من كلام السلف عن الخوف والرجاء
قال علي كرم الله وجهه من أذنب ذنبا فستره الله عليه في الدنيا فالله أكرم من أن يكشف ستره في الآخرة ومن أذنب ذنبا فعوقب عليه في الدنيا فالله تعالى أعدل من أن يثنى عقوبته على عبده في الآخرة .
وقال رضي الله عنه : لا يَرجو عَبْدٌ إلا ربه، ولا يَخَافَنّ إلا ذَنْبـه.
وقال الثوري ما أحب أن يجعل حسابي إلى أبوي لأني أعلم أن الله تعالى أرحم بي منهما
وقال إبراهيم الأطروش كنا قعودا ببغداد مع معروف الكرخي على دجلة إذ مر أحداث في زورق يضربون بالدف ويشربون ويلعبون فقالوا لمعروف أما تراهم يعصون الله مجاهرين ادع الله عليهم فرفع يديه وقال إلهى كما فرحتهم في الدنيا ففرحهم في الآخرة .
فقال القوم إنما سألناك أن تدعو عليهم !!!
فقال :إذا فرحهم في الآخرة تاب عليهم.
وقيل : ليس الخائف من يبكى ويمسح عينيه ؛ بل من يترك ما يخاف أن يعاقب عليه .
وقال أبو القاسم الحكيم من خاف شيئا هرب منه ومن خاف الله هرب إليه
وقال يحيى بن معاذ رحمة الله عليه مسكين ابن آدم لو خاف النار كما يخاف الفقر دخل الجنة ، ولو رغب فى الجنة كما يرغب فى الغنى لفاز بهما جميعا ولو خاف الله فى الباطن كما يخاف خلقه فى الظاهر لسعد فى الدارين جميعا
وقيل ليحيى بن معاذ من آمن الخلق غدا فقال أشدهم خوفا اليوم
وقال سهل رحمه الله لا تجد الخوف حتى تأكل الحلال
وقيل للحسن يا أبا سعيد كيف نصنع نجالس أقواما يخوفونا حتى تكاد قلوبنا تطير فقال والله إنك إن تخالط أقواما يخوفونك حتى يدركك أمن خير لك من أن تصحب أقواما يؤمنونك حتى يدركك الخوف .
وقيل للحَسَن : نَرَاك طويل البكاء.
فقال : أخاف أن يَطرحني في النار ولا يُبالي.
وسأل رَجُلٌ الحسن فقال : يا أبا سعيد كيف نَصنع بمجالسة أقوام يُخَوّفونا حتى تكاد قلوبنا تنقطع ؟ فقال : والله لأن تَصحب أقواما يُخوّفونك حتى تُدرك أمْنا خير لك من أن تَصحب أقواما يُؤمّنونك حتى تَلحقك الْمَخَاوف.
وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله ما فارق الخوف قلبا إلا خرب
وكان محمد بن المنكدر رحمه الله إذا بكى مسح وجهه ولحيته بدموعه ويقول بلغني أن النار لا تأكل موضعا مسته الدموع
وقال كعب الأحبار:والذي نفسي بيده لأن أبكي من خشية الله حتى تسيل دموعي على وجنتي أحب إلي من أن أتصدق بجبل من ذهب .
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لأن أدمع دمعة من خشية الله أحب إلي من أن أتصدق بألف دينار.
يقول أحد تلامذة الإمام سفيان الثوري رحمه الله تعالى : كنت أتعجب من حياة الإمام! وكنت من عجبي به أتبعه في خلواته وجلواته، ثم رأيت منه عجباً، رأيت أنه يقف في اليوم مرات يخرج من جيبه رقعة فينظر إليها ثم يعيدها، يفعل ذلك في اليوم مرات، يقول: فازددت إصراراً في معرفة السر على الورقة، فما زلت خلف الإمام أتبعه، وألحظه في خلواته وجلواته حتى وقعت الورقة في يدي، فنظرت فيها فإذا مكتوب فيها… يا سفيان ! اذكر وقوفك بين يدي الله عز وجل.
وقال بعض العلماء : ليس الخائف من الله الذي يبكي فيعصر عينيه ، إنما الخائف من ترك ما اشتهى من الحرام وهو يقدِر عليه ( ولمن خاف مقام ربه جنتان )الخوف أفضل أم الرجاء :
هذا السؤال يضاهي قول القائل الخبز أفضل أم الماء ؟
وجوابه : أن يقال الخبز أفضل للجائع والماء أفضل للعطشان فإن اجتمعا نظر إلى الأغلب فإن كان الجوع أغلب فالخبز أفضل وإن كان العطش أغلب فالماء أفضل وإن استويا فهما متساويان .
فإن كان الغالب على القلب داء الأمن من مكر الله تعالى والاغترار به فالخوف أفضل وإن كان الأغلب هو اليأس والقنوط من رحمة الله فالرجاء أفضل وكذلك إن كان الغالب على العبد المعصية فالخوف أفضل.
وروى أن عليا كرم الله وجهه قال لبعض ولده يا بني خف الله خوفا ترى أنك لو أتيته بحسنات أهل الأرض لم يتقبلها منك وارج الله رجاء ترى أنك لو أتيته بسيئات أهل الأرض غفرها لك .
ولذلك قال عمر رضي الله عنه لو نودي ليدخل النار كل الناس إلا رجلا واحدا لرجوت أن أكون أنا ذلك الرجل.
ولو نودي ليدخل الجنة كل الناس إلا رجلا واحدا لخشيت أن أكون أنا ذلك الرجل .
وكان علي بن الحسين رضي الله عنهما إذا توضأ أصفر لونه فيقولون له أهله ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء فيقول أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم .
وروي أن الفضيل رؤي يوم عرفة والناس يدعون وهو يبكي بكاء الثكلي المحترقة حتى إذا كادت الشمس تغرب قبض على لحيته ثم رفع رأسه إلى السماء وقال واسوأتاه منك وإن غفرت !!! .
ومر الحسن بشاب وهو مستغرق في ضحكه وهو جالس مع قوم في مجلس فقال له الحسن يا فتى هل مررت بالصراط ؟
قال لا قال فهل تدري إلى الجنة تصير أم إلى النار؟
قال لا قال فما هذا الضحك قال فما رؤي ذلك الفتى بعدها ضاحكا .
ودخل يزيد الرقاشي على عمر بن عبد العزيز فقال عظني يا يزيد فقال يا أمير المؤمنين اعلم أنك لست أول خليفة يموت فبكى ثم قال زدني قال يا أمير المومنين ليس بينك وبين آدم أب إلا ميت فبكى ثم قال زدني يا يزيد فقال يا أمير المؤمنين ليس بينك وبين الجنة والنار منزل فخر مغشيا عليه.
وقال بعض السلف : خوِّفوا المؤمنين بالله ؛ والمنافقين بالسلطان ؛ والمرائين بالناس.
قال ابن القيم : أعجب العجب .. أن تعرف قدر الله ثم لا تحبه وأن تسمع داعيه
ثم تتأخر عن الإجابة
وأن تعرف قدر الربح في معاملته ثم تعامل غيره ..
و أن تعرف قدر غضبه ثم تتعرض له
و أن تذوق ألم الوحشة في معصيته ثم لا تطلب الأنس بطاعته !؟
وقال أيضا رحمه الله:
تَعْلَم أنك ناقص ، وكل ما يأتي من الناقص ناقص ، هو يُوجِب اعتذاره منه لا محالة ، فعلى العبد أن يعتذر إلى ربه من كل ما يأتي به من خير وشر ؛ أما الشر فظاهر ، وأما الخير فيعتذر من نقصانه ، ولا يَراه صالحاً لِرَبِّـه فهو مع إحسانه مُعتذر في إحسانه ، ولذلك مدح الله أولياءه بالوجل منه مع إحسانهم بقوله : (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ( .
ونقل الحافظ ابن كثير رحمه الله:أن خادمًا لعبدالله بن عمر أذنبَ، فأرادَ ابن عمر أن يعاقبه على ذنبه، فقال: يا سيدي؛ أما لَكَ ذنبٌ تخافُ الله تعالى منه؟
قال: بلى. قال: فبالذي أمهلكَ لَمَا أمهلتني. ثم أذنب العبدُ ثانيًا، فأراد عقوبته، فقالَ له مثل ذلك، فعفا عنه، ثم أذنب الثالثة، فعاقبه وهو لا يتكلم.
فقال له ابن عمر: مالكَ لَمْ تقل ما قلتَ في الأولتين؟
فقال: يا سيدي، حياءٌ مِنْ حِلمك مع تكرار جُرمي.
فبكى ابن عمر وقال: أنا أحقُّ بالحياء من ربي، أنتَ حرٌ لوجه الله تعالى. المصدر: البداية والنهاية ٣٠٠/١٧.