ورثة الفردوس (4) والذين هم لفروجهم حافظون

تاريخ الإضافة 25 يوليو, 2023 الزيارات : 3956

ورثة الفردوس

4- والذين هم لفروجهم حافظون

هنا يبيّن سبحانه وتعالى الصفة الرابعة من صفاتهم فيقول: “والذين هم لفروجهم حافظون إلاعلى أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين

قال ابن كثير : والذين قد حفظوا فروجهم من الحرام، فلا يقعون فيما نهاهم الله عنه من زنا أو لواط، ولا يقربون سوى أزواجهم التي أحلها الله لهم، وما ملكت أيمانهم من السراري، ومن تعاطى ما أحله الله له فلا لوم عليه ولا حرج؛ ولهذا  قال: { فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ } أي: غير الأزواج والإماء، { فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ } أيالمعتدون.

وقال ابن تيمية رحمه الله :” وحفظ الفرج يتضمن : حفظه عن الوطء به في الفروج والأدبار ودون ذلك، وعن المباشرة ، ومس الغير له ، وكشفه للغير ، ونظر الغير إليه “ مجموع الفتاوى : 15/378 .

ويقول الشيخ سيد قطب : وهذه طهارة الروح والبيت والجماعة ، ووقاية النفس والأسرة والمجتمع بحفظ الفروج من دنس المباشرة في غير حلال ، وحفظ القلوب من التطلع إلى غير حلال؛ وحفظ الجماعة من انطلاق الشهوات فيها بغير حساب ، ومن فساد البيوت فيها والأنساب . ……والجماعة التي تنطلق فيها الشهوات بغير حساب جماعة معرضة للخلل والفساد . لأنه لا أمن فيها للبيت ، ولا حرمة فيها للأسرة . … جماعة قذرة هابطة في سلم البشرية ….والقرآن هنا يحدد المواضع النظيفة التي يحل للرجل أن يودعها بذور الحياة : ” إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين  .

ولا تقربوا الزنا

  قال تعالى: “وَلاَ تَقْرَبُواْ الزّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً ” [الإسراء:32]،

لكن ما السر في أن الله تعالى قال ـ‏: “‏ وَلاَ تَقْرَبُوا الزنا …‏ “‏ ولم يقل مثلا (ولا تزنوا ) ؟

السر في ذلك الأمر بالابتعاد عن جميع مقدمات الزنا ؛ ومن هنا نهى الإسلام عن الزنا ونهى عن كل ذريعة توصل إليه أو تقرب منه ، فحرم الخلوة بالمرأة الأجنبية ، وحرم النظر بشهوة ،وحرم التبرج بالزينة ،وحرم كل ما يغري الناس بالفاحشة ،بتطهير البيئة الإسلامية من أسباب الإغراء والفساد .

وحرم الإسلام كل ما يغري بالفواحش فلا تظهر في المجتمع المسلم صورة عارية ولا أغنية ماجنة ولا أدب ‏.‏

وحرص الإسلام على إقامة سياج كبير أو سور عال يحول بين المسلم وبين وقوعه في فاحشة الزنا ، فبدأ بتربية الفرد على أن يعف نفسه بغض بصره سواء كان رجلا أم امرأة (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ) النور 30:31

وأمر المسلم أن يستعف حتي يجد القدرة على الزواج الحلال “وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ  النور 33

وروى الترمذي من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏” سئل‏ ‏عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال تقوى الله وحسن الخلق وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال ‏ ‏الفم والفرج

الحكمة من تحريم الزنا

أولا / التحريم يتبعه الخبث :

حرم الإسلام الزنا واعتبره من كبائر الإثم لمصلحتنا ؛ فليس لله حاجة في أن يحلل أو يحرم ، إن الله لا تنفعه طاعتنا ولا تضره معصيتنا ،وإنما يحلل الطيب ويحرم الخبيث .

والغرب ينظر إلى مثل هذه القضايا على المستوى الشخصي كمتعة ومنفعة شخصية …

لماذا يتزوج بامرأة يتكفل بها وبنفقتها ويصير له أولاد ،وإذا فارقها أخذت نصف ما يملك!!!

فطالما أن الأمر يتم بسهولة وبدون أعباء وتكاليف ومن السهل أن يعيش مع أي امرأة بدون زواج أو تبعات ، وإذا قرر فراقها ومعاشرة غيرها فليس هناك مانع يمنعه … فلم لا يفعل؟!!

بل إننا نرى المرأة في الغرب كالسلعة فإذا كانت جميلة صغيرة فهي مرغوب فيها أما إذا كانت قليلة الجمال فإنها تلحق بأي عمل من الأعمال ،وإذا كانت كبيرة تلحق بأحد دور المسنين حتى يأتيها أجلها .

هذه نظرتهم ؛ أما نحن المسلمين فشريعتنا تنظر للأمر كمصلحة للمجتمع كله ،وليس لصالح متعة فرد ، فالإسلام يهدف لتكوين أسرة آمنة مطمئنة مستقرة الزوج يتكفل بالبيت ونفقاته والزوجة ملكة في هذا البيت تربي الرجال وتصنع الأجيال .

فإباحة الزنا يعني سلب المرأة كرامتها ، وجعلها سلعة مهانة ، والإسلام جاء لإكرام  المرأة ، بعد أن كانت في الجاهلية متاعاً يورَث ، ومحلاًّ للإهانة والتحقير، كرمها بنتا ، وزوجا، وأما، وجدة ، وتفصيل هذا في موضع آخر (هنا)

ثانيا / السمو بأخلاق المسلم :

قال تعالى : “وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28) ” النساء ، فالله حرم الزنا لأنه يريد أن يحمي المؤمن ، ويريد أن يحمي أخلاقه ،لا يريد أن يكون المؤمن كالحيوان تحركه غرائزه فيفعل ما يشتهي ، بل يفعل ما ينبغي ،وقد ميز الله الإنسان بالعقل ليفكر قبل أن يقدم على أي أمر .

أما الذين يفعلون ما يحلو لهم ، وما تزين لهم شهواتهم وما توسوس إليه شياطينهم دون أي رادع أو زاجر فقد انخلعوا من الإنسانية إلى الحيوانية ،لأن الحيوان لا يحركه إلا غرائزه ، أما الإنسان العاقل فهو الذي يفعل ما ينبغي وبحكمة مستنيرا بنور الشرع وهدايته .

ومن تلبيس إبليس أن كثير من الناس يظنون أن الملتزمين بهذا الدين يعيشون حياة كآبة لا فرح فيها ولا مرح و كل الفرح والمرح في معصية الله، ولا يعرف هؤلاء الجهلاء كم يعيش العصاة في حزن وشقاوة .

فالبلاد الغربية رغم ما فيها من حرية الحب ،أو الحرية الجنسية هي أكبر البلاد نسبة في الانتحار ، لم يحل القوم المشكلة ، إنهم كلما ازدادوا شربا ازدادوا عطشا فلا حل ولا استقرار إلا داخل الإطار الصحيح وهو الزواج .

ثالثا / الوقاية من الأمراض الناتجة عن الرذيلة:

ومع حرص الإسلام على العناية بأخلاق المسلم وحماية أخلاقه فإنه يريد أن يحمي صحته ،لأن المجتمع إذا أطلقت فيه الغرائز انتشرت فيه الأمراض المعدية انتشار النار في الهشيم .

وتعتبر الأمراض الجنسية من أكثر الأمراض صعوبة في العلاج، كما تؤكد المراجع الطبية على أن هذه الأمراض هي الأكثر انتشاراً في العالم لأنها معدية، ومن هذه الأمراض الخطيرة :

السيلان (سمي بذلك لتقاطر سائل أصفر صديدي من فتحة القضيب مع ألم شديد ) وتفيد الإحصائيات أنه يُصاب كل عام بمرض السيلان أكثر من ربع مليار إنسان في العالم!

والزهري (ظهور قرحة على الجلد تنتقل مع الاتصال الجنسي المحرم )

ومن الأمراض الخطيرة التي تسببها العلاقات الجنسية المحرمة مرض (الهربز) الذي يعد من أخطر الأمراض الجنسية نظراً لسرعة العدوى به، فهو ينتقل عن طريق الاحتكاك المباشر بالمريض واستعمال أدواته الخاصة.

وذكر الأطباء ثمانية وعشرين مرضا من الأمراض الجنسية والتناسلية ، لعل آخرها وأخطرها (الإيدز ) وهو عبارة عن اختصار للكلمات الدالة على المرض (نقص المناعة الطبيعية والمكتسبة لدى الإنسان ) هذا الفيروس الذي لا يكاد يُرى حتى بأضخم المجاهر الإلكترونية فقطره يبلغ واحد على عشرة آلاف من الميليمتر، وعلى الرغم من صغره فقد سبب موت ملايين البشر في سنوات قليلة بسبب الفاحشة وما نتج عنها، فهل نعتبر نحن المسلمون، ونعتز بتعاليم ديننا الذي حمانا من هذا الوباء المهلك؟

هذه الأمراض الخطيرة سلطها الله على الناس جزاء خروجهم على الفطرة التي فطر الناس عليها ، وهي أن يكون للمرأة رجلا واحدا من خلال الزواج ، ليكوّنا الأسرة التي هي نواة المجتمع .

وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من وقوع سخط الله عند انتشار الفواحش فقال : (لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم ) رواه الحاكم وصححه الألباني

والفاحشة موجودة من قديم الدهر ،وليس الخطر في وجودها ؛إنما الخطر في انتشارها وظهورها علانية .

إحصائيات :

تخبرنا الأمم المتحدة بأن هنالك في العالم 14 ألف شخص يُصابون بالإيدز وذلك كل يوم!!!

نصف هذا العدد من النساء، ومن هؤلاء 2000 طفل وطفلة!

تبلغ حجم الخسائر التي سببها هذا المرض في عام 2008 هي 22 بليون دولار!

لقد حصد الإيدز حتى اليوم (منذ 1980 وحتى نهاية 2005) أكثر من 27 مليون إنسان منهم رجال ونساء وأطفال.

وفي عام 2005 فقط فقد أكثر من 3 ملايين شخص حياتهم، وهنالك أكثر من 40 مليون شخص يعيشون مع هذا الفيروس وسوف يموتون عاجلاً أم آجلاً.

يمثل نسب توزع المصابين بالإيدز اليوم (2005) في العالم تبعاً للأمم المتحدة، ونلاحظ أنه يوجد اليوم 40 مليون مصاب بالإيدز في مختلف بلدان العالم.

ومن الملاحظ أن العالم العربي والإسلامي شبه خال من هذا الوباء، ألا تظنون معي أن الإسلام بتعاليمه فقط استطاع أن يحمي المؤمن من هذا الفيروس، في حين عجز الغرب بوسائله وأدواته وإمكانياته؟

رابعا /الحفاظ على الأنساب من الاختلاط :

فالإسلام حرم الزنا لمصلحة الفرد وسلامته وسلامة المجتمع ، ومن هنا شرع النكاح وحرم السفاح ،وحمى الإنسان من اختلاط الأنساب ، يخرج الطفل إلى الدنيا لا يدري من أبوه ؟ ويتشكك الأب أهذا الذي يربيه ابنه أم ابن غيره ؟

روى الإمام أحمد عَنْ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ قَالَتْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:

( لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا لَمْ يَفْشُ فِيهِمْ وَلَدُ الزِّنَا فَإِذَا فَشَا فِيهِمْ وَلَدُ الزِّنَا فَيُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِعِقَابٍ )

والزواج هو الطريق المأمون لصون الأنساب ، وعدم اختلاط الماء في الأرحام ، وهو الذي يعطي للأنساب صفتها الشرعية ، فبالزواج يكتسب المرء نسبه الصحيح ، وينضم إلى المجتمع ويعترف له بحق الوجود ، ولهذا حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على توكيد نسبه الطاهر الصحيح بقوله : ” إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل ، واصطفى من بني إسماعيل بني كنانة ، واصطفى من بني كنانة قريشا ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم ، فأنا خيار من خيار “. صححه الشيخ أحمد شاكر

ولا يخفى على ذوي الألباب ، ما لحفظ الأنساب من أهمية شرعية في ضبط عملية المصاهرة ، وتحديد النفقة ، وصلة الأرحام ، وتوزيع التركات ، وإنسانية الإنسان ، وغير ذلك من الأحكام الشرعية والخلقية ، قال صلى الله عليه وسلم : (تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ) رواه الترمذي عن أبي هريرة وصححه الألباني

ولمعرفة الأنساب وصونها ، قيمة كبرى في عملية المصاهرة أيضا فقد يتوصل بضياع الأنساب إلى أن ينكح المرء أخته أو عمته أو خالته ، أو ابنة أخيه أو ابنة أخته ، وهو لا يدري .

كما أن ضياع الأنساب يؤدي إلى ضياع النسل ، حيث يولد الأبناء ولا يجدون من يعولونهم ويربونهم تربية صادقة ، ولو لم تكن الأنساب لعجت المجتمعات بأولاد لا كرامة لهم ولا أسماء .

كما تبرز أهمية صيانة الأنساب وحفظها في تحقيق الذات واعتبارها ، فالنسب الثابت المعروف ، يشعر صاحبه بكرامته وعزته ووجوده الشرعي ، وحق انتمائه الأسري والاجتماعي ، ولهذا يشعر مجهولو الأنساب ، واللقطاء ، وأولاد الزنا برفض أسري ، وذل اجتماعي ، واكتئاب نفسي ، وهذا يدل على أن صون النسب وحفظه من أهم خصائص النفس الإنسانية .

ونظرا لأهمية النسب وحفظه ، ألغى الإسلام قانون التبني ، لأنه تزييف لحقيقة الأنساب ، واستلاب لكرامة الإنسان ، ورق مقنع بدوافع العاطفة الكاذبة ، وأقبح من هذا ، إلحاق نسب المرأة بزوجها –كما هي عادة الغربيين – فالمرأة وإن تزوجت فإنها لا تنسب إلا لأبيها .

خامسا / أن يكون المسلم عبدا لله لا عبد شهوته :

فإذا حرم الزنا فهو لتزكية الإنسان والسمو به ،إنه يريد أن يحمي إيمان المؤمن فلا يكون إلا عبدا لله ،لا عبدا للغريزة ،ولا عبدا للشهوة ،ولا عبدا لامرأة ،ولا لأي شيء ؛إلا أن يكون عبدا لله تبارك وتعالى .

ومن هنا جاء الحديث “لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ  رواه البخاري ومسلم

لأنه في حال الزنا ينزع منه الإيمان ؛ فالإيمان سربال (قميص ) يسربله الله من يشاء ،فإن زنى ينخلع عنه هذا السربال ويكون عليه كالظلة فإذا تاب رجع إليه سربال الإيمان كما جاء في الحديث عن أبي هريرة (إذا زنا أحدكم خرج منه الإيمان وكان عليه كالظلة ،فإذا انقلع رجع إليه الإيمان) رواه أبو داود

سادسا / تحقيق السكن والمودة والرحمة بالزواج :

يقول الله تبارك وتعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم:21).

السكن هو سكينة النفس وطمأنينتها واستقرارها، وهذا السكن يقام على المودة والرحمة، وبغيابهما ينهار السكن، فلماذا جعلت الزوجة هي السكن؟

الإجابة تأتي من نفس الآية الكريمة: (خلق لكم من أنفسكم أزواجاً)

قال : ( أزواجاً ) ولم يقل نساء، أي أن السكن لا يتحقق إلا من علاقة زواج ، فإذا لم تكن زوجته فإنه من المستحيل أن تصبح سكناً حقيقياً له ، ولذلك لا تصح العلاقة بين الرجل والمرأة إلا بالزواج، ولا يمكن للرجل أن ينعم بالسكن إلا من خلال الزواج.

ونكمل الآية الكريمة : (وجعل بينكم مودة ورحمة) جاء السكن سابقاً على المودة والرحمة.

إذ لابد للإنسان أن يسكن أولاً ، أن يختار المرأة الصالحة ويتقدم إليها ويتزوجها ليتحقق السكن، فإذا قام السكن جعلت المودة والرحمة.

والكلمات الربانية البليغة تقول: (وجعل بينكم) أي أن الله هو الذي جعل، هذا ضمان من الله لكل مَن أراد الزواج ، فإذا أردت أن تسكن فلابد أن تتزوج، وإذا تزوجت كما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم  (فاظفر بذات الدين ) تنعمت بالمودة والرحمة.

وأبلغ وصف للعلاقة بين الزوج وزوجته ماورد في القرآن  بتشبيه  كلاًّ من الزوجين باللباس للآخر، قال الحق سبحانه : (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ) البقرة: 187

  وإذا تأملنا كلمة (لباس) وجدناها تحمل معاني عظيمة الدلالة على مدى الألفة التي أرادها الله للزوجين من خلال هذا التشبيه .

فمن أوجه تشبيه الزوجين باللباس:

1- السَّتْرُ: فاللباس يستر السوأة ويغطيها، وسميت العورة سوأة؛ لأن الإنسان يستاء من ظهورها، فامتن الله على عباده بأن أنزل عليهم لباساً يغطي سَوْآتهم: (يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) [الأعراف: 26]، والزوجان لباس لبعضهما، يغطي كل واحد منهما الآخر، ويستر عيوبه وسوآته، مما يزيد الألفة بينهما، فالحياة الزوجية مبنية على الستر، لا على الكشف والفضيحة، وفي الحديث: «إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا» رواه مسلم

2- الوقاية والحماية: فإن الإنسان يتقي بلباسه الحرَّ والبَرْد؛ (وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ) النحل: 81.

إن الحماية التي يقوم بها كلا الزوجين للآخر كلباس له أعظم من اللباس الذي يحمي من الحر والبرد، فهما يشكلان لبعضهما حصناً يحميهما من الفاحشة، فالزوجة لباس لزوجها تمعنه بإعفافها له أن ينكشف على غيرها بطريق الحرام، فتكون لباساً له، والزوج لباس لزوجته، يمنعها بإعفافه لها أن تنكشف على غيره بطريق الحرام؛ فيكون لباساً لها، وفي الحديث: «إذا رأى أحدكم من امرأة ما يعجبه، فليأت أهله، فإن ذلك رَدُّ ما في نفسه» رواه مسلم

ولا تقف الحماية عند منع الوقوع في الفاحشة، فهي تشمل -أيضاً- الحماية النفسية والصحية والخُلقيَّة و.. المترتبة على الوقوع في الفاحشة.

3- الدفء: حيث يقوم اللباس بعملية التوازن والملاءمة للجو المحيط بالإنسان، ونعني به الجانب العاطفي عند الزوجين، فقد يَلْحَق بأحد الزوجين ما يُعَكِّرُ صَفْوَه، ويؤثِّر في نفسيته، فيجد عند الآخر من العاطفة والاحتضان لهَمِّه ما يُصَفِّي كدره ويؤْنِسُه، ولا أظن أحداً يَسُدُّ مَسَدَّ هذا الجانب العاطفي عند الزوجين غيرهما، لا الأبوين ولا الإخوة، ولا الأبناء: (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) [الروم: 30].

4- التكميل: حينما يكون الإنسان دون لباس يشعر أنَّ فيه نقصاً، فإذا لبس ما يستره سَدَّ ذلك النقص، والحال نفسه بالنسبة للزوجين، كل واحد منهما يُكَمِّل الآخر، وَيَسُدُّ نقصه، والرجل دون زوجةٍ فيه نقص، والمرأة دون زوج فيها نقص، فإذا تزوجا سُدَّ النقص الذي كان فيهما، فللرجال خُلِقَت النساء، ولهن خُلِقَ الرجال: (وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) الأعراف: 189.

5- الجمال: ذكرت أن العورة سميت بالسوأة لأن الإنسان يستاء من ظهورها، فيغطيها باللباس، واللباس لا يستر العورة فحسب؛ بل يُجَمِّلُ الإنسان أيضاً، ولا يكون الإنسان جميلاً دون لباس عند العقلاء.

وبالنسبة للزوجين، فإن كل واحد منهما جمال للآخر، جمال لمظهره، وجمال لصفاته وتدينه، يرى نقصه من خلاله، فيسد نقصه ليزداد جمالاً.

6- التَّكَيُّف: وأعني بذلك أن اللباس قابل للتعديل عليه، فإذا كان واسعاً عُدِّلَ عليه، وكذلك العكس، والزوجان لبعضهما لباسٌ، كل واحد منهما عنده القابلية للتعديل على صفاته نحو الأحسن، وهذا يكون بالتنازلات، فالحياة الزوجية تقوم على المعروف، تماماً كاللباس؛ فعند حياكته لا بد أن تكون هناك زوائد في القماش لا يحتاج إليها -مهما كان ثمنها-، وإذا أقحمناها في اللباس فإنها ستفسده وتشوهه، وكذلك بالنسبة للزوجين لا بد أن يستغني كلاهما عن صفات وتصرفات، وجودها يشوه الحياة الزوجية ويفسدها، حتى وإن كانت عزيزة عليهما.

الشذوذ الجنسي أقبح من الزنا :

وهو صورة من صور انتكاس الفطرة قديما وحديثا وهو عبارة عن اشتهاء الرجل للرجل واشتهاء المرأة للمرأة فيما يعرف بـ (السحاق ) وقد علت أصوات هؤلاء وصارت لهم حقوق رسمية في العالم الغربي لأن لهم أصوات انتخابية .

وفي هذه القضية نقول :إن الحياة لا تقوم إلا على زوجين مختلفين هما الذكر والأنثى لا على مثلين متشابهين، فاستغناء الرجال عن النساء أو استغناء النساء عن الرجال يعني فناء البشرية.

فالأصل في الإنسان أنه مجبول على أن يميل إلى الجنس الآخر، فالرجل يميل إلى المرأة والمرأة تميل إلى الرجل ولا يستغني أحدهما عن الآخر.

فما يسمى بـ  المثلية” يعتبر شذوذا عن الفطرة الإنسانية ويعتبر فاحشة محرمة عقوبتها مثل عقوبة الزنا.

والله سبحانه وتعالى خلق الإنسان من ذكر وأنثى {وجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إلَيْهَا}.والأصل هو الميل الفطري بين الجنسين .

والقرآن ذكر أن الكون قائم على الزوجية وليس على المِثلية وقاعدة الزوجية قاعدة كونية (سبْحَانَ الَذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ ومِنْ أَنفُسِهِمْ ومِمَّا لا يَعْلَمُونَ) و (ومِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ(

فكل ما يضاد الفطرة ليس من ورائه مصلحة لا للإنسان ولا لغيره من الأحياء.

وقد حكى القرآن الكريم لنا قصة قرية ارتكبت الخبائث وهي قرية قوم لوط الذين قال لهم نبيهم: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ العَالَمِينَ وتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَووصفهم بالعدوان والجهل وبالإسراف {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَوفي آية أخرى وصفهم بالإفساد {قَالَ (رَبِّ انصُرْنِي عَلَى القَوْمِ المُفْسِدِينَ)

وقد عاقب قوم لوط وخسف بهم الأرض، فقد جعل عاليها سافلها وأمطر عليها (حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ، مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ)، كل حجر ذهب لصاحبه ليصيبه فالحجارة للأشخاص والبلدة أصبح عاليها سافلها ، وما حدث لهذه القرية يجب أن يكون مثلا وعبرة للناس إلى يوم القيامة حيث يظل التهديد الإلهي قائما بنص قوله تعالى(ومَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ)..

نسأل الله لشبابنا عفة يوسف عليه السلام وطهارة مريم عليها السلام

وأن ييسر الزواج وأن يكثر من نسل المسلمين .


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 352 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم