقات المعتبرين ونصدر عن قولهم ، كذلك الاهتمام بأبنائنا وتربيتهم وتوجيههم وتعليمهم اللغة العربية والقرآن ، وتكثيف الأنشطة لهم بالمراكز الإسلامية ، وهذه هي ضريبة العيش هنا .
خوف الغربيين على هويتهم :
وهذا الأمر أعني المحافظة على الهوية الإسلامية لا نستحي من المطالبة به في الوقت الذي نرى ونسمع غيرنا يطالب بالحفاظ على هويته وها كم بعض الأمثلة :
الرئيس الفرنسي السابق (فرانسو ميتيران) وقف يخطب في الجموع المحتشدة محذِّراً من تفشِّي ظاهرة لبس الجينز بين الشباب الفرنسي لأنَّه مظهر من مظاهر الغزو الأمريكي!!!
و تنبه حراس المشروع الثقافي الفرنسي، وأهل الغيرة على الهُوية الفرنسية لهذا النهم الأمريكي، مما جعلهم يرفضون التوقيع على الجزء الثقافي من اتِّفاقية “الجات“، ورفعوا شعار: “الاستثناء الثقافي“، بل وصل الأمر بحراس المشروع الفرنسي أن يستصدروا قانونًا يحظر على الفرنسيين أن يستخدموا أيَّة لغة أجنبية في خطابهم العام، وإلا تعرَّضوا لغرامة تصل إلى ألفي دولار.
أما تمسك ” يهود ” بهويتهم الدينية فحدث ولا حرج ؛ فإن دولتهم تحمل لقب نبي الله يعقوب عليه السلام (إسرائيل) وليس لها دستور لأن دستورها هو ” التوراة ” ويتشبثون بتعاليم التوراة ، ويعضون عليها بالنواجذ في مجالات العلم والدين والسياسة والاجتماع ، وفي حياة الفرد اليومية، حتى العبرية التي انقرضت من ألفي سنة بعثوها من مرقدها ؛ حتى صارت لغة العلم عندهم ، وألفوا بها أدباً نالوا به جائزة نوبل .
ووقفت وزيرة الثقافة اليونانية منذ عدة أشهر قائلة إنها تخشى على الشعب اليوناني من انتشار الثقافة الأمريكية من خلال المسلسلات والأفلام .
والصين واليابان يحافظون على هويتهم وما زالوا يأكلون بالملاعق الخشبية والزي القومي وصدروا للعالم رياضاتهم المختلفة .
ونحن هنا في مونتريال نرى السيخ الهنود ؛ والذين يتميزون بعدم حلق شعر الرأس والوجه من المهد إلى اللحد ؛ فيطلقونه دون قص أو تهذيب، ويطوونه تحت عمامة ملونة ، وذلك لمنع دخول الغرباء بينهم بقصد التجسس،ويتمنطق السيخي بخنجر على الدوام، وذلك لإعطائه قوة واعتداداً، وليدافع به عن نفسه إذا لزم الأمر.
فكل أمة تحرص على هويتها وعلى إبرازها ونشرها بين دول العالم .
هل الهوية تعني رفض كل ما هو غربي؟
المسلم يعتز بإيمانه وإسلامه ، كما ذكر القرآن : {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[فصلت:33] فيقول معتزا ومباهيا، أنا من المسلمين .
وليس معنى هذا الكلام رفض كل ما هو غربي إنما يعني -كما ذكرت في أول الكلام – أن أحافظ على ذاتي بحيث لا تضيع هذه الذات في وسط الهويات الأخرى،والإسلام يدعو {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا..}[الحجرات:13] لا لتتصادموا بل لتتفاهموا وتتحاوروا وتتعاونوا!!!
ليس كل الغرب فاسدا:
يقول الرئيس البوسني “علي عزت بيجوفيتش”- رحمه الله-: “إن الغرب ليس فاسدا كله، لأن القوة لا تجتمع مع الفساد“.
إن الانشغال بسب وشتم الحضارة الغربية ووصفها بالفساد والخور والضلال المبين، والتبشير بقرب زوالها، من شأنه أن يغرس لدي نفوس المسلمين صفة الاتكالية ويوفر عليهم عناء الاستعداد والمواجهة، ويشغلهم عن القيام بالدور الحضاري المطلوب منهم، وهو قبول ممارسة التحدي والتدافع الحضاري.
كذلك الاستمرار في شتم الحضارة الغربية ووصفها بأنها تمثل وتجسد حضارة الرذيلة والجريمة وتفكك الأسرة وانعدام الأخلاق وبشكل استفزازي استعدائي، إنما يثير الكراهية ضدنا، خاصة إذا ما ظهر هذا النقد منا –نحن المسلمين- على احتساب أننا نمثل الند المكافئ والمنافس القوي لهذه الحضارة، لذلك فقد بدأ الغرب يبذل جهودا علمية وأكاديمية لرصد كل ما يخص عالمنا العربي والإسلامي، وإبداء تخوفه من الإسلام وحضارته، والاعتقاد في أن العالم الإسلامي يمثل تحديا مستقبليا للحضارة الغربية وخاصة في عالم ما بعد الحرب الباردة، وهذه الفكرة هي محور نظرية (صدام الحضارات) التي بات الغرب، والغرب الأقصى- على الأخص- يؤمن بها ويسير وفق نهجها..
كلمة أخيرة : الاندماج الإيجابي في المجتمع الغربي :
إن علينا كمسلمين أن نندمج بالمجتمع الذي نعيش فيه ، بمعنى المشاركة في المجتمع بتقديم الخدمات، والمشاركة في الفعاليات، وتحقيق الفائدة للآخرين، كما في الحديث (خير الناس أنفعهم للناس ) فهو اندماج مع المجتمع مع الحفاظ بل وإبراز هويتنا الإسلامية .
وهذا عين ما يقرره الإسلام ، فنحن كمسلمين لا نعرف التقوقع ولا الانعزالية ولا الانكفاء على الذات إنما نحن كما قال الشاعر :
أنا نفس محبة كل خير كل **** شئ حتى صغير النبات
نحن لا نحمل في صدورنا ضغينة لهذا المجتمع الذي نعيش فيه وإنما نحمل الخير والهداية للناس كل الناس ولسان حالنا كلمة العبد الصالح (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ) هود :88