أسماء الله الحسنى :58- الحق جل جلاله

تاريخ الإضافة 21 نوفمبر, 2023 الزيارات : 4438

أسماء الله الحسنى :58- الحق جل جلاله

أولا /المعنى اللغوي

الحق يدل على إحكام الشيء وصحته ، والحق نقيض الباطل، قال تعالى ” فماذا بعد الحق إلا الضلال” [ يونس 32 ] والحق اسم فاعل، فعله: حقَّ يحقُّ حقًا، يقال: حققت الشيء أحقه حقًا، إذا تيقنت كونه ووجوده ومطابقته للحقيقة.

والحق بمعنى المطابقة والموافقة والثبات وعدم الزوال.

والحق بمعنى العدل خلاف الباطل والظلم.

والحق هو الاعتقاد في الشيء المطابق لما عليه في الحقيقة؛ كأن تقول : أعتقد أن البعث والثواب والعقاب والجنة والنار حق.

ثانيا / المعنى في حق الله تعالى

الله هو الحق: في ذاته، وصفاته، فهو واجب الوجود كامل الصفات والنعوت، وجوده من لوازم ذاته، ولا وجود لشيء من الأشياء إلا به؛ فهو الذي لم يزل، ولا يزال بالجلال، والجمال، والكمال، موصوفًا، ولم يزل ولا يزال بالإحسان معروفًا، فقوله حق، وفعله حق، ولقاؤه حق، ورسوله حق، وكتبه حق، ودينه هو الحق، وعبادته وحده لا شريك له هي الحق، وكل شيء إليه فهو حق منه سبحانه وتعالى.

ثالثا / وروده في القرآن الكريم والسنة المطهرة

ورد الاسم في القرآن الكريم في عشر آيات:

  • في سورة الأنعام: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام:62].
  • وفي سورة يونس في موضعين: {هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [يونس:30].
  • {فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [يونس:32].
  • وفي سورة الكهف: {هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا} [الكهف:44].
  • وفي سورة الحج في موضعين: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الحج:6].
  • {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [الحج:62].
  • وفي سورة المؤمنون: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:116].
  • وفي سورة النور: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور:25]

وفي السنة المطهرة: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “كَانَ يَقُولُ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ: «…أَنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَقَوْلُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَأَخَّرْتُ، وَأَسْرَرْتُ وَأَعْلَنْتُ أَنْتَ إِلَهِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ» صحيح مسلم

رابعا / تأملات في رحاب الاسم الجليل

الله تبارك وتعالى هو الملك الحق الموجود حقيقة الذي ﻻ يسع أحد إنكاره وﻻ جحوده وﻻ ريب فيه و ﻻ شك في وجوده.

والله سبحانه وتعالى الحق الذي يملك السمع واﻷبصار الذي يخرج الحي من الميت والميت من الحي الذي يدبر الأمر، ﻻ تأخذه سنة و ﻻ نوم إله حق عليم سبحانه وتعالى، فما أجهل وما أضل من ينصرف عن عبادة الله إلى عبادة غيره: (فَذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ) [ يونس 32 ]

فهو سبحانه لا يقول باطلا ولا يفعل باطلا -( الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار )- [آل عمران/191]

ومن هنا أنكر القرآن على أولئك الظانين أن الكون خلق بلا غاية  قال تعالى :  -( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون )- [المؤمنون/115] و -( وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين )- [الدخان/38]

وما أخبر الله به على لسان رسله أو في كتبه فهو الحق قال تعالى :   -( وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم )- [الأنعام/115]

وكل ما أخبر الله عنه من عوالم الغيب ونهاية الحياة وحقائق الآخرة فهو حق يجب التصديق به والتسليم بصحته ووقوعه لا محالة ، ومن هنا كان وعد الله حق والموت حق والساعة حق ، قال تعالى : -(  وكان وعد ربي حقا )- [الكهف/98] و  -( وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد )- [ق/19] و -( هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون )- [الجاثية/29] و -( ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون )- [الأنعام/30]

وكل ما شرعه الله لعباده من أحكام تنظم علاقتهم بالله فهو الحق  قال تعالى : -( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما )- [النساء/105]

كيف نعرف الحق ؟

أي أمر يتصف بالحق يكون بقدر اتصاله بالحق المطلق ” الله ” وانتسابه إليه ورضاه عنه ، ويكتسب الأمر صفة الباطل بقدر بعده عن الله وانقطاعه عنه ، وبتعبير آخر : كل ما كان أصله من عند الله فهو حق ، وكل ما كان من غير الله منقطعا عنه فهو باطل .

فإذا عرفنا أن الله جل وعلا هو الحق فاعلم أن قوله حق وفعله حق ، وهو الذي يحق الحق بكلماته ، وإذا وعد فوعده الحق وما أمر به حق، كما قال تعالى: “وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ “يونس من الآية:82، “وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ “الأنعام:73.

 فالله –عز وجل- حق وكل شيء من عنده، وكل ما عاد إليه حق، وكل ما أمر به ونهى عنه حق على العباد امتثاله أي واجب ذلك عليهم.

قال الراغب الأصفهاني:

أصل الحق المطابقة والموافقة ويقال على أوجه:

الأول: يقال لموجد الشيء بسبب ما تقتضيه الحكمة ولهذا قيل في الله تعالى هو الحق، قال الله تعالى:” ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ” [الأنعام: 62].

الثاني: يقال للموجد بحسب مقتضى الحكمة ولهذا يقال: فعل الله تعالى كله حق. قال الله تعالى: “هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا” [يونس: 33] إلى قوله تعالى: مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ [يونس: 5].

الثالث: في الاعتقاد للشيء المطابق لما عليه ذلك الشيء في نفسه؛ كقولنا: اعتقاد فلان في البعث والثواب والعقاب والجنة والنار حق.

الرابع: للفعل والقول الواقع بحسب ما يجب، وبقدر ما يجب وفي الوقت الذي يجب. كقولنا فعلك حق، وقولك حق، قال الله تعالى:” كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ “[يونس: 13] و “حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ “[السجدة: 13].

وقوله –عز وجل-: “وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ” [المؤمنون: 71] يصح أن يكون المراد به الله تعالى، ويصح أن يراد به الحكم الذي هو بحسب مقتضى الحكمة. ويقال: أحققت كذا أي أثبته حقاً أو حكمت بكونه حقاً، وقوله تعالى: لِيُحِقَّ الْحَقَّ [الأنفال: 8] فإحقاقه الحق على ضربين: أحدهما بإظهار الأدلة والآيات، والثاني: بإكمال الشريعة وبثها في الكافة كقوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [التوبة: 33].  المفردات في غريب القرآن 1/125

من يحول بيننا وبين الحق ؟

1- الغفلة : فهناك من يعيش حيا كميت معطلا لسمعه وبصره وعقله، قال تعالى : -( أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا )- [الفرقان/44]  .

2- التقليد الأعمى للآباء والأجداد أو السادة والرؤساء، قال تعالى :  -( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون )- [البقرة/170]  و -( وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا )- [الأحزاب/67]

3- اتباع الهوى فهو يعلم الحق لكنه يعلم أنه مر المذاق كثير التكاليف لما يلزمه من مخالفة هوى النفس وعادات المجتمع والوقوف في وجه أهل الباطل  قال تعالى : ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون ) [الجاثية/23]

هل أنت متبع للحق؟

هذا له عدة مظاهر :

1- الإذعان للحق واتباعه كما قال عمر : اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.

2- قول الحق : فلا يُستحيى من قوله، عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (ألا لا يمنعن أحدًا هيبةُ الناس أن يقول بحق إذا علمه)؛ أخرجه الترمذي، وقال: (حديث حسن صحيح).
وفي رواية عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَلَا لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ رَهْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا رَآهُ أَوْ شَهِدَهُ؛ فَإِنَّهُ لَا يُقَرِّبُ مِنْ أَجَلٍ، وَلَا يُبَاعِدُ مِنْ رِزْقٍ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ أَوْ يُذَكِّرَ بِعَظِيمٍ) أخرجه أحمد بسند جيد.

3- الدعوة إلى الحق كم قال تعالى في سورة العصر “وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)

4- الثبات عليه وتحمل الأذى في سبيله، قال تعالى:  ( فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون )- [الروم/60]

توضيح هام: السكوت عن قول (كلمة الحق) أحيانًا هو من الحق:

 كما في صحيح الإمام مسلم حينما طلب رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – من حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه – أن يذهب إلى مكان المشركين ليأتيه بخبر القوم، وألاَّ يتحدَّث شيئًا أمامهم، ولا يفعل شيئًا يُذعرهم على المسلمين، فلو أنَّه تكلَّم أو دافع أو نافح عن رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – لكان في ذلك إفسادٌ للمقصد الذي بعث لأجله رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – الصحابي الجليل حذيفة – رضي الله عنه.
وما يتناقله كثيرٌ من الناس وينسبونه لرسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – أنَّه قال: (الساكت عن الحق شيطان أخرس، والمتكلِّم بالباطل شيطان ناطق)، لا يصح مطلقًا عن رسول الله فهو حديث باطل!
لكن ورد في “الرسالة القشيرية “لأبي القاسم القشيري – رحمه الله – أنَّه سمع الأستاذ أبا علي الدقاق يقول: (من سكت عن الحق، فهو شيطان أخرس)، وهذه الكلمة صحيحة في الأصل، لكنَّها ليست على جميع أحوالها صحيحة، فقد يسكت المرء عن شيء ما يستحق السكوت، ولا يستحق الكلام كما بيَّنا في قصَّة حذيفة.
ولربما يتكلَّم الشخص بكلمة حق، يكون مآلها زيادة المنكر، فسكوته في هذه الحالة أولى وأوجب.
ويتحدث الإمام ابن تيمية عن هذا السر قائلًا: “كنت آمر أصحابنا ألا يمنعوا الخمر عن أعداء المسلمين من التتار والكرج (جورجيا الآن) ونحوهم، وأقول: إذا شربوا لم يصدهم ذلك عن ذكر الله وعن الصلاة، بل عن الكفر والفساد في الأرض، ثم إنه يوقع بينهم العداوة والبغضاء وذلك مصلحة للمسلمين، فصحوُهم شر من سكرهم، فلا خير في إعانتهم على الصحو، بل قد يستحب أو يجب دفع شر هؤلاء بما يمكن من سكر وغيره”.
كما أنَّ من لا يستطيع إنكار المنكر إلاَّ بقلبه، فإنَّه لا يجب عليه أن ينكره بلسانه، فلقد ورد في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “مَن رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطعْ فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان”، وفي رواية: (وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل).
فمَن كان قادرًا على إنكار المنكر بلسانه، ولكنَّه سكت فهو الشيطان الأخرس، ومن لم يكن قادرًا على إنكار ذلك المنكر بلسانه، فليس بشيطان أخرس.

الباطل زائل

فهو وإن طال إلا أنه إلى زوال فما ظهر إلا في غفلة أهل الحق فلا يدوم طويلا ، و (كلمة الحق) قذيفة ربَّانية في وجه الباطل، تُزلزل كيانه، وتحطم أركانَه، وتقهره وتُهلكه، حتَّى يصل الهلاك إلى دماغه؛ فيعطب ويتلف، قال تعالى : ( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون )- [الأنبياء/18]

وقوله تعالى “فيدمغه فيه فائدتان :

الأولى : أن الحق قذيفة تنقض على الباطل فتسحقه ومن قوته أنه يصيب الباطل في دماغه والمرء إذا أصيب في دماغه لا يعيش .

الثانية : فيه معنى الدمغ أي حينما يصاب به يعلم أنه باطل زاهق لا روح له ولا نفس قال تعالى : ( وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا )- [الإسراء/81]

وأخرج البخاري بسنده عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: دخل النبي – صلى الله عليه وسلم – مكة وحول البيت ستون وثلاثمائة صنمًا، فجعل يطعنها بعودٍ في يده ويقول: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81]، { جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} [سبأ: 49].

خامسا / ثمار الإيمان بالاسم الجليل

1-الإيمان بأن اللهُ تَعَالَى هُوَ الحَقُّ المُبِينُ:

، لَا شَكَّ وَلَا رَيْبَ فِي وُجُودِهِ، وَلَا يَسَعُ أَحَدًا إِنْكَارُهُ لِظُهُورِ دَلاَئِلِ إِثْبَاتِهِ، وَكَيْفَ يَخْفَى سُبْحَانَهُ وَهُوَ أَحَقُّ بِاسْمِ (الحَقِّ) مِنْ كُلِّ حَقٍّ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ حَقٌّ فِي ذَاتِهِ، حَقٌّ فِي صِفَاتِهِ حَقٌّ فِي أَقْوَالِهِ، حَقٌّ فِي أَفْعَالِهِ، قال تعالى : ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴾ [الحج: 62]

2- الدعاء باسم الله الحق :

وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَفْتِحُ صَلاَتَهُ مِن اللَّيْلِ بِذِكْرِ هَذَا المَعْنَى، كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ: “اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ مَلِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ الحَقُّ، وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ” 

3-الجهر بالحق:

الجهر بالحق وعدم كتمانه، فالجهر بالحق حق، قال – تعالى-: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ) [آل عمران: 187] ومن شرف (كلمة الحق) أنَّ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – جَعَلَها (من أعظم الجهاد) حيث قال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: (إنَّ من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر)؛ أخرجه الترمذي، وقال: حسن غريب.
وفي سنن النسائي عن أبي عبد الله طارق بن شهاب البجلي: أن رجلاً سأل النبي – صلى الله عليه وسلم – وقد وضع رِجْله في الغرز -: أي الجهاد أفضل؟ قال: (كلمة حق عند سلطان جائر).
قال الخطابي: وإنما صار ذلك أفضل الجهاد؛ لأنَّ مَنْ جاهَد العدو كان متَرَدِّدًا بين الرجاء والخوف، لا يدري هل يغلب أو يغلب، وصاحب السلطان مقْهُورٌ في يده، فهو إذا قال الحق وأمره بالمعروف فقد تعرض للتلف؛ فصار ذلك أفضل أنواع الجهاد من أجْل غلبة الخوْفِ.

4- الرضا باقدار الله :

على العبد أن يرضى بما قدر الله له سبحانه وتعالى، فإذا علم العبد أن ربه هو الحق سبحانه وتعالى نزل في قلبه الرضا و الطمأنينة بما يصيبه من أقدار من مصائب أو ابتلاءات أو شدائد؛ ﻷنه يعلم أن الحق سبحانه هو الذي قدر ذلك كله، و أنه لن يكن شيء إﻻ بعلمه سبحانه وتعالى، فقضاؤه حق، وقدره حق.

5-الانقياد التام لشرعه :

أن يسلم التسليم التام ﻷحكام الله ورسوله فيما أمرنا به وفيما نهانا عنه، قال تعالى : “فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا”[النساء65] فهنا أقسم تعالى بذاته الكريمة أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا رسوله فيما شجر بينهم، أي: في كل شيء يحصل فيه اختلاف، ثم لا يكفي هذا التحكيم حتى ينتفي الحرج من قلوبهم والضيق، ثم لا يكفي ذلك حتى يسلموا لحكمه تسليمًا بانشراح صدر، وطمأنينة نفس، وانقياد بالظاهر والباطن. 

6- قوله الحق جل وعلا :

أن يؤمن بأن كلامه -سبحانه- حق ولا يمكن أن يعتريه الخطأ، ولا يمكن أن يشوبه الخلل، لأنه كلام الله -عز وجل- ومن أصدق من الله قيلا، لا يحتاج إلى دليل لإثباته ولا إلى بينات لتأكيد صحته، وهو حق مطلق لا يمكن أن يكون فيه نقص أو خطأ أبداً، قال الله -عز وجل-: (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ) [فصلت:42].

فعندما يقول الله -سبحانه-: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد:11]، فهذه ليست نظرية للتغيير بل هي حقيقة لا مفر منها، وحين يقول الله -تعالى-: (وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) [التوبة:28]، ليست هذه أمنية أو حلمًا، بل هي وعد لا شك أنه سيتحقق ولو كانت المعطيات في الأرض كلها على خلاف ذلك.

وحين يقول الله -سبحانه-: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ) [النمل:62]، وحين يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) [البقرة:196]، فليس هذا كلام لأجل التخفيف عن الناس بل حقيقة، ووعد ثابت، ولا يخلف الله وعده.

7- أن يقبل المسلم الحق ولا يرده:

فالله الحق يريد من عباده أن يقوموا بالحق، وأن يقبلوه، فإذا جاءهم أخذوا به ولو كان ثقيلاً على نفوسهم، فإن للحق ثقلاً تأباه معه كثير من النفوس، كما قال -سبحانه وتعالى- (وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ) [الزخرف: 78]

8- والحق -سبحانه – يحب من عباده الذين يقضون بالحق:

 قال -عز وجل- مادحا أمة من خلقه: (وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) [الأعراف:181]، وكما خاطب الله -سبحانه- نبيه -صلى الله عليه وسلم- فقال له: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ) [المائدة: 48].

فالمسلم عليه يعدل المسلم ولا يظلم, قال -تعالى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة: 8] وأهل الحق في القضاء وأهل الحق في الحكم هم أحباب الله -عز وجل- وأوليائه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “إنَّ المقسطين يوم القيامة على منابر من نور، عن يمين الرحمن، -وكلتا يديه يمين- “من هم هؤلاء؟  قال: “الذين يعدِلون في حكمهم وأهليهم وما وَلُوا”، يعدلون إذا حكموا، ويعدلون في أسرهم بين أولادهم وفي حقوق زوجاتهم وما يتعلق بذلك، ويعدلون في ولايتهم ومسؤوليتهم التي يكلفون بها.


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود

 رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود   ما أجمل أن يتلمس الدعاة في عصرنا الحاضر السير على خطى الأنبياء، والتخلق بأخلاقهم، والاقتداء بهم في الدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، من خلال المنهج القرآني في عرض قصصهم، وأحوالهم مع أقوامهم؛ من خلال دراستي لأحد سور القرآن (سورة هود)

تاريخ الإضافة : 24 أبريل, 2024 عدد الزوار : 12 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع