ما الحكمة من قيام الملائكة بمهام كثيرة والله غني عنهم؟
ما الحكمة من توكيل الله عز و جل الملائكة بمهام كثيرة خاصة بالبشر ككتابة أعمالهم و أخذ الروح وحفظهم إلى أخره من المهام الكثيرة و الله سبحانه و تعالى قادر و عليم لايعجزه شئ ؟
الملائكة وإن وكلهم الله تعالى بشيء من تدبير الملك، فإنما هو تدبير بإذن الله تعالى وأمره، لا يفعلون إلا ما يؤمرون. قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ” فلفظ المَلَكِ يُشعر بأنه رسول منفِّذ لأمر غيره، فليس لهم من الأمر شيء، بل الأمر كله لله الواحد القهّار، وهم ينفِّذون أمره ( لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ، يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ )، ( يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )، ( لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )، لا تتنزل إلا بأمره، ولا تفعل شيئًا إلا من بعد إذنه، فهم عِباد له مكرمون، منهم الصافّون، ومنهم المسبحون، ليس فيهم إلا مَن له مقام معلوم لا يتخطّاه، وهو على عمل قد أُمِر به، لا يُقصّر عنه، ولا يتعداه ” انتهى، من “اغاثة اللهفان” (2 / 843).
والمسلم عند تمعنه في أعمال الملائكة، تظهر له جوانب من حكمة الله تعالى. فخلق الله تعالى للملائكة وأعمالها: يثبت كمال ربوبيته وألوهيته تعالى، فالمسلم إذا طالع عظم خلق هؤلاء الملائكة، وكثرتهم ، وما وُكِّلوا به من الأعمال، ومع ذلك لا يخرج أحدهم عن أمره تعالى مثقال ذرة، بل يتسابقون إلى طاعته سبحانه وتعالى علم كمال ربوبية الله تعالى وألوهيته. وإذا كانت كثرة الجند والعمال لأي ملك من ملوك الدنيا ، تدل على كمال ملكه وقوة تدبيره، وكمال طاعة رعاياه له، فهذا المعنى في حق الله تعالى متحقق بصورة أكمل بخلقه لهؤلاء الملائكة الكرام، حيث قال الله تعالى: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ* يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ * وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ الأنبياء/26 – 29 .
كما أن في وجود الملائكة ، وما كلفوا به من أعمال : يورث لمن يطالع نصوص الوحي عنهم، كمال الخوف والخشية من الله تعالى ، وفي الوقت ذاته كمال الحب والرجاء.
فإذا طالع نصوص الوحي عن ملائكة العذاب ، وعن كتبة أعمال العباد، زادت خشية العبد.
وفي المقابل إذا طالع نصوص الوحي عن ملائكة الرحمة والحفظة زادت محبته لربه ورجاء مغفرته، وهذا كله يؤدي إلى تحقيق الإيمان الذي أُمِر به العباد، قال الله تعالى: إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ، تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ السجدة /15 – 16.