أيا مَن يدّعي الفَهْمْ
قال الشيخ أبو محمد القاسم بن علي الحريري (ت: 516 هـ)
في مقاماته :
أيا مَن يدّعي الفَهْمْ … الى كمْ يا أخا الوَهْمْ
تُعبّي الذّنْبَ والذمّ … وتُخْطي الخَطأ الجَمّ
أمَا بانَ لكَ العيْبْ … أمَا أنْذرَكَ الشّيبْ
وما في نُصحِهِ ريْبْ … ولا سمْعُكَ قدْ صمّ
أمَا نادَى بكَ الموتْ … أمَا أسْمَعَك الصّوْتْ
أما تخشَى من الفَوْتْ … فتَحْتاطَ وتهتمْ
فكمْ تسدَرُ في السهْوْ … وتختالُ من الزهْوْ
وتنْصَبُّ الى اللّهوْ … كأنّ الموتَ ما عَمّ
وحَتّام تَجافيكْ … وإبْطاءُ تلافيكْ
طِباعاً جمْعتْ فيكْ … عُيوباً شمْلُها انْضَمّ
إذا أسخَطْتَ موْلاكْ … فَما تقْلَقُ منْ ذاكْ
وإنْ أخفَقَ مسعاكْ … تلظّيتَ منَ الهمّ
وإنْ لاحَ لكَ النّقشْ … منَ الأصفَرِ تهتَشّ
وإن مرّ بك النّعشْ … تغامَمْتَ ولا غمّ
تُعاصي النّاصِحَ البَرّ … وتعْتاصُ وتَزْوَرّ
وتنْقادُ لمَنْ غَرّ … ومنْ مانَ ومنْ نَمّ
وتسعى في هَوى النّفسْ … وتحْتالُ على الفَلْسْ
وتنسَى ظُلمةَ الرّمسْ … ولا تَذكُرُ ما ثَمّ
ولوْ لاحظَكَ الحظّ … لما طاحَ بكَ اللّحْظْ
ولا كُنتَ إذا الوَعظْ … جَلا الأحزانَ تغْتَمّ
ستُذْري الدّمَ لا الدّمْعْ … إذا عايَنْتَ لا جمْعْ
يَقي في عَرصَةِ الجمعْ … ولا خالَ ولا عمّ
كأني بكَ تنحطّ … الى اللحْدِ وتنْغطّ
وقد أسلمَك الرّهطْ … الى أضيَقَ منْ سمّ
هُناك الجسمُ ممدودْ … ليستأكِلَهُ الدّودْ
الى أن ينخَرَ العودْ … ويُمسي العظمُ قد رمّ
ومنْ بعْدُ فلا بُدّ … منَ العرْضِ إذا اعتُدّ
صِراطٌ جَسْرُهُ مُدّ … على النارِ لمَنْ أمّ
فكمْ من مُرشدٍ ضلّ … ومنْ ذي عِزةٍ ذَلّ
وكم من عالِمٍ زلّ … وقال الخطْبُ قد طمّ
فبادِرْ أيّها الغُمْرْ … لِما يحْلو بهِ المُرّ
فقد كادَ يهي العُمرْ … وما أقلعْتَ عن ذمّ
ولا ترْكَنْ الى الدهرْ … وإنْ لانَ وإن سرّ
فتُلْفى كمنْ اغتَرّ … بأفعى تنفُثُ السمّ
وخفّضْ منْ تراقيكْ … فإنّ الموتَ لاقِيكْ
وسارٍ في تراقيكْ … وما ينكُلُ إنْ همّ
وجانِبْ صعَرَ الخدّ … إذا ساعدَكَ الجدّ
وزُمّ اللفْظَ إنْ ندّ … فَما أسعَدَ مَنْ زمّ
ونفِّسْ عن أخي البثّ … وصدّقْهُ إذا نثّ
ورُمّ العمَلَ الرثّ … فقد أفلحَ مَنْ رمّ
ورِشْ مَن ريشُهُ انحصّ … بما عمّ وما خصّ
ولا تأسَ على النّقصْ … ولا تحرِصْ على اللَّمّ
وعادِ الخُلُقَ الرّذْلْ … وعوّدْ كفّكَ البذْلْ
ولا تستمِعِ العذلْ … ونزّهْها عنِ الضمّ
وزوّدْ نفسَكَ الخيرْ … ودعْ ما يُعقِبُ الضّيرْ
وهيّئ مركبَ السّيرْ … وخَفْ منْ لُجّةِ اليمّ
بِذا أُوصيتُ يا صاحْ … وقد بُحتُ كمَن باحْ
فطوبى لفتًى راحْ … بآدابيَ يأتَمّ