شرح أسماء الله الحسنى: 70- النور

تاريخ الإضافة 25 نوفمبر, 2023 الزيارات : 6816

شرح أسماء الله الحسنى: 70- النور

أولا / المعنى اللغوي

النور لغة: الضياء، والجمع أنوارٌ. والنور: ضد الظلمة، و(أنار) الشيء و(استنار) بمعنى، أضاء. و(التنوير) الإنارة، والنور، بالضم: الضوء أيًّا كان، أو شعاعه، ومنه منار الأرض: حدودها وأعلامها، سميت لبيانها وظهورها.

ثانيا / المعنى في حق الله تعالى

قال الشيخ السعدي: «من أسمائه جلّ جلاله ومن أوصافه النور الذي هو وصفه العظيم، فإنه ذو الجلال والإكرام، وذو البهاء والسبحات الذي لو كشف الحجاب عن وجهه الكريم لأحرقت سبحاته ما انتهى إليه بصره من خلقه، وهو الذي استنارت به العوالم كلها، فبنور وجهه أشرقت الظلمات، واستنار به العرش والكرسي والسبع الطباق وجميع الأكوان.»

ثالثا / ورود الاسم في القرآن والسنة

اختلف العلماء في إثبات أن اسم النور من أسماء الله الحسنى على قولين:

الأول / النور من أسماء الله الحسنى للأدلة التالية:

1- قول الحق سبحانه وتعالى: ” اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لّا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ” سورة النور:35.

2- وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” إن اللَّه لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفَعُهُ، يُرفَعُ إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابُهُ النورُ لو كشفه لأحرقت سُبُحات وجهه ما انتهى إليه بصرُهُ من خلقه”.

3- وﻋﻦ ﺍﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ رضي الله عنهما ﻗﺎﻝ :ﻛﺎﻥ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺇﺫﺍ ﻗﺎﻡ ﻳﺘﻬﺠﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻗﺎﻝ :ﺍﻟﻠﻬﻢ ﻟﻚ ﺍﻟﺤﻤﺪ ﺃﻧﺖ ﻧﻮﺭ ﺍﻟﺴﻤﻮﺍﺕ ﻭﺍﻷﺭﺽ ﻭﻣﻦ ﻓﻴﻬﻦ ، ﻭﻟﻚ ﺍﻟﺤﻤﺪ ﺃﻧﺖ ﻗﻴِّﻢ ﺍﻟﺴﻤﻮﺍﺕ ﻭﺍﻷﺭﺽ ﻭﻣﻦ ﻓﻴﻬﻦ ، ﻭﻟﻚ ﺍﻟﺤﻤﺪ ﺃﻧﺖ ﻣﻠﻚ ﺍﻟﺴﻤﻮﺍﺕ ﻭﺍﻷﺭﺽ ﻭﻣﻦ ﻓﻴﻬﻦ ﺃﻧﺖ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﻗﻮﻟﻚ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﻭﻋﺪﻙ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﻟﻘﺎﺅﻙ ﺣﻖ ﻭﺍﻟﺠﻨﺔ ﺣﻖ ﻭﺍﻟﻨﺎﺭ ﺣﻖ ﻭﺍﻟﺒﻌﺚ ﺣﻖ ﻭﺍﻟﻨﺒﻴﻮﻥ ﺣﻖ ﻭﻣﺤﻤﺪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺣﻖ ، ﺍﻟﻠﻬﻢ ﻟﻚ ﺃﺳﻠﻤﺖ ﻭﺑﻚ ﺁﻣﻨﺖ ﻭﻋﻠﻴﻚ ﺗﻮﻛﻠﺖ ﻭﺇﻟﻴﻚ ﺃﻧﺒﺖ ﻭﺑﻚ ﺧﺎﺻﻤﺖ ﻭﺇﻟﻴﻚ ﺣﺎﻛﻤﺖ ﻓﺎﻏﻔﺮ ﻟﻲ ﻣﺎ ﻗﺪﻣﺖ ﻭﻣﺎ ﺃﺧﺮﺕ ﻭﻣﺎ ﺃﻋﻠﻨﺖ ﻭﻣﺎ ﺃﺳﺮﺭﺕ ﺃﻧﺖ ﺍﻟﻤﻘﺪﻡ ﻭﺃﻧﺖ ﺍﻟﻤﺆﺧﺮ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ ﺃﻧﺖ ﻭﻻ ﺣﻮﻝ ﻭﻻ ﻗﻮﺓ ﺇﻻ ﺑﻚ .

4- وقوله أيضاً: ” أعوذُ بنورِ وجهِكَ الكريمِ الذي أضاءَتْ له السمواتُ والأرضُ وأشرقتْ لهُ الظلماتُ”.

قال ابن القيم أن الله سبحانه سمى نفسه النور، فجعل رسوله صلى الله عليه وسلم نوراً، وكتابه نوراً، ودينه نوراً، واحتجب بالنور عن خلقه، وجعل دار أوليائه يتلألأ نوراً انتهى من كتابه “اجتماع الجيوش الإسلامية” (2/ 44) .

وقال أيضا في “النونية” (ص212) :

والنور من أسمائه أيضا ومن ** أوصافه سبحان ذي البرهانِ

 

القول الثاني / النور ليس اسماً لله سبحانه وإنما هو صفة من صفات الله :

وقد ورد مضافا إلى الله : (الله نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) ولم يرد مستقلا، فلا يقال: إن من أسماء الله النور بإطلاق ؛ لأنه لم يرد .

ومرد الخلاف إلى مسألة وهي : هل لا بد من ورود الاسم من أسماء الله جل وعلا مستقلا أي بدون إضافة، وإذا ورد مضافا لا يكون من أسماء الله ؟(انظر الهامش)(1)

رابعا / تأملات في رحاب الاسم الجليل

قال تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [(35) سورة النــور]

قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} النور اسم من أسماء الله الحسنى وصفة من صفاته تعالى العليا، وهي صفة ذات لازمة له تعالى على ما يليق به، فلم يزل ولا يزال سبحانه وتعالى متصفاً بها، وهذا النور الذي هو اسمه وصفته تعالى لا يشبه نور المخلوقين وإنما هو نور يليق بعظمته وكبريائه وجلاله تعالى ولا يعلم كيفيته إلا هو سبحانه وهو القائل جل وعلا: ( يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا )طه:110

قال الإمام ابن القيم رحمه الله في شفاء العليل: ولما كان النور من أسمائه الحسنى وصفاته كان دينه نوراً ورسوله نوراً، وداره نوراً يتلألأ، والنور يتوقد في قلوب عباده المؤمنين ويجري على ألسنتهم ويظهر على وجوههم. ا.هـ

هذا وللعلماء في تفسير الآية {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} قولان :

الاول : الله منور السموات والأرض :

وهذا كقوله عز وجل : “وأشرقت الأرض بنور ربها ” ، فهذا إشراقها يوم القيامة بنوره تعالى.

وفي الحديث: (اللهم لك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن…)

ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه “أعوذ بنور وجهك الكريم أن تضلني لا إله إلا أنت “صححه ابن القيم في كتابه الصواعق المرسلة

وفي الأثر الآخر “أعوذ بوجهك أو بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات “ضعفه الألباني

فأخبر صلى عليه وسلم : أن الظلمات أشرقت لنور وجه الله ، كما أخبر تعالى أن الأرض تشرق يوم القيامة بنوره .

وفي معجم الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : ليس عند ربكم ليل ولا نهار نور السموات والأرض من نور وجهه .قال ابن تيمية في الفتاوى اسناده ثابت

وهذا الذي قاله ابن مسعود رضي الله عنه أقرب إلى تفسير الآية من قول من فسرها بأنه هادي أهل السموات والأرض ، وأما من فسرها بأنه منور السموات والأرض ، فلا تنافي بينه وبين قول ابن مسعود ،والحق أنه نور السموات والأرض بهذه الاعتبارات كلها .

المعنى الثاني : الله هادي أهل السموات والأرض :

وهو قول ابن عباس ، يعني هو الذي يقذف نور الهداية والتوفيق لعباده المؤمنين .

قال شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى:ثم قول من قال من السلف: هادي أهل السموات والأرض لا يمنع أن يكون في نفسه نوراً، فإن من عادة السلف في تفسيرهم أن يذكروا بعض صفات المفسر من الأسماء أو بعض أنواعه، ولا ينافي ذلك ثبوت بقية الصفات للمسمى، بل قد يكونان متلازمين ولا دخول لبقية الأنواع فيه. انتهى

وقال أيضاً في موضع آخر: فقول من قال الله نور السموات والأرض، هادي أهل السموات والأرض كلام صحيح، فإن من معاني كونه نور السموات والأرض أن يكون هادياً لهم أما إنهم نفوا ما سوى ذلك، فهذا غير معلوم وأما إنهم أرادوا فقد ثبت عن ابن مسعود قال: إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار نور السموات من نور وجهه وقد تقدم عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر نور وجهه وفي رواية: النور ما فيه كفاية، فهذا بيان معنى غير الهداية، وقد أخبر الله في كتابه أن الأرض تشرق بنور ربها، فإذا كانت تشرق من نوره كيف لا يكون هو نوراً. انتهى

وقال كذلك رحمه الله: وكذلك من قال منور السموات والأرض لا ينافي أنه نور فهما متلازمان.

قال ابن القيم: وهذا هو النور الذي أودعه الله في قلب عبده من معرفته ومحبته والإيمان به وذكره, وهو نوره الذي أنزله إليهم فأحياهم به وجعلهم يمشون به بين الناس وأصله في قلوبهم, ثم تقوى مادته فتتزايد حتى يظهر على وجوههم وجوارحهم وأبدانهم, بل وثيابهم ودورهم, يبصره من هو من جنسهم وسائر الخلق منكرًا، فإذا كان يوم القيامة برز ذلك النور وصار بأيمانهم يسعى بين أيديهم في ظلمة الجسر حتى يقطعوه”

قال تعالى : ( مثل نوره ) أي مثل هداه في قلب المؤمن أو مثل نور المؤمن الذي في قلبه .

قوله تعالى: (كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ) والمشكاة هي الكوة التي في الجدار والمصباح: إناء صغير يُوضَع فيه زيت أو جاز فيما بعد، وفي وسطه فتيل يمتصّ منالصورة الزيت فيظل مشتعلاً.

قوله تعالى: (المصباح في زجاجة ) وفي زماننا نطلق المصباح على الآلة كلها، وأما في لغة القرآن فالمصباح المراد به الفتيلة، وهذا ظاهر؛ لأن الله قال: “الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ “والفتيلة تقع داخل الزجاجة.

ونحن نضع الزجاجة على المصباح لأن الفتيل إذا بقي في الهواء تلاعبَ به وبدَّد ضوؤه وسبَّب دخاناً؛ لأنه يأخذ من الهواء أكثر من حاجة الاحتراق؛ لذلك جعلوا على الفتيل حاجزاً من الزجاج ليمنع عنه الهواء، فيأتي الضوء منه صافياً لا دخانَ فيه، وفي مصر يسمون هذا الدخان (هباب).

قوله تعالى: (الزجاجة كأنها كوكب دري) لصفائه ونقائه يعني مضيء كالدر. والعرب تسمي ما لا يعرف من الكواكب دراري.

قوله تعالى: (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ) فالله يشهد أن هذه الشجرة مباركة، أي: كثيرة النفع ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما حسنه بعض العلماء: (كلوا الزيت وادهنوا به، فإنه يخرج من شجرة مباركة) يعني عليه الصلاة والسلام: زيت الزيتون.

وقد ذكر له الأطباء الأوائل جملة من الفوائد فهو كثير النفع.

ويقول المؤرخون عن شجرة الزيتون : إنها أول شجرة نبتت بعد الطوفان، حتى إنهم الآن يجعلون غصن الزيتون رمز السلام .

قوله تعالى: ( زيتونة لا شرقية ولا غربية) أي: أنها لا تأتيها الشمس من ناحية المشرق ولا من ناحية المغرب، بل هي وسط بين ذلك، لا تتعرض مباشرة للشمس، وأهل الاختصاص يقولون: وهذا أحسن ما يكون من الزيتون، وهو الذي لا يتعرض للشمس تعرضاً مباشراً، أي: يأخذ منافع الشمس ولا تحرقه الشمس.

قوله تعالى: {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} أي: من صفاء زيتها وجودته وحسنه يكاد من صفائه يشتعل ويتوهج دون أن تمسه النار، وهذا يتنزل على قلب المؤمن الذي بداخله مادة الإيمان، إذا كان القلب أبيض، وفيه الإيمان والفطرة السليمة، فيكاد هذا يتوافق مع ذاك، مادة الإيمان والفطرة السليمة مع قلب أبيض، يكاد هذا الرجل يتكلم بالحكمة قبل أن يأتيه الدليل من كتاب الله أو من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا كان الشخص متخففاً من الذنوب وأثقالها، متخففاً من مظالم العباد، بداخله فطرة سليمة وإيمان يكاد ينطق بما يوافق الدليل قبل أن يأتيه الدليل من الكتاب والسنة.

فزيت الزيتون إذا أشعلته (بالكبريت) فإنه يتوهج ويعطي أحسن الإضاءة، كذلك إذا جاءت المؤمن -الذي فطرته سليمة- الأدلةُ من الكتاب والسنة ازداد نوراً على نور.

فمثلاً: عمر لفطرته السليمة وإيمانه العظيم، كان يتكلم بالحكمة قبل أن يأتيه الدليل من رسول الله، فإذا جاء الدليل من رسول الله صلى الله عليه وسلم توهج هذا مع ذاك، قال للرسول صلى الله عليه وسلم: (لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى يا رسول الله! فنزلت: “وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى “البقرة:125، وقال للرسول صلى الله عليه وسلم: (لو أمرت نساءك بالحجاب يا رسول الله! فتنزل آية الحجاب)، وقال للرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تقبل الفدية من أُسارى بدر يا رسول الله! فينزل قول الله تعالى: “مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ” الأنفال:67

وهكذا تأتي موافقات عمر لربه سبحانه، يتكلم بمقتضى الدليل قبل أن يأتي الدليل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قوله تعالى: {نُّورٌ عَلَى نُورٍ} أي اجتمع في المشكاة ضوء المصباح إلى ضوء الزجاجة وإلى ضوء الزيت فصار لذلك نور على نور، فكذلك براهين الله تعالى واضحة وهي برهان بعد برهان، وتنبيه بعد تنبيه، كإرساله الرسل وإنزاله الكتب ومواعظ تتكرر فيها لمن له عقل معتبر.

قال ابن كثير: { نُورٌ عَلَى نُورٍ }: “نور النار ونور الزيت حين اجتمعا أضاءا ولا يضيء واحد بغير صاحبه, كذلك نور القرآن ونور الإيمان حين اجتمعا فلا يكون واحد منهما إلا بصاحبه”

نعم فالقلب المتخفف من الذنوب والآثام والمعاصي، المليء بالإيمان، إذا جاءه علم الكتاب والسنة ازداد بهاءً على بهائه، وحسناً إلى حسنه، لكن هذا النور المتفضل به في الأصل هو الله سبحانه وتعالى، فهو الذي يهدي لنوره من يشاء، كما قال سبحانه: ” وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ “الحجرات:7.

فهذا النور أصله من الله سبحانه وتعالى، فهو المتفضل به على العباد، ومن ثم يقول أهل الإيمان في أُخراهم: “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ” الأعراف:43

وكان النبي عليه الصلاة والسلام يسأل ربه عز وجل هذا النور فيقول: (اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي لساني نوراً، وفي سمعي نوراً، وفي بصري نوراً، ومن أمامي نوراً، ومن خلفي نوراً، ومن فوقي نوراً، ومن تحتي نوراً، وعن يميني نوراً، وعن يساري نوراً، اللهم أعظم لي نوراً)

وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يدعو ربه عز وجل بهذا؛ لأنه يعلم تمام العلم أن المتفضل به والواهب له هو الله سبحانه وتعالى.

قوله تعالى: (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ) وذلك لئلا يقول قائل: إن الأمر واضح، فنحن سنهتدي إليه، فأخبر الله جل وعلا أنه ليس الأمر كذلك، وإن كان واضحاً جلياً، فقال: “يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ”

قوله تعالى: (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) أي: عليم بمن يستحق الهداية فيهديه، وعليم بمن يستحق الغواية فيغويه سبحانه وتعالى، يهب لهذا الإيمان، وهذا تزل قدمه في الكفر والعياذ بالله! (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ ) الرعد:8

ومعنى المثل :

أن الكوة -المشكاة- هي قلب المؤمن، والمصباح يضيء من خلال الزيت فاجتمع في الكوة سببان للإضاءة المصباح والزيت ، الزيت هو الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، والمصباح هو الآيات البينات المنزلة من الله علينا ، وهذه الفطرة لنقائها وصفائها تكاد تهدي صاحبها من غير دليل كما أن الزيت لنقائه وصفائه يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار ، فإذا مسته النار أضاء كأعلى وأنقى إضاءة ، وكذلك المؤمن يتلقى قلبه الآيات البينات فيزداد هدى ونورا ويقينا بالله .

إذن فقلب المؤمن فيه نورين نور الفطرة ، ونور الآيات المنزلة .

قال ابن القيم: وضرب الله عز وجل لهذا النور ومحله وحامله ومادته مثلاً بالمشكاة وهي الكوة في الحائط فهي مثل الصدر, وفي تلك المشكاة زجاجة من أصفى الزجاج وحتى شبهت بالكوكب الدري في بياضه وصفائه وهي مثل القلب, وشبهها بالزجاجة لأنها جمعت أوصافًا هي في قلب المؤمن, وهي الصفاء والرقة والصلابة, فيرى الحق والهدى بصفائه, وتحصل منه الرأفة والرحمة والشفقة برقته؛ ويجاهد أعداء الله تعالى ويشتد في الحق بصلابته, ولا تبطل صفة منه صفة أخرى ولا تعارضها, بل تساعدها وتعاضدها…….. وفي الزجاجة مصباح وهو النور الذي في الفتيلة وهي حاملته ولذلك النور مادة… وهو زيت قد عصر من زيتون في أعدل الأماكن, تصيبها الشمس في أول النهار وآخره فزيتها من أصفى الزيت وأبعده عن الكدر حتى إنه ليكاد من صفائه يضيء بلا نار, فهذه مادة نور المصباح, وكذلك مادة نور المصباح الذي في قلب المؤمن هي من شجرة الوحي التي هي أعظم الأشياء بركة وأبعدها من الانحراف, بل هي أوسط الأمور وأعدلها وأخفها… ولما كان ذلك الزيت قد اشتد صفاؤه حتى كاد أن يضيء بنفسه ثم خالط النار فاشتدت بها إضاءته وقويت مادة ضوئه النارية, كان ذلك نورًا على نور… فليتأمل اللبيب هذه الآية العظيمة ومطابقتها لهذه المعاني الشريفة .(من كتاب الوابل الصيب)

طلب الهداية من الله :

فإذا كان النور يهدي إلى الله فلا تطلب الهداية إلا من الله (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ) فكم من أناس حرموا هذا النور وأعطاك الله إياه ؛فهذا فضل محض من الله ، كم من أساتذة عندهم من العلم والمكانة والوجاهة ولكنهم غاب عنهم نور الله فلم يتعرف على ربه .

وإذا كان الإنسان يشرف بقدر ما يعلم ؛ فهل هناك أشرف من العلم بالله فهو أشرف معلوم ، ومن أعجب الأمور أن الإنسان الغربي بلغ ما بلغ من العلم وعلى الرغم من ذلك تجده إنسان جاهل بالله الذي خلقه ، فهذه مصيبة الحضارة المادية التي علقت الناس بالمادة وأنستهم الله الذي خلقهم .

لقاء الدكتور عبد المجيد الزنداني بطبيب بريطاني :

يقول الدكتور عبد المجيد الزنداني في إحدى محاضراته :جرت مجادلة بيني وبين أحد علماء بريطانيا: البروفسور كروستوفر بالس ، وهو طبيب من مشاهير علماء بريطانيا في الطب ، فقلت له : هل وُجِدَت عينك لحكمة ؟

قال : نعم .

قلت : وهل وُجِدَ أنفك لحكمة ؟

قال : نعم.

وأخذت أعدد أعضاء الجسم .

فقال لي : هذه مواضيع أبحاث علمٍ يسمى علم وظائف الأعضاء لا يتخرج الطبيب من أي كلية في الطب إلا إذا درسه .

فقلت له : هل الحكمة من هذا العضو خاصة بالعضو نفسه ، أم أنها من أجل الكل؟

(أردت أن يعترف أن الحكمة من الأجزاء ليست من أجل الأجزاء نفسها وإنما من أجل الكل).

فقال: أرأيت لو جئت بالجهاز الهضمي وحده من دون الجسم أله قيمة؟

قلت: لا .

قال: كيف تقول: إن الأعضاء والأجهزة أحكمت من أجل نفسها ولم تحكم من أجل الكل؟

قلت له: أنا كنت أسأل وأنت قد أجبتني .

فما الحكمة من هذا الكل؟ (يقصد الإنسان)

فبهت وأطرق برهةً وأدرك أنه وقع في الفخ!!

وقال: هذه فلسفة !

قلت له: قبل قليل كان علماً (علم وظائف الأعضاء)!! لقد هربت ، وكنت أعلم أنك ستهرب ، وأنا أعلم لماذا ستهرب ، ولكن قبل ذلك عندي سؤال .. أفي استعمال حذائك حكمة ؟

قال: نعم لها فائدة: فهي تقيني الأذى، فهي تحمي قدمي من الاصطدام بالأجسام الثقيلة ومن الخدش بالأجسام الحادة ، ومن التضرر بالسوائل الضارة ، ومن تقلبات الجو ، ومن اختراق بعض الكائنات وغير ذلك .

فقلت له: أ لوجودك حكمة ؟

فبهت مرة ثانية !

فقلت له: والله أني لأعجب يا برفسور من حضارتكم التي تقول لكم: إن الإنسان أحقر من نعله !! فلاستعمال الحذاء حكمة، ولابسها لا حكمة من وجوده!!

أما لماذا لم تعرفوا الحكمة ولماذا هربت فذلك لأن الحكمة من خلقك لا تعرف إلا بتعليم من الخالق ، وأنتم لا تعرفون الخالق ، فكيف ستعرفون حكمة وجودكم؟! لذلك سيبقى الإنسان في نظركم أقل شأناً من الحذاء.

ولا طريق للتخلص من هذا إلا أن تعرف ربك لكي تعرف لماذا خلقك.

وقلت له: يا دكتور سأضرب لك مثالاً: لو أن لدينا جهازا إلكترونيا معقدا غاليا ونريد أن نعرف الحكمة منه فليس هناك إلا طريق واحد وهو أن نتصل بالذي صنعه ؛ لأن الحكمة من هذا الجهاز مختفية في نفس الصانع .

فأضاف قائلاً: أو نتصل بمندوبه .

قلت : صدقت ؛ فإذا أردت أن تعرف الحكمة من خلقك فليس لك إلا أن تتصل بمندوبي الذي خلقك، وهم رسل الله عليهم الصلاة والسلام .

وسيبقى الإنسان أحقر من حذائه ما لم يؤمن بالله ورسوله! لا يعرف الحكمة من وجوده، ولا يعرف ربه ، ولا يعرف لماذا دخل إلى هذه الدنيا ولماذا يخرج منها!

تنظيف القلب من الذنوب والمعاصي كما تنظف زجاجة المصباح

المعهود قديماً عند أمهاتنا اللواتي كن يستعملن المصابيح الزيتية أو التي كانت تضاء بالجاز ، أن زجاجة المصباح يومياً تتسخ، يترسب عليها سواد، فتحتاج إلى أن تمسح وإلى أن تنظف، فكان من الورد اليومي للأمهات في الصباح أن تمسح زجاجة المصباح، تأتي بخرقة وتضع فيها بعض الماء القليل ثم تمسح بها زجاجة المصباح، كذلك قلب المؤمن يترسب عليه كل يوم سواد الذنوب، وآثار المعاصي

هذه الذنوب ترسب على القلب سواداً، كما يترسب على زجاجة المصباح السواد، فيحتاج القلب إلى غسيل كما تحتاج زجاجة المصباح إلى غسيل، حتى تشع الضوء الذي بداخلها كاملاً إلى الكوة، والكوة تشع الضوء بدورها إلى الغرفة…..

أما إذا كانت زجاجة المصباح سوداء معتمة فلا يخرج منها ضوء إلى المشكاة، ولا يخرج منها ضوء إلى الغرفة، كذلك الإيمان الذي في القلب، ومعرفة الله التي بداخله، يحتاج الإيمان إلى أن يخرج من القلب إلى الجسد؛ حتى يملأ الصدر والجسد نوراً، فإذا كان العبد مذنباً فالأمر كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا أذنب العبد ذنباً نكتت على قلبه نكتة سوداء، فإن تاب وأقلع محيت، وإن عاد وأصر نكتت نكتة أخرى حتى يغطى القلب كله، ثم تلا: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14] ، فقال: هذا هو الران الذي ذكر الله في كتابه) .

فالسواد على القلب يمنع الإيمان ونور الإيمان من الخروج من القلب إلى الصدر، فتجد الصدر مظلماً، كما أن المشكاة تكون مظلمة إذا كانت الزجاجة سوداء، فتجد اليد تتحرك في ظلمة، والرجل تخطو في الظلمات، والعين تنظر في الظلمات، وهكذا يتحرك كبهيمة عمياء إذا كان القلب قد اسود من المعاصي، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم سبعين مرة) ، وفي رواية: (إني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة) ، وجاءت النصوص التي تحث على التوبة والاستغفار بكثرة في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فإذا استغفر الشخص فقد غسل قلبه، فيخرج نور الإيمان منه إلى الصدر ويمتد هذا النور إلى الجوارح، فتجد الرِجْل لا تخطو إلا في طاعة الله، والعين لا تنظر إلا إلى ما يحبه الله، واليد لا تبطش إلا فيما يرضي الله، واللسان لا يتكلم إلا بما يرضي الله .

أما إذا كان القلب مظلماً مغطىً بسواد المعصية التي لم تغسل بالتوبة، ولم تغسل بالاستغفار، ولم تغسل برد المظالم إلى أهلها؛ ففي هذا الوقت يظلم الصدر ، فاليد لا تدري ماذا تصنع؟! هل تصنع خيراً أم شراً؟ كل الجوارح كذلك ، ومن تحلى بسكينة الإيمان ألقى الله في قلبه كراهية المعاصي والذنوب ؛ فإن الإيمان حينما يعمر القلب يطرد منه التعلق بالمعاصي والآثام.

والمؤمن دومًا يرى المعصية قطعة من عذاب النار، يراها خزيًا في الدنيا وذلة، يراها كآبة وضيق صدر، يراها تبعده عن الله تعالى، بخلاف قليل الإيمان؛ فإنه يرى المعصية متعة ومكسبًا له .

فالطاعة تورث القلب نوراً وإشراقاً يظهر في العين وفي الوجه وفي الجوارح كما أن المعاصي تورث ظلمة تظهر في الوجه والجوارح.

فإن للطاعة نوراً كما قال ابن عباس ( إن للحسنة ضياءً في الوجه ونوراً في القلب وسعة في الرزق وقوة في البدن ومحبة في قلوب الخلق ، وإن للسيئة سواداً في الوجه ، وظلمة في القلب ، ووهناً في البدن ، ونقصاً في الرزق ، وبغضة في قلوب الخلق .

رأيتُ الذنوب تُميتُ القلوب * * * وقد يُورِثُ الذُلُّ إدمانُها

وتركُ الذنوبِ حياةُ القلوب * * * وخيرٌ لنفسكَ عِصيانُها

نور أنى أراه :

هل رأى الرسول صلى الله عليه وسلم ربه ليلة المعراج ؟

اختلف العلماء في ذلك على قولين :

الاول : رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلة المعراج بعين رأسه ، وهذا مروي عن ابن عباس وروي أيضا عن الإمام أحمد ، قال ابن عباس في قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ المَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً) قال : هي رؤيا عين أريها النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به ، وهو مروي عن الإمام أحمد .

والقول الثاني : أنه رآه بعين قلبه ولم يره بعين رأسه ، وهذا هو الصواب الذي عليه المحققون ، وهو قول عائشة رضي الله عنها ، وقد قالت لمسروق لما قال لها : هل رأى محمد ربه ؟ قالت : لقد قف شعري مما قلت ، ثم قالت : من حدثك أن محمدا رأى ربه فقد كذب .

وهذا هو الصواب : أنه رآه بعين قلبه ، لا بعين رأسه ، والأدلة في هذا كثيرة منها قول الله تعالى : (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيم) ونبينا بشر ، وما كان لبشر أن يكلم الله إلا من وراء حجاب ؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أن يرى الله في الدنيا ونبينا بشر كلم الله من وراء حجاب ، ولهذا لما سأل موسى الرؤيا في الدنيا قال : ( وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ المُؤْمِنِينَ) الأعراف 143

ومن الأدلة حديث أبي ذر في صحيح مسلم لما قال للنبي صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك ؟ قال : نور أنى أراه يعني النور حجاب يمنعني من رؤيته كيف أراه .

وحديث أبي موسى في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه حجابه النور ، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه ) ونبينا من خلقه فلو كشف حجاب النور لاحترق.

السبحات: يقال في السبحة: إنها جلال وجهه ونوره

ومعنى : ( لأحرقت سبحات وجهه) أي أنوار وجهه التي توجب تعظيمه وتنزيهه عن صفات المخلوقات وتسبيح الله تعظيمه وتنزيهه عن ذلك

ولأن الرؤية ،رؤية الله نعيم ادخره لأهل الجنة ، وليس لأهل الدنيا والنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك من أهل الدنيا فهي نعيم خاص بأهل الجنة .

فالصواب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه بعين رأسه وإنما رآه بعين قلبه ،وهذا هو الصواب الذي أجمع عليه المحققون .

وقد جمع بينهما شيخ الإسلام ابن تيمية قال : ما روي من الآثار وعن الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه محمول على رؤية الفؤاد ، وما روي أنه لم يره محمول على رؤية البصر .

فالنصوص التي فيها أن النبي لم يره يعني لم يره ببصره ، والنصوص والآثار التي بأنه رآه محمول عنه أنه رآه بقلبه وعلى ذلك تتفق النصوص ولا تختلف .

خامسا/ ثمار الإيمان باسم الله النور

1- الإيمان بأن الله نور في ذاته وهو خالق النور في الكون كله .

2- كلما صفا قلب العبد أشرق فيه النور فرزقه الله البصيرة وهي عين القلب .

3- إصلاح القلب دوما بتجديد التوبة والاستغفار وتجديد الإيمان

*****************

(1) بهذا قال بعض الباحثين حديثا وهو (محمود الرضواني) في سلسلة له عن الأسماء الحسنى ، فذهب إلى أن الأسماء المقيدة أو المضافة ليست من الأسماء الحسنى التسعة والتسعين ؛ لأن التقييد والإضافة يحدان من إطلاق الحسن والكمال فقال: (من الشروط الأساسية اللازمة لإحصاء الأسماء الحسنى أن يرد الاسم في سياق النص مفرداً مطلقاً دون إضافة مقيدة، أو قرينة ظاهرة تحد من الإطلاق، وذلك بأن يفيد المدح والثناء على الله بنفسه ؛ لأن الإضافة والتقييد يحدان من إطلاق الحسن والكمال على قدر ما أضيف إليه الاسم أو قيد به، والله عز وجل ذكر أسماءه باللانهائية في الحسن، وهذا يعني الإطلاق التام الذي يتناول جلال الذات والصفات والأفعال)) ا هـ

فهذا قول لا دليل عليه، فما أدراه أن الأسماء المعنية في حديث التسعة والتسعين هي الأسماء المفردة دون المقيدة ؟!

يقول الشيخ عمر الأشقر في معرض رده على من أخرج الأسماء المضافة من دائرة الأسماء الحسنى في كتابه (أسماء الله وصفاته): (لا يجوز استثناء الأسماء المضافة من دائرة أسماء الله الحسنى إذا وردت في الكتاب والسنة، فلا يقر من أخرج من أسمائه تبارك وتعالى: عالم الغيب والشهادة، ومالك الملك، وبديع السماوات والأرض، ونور السماوات والأرض، وغافر الذنب، وعلام الغيوب، وفاطر السماوات والأرض ؛ إذ لا حجة لهؤلاء إلا أن هذه الأسماء مضافة. وهذه ليست بحجة، فما الإشكال في أن تكون أسماء الله مضافة ؟ !…) ا هـ.

وقد قرر شيخ الإسلام في (مجموع الفتاوى) أن في الكتاب والسنة أسماء أخرى غير الأسماء التسعة والتسعين المشهورة التي جاءت مدرجة في حديث الوليد بن مسلم، وعد من تلك الأسماء بعض الأسماء المضافة، فقال:(ومن أسمائه التي ليست في هذه التسعة والتسعين اسمه: السبوح … وكذلك أسماؤه المضافة مثل: أرحم الراحمين، وخير الغافرين، ورب العالمين، ومالك يوم الدين، وأحسن الخالقين، وجامع الناس ليوم لا ريب فيه، ومقلب القلوب، وغير ذلك مما ثبت في الكتاب والسنة وثبت في الدعاء بها بإجماع المسلمين، وليس من هذه التسعة والتسعين)) ا هـ.

وقد أدخل كثير من أهل العلم الأسماء المضافة في جملة الأسماء الحسنى منهم: الإمام ابن القيم، والإمام ابن العربي، والحافظ ابن حجر، وغيرهم.


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 352 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم