الدين الإبراهيمي الجديد

تاريخ الإضافة 1 يوليو, 2023 الزيارات : 706

الدين الإبراهيمي الجديد

 أحبابي وإخواني الكرام جاءتني أسئلة عديدة عما عرف إعلاميا في الأيام الأخيرة بـ(الدين الإبراهيمي الجديد)، وفكرة هذا الدين الذي يذيع الكلام عنه حاليا: أن الأديان فرقت الشعوب، فلا بد وأن نأخذ الجميل والطيب من كل دين فنجعله في هذا الدين الجديد، ويكون هناك سلام وتشارك بين الشعوب وثقافاتها في هذا الدين، طبعا هذا هو المعلن، ودولة الإمارات وضعت حجر أساس للبيت الإبراهيمي عام 2019م كما سموه، وافتتح منذ أسبوعين تقريبا، يحتوي على مسجد وكنيسة، ومعبد لليهود، وقالوا هذا هو البيت الإبراهيمي!!!

 أولا / لماذا إبراهيم عليه السلام بالذات؟

نبي الله إبراهيم خليل الرحمن، لم يكن له دين خاص، والعلماء المختصون يقولون: بأن الأدق أن نقول الشرائع السماوية الثلاث، وليس الأديان السماوية الثلاث، قالوا هذا أدق لأنه دين واحد والشرائع مختلفة.

 وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الأنبياء إخوة لعلات دينهم واحد وأمهاتهم شتى) والإخوة لعلات هم الذين أبوهم واحد وأمهاتهم متعددات، شبه الأنبياء بالإخوة لعلات من حيث أن الأنبياء دينهم واحد وعقيدتهم واحدة؛ جاءوا بالإسلام دين الله تعالى الذي ارتضاه الله لعباده وشرائعهم متعددة كما أن الإخوة لعلات أمهاتهم متعددة.

اختلاف الشرائع:

فالأنبياء كلهم على دين الإسلام، وجاؤوا جميعا ينادون بالتوحيد ، ولكن اختلفت الشرائع فيما بينهم ؛ فقد يباح لقوم ما يحرم على آخرين والعكس، ويباح في زمان ما يحرم في آخر لما يعلمه سبحانه من مصالح العباد، وذلك مثل :

1- زواج أبناء آدم من بعضهم.

2- وزواج يعقوب من أختين في وقت واحد (ليا وراحيل كما ذكرت التوراة) وهو محرم في شريعتنا.

3- وعمل الجن التماثيل لسليمان وهي حرام في شريعتنا إلا لعب الأطفال ونحوها.

4- وفرضية صلاتين فقط على بني إسرائيل كما ذكر موسى في حديث المعراج.

فتفاصيل الشريعة ربما فيها اختلاف، لكن الأصول ليس فيها اختلاف، فهي واحدة وثابتة.

ما هو دين إبراهيم؟

وإبراهيم الخليل- عليه السلام- معظّم عند جميع الأمم، فهو معظّم عند اليهود، ومعظّم عند النصارى، بل وكان معظّما عند مشركي مكة، وجاء الأمر الإلهي لنبينا: ﴿ثُمَّ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ أَنِ ٱتَّبِعۡ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفٗاۖ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ﴾ [النحل: 123]

والملة هي الدين، ما هو دين إبراهيم؟

الجواب : ﴿وَمَن يَرۡغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفۡسَهُۥۚ وَلَقَدِ ٱصۡطَفَيۡنَٰهُ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَإِنَّهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ إِذۡ قَالَ لَهُۥ رَبُّهُۥٓ أَسۡلِمۡۖ قَالَ أَسۡلَمۡتُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبۡرَٰهِ‍ۧمُ بَنِيهِ وَيَعۡقُوبُ يَٰبَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ أَمۡ كُنتُمۡ شُهَدَآءَ إِذۡ حَضَرَ يَعۡقُوبَ ٱلۡمَوۡتُ إِذۡ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعۡبُدُونَ مِنۢ بَعۡدِيۖ قَالُواْ نَعۡبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ ءَابَآئِكَ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ إِلَٰهٗا وَٰحِدٗا وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ﴾ [البقرة: 130-133]،

فالله تعالى أوحى لنبينا أن يتبع ملة إبراهيم وهي دين الإسلام ، فيا أيها اليهود تزعمون أنكم تعظمون الخليل ابراهيم قد جئتكم بما كان عليه الخليل ابراهيم، يا معشر النصارى تمجدون الخليل ابراهيم جئتكم بما كان عليه الخليل ابراهيم، ويا معشر العرب تعظمون الخليل ابراهيم وتعظمون الكعبة، وتعظمون المناسك وأنكم أهل البيت ، إذن ما الذي يمنعكم أن تتبعوني؟ والكلام هنا أنقله كأنه على لسان النبي محمد، – صلى الله عليه وسلم-

وقد بين الله تعالى ﴿مَا كَانَ إِبۡرَٰهِيمُ يَهُودِيّٗا وَلَا نَصۡرَانِيّٗا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفٗا مُّسۡلِمٗا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ﴾ [آل عمران: 67]

فكل الانبياء جاءوا بالإسلام، وعلى سبيل المثال لا الحصر:

  • أخبر الله تعالى أن سحرة فرعون بعد إسلامهم دعوا الله تعالى فقالوا: “رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ “[الأعراف:126]
  • وأخبر أن نوحا عليه السلام قال في خطابه لقومه:” فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ” [يونس:72]
  • وأخبر أن موسى عليه السلام قال في خطابه لبني إسرائيل:” وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ” [يونس:84]
  • وأخبر أن سليمان عليه السلام قال في رسالته لسبأ: “إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ* أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ” [النمل 30-31]
  • ووصف سبحانه وتعالى بيت لوط بالإسلام، فقال فيهم:” فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ” [الذاريات:36]
  • وأخبر تعالى أن الحواريين أشهدوا عيسى على إسلامهم، فقال: “فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ” [آل عمران:52.]

 فكل الانبياء جاءوا بدين واحد، من أصل واحد لكن اختلفت تفاصيل الشريعة من زمان إلى زمان ومن مكان إلى مكان، كل نبي قبل نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم- بعث إلى قومه خاصة، نبي محلي إلى قومه فقط، (وإلى عاد أخاهم هودا) و (وإلى ثمود أخاهم صالحا) و (وإلى مدين أخاهم شعيبا)

 أما نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم- فقد قال له الله: ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا كَآفَّةٗ لِّلنَّاسِ بَشِيرٗا وَنَذِيرٗا وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ﴾ [سبأ: 28]

فلم يأت موسى ليقول إنه رسول إلى العالمين، إنما قال إنه رسول لبني إسرائيل، عيسى ابن مريم قال: (يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم) وليس إلى العالمين، وهناك نص في الإنجيل قال المسيح : (بعثت إلى خراف بني إسرائيل الضالة) [إنجيل متي 15: 24 ومرقس 7: 27]

 يعني بعثه الله تعالى ليعيد الضالين عن صراط الله المستقيم من بني إسرائيل، ولم يبعث عيسى إلى العالمين.

النبي الخاتم الذي بعث إلى العالم أجمع هنا محمد- صلى الله عليه وسلم-، فالأولى لتصحيح هذه الدعوة أن نقول إن الدين الذي يحوي الجميع في عباءة واحدة هو الشريعة الخاتمة، دين الإسلام، ولذلك قال الله تعالى: (إن الدين عند الإسلام) [آل عمران:19]

فإذا كنتم تمجدون وتعظمون الخليل إبراهيم فقد جاءكم محمد بما كان عليه الخليل إبراهيم، قال تعالى: ﴿قُولُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَآ أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّنۡهُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ﴾ [البقرة: 136]

ثانيا/ لا نفرق بين أحد من رسله:

ونحن معشر المسلمين نؤمن بجميع أنبياء الله ولا ننتقص من قدر نبي من أنبياء الله، قال تعالى: ﴿ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مِن رَّبِّهِۦ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۚ كُلٌّ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّن رُّسُلِهِۦۚ وَقَالُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۖ غُفۡرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيۡكَ ٱلۡمَصِيرُ﴾ [البقرة: 285]

لا نفرق بين أحد من رسله، لا نؤمن بنبي ونترك نبيا إنما نؤمن بالجميع، وعلى الرغم من أن اعتقادنا أننا نحن المسلمون اتباع الدين الحق الذي ارتضاه الله رب العالمين إلا أننا تعلمنا من شريعة ربنا احترام ما يعتقده الآخرون فلا نسبّهم ولا نهين مقدساتهم، ولا يكره أحد على اعتقاد، (لا إكراه في الدين)، (ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي شاء)

، هذه الآية نزلت لما حصل اتفاق بين النبي وبني النضير أن يخرجوا من المدينة، وكان بعض الأنصار قد تربى أبناؤهم عند اليهود، فنشئوا على اليهودية، فشق عليهم أن يخرجوا مع اليهود وألا يعودوا إلى آبائهم فضلا عن أن يدخلوا في دين الإسلام، فأنزل الله هذه الآية (ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء)

 وليس معنى أن هناك من يخالفني في الدين أنه يحل لي أن أكرهه على ديني، ولا أن أعاقبه على دينه، ولا أن أهزأ أو أتهكم بما يقدس ويعتقد، قال تعالى: ﴿وَلَا تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدۡوَۢا بِغَيۡرِ عِلۡمٖۗ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمۡ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرۡجِعُهُمۡ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ﴾ [الأنعام: 108]

وعلمنا الله تعالى﴿قُلۡ يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ كَلِمَةٖ سَوَآءِۢ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمۡ أَلَّا نَعۡبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ وَلَا نُشۡرِكَ بِهِۦ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يَتَّخِذَ بَعۡضُنَا بَعۡضًا أَرۡبَابٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِۚ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُولُواْ ٱشۡهَدُواْ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ﴾ [آل عمران: 64]

فنحن نحترم كل من يعتقد بعقيدة سوى عقيدة الإسلام لا نكرهه على شيء ولا نعاقبه على ما أعتقد ولا نتهكم أو نستهزئ بما يقدس …هذا هو ديننا، ثم حساب الخلائق على الله يوم القيامة.

 ليس من حق أحد أن يحاسب أحدا على ما يعتقد، ولو كان هناك مكره لاعتقاد لكان أولى بذلك رب العالمين الذي قال: ﴿وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَأٓمَنَ مَن فِي ٱلۡأَرۡضِ كُلُّهُمۡ جَمِيعًاۚ أَفَأَنتَ تُكۡرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤۡمِنِينَ﴾ [يونس: 99]

وبين الله في أكثر من موضع لنبينا ولأمته من بعده: (ما على الرسول إلا البلاغ)، لا مكره لأحد على ما يعتقد.

ثالثا/ حقيقة الدين الإبراهيمي:

فهذا الدين الذي يروجون له إعلاميا هو ستار جديد لعملية التطبيع بين الدول العربية والكيان الصهيوني، لا أكثر ولا أقل!!!

هذا الدين من هم دعاته؟ أين الدعاة الذين يدعون إليه؟

 ما هي مبادئه؟ أين المؤمنون به؟ ما هي كيفية العبادات؟ ما هي المحرمات؟ ما هي المنهيات؟

 ليس فيه أي تفاصيل لأي شيء، هي عبارة عن بروباجندا إعلامية (توجيه مجموعة مركزة من الرسائل بهدف التأثير على آراء أو سلوك أكبر عدد من الأشخاص)

 وهي ليست في الإمارات فقط، بل هي قديمة حديثة، نشأت قديما في الهند، على يد سلطان هناك اسمه سلطان أكبر قام بهذا الفعل، ثم نشأت على يد أحد الفلاسفة فيلسوف فرنسي، ثم أحيوها من مواتها مرة أخرى في جامعة هارفارد، ثم تولتها وتلقفتها بعض الهيئات والجمعيات بما سمي بين قوسين (الدبلوماسية الروحية)، ما معنى الدبلوماسية الروحية؟

والحقيقة أن الذي فرق الشعوب السياسة وصراع المصالح واقتسام الثروات، الأديان لا تفرق الأديان تجعل الإنسان خاضعا لربه- سبحانه وتعالى- ولمنهجه، لكن هناك مشتركات إنسانية نتفق عليها:

  • أن يتحد الجميع ضد الإرهاب مثلا.
  • أن نحارب الإلحاد الذي ينكر وجود الله.
  • أن نحارب العنف بكل أشكاله.
  • أن نحارب الجريمة.
  • أن نحارب سرقات الشعوب والظلم.
  • أن نبحث عن العدالة والحريات والحقوق.
  • أن نبحث عن حرية الاعتقاد، وحرية السياسة، وحرية الفكر، والرأي.

 هذه المشتركات لن يختلف عليها أحد، مع احتفاظ كل اتباع دين بخصوصياتهم، إنما إلغاء الخصوصية وإلغاء التفاصيل في كل شريعة وفي كل دين وعمل دين مختلط (MIX)، بهذا الشكل.

 فهذا ولا شك وراءه أغراض لم تنكشف كلها بعد، لكنها ليست بشيء حتى نلقي لها بالا، أنا فقط أحببت أن أوضح حقيقة المسمى وبيان الاختلاف بين الإسلام وغيره من الشرائع أو الديانات.

 رابعا/ إن الدين عند الله الإسلام:

والبعض أيضا من ضمن الترويج الذي يروجون له يقولون:

 إن المسلمين يعبدون الله، النصارى يعبدون الله، اليهود يعبدون الله، السيخ الهندوس، كل هؤلاء يعبدون الله- عز وجل-، فكل واحد اختار الطريقة التي يعبد بها الله، نقول له هذا حق، لكن يراد به باطل، كلام حق وهو حرية الاعتقاد، لن نختلف على ذلك، كل واحد يعتقد بما شاء، لأن العقيدة ليست إكراها على الجسد، العقيدة شيء في القلب، ولذلك من أكره وقال كلمة الكفر إسلامه صحيح، وهذا أمر معلوم، بل كل من أكره على فعل أي شيء لا يترتب عليه أي أثر.

 أما معنى أن الكل جميل والكل صحيح، والكل على صواب، فهذا غير صحيح، لا بد من حق وباطل، الدين الذي ارتضاه الله هو دين واحد، قال تعالى ﴿وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ ٱلۡإِسۡلَٰمِ دِينٗا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ وَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85]

وقد يحتجون بالآية في سورة البقرة: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلصَّٰبِ‍ِٔينَ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ﴾ [البقرة: 62]

ومعنى الآية : إن المؤمنين بمُحمدٍ.

والذين هادُوا -الذين اتبعُوا موسى عليه السلام- وهم الذين كانوا على شَرعِه قبل النسخ والتبديل.

والنصارى الذين اتبَعوا المسيحَ عليه السلام، وهم الذين كانوا على شريعته قبل النسخ والتبديل.

والصابئين : أرجح الأقوال فيها أنهم الحنفاء الذين كرهوا ما كان عليه العرب من عبادة الأصنام وتكلموا عن التوحيد وعبادة الله الواحد، فسموا بالصابئين وكان من يدخل الإسلام يقولون عنه صابئ كورقة بن نوفل وزيد بن عمرو بن نفيل وقس بن ساعدة وأمية بن الصلت وغيرهم كان هؤلاء موجودون في العرب وكانوا يرون أن عبادة الأصنام هذا شيء غير سوي غير مقبول أن واحدا يقف أمام جماد بشكل إنسان أو حيوان ويقدسها ويعظمها ويدعو لها فكرهوا هذا فسموا بالصابئة أو الحنفاء،

 فهؤلاء هم الذين مدَحهُم الله تعالى، لصحة اتصافهم بالإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح، وهم الذي يصدق عليهم هذا الوعد الإلهي الكريم (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) أما أهلُ الكتاب بعد النسخ والتبديل فلا تشملهم هذه الآية قطعا؛ فهم ليسوا ممن آمن بالله، ولا باليوم الآخر، وعمل صالِحًا، فإنه ما آمن بالله من قال إن الله ثالث ثلاثة، أو قال إن الله هو المسيح ابن مريم، أو قال المسيح ابن الله، ولا يقبل مع هذا الاعتقاد عمل صالح، بل ولا يصح ابتداء، فإن الشرك محبط للعمل كله، كما قال تعالى﴿وَلَقَدۡ أُوحِيَ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ لَئِنۡ أَشۡرَكۡتَ لَيَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ بَلِ ٱللَّهَ فَٱعۡبُدۡ وَكُن مِّنَ ٱلشَّٰكِرِينَ﴾ [الزمر: 65-66]

فكفَّر أهلَ الكتاب، الذين بدَّلوا دينَ موسى والمسيح، وكذَّبوا بالمسيح، أو بمحمد، مما علم من ملة الإسلام بالضرورة والبداهة، فهو مُتواترٌ معلومٌ بالاضطرار من دين مُحمَّد صلى الله عليه وسلم.

ولذلك لا ينبغي أن نأخذ أية من القرآن نجتزئها دون أن نأخذ بقية القرآن، فالله- سبحانه وتعالى- قال لأهل الكتاب: ﴿قُلۡ يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَسۡتُمۡ عَلَىٰ شَيۡءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡۗ ﴾ [المائدة: 68]

وبين الله- سبحانه وتعالى- أن القول ببنوة المسيح لله كفر والقول بألوهية المسيح كفر، قال:﴿لَقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ مَرۡيَمَۖ وَقَالَ ٱلۡمَسِيحُ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمۡۖ إِنَّهُۥ مَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدۡ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ ٱلۡجَنَّةَ وَمَأۡوَىٰهُ ٱلنَّارُۖ وَمَا لِلظَّٰلِمِينَ مِنۡ أَنصَارٖ لَّقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلَٰثَةٖۘ وَمَا مِنۡ إِلَٰهٍ إِلَّآ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۚ وَإِن لَّمۡ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [المائدة: 72-73]

وقال جل وعلا : ﴿لَمۡ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأۡتِيَهُمُ ٱلۡبَيِّنَةُ رَسُولٞ مِّنَ ٱللَّهِ يَتۡلُواْ صُحُفٗا مُّطَهَّرَةٗ فِيهَا كُتُبٞ قَيِّمَةٞ﴾ [البينة: 1-3]

رسول من الله: النبي محمد يتلو صحفا مطهرة: القرآن.

فمن آمن من أهل الكتاب بالنبي محمد زمان النبي محمد وآمن به فهو على الإيمان، فهو على الصراط المستقيم، من آمن بنبيه في زمانه ومات على ذلك فهو على الصراط المستقيم، أما من أدرك النبي محمد من أهل الكتاب ولم يؤمن به فلا شك في أنه عند الله كافر، وهذا كلام الله- عز وجل- فلا نأخذ أية من القرآن ونترك آيات،

واحد ظهر على أحد القنوات وقال: إن الإسلام عظم رجال الدين النصارى وذكر الآية: (ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون)

نعم هذه آية في سورة المائدة لكن اقرأ الآيات كاملة: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَٰوَةٗ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقۡرَبَهُم مَّوَدَّةٗ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّا نَصَٰرَىٰۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنۡهُمۡ قِسِّيسِينَ وَرُهۡبَانٗا وَأَنَّهُمۡ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىٰٓ أَعۡيُنَهُمۡ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمۡعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلۡحَقِّۖ يَقُولُونَ رَبَّنَآ ءَامَنَّا فَٱكۡتُبۡنَا مَعَ ٱلشَّٰهِدِينَ وَمَا لَنَا لَا نُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَمَا جَآءَنَا مِنَ ٱلۡحَقِّ وَنَطۡمَعُ أَن يُدۡخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلصَّٰلِحِينَ فَأَثَٰبَهُمُ ٱللَّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَآ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ﴾ [المائدة: 82-86]

فهم لم يستكبروا عن اتباع الحق، اتباع الإسلام وقالوا ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين، فجعل الله جزاءهم : جنات تجري من تحتها الأنهار.

خامسا/ ضبط المفاهيم:

أريد أن أركز على بعض النقاط للتنبيه:

  • مسألة الإيمان والكفر مسألة نسبية:

 أي إنسان في الدنيا مؤمن بدين هو كافر بما سوى هذا الدين، مسألة الإيمان والكفر مسألة نسبية، أنا مؤمن بالله كافر بكل ما يعبد سواه، قال تعالى: ﴿لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَيِّۚ فَمَن يَكۡفُرۡ بِٱلطَّٰغُوتِ وَيُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ لَهَاۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 256]

ولو سألنا رجل دين نصراني، ما حكم من لم يؤمن ببنوة المسيح لله، سيقول لك هذا كافر لأن المسيح أحد الأقانيم الثلاثة، إذن فأنت عندك مؤمن بما تعتقد وأن من يخالفك كافر؟ نعم،

 لو سألت اليهود ستكون نفس الإجابة، لو سألت السيخ لو سألت الهندوس لو سألت أي دين في الأرض حتى من يعبدون الفئران والقرود والنجوم … كل من يعبد أو يتبع دين هو مؤمن به كافر بما سواه، ليس هناك شيء اسمه الإيمان بكل الأديان وبكل العبادات هذا وهم، هذا وهم مريح.

  • حرية الاعتقاد:

ليس معنى كلامي هذا أن من خالفنا في الدين نعاديه أو نخاصمه أو نستحل دمه أو نقتله، هذا كذب، هذا كذب، ضخم الإعلام فيه تضخيما كبيرا لتبرير عمليات الإرهاب والتفجير وقتل الأبرياء، هذا كلام غير موجود في قواميس المسلمين أبدا، كل من خالفنا في الدين له حرية الاعتقاد، يعيش سالما يعيش آمنا، بل أمرنا ربنا أن نبر، وأن نقسط وأن نعدل، وألا نعتدي، قال: ﴿لَّا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَلَمۡ يُخۡرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوٓاْ إِلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8]وقال جل وعلا:﴿ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسۡنٗا ﴾ [البقرة: 83] كل الناس و﴿وَلَا تُجَٰدِلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ إِلَّا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡهُمۡۖ وَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱلَّذِيٓ أُنزِلَ إِلَيۡنَا وَأُنزِلَ إِلَيۡكُمۡ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمۡ وَٰحِدٞ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ﴾ [العنكبوت: 46]

  • الحوار بين اتباع الأديان:

 لا يمنع هذا الأمر أن يكون هناك تحاور بين اتباع الديانات المختلفة، وهذا الحوار لكشف الحق لتقريب وجهات النظر، فيكون حوارا بالحسنى، ليس بالأيدي ولا بالأرجل ولا بالأسلحة ولا بالتشنج ولا بالشتم والسباب

إنما حوار علمي هادف لإبراز الحق، ما الذي يقوم به الدكتور ذاكر نايك الآن وقبله شيخه الشيخ أحمد ديدات وغيرهم، ما الذي كانوا يقومون به هو أن يكون هناك رجل يمثل دينا ولنفترض أغلب المناظرات مع الكنيسة، وهو يمثل دين الإسلام وتطرح أسئلة هنا وأسئلة هنا، ويعرض الأمر، الأمر صار واضحا للجميع، هذا حوار بنّاء، هذا حوار لإبراز الفكرة.

 أما لغة التشنج والشتائم وفرض الرأي بطول اللسان هذا لم نؤمر به أبدا، لن نؤمر به، قال تعالى: ﴿ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ﴾ [النحل: 125]

الخلاصة:

ليس هناك دين اسمه الدين الإبراهيمي هذا ستار للتطبيع لا أكثر ولا أقل من الآخر -كما يقولون-، لا في دعاة ولا في مؤمنين ولا في منهج ولا في رسول ولا في أي شيء، كله عبارة عن تصريحات إعلامية للتجارة بشكل أو بآخر، بأي قضية من القضايا أو لشغل العقول أو إلهاءها بهذه التفاصيل التي لا طائل من ورائها.

أنا فقط أحببت أن أضع النقاط فوق الحروف لتتضح الصورة للجميع، ونكرر قول الله تعالى:﴿مَا كَانَ إِبۡرَٰهِيمُ يَهُودِيّٗا وَلَا نَصۡرَانِيّٗا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفٗا مُّسۡلِمٗا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ إِنَّ أَوۡلَى ٱلنَّاسِ بِإِبۡرَٰهِيمَ لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا ٱلنَّبِيُّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۗ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [آل عمران: 67-68]

اسأل الله العظيم الكريم جل وعلا أن يوفقنا إلى ما يحبه و يرضاه، وأن يثبتنا على الحق إلى أن نلقاه، اللهم آمين.


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 353 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم