ولمَّا قَـسَا قلبي وضاقتْ مذاهبي
شعر للإمام الشافعي
دخل المزني على الشافعي – رحمهما الله – في مرضه الذي توفي فيه ، فقال له : كيف أصبحت يا أبا عبد الله ؟
فقال :أصبحت من الدنيا راحلا ،وللإخوان مفارقا ،ولسوء عملي ملاقيا ،ولكأس المنية شاربا ،وعلى الله تعالى واردا ،ولا أدري أروحي تصير إلى الجنة ؛ فأهنيها ، أم إلى النار ؛ فأعزيها ،ر ثم أنشأ يقول:
ولمَّا قَـسَا قلبي وضاقتْ مذاهبي جعلتُ رجائي دون عفوِكَ سُلَّمـا
تعَاظَمَني ذَنـْبي فلمـَّا قرنـْتُهُ بِعـفوِكَ ربِّي كان عـفوُكَ أعظَمـَا
فما زِلْتَ ذا عفوٍ عن الذَّنْبِ لم تَزَلْ تجـُودُ وتـَعْفُو مِنّـَةً وتـكرُّما
فإنْ تنتقمْ منّي فلسـتُ بآيـس ولو دخلت نفسي بجرم جهنمــا
ولوْلاكَ لمْ يـغو بإبْـليسَ عـابدٌ فكيف ًوقد أغوى صفيك آدَمَـا
وإنِّي لآتي الـذنْب أعْرفُ قـدْره وأعلـم ُأنَّ الله يعـفـوُ تـكرما
فللّه دَرَّ العـارف النَّـدب إنّه تفيض لفرط الوجْـد أجفَانُه دمْـا
يُقِيم إذا ما اللـّيل مدَّ ظلامـه على نفْسِه من شدّة الخوْف مَأتَمـا
فَصِيحاً إذا مَا كان في ذِكِرِ رَبّـه وفيمَا سواه في الورى كان أعْجَمَـا
وَيَذْكر أيّاماً مضـتْ من شَبَابِـه وما كان فيها بالجَهَـالةِ أجْرمَـا
فصَارَ قَرِين الهمّ طَـول نهـاره أخا السُّهد والنّجوى إذا اللّيلُ أظْلَمَا
يَقُوُل: حَبِيبي أنْتَ سؤْلى وبُغْيَـتِى كفى بك للراجين سؤْلاً ومغْنَمـا
ألسْتَ الذي غَذَيَّتَني وهديَّتَنـى ولازلـتَ منَّانـًا على ومُنْعِمـا
عَسَى منْ له الإحسَـان يسترُ زلتي ويغفـرُ أوْزَاري وما قدْ تَقَدَمَـا
فَفِي يَقْظتي شوقٌ ، وفي غفـوتي منىً تُلاحِقُ خطوي نَشْوَةً وترنُّمـا
قُلْ لِلَّذِي أَلِفَ الذُّنُوبَ وأَجْرَمَـا وغَـدا على زلاتـهِ مُتَنـِدِمًـا
لا تَيْأسَنْ واطلب كريمـًا دائِمـًا يُوْلِي الجَميـل تَفَضُـلاً وتكرُّمًـا
يا مَعْشرَ العاصينَ جُوْدٌ واسـعٌ عند الإلـهِ لِمنْ يتـوبُ ويَنْدَمَـا
يا أيُّها العبـدُ المُسيْء إلى متـى تُفْني زمانـكَ في عسى ولَرُبَّمَـا ؟
بادِرْ إلى مـوْلاكَ يا مَن عُمْـرُه قد ضاعَ في عصيـانهِ وتَصَرَّمَـا
واسألهُ توفيقًـا وعفـوًا ثمَّ قلْ : يا ربِّ بصّرْنِي وزلْ عَنِّيْ العَمَـا
ثُمَّ الصلاة على النـبي أَجَلُّ مَنْ قد خُصَّ بالتَّقْرِيْبِ مِن رب السَّمـا
وعلى صحابتهِ الأفاضَـلِ كُلِّهِم ما سبَّحَ الدَّاعِي الإِلَـه وعظَّمَـا