احترموا عقولنا

تاريخ الإضافة 22 أغسطس, 2023 الزيارات : 4072

موضوعنا اليوم بعنوان موقف العقل من الشرع .

سبب اختيار الخطبة:

وسبب هذه الخطبة أن أحد المصلين أرسل لي رسالة بعنوان :

احترموا عقولنا 

وملخص الرسالة أن هناك أشياء تطرح من الناحية الشرعية لا يقبلها العقل وأشياء يذكرها المشايخ غير مقبولة من الناحية العقلية ؛فلا ينبغي أبدا أن نتكلم عن إلغاء العقل وتحقيره ، فأريد في هذه الخطبة أن أوضح موقف العقل من الشرع .

أولا / العقل نعمة من الله عز وجل :

العقل نعمة ميز الله بها الإنسان عن سائر الكائنات والمخلوقات ، فعند الإنسان عقل يدرك ويفهم ويعي ويميز الأشياء حسنها وقبيحها ويدرك السلبيات والايجابيات…الخ
أما ما عند الحيوانات فهي الغرائز التي هدى الله تعالى بها هذه الحيوانات إلى مافيه حياتها ومعاشها وبقاء نوعها ، فالله تعالى الذي أنعم على الإنسان بنعمة العقل لم يجعلنا جميعا على حد سواء في الوعي والإدراك ، هناك تفاوت في العقول ؛ هذا التفاوت أراده الله تعالى لتدور عجلة الحياة ؛ فالنقص الذي عندي تكمله أنت والعكس يكمله غيرك والآخر …. فأنا أفهم في مجال كذا ، وأنت تفهم في كذا ….والآخر يفهم كذا ….

فتفاوتت العقول وتعددت المدارك حتى يجعل الله تعالى ذلك كله سببا لدوران عجلة الحياة ،فليس كل الناس على عقل واحد ، وليس كل الناس على فهم واحد بل إننا نقول هذا من النجباء من الأذكياء ….هذا قليل العقل …الخ.
فهذا التفاوت ينبني عليه التفاوت في الإدراك والوعي لكل مسألة من المسائل ، وكل الناس ليسوا على وتيرة واحدة وكل الناس لا يحسنون الفهم بدرجة واحدة ، هناك من يفهم الأمور وبواطنها ومراميها وهناك من يفهم الأمر بعد حين ، وهناك من لايريد أن يفهم ؛ لأنه ألغى عقله وعميت بصيرته .
ثانيا / كما قسم الله الأرزاق قسم العقول:

أيضاالله تعالى كما قسم الأرزاق قسم العقول ، فجعل في العطاء رزقا وجعل في العقول رزقا ، والله سبحانه وتعالى لما جعل في العقول والفهم رزقا قال : -( يزيد في الخلق ما يشاء)- [فاطر/1] وهذا أيضا من الأمور التي قدرها الله تعالى لحكمة .

والله جل وعلا لما خلق الإنسان وجعل له حواس الإدراك السمع والبصر وغيرها جعل لكل حاسة من حواس الإنسان حدودا فسمعي له حدود ، وبصري له حدود ، وصوتي له حدود ، وكذلك العقل له حدود ، فأنا ربما لا أسمع الأشياء الدقيقة كموجات الراديو مثلا والهواتف والتلفزيون وما شابه ذلك ، ولو سمعتها لصارت حياتي ضنكا ، فمن رحمة الله أني لا أسمع هذه الأشياء .

وهنالك أشياء لا أبصرها كما نعلم أن الميكروبات والجراثيم وغيرها من الأشياء التي لا يراها الإنسان ومن رحمة الله أننا لا نراها ، فلو كنا نرى دقائق هذه الأشياء لصارت حياتنا عذابا وألما، ولما استطاع الإنسان أن يأكل أويشرب أو يلبس لأنه يرى كل شئ منها حوله بوضوح.
أما العقل فالله تعالى جعل للعقل حدا يدرك به الأشياء ، هذا الحد ينبني بحكم تكوين الإنسان ومعرفته وعلمه وبيئته وتصوراته ، فما أدركه أنا ربما يغيب عنك وما تدركه أنت ربما يغيب عني ، وربما تغيب أشياء كثيرة عني وعنك ، وهذه الأمور لا ينكرها عقل في زماننا ،فالعقل له حدود يتوقف عندها .
ومعنى أن غيرك يفهم شيئا وأنت لا تفهمه هذا ليس معناه إلغاء هذا الشيئ أو إنكاره ؛إنما معناه أن الله آتاه فهما ولم يؤتك هذا الفهم -( يزيد في الخلق ما يشاء)- [فاطر/1] وقال تعالى عن نبييه الكريمين سليمان وداوود -( ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما )- [الأنبياء/79] فنبي الله داوود كان على علم وحكمة وينزل عليه الوحي من الله عز وجل ؛إلا أن الله آتى ولده سليمان فهما زائدا على فهم أبيه (وكلا آتينا حكما وعلما )- [الأنبياء/79] فلم ينقص هذا من قدر داوود ولم يزد في قدر سليمان فكليهما نبيين من أنبياء الله .

والهدهد الذي رأى المرأة التي تعبد الشمس هي وقومها قال : -( وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله )- [النمل/24] ولا يعني علم الهدهد بهذه المسألة أنه أعلم أو أفهم من نبي الله سليمان .

والخضر علم أشياء من الغيب أطلع الله نبيه وكليمه موسى على ثلاثة منها في رحلته مع الخضر، لكن هذا لا يعني أن الخضر خير من موسى فهو كليم الله ومن أولي العزم الخمسة ، وهو النبي الذي أنزل الله عليه التوراة وكان رسولا لبني إسرائيل .

ثالثا / حض القرآن على إعمال العقل :

إذن هذه مسائل كعناوين أضعها بين يدي الحديث عن العقل ، ولو تأملنا القرآن الكريم لرأينا فيه حضا في آيات كثيرة على إعمال العقل، لماذا ؟

إعمال العقل في الإيمان بالله عز وجل ، من خلال النظر في هذا الكون الذي يدل على وحدانيته وعظمته في خلقه سبحانه وتعالى ، ولذلك نقرأ -( لآيات لقوم يعقلون )- [البقرة/164] و -( قد بينا الآيات لقوم يوقنون )- [البقرة/118] و -( لآيات لأولي الألباب )- [آل عمران/190]
أيضاحث على إعمال العقل في أخذ العبرة والعظة من الحوادث والوقائع التاريخية من خلال المرور بديار القوم الذين أهلكهم الله لما عصوا الرسل ، فقال : -( أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها )- [الحج/46] فهذا حض على إعمال العقل في أخذ العظة والاعتبار .
أيضا حضنا الله سبحانه وتعالى على إعمال العقل في فهم الأمور حتى لا نقع فريسة للجهل والتقليد الأعمى قال تعالى  -( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون )- [البقرة/170]

وهذا الخطاب تكرر في القرآن ينعي على من جمد عقله على عادات آبائه وأسلافه دون أن يفهم ودون أن يعي .

رابعا / الوحي نور العقل :

والإنسان حينما يعمل عقله في هذه الأمور فيدركها ويعيها يكون الوحي قائدا ومعلما له فالعقل إذا استقل عن الوحي في هذه الأمور الإيمانية يصل إلى مرحلة اتباع الهوى وهذا الذي أخبر الله عنه فقال : -( أرأيت من اتخذ إلهه هواه )- [الفرقان/43] و -( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم )- [الجاثية/23] والهوى هو المزاج الشخصي ماذا يهوى؟ وماذا يحب أو يكره؟ وهذا حسن وهذا قبيح ، ما هو الضابط لكل هذه الرؤى ؟

هواه … مزاجه … كما يميل بعقله أو بمزاجه يقول : أنا أحب هذا وأكره هذا ….

ولو أننا في الدنيا كلها اتبعنا أهواء الناس ما انصلح للناس حالا ، لو كل واحد أحب أن يفعل ما يشاء في أي وقت شاء لكان الفساد في الأرض كلها ، في كل المجتمعات المدنية والمتقدمة تجد هناك قانون وسيادة القانون ، قانون ينفذ على الجميع بلا استثناء فإذا طبق القانون على البعض وأسقط عن البعض بدأ الفساد ينتشر والظلم وبدأت عوامل ضياع وسقوط هذه الدولة أو هذا المجتمع كما هو معلوم في التاريخ كله ، فلو أن الأمر وقع كما يحب كل واحد وكما يهوى ،أو على وفق ما يفهم أو وفق مصلحته لفسدت السموات والأرض كما قال الله عزوجل -( ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن )- [المؤمنون/71]

احترام القوانين وإن رفضتها العقول :

أنا وأنت مثلا نعيش في هذا البلد ونلتزم بقوانينه ، سؤال : هل كل القوانين هنا أنت تفهمها وتفهم أبعادها ومقتنع بها ؟

أنت في سبيل الحصول على الخدمة الفلانية لا بد من إجراءات 1،2،3،4 طيب أنا غير مقتنع بهذه الإجراءات !! إذن لن تحصل على هذه الخدمة التي تريدها؛ فالقانون نظم حصولك على كذا بناء على كذا …

طيب لو قلنا : إن عقلي غير مقتنع بهذه المسألة ماذا أفعل ؟

لا أستطيع أن أرفض لأني بحاجة لهذه الخدمة فاستسلم لهذه الديباجة القانونية والتزم بهذه التعليمات وإن كان عندي اعتراض فمجاله في المحاكم. 

السرعة القصوى 30 كم :
مثال مثلا أنت الآن في منطقة فيها مدرسة السرعة القصوى 30 كم في الساعة طيب المدرسة تستمركحد أقصى للساعة 5،6 مساء أنا الآن الساعة 2 قبل الفجر ما الداعي أن أمشي على سرعة 30 كم ؟ أنا الآن في الإجازة الصيفية ما في مدارس مطلقا ما الداعي أن أمشي على سرعة 30كم ؟

لماذا نتوقف عند علامة التوقف ( stop sign ) ؟

حتى لا يكون هناك في التقاطعات أي حوادث .

طيب أناالآن الساعة 2 قبل الفجرليس هناك أحد لا يمين ولا شمال لماذا يلزمني الوقوف على الصفر ثم أتحرك بالسيارة ثم أتوقف … وهكذا كلما قابلتني هذه العلامة ؟ أنا غير مقتنع بهذا !!!

نعم ولكن إذا خالفت القانون فهناك عقوبة كذا وكذا…

ففي أمور أنت غير مقتنع بها لو قلنا بصورة منطقية (Logic) كلاما صح، لكن هذا هو القانون يطبق 24 ساعة صيفا شتاء ، في كل وقت ، وأنا وأنت نلتزم بالقانون .

طبعا إذا سألنا المختصين هنا يقولون : إن القانون يطبق حتى وإن لم يكن هناك داع لهذا التطبيق حتى يتعود الناس التزام السرعة 30 كم في هذه المنطقة وحتى يتعودوا التوقف عند علامة التوقف للسلامة ، ولو فتحنا الباب لحدث انفلات وكل واحد سيفسر المسألة بمزاجه ، فهنا في أبعاد لسلامتك وسلامة غيرك دائما سواء أدركت هذه الأبعاد أو لم تدركها أنت مطالب بتطبيق القانون .

الاستسلام للطبيب :

مثال رابع لو ذهبت إلى طبيب لأني أشكو من كذا وكذا … فقال لي الطبيب لا تأكل كذا وكذا ….

فأقول له: مستحيل هذا الشيء أنا أحبه جدا، فيقول لك: هذا الطعام يحتوي على نسبة كذا ، ولو أنك أكلت فالنسبة عندك مرتفعة وهذا سيؤدي لزيادة كذا وكذا …. الآن أنا فهمت ، هذا طبيب شرح لك ، إذا لم يشرح لك هل تترك كلام الطبيب وتفعل ما تتوهمه صوابا ، كلا إنما أفوض الطبيب في المسألة لأنه على علم فيما يقول .
هذه العلبة تأخذ منها حبة صغيرة في اليوم، وهذه الكبسولة الكبيرة تأخذ منها 5 في اليوم !!

تقول يا دكتور اديني عقلك هذه الكبيرة خمسة، وهذه الحبة الصغيرة واحدة لماذا لا يكون العكس؟ فيبين لك فاعلية الدواء واحتياج جسمك لنسبة كذا وكذا ….

فهناك أمور أنا لا أحسن فهمها حتى وإن شرحت لي، لكن هذا لايلغي أبدا أني استسلم للطبيب لثقتي فيه فيما يصف من دواء .
المحامي في قضية من القضايا لثقتي فيه أنه ذو خبرة بالقوانين والقضاء والمحاكم قدم مذكرة فيها كذا وكذا ….فأنا أثق فيه .
المهندس يقول : البيت عند البناء يحتاج أساس بصفة كذا ودعامات كذا ومواد كذا …فأنا أثق فيه لعلمه وخبرته .

خامسا / لماذا لا نستسلم لأوامر الله ؟

طيب أنا أثق في كل هذا فيمن يشرع القوانين لسلامتي وسلامة غيري ، وفي الطبيب الذي هو مسؤول عن صحتي، وفي المحامي الذي هو مسؤول عن حقوقي في المهندس المسؤول عن سلامتي في بيتي ….

عندما يأتي الأمر إلى وحي الله وشرعه أقول : أنا لا أثق في ذلك !!

أرد الأمر على الله سبحانه وتعالى ؟!

أنا غير مقتنع يارب بكلامك ؟!

هذه هي المسألة وإن لم نقل ذلك بطريقة مباشرة، فأنا احترمت القوانين لأن فيها سلامتي وإن لم أدرك أبعاد كل قانون، واحترمت كلام الطبيب وإن لم أكن قد درست الطب، وفهمت أبعاد كل شيء ، واحترمت القانون مع المحامي ، والمهندس …. كل التخصصات المختلفة ، وعند شرع الله قلت احترموا عقولنا !!! لابد وأن تتغيروا ….

يا أخي لم يأت الشرع لك لتكون حاكما عليه ؛إنما جاء الشرع ليكون حاكما عليّ وعليك ، شرع الله عز وجل يحكم الجميع فالعقل مع شرع الله سبحانه وتعالى يفهم ويعي ويدرك ، فالوحي جاء هاديا وقائدا والعقل يتبع ذلك بفهم ووعي وتسليم واستسلام بين يدي الله سبحانه وتعالى.

ولذلك لاحظوا قول الله تعالى : -( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما )- [النساء/65] هذا قسم من الله أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا رسوله فيما شجر بينهم، أي: في كل شيء يحصل فيه اختلاف، ثم لا يكفي هذا التحكيم حتى ينتفي الحرج من قلوبهم والضيق، ثم لا يكفي ذلك حتى يسلموا لحكمه تسليمًا بانشراح صدر، وطمأنينة نفس، وانقياد بالظاهر والباطن.

وقال تعالى : -( إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون )- [النور/51]

طيب يارب أنا لم أفهم ؟! حاول أن تفهم اسأل تعلم -( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )- [الأنبياء/7]

اتهم عقلي ولا اتهم شرع الله:

طيب أنا لم أقتنع !!

عندك العنوان الأكبر وهو الإيمان والاستسلام لله سبحانه وتعالى (سمعنا وأطعنا )لا نقول : (سمعنا وعصينا )

لا نقول يارب بما أننا لم نفهم فلن نسمع لكلامك …نعوذ بالله من ذلك ؛إنما حينما يعجز عقلي عن إدراك حكمة تشريعية لأمر من أومر الله اتهم عقلي ولا اتهم شرع الله ، الخلل عندي أنا وليس في دين الله .

مع يقيني أنا كمسلم أن أقوال الله وأفعال الله وأقداره سبحانه وتعالى كلها لا تخلو من حكمة ، ما أمر الله بأمر إلا وله فيه حكمة ولا نهى عن نهي إلا وله فيه حكمة ،ولا قدر من قدر وقع بك وأصابك خيرا كان أو شرا إلا وله فيه حكمة ، ربما تعلمها وربما تجهلها ، وقدر الله تعالى في دينه أمورا ندرك لها حكمة ، وأمورا لا ندرك لها حكمة ،فما أدركنا حكمته قال عنه العلماء: عبادة معقولة المعنى ، فهمنا المقصد الشرعي منها ، ومالا تدركه عقولنا قالو : إنها عبادة المقصود منها العبودية لله تعالى ، الاستسلام لله .

ولذلك الشيخ الشعراوي رحمه الله كان يقول : إن أوامر الله فيها ما هو معقول ومقبول عقلا وفيها مالا يجد العقل متسعا لفهم حكمته وسببه فأنت في كلٍ مطيع لله سبحانه وتعالى لا مطيعا لعقلك ولا عابدا لعقلك ، أنا في الأمرين عندي ثقة أن هذا أمر الله سواء أدركه عقلي أم غابت الحكمة عن عقلي ، لكن أنا في الاثنين مسلم لأمر الله وعندي ثقة في الله ، عندي عبودية تدفعني إلى أن أقول لله: (سمعنا وأطعنا) وليس (سمعنا وعصينا) هذه مسألة هامة جدا .

عدم إدراكي للحكمة لاينفي الحكمة:

وكما قلت إن عدم إدراكي للحكمة لا يعني أنه ليس هناك حكمة ، كلا توجد حكمة لكنها غابت عنك يجليها الله ويظهرها لمن شاء ، بل إنك تجد الأمر الواحد من العلماء من يقول إن الحكمة فيه تعبدية ومنهم من يقول: الحكمة كذا وكذا ….

فعندنا مثلا الصلوات الخمس لو أردت أن تدرك حكمة لكل صلاة لن تستطيع لماذا الظهر أربع ركعات والعصر أربع ركعات والمغرب ثلاث…..الخ،  لماذا ؟ هذا أمر تعبدنا الله به .
لماذا الصيام شهر في العام ؟

لماذا لا يكون أسبوع ؟

لماذا من الفجر إلى المغرب ولا يكون من الظهر إلى العشاء ؟

لماذا لا نصوم في الصيف من العشاء للفجر؟

لماذا نطوف بالكعبة سبعة أشواط ؟

لماذا لم تكن ستة ولا ثمانية أو تسعة ؟

الوقوف بعرفة 9 ذي الحجة لماذا لا يكون يومان في العام أو ثلاثة أو أربعة ؟ ولماذا عرفة بالذات وليس في مكان آخر ؟

أسئلة كثيرة، ولكنك حينما تتوقف أمامها تقول : (سمعنا وأطعنا ) وهذا ليس إلغاء للعقل إنما هو من توابع الإيمان والاستسلام لله حينما أمر وحينما نهى .

الخنزير شهيته غير معتدلة :

أذكر أني في أحد الدروس كنت أتكلم عن لحم الخنزير ، والحكمة من تحريمه ، وأن الخنزير لا يأكل إلا القاذورات ، وأن لحمه من الناحية الصحية مضر ، ويسبب الأمراض والديدان…. فقام أحد المصلين قائلا : إذا أخذنا الخنزير وأطعمناه طعاما عاديا طيبا بعيدا عن القاذورات والفضلات يكون حلالا ؟ وقبل أن أجيب قام أحد الحاضرين وكان طبيبا بيطريا وقال: أنا أجيبه بعد إذنك . تفضل ، قال عندنا درسنا في الطب أن هذه هي شهية الخنزير الطبيعية من ناحية أكله القاذورات والفضلات، فإذا عرضنا عليه طعاما آخر لن يقبله ، وإذا أقبل على الطعام النظيف نقول عنه إنه خنزير غير طبيعي وأن شهيته غير معتدلة ، هكذا خلقه الله سبحانه وتعالى .

الحكمة من الصيام :

ففي أمور الناس تفلسفها للعقل القاصر ثم لا تفهم أبعادها حتى قال البعض : إذا كان الله أوجب الصيام حتى يشعر الغني بألم الفقير تمام طيب لماذا يصوم الفقير ؟ إذن يسقط الصيام عن الفقير !!

هذا كلام عقلاني لكنه ليس مقبولا -( وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم )- [الأنعام/121] فليست الحكمة الوحيدة منه أن يشعر الغني بآلام الفقراء فهذه حكمة من الحكم وليست الوحيدة فهناك حكم أخرى على رأسها طاعة الله فيما أمر .
فالعقل يا إخواني له حدود يدرك الأمور وربما لا يدركها ، ما أدركه بحكم تخصصي أنا ، خلاف ما تدركه بحكم تخصصك أنت ، وهكذا ما يدركه غيري ، فإدراك الطبيب للأمور الصحية أو الطبية غير إدراك المحامي ، وإدراك المحامي للقوانين وتفصيلاتها غير إدراك المهندس ، وإدراك المهندس لعوامل السلامة والتخطيط في المباني والمدن غير فهم المدرس …. وهكذا .
فكل واحد عنده علم يدرك أمورا وتغيب عنه أمور ، فإدراك عقلك لأمر لا يعني أنك الوحيد الذي تفهم والآخرون لا يدركون ، وكذلك العكس بالعكس ، في أمور في التخصصات الأخرى لا أدركها وغيري يفهمها ، هذا ليس غباء ولا قلة ذكاء ، إنما وزع الله الأفهام والعقول وجعلها رزقا للعباد فهذا يفهم شيئا وهذا يفهم شيئا ، وهذا عنده نقص يكمله غيره فتكتمل الدائرة وتدور عجلة الحياة .

الوحي يميز لنا بين الحسن والقبيح :

 الوحي جاء فضبط لنا أفكارنا وتصوراتنا ، والتمييز بين الحسن والقبيح ، لو أطلق الأمر للعقول لرأينا دينا غير دين الإسلام الذي نعرفه ، هذا يرى هذا الشيء حسنا وهذا يراه قبيحا ….الخ ، لو سألت إنسانا يشرب الخمر ما رأيك في الخمر ؟ سيقول إنها كذا وكذا …. فيعبر عنها بأجمل تعبير لأنه يحبها ، وإذا رأيت آخر كارها للخمر وسألته ما رأيك فيها؟  سيقول الخمر فيها وفيها … من المضار والخبائث ، طيب هذا له قول، وهذا له قول ، من الذي يفصل في هذا ؟
امرأة ترى أن الحجاب فيه كرامة للمرأة وحرص على حيائها وهوتاجها ، وأخرى ترى الحجاب خنق للمرأة وتضييق عليها وحبس لحريتها ، من الذي يضبط هذا ؟
واحد مثلا يرى في الربا أنه مكسب سريع ، والآخر يرى أنه حرام لأن فيه وفيه …. من الذي يضبط هذه الاختلافات ؟

الذي يضبطها الوحي الذي له مصدر واحد : الله سبحانه وتعالى، نلجأ إلى الوحي الذي يقول لنا: هذا حسن وهذا قبيح فتستقيم العقول .

قصة جمعية الحمير:

كنت ذكرت من قبل قصة جمعية استضافتها إحدى القنوات والمقطع على اليوتيوب اكتب على البحث جمعية الحمير !!!

قال أمين عام جمعية الحمير : إن الجمعية تضم الكثير من الشباب وحتى من كبار السن ولماذا الحمير. قال لانها اكثر الحيوانات مظلومة!

وعندما سأله المذيع عن صفته في الجمعية قال : أنا الامين العام ورتبتى هى « حمار ثاني»!

وتابع باستخفاف قائلا: المرتبة الأولى عندنا في الجمعية هى جحش وهذه هى البداية ويكون تحت التمرين ! وذلك لكى يتخلص من صفاته الانسانية ويتشبه بالحمير! ياسلام ! وماذا بعد؟

وبعد كل التمرينات والوقت المخصص للعضو كجحش يرقي الى مرتبة “حمار ثاني “مثل وضعى !
لماذا لم تصبح «حمار أول»؟ رد ببساطة : لكى أكون حمار أول يحتاج هذا إلى وقت طويل وتمرينات صعبة، فهى أعلى مرتبة في جمعية الحمير!
وعندما سأل المذيع، عن انشطة ومناسبات الجمعية قال : لدينا ثلاث مناسبات نحتفل بهاأهمها :
– يوم الضرب. وفيه نضرب بعضنا بعضنا فقط لكى نشعر بآلام الحمير المساكين!
-يوم النهيق. وهو يوم نمارس فيه حريتنا في النهيق مثل الحمير.
– المناسبة الثالثة هى يوم البردعة!

استمع للمقطع هنا :

والله أنا أستحي أني أقول هذا الكلام على المنبر ، لكن أريد أن أوصل إليك كيف يكون العقل إذا استقل عن الوحي بلا هداية ولا بصيرة ، فيتخبط العقل في ضلالات ومتاهات ، إذا استقل العقل بعيدا عن الوحي لن يميز لا حسن ولا قبيح .

فالوحي هاد للعقل ، إذا اصطدم فهمك مع مسألة من مسائل الوحي فالخلل ليس في دين الله ولا شرعه ، الخلل في عقلي أنا ، في فهمي أنا وما عجزت عن إدراكه لا يعني أبدا إلغاءه ولا تعطيله ولا انعدام الفائدة منه ، أنا وأنت نستخد الهواتف الذكية الآن (smart phones) هل تدرك كيف يعمل هذا الهاتف؟ ما هي البرمجة المعينة التي يكون هذا الهاتف عليها ؟ أبدا لكن لا يعني أن ألغي الانتفاع به .

أنت تركب سيارتك هل تعرف كيفية عمل الموتور أوالمحرك والبنزين و…الخ هل معنى ذلك ألا تركب السيارة ؟

أنت ترى الكهرباء في المصابيح مضاءة، فهل تعرف الدائرة الكهربية كيف تعمل والسالب والموجب …الخ ، فهل معنى ذلك عدم الانتفاع بالكهرباء والمصابيح ؟
فجهل الإنسان بشيء ليس معناه تعطيله ولا إلغاء الفائدة منه ، جهلي بشرع الله لا يبرر أن أتمرد على أمر الله ، جهلي بثوابت الدين لا يعني أن أكذب وأن أرد ثوابت الدين ثم أقول في الأخير للمشايخ :
احترموا عقولنا
أقول : احترم شرع الله أنت مسلم
احترم أمر الله أنت مسلم
عظم أوامر الله أنت مسلم -( ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب )- [الحج/32]


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 356 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم