( ألا تحبون أن يغفر الله لكم؟ )
عناصر الخطبة:
أولا / سبب نزول الآية.
ثانيا/ هل تستطيع أن تكون مثل الصديق؟
ثالثا/الصفح بعد العفو.
رابعا/ (ألا تحبون أن يغفر الله لكم ؟)
خامسا/ من هو المشاحن؟
أولا / سبب نزول الآية
هذا السؤال جاء في سياق قول الله تعالى : ( ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربىٰ والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم) [النور:22]
هذه الآية نزلت بعد الحادثة التي كانت في شأن أم المؤمنين الصديقة عائشة بنت الصديق حينما رمتها ألسنة النفاق بالإفك ، وبرأها الله جل وعلا من فوق سبع سماوات.
ووقع في هذا البلاء من وقع من المسلمين ، وخاض فيها من خاض، وكان منهم مسطح بن أثاثة ابن خالة أبي بكر الصديق، الذي نشأ يتيما وهاجر إلى المدينة، فكان أبو بكر رضي الله عنه متكفلا به وبالإنفاق عليه، لكن لما علم الصديق رضي الله عنه أن مسطح فيمن خاضوا في ابنته عائشة أقسم أن يقطع عنه النفقة.
وكان مسطح وعدد من الذين وقعوا في عائشة أقيم عليهم حد عقوبة القذف ، فأراد الله جل وعلا أن يرطب القلوب وأن يؤلف بينها فنزل موجها ومبينا لنا أنه لا يمنعنكم إن أبدى أحد إليكم سوءا أن تقطعوا خيرا بذلتموه لله.
(ولا يأتل) آلى يعني أقسم يمينا بالله أو حلف بالله؛ فالله تعالى يقول لا يقسم أحد من أولي الفضل.
وقوله: (ولا يأتل أولو الفضل ) هذه منقبة عظيمة للصديق رضي الله عنه. فالله جل في علاه منح هذا الوسام الرفيع للصديق، فعائشة ابنة الصديق مبرأة من فوق سبع سماوات ، وأبوها بشهادة القرآن الكريم من أهل الفضل.
وأهل الفضل هنا الذين جعل الله تعالى في أخلاقهم خصالا طيبة تسع الناس .
ومعنى ( السعة ) يعني من وسع الله عليهم بالمال فهو من أهل الفضل ، ومن أهل السعة الذين وسع الله عليهم بالأموال.
فالله تعالى ينهى أن يكون هؤلاء الذين منّ الله عليهم بالمال ممن يمنعون نفقاتهم عمن يحسنون إليهم بسبب إساءتهم.
يا إخواني ضعوا أنفسكم مكان الصديق رجل رباه الصديق من صغره إلى أن صار رجلا، لم يقطع النفقة ولا المال عنه، لم يسئ إليه بل امتدت يد الإحسان من فضل الله عليه من صغره إلى كبره، فقابل كل هذا نكرانا وإساءة ثم خاض في عرض ابنته. ماذا تفعل ؟
أقل شيء أن تقطع النفقة عنه، وتقطع علاقتك به وحق لك ذلك.
فأي نفسية تعلو فوق حظوظ النفس البشرية حينما يناديها الله: (أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ) فيرد مجيبا : بلى يا رب.
هل تستطيع في مثل هذا الموقف بل أقل منه أن تتجاوز عن الإساءة استجابة لأمر الله : (أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ)
ثانيا/ هل تستطيع أن تكون مثل الصديق؟
هل تستطيع أن تعلو عن حظ النفس والأنانية، وتعلو عن إساءة غيرك، بأن تكون من أهل الفضل والكرم الأخلاقي فتجعل مقابل إساءة غيرك إحسانا إليهم؟
هكذا ارتقى الصديق رضي الله عنه ، بل أعاد النفقة وضاعفها رغبة في أن يغفر الله له.
يا إخواني، الله تعالى شاء أن تكون هذه النوعيات قدوات لنا حتى نتأسى بها.
رب العزة خلقنا نحب أنفسنا، كلنا نحب ذواتنا ونحب من يحسن إلينا وربما ننسى الجميل، لكن الإساءة لا تنسى فهي شيء قاس على النفس !!!وهذا ابن خالته فصارت أصعب وأصعب .
وأنا لا أتكلم هنا عن خوض في عرض، أنا أتكلم عن مناقشة صغيرة بين اثنين يدوم بعدها الفراق لسنين.
أتكلم عن مسألة أو موقف أسيء الفهم في بعض كلماته أو في سوء النقل من فلان إلى فلان فتصير القطيعة لشهور.
أتكلم عن أسرة خربت بسبب كلمة قيلت في ساعة غضب بين زوج وزوجة استمرت حياتهم عشرة، خمسة عشر سنة…. يخرب البيت في كلمة واحدة مع العجلة وشدة غضب وسرعة التصرف طبعا تصرف موتور خرب البيت وخربت الدنيا.
أتكلم يا إخواني عن مواقف كثيرة جدا بيننا كانت تحتاج إلى سعة صدر، كانت تحتاج إلى احتواء، كانت تحتاج إلى لحظة هدوء، ومراجعة للنفس.
يعني أنا وأنت بيننا رصيد كبير من العلاقة والمحبة والود والمواقف الطيبة بسبب موقف تافه تبيعني وتهجرني لشهور أوسنين؟
أو بيننا من الرحم بسبب تصرف سيء في ساعة غضب، أو سوء فهم، أو سوء ظن أقطع العلاقة بيني وبين أرحامي مدى العمر ؟
بل ربما هناك من يورث هذه العداوة لأولاده ويقول : إياكم أن فلان يزورني أو يمشي في جنازتي، أو إلى آخره.لا حول ولا قوة إلا بالله.
الله يربينا يا إخواني لنعلو على حظوظ النفس وأن نعلم أن النفوس الأنقى والأرقى والأفضل هي التي تعفو وتصفح.
ثالثا/الصفح بعد العفو
ولاحظوا التعبير القرآني: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا) طيب العفو نعرفه، أن تترك المؤاخذة على الإساءة؛ أنا عفوت عن فلان يعني لا أؤاخذه على إساءته أنا سامحتك، فما هو الصفح ؟
الصفح هو أن تنسى الإساءة يعني لا يأت يوم أو لحظة وأقول لك هل تذكر يوم قلت كذا أو فعلت كذا؟
هذا طبعا إيذاء؛ فأظل طوال العمر أو كلما استدعى الموقف أن أذكره بما مضى، أذكره وأقول له: كذا وكذا وكذا ، وأنا الذي أحسنت وأنا عملت بأصلي ، وأنا أكرم منك ، وأنا وأنا ….حتى يود الطرف الآخر لو أنك عاقبته أفضل من منّك (بتشديد النون)عليه طوال العمر.
ويا للأسف يحدث هذا مع الأزواج ؛ الزوج عنده سجل حافل لزوجته فأول ما تحصل المشكلة يأتي بالتاريخ، يقول لها هل تذكرين سنة كذا وتذكرين سنة كذا ، ولما أنجبت طفلنا الأول الذي سنه عشرين سنة الآن ، ولما أنجبت ابنتنا، والزوجة نفس الحال عندها ما شاء الله صحيفة سوابق ملآنة للزوج ؛ فتقول له : أنت نسيت أيام الخطوبة؟ لا إله إلا الله!
(وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ) أن يكون القلب سليما ما فيه شيء، لكن أن تقول عفوت والقلب الأسود ممتلئ بالعداوة ويضمر الشر، هذا لا يحبه الله عز وجل.
إذا كنت ما زال في قلبك شيء، صارح به، لكن تجلس في جلسة صلح وتتفق على إنهاء الخصومة وفي نيتك الغدر، ويتمنى أن يقوم على صاحبه كما يقوم الوحش بالانقضاض على فريسته.
أين العفو يا أخي؟ يقول لك أنا استحيت من الرجال…أين الصفح ؟
يقول لك لا لم أستطع هؤلاء ناس كذا وكذا وكذا…(يسبهم ويلعنهم)
(وليعفوا وليصفحوا) ما الثمن يا إخواني؟ (ألا تحبون أن يغفر الله لكم ؟)
رابعا/ (ألا تحبون أن يغفر الله لكم ؟)
(ألا تحبون أن يغفر الله لكم ؟) هذا هو المقابل يا إخواني؛ فمن يردّ هذه الدعوة ؟ ألا للحض على الفعل؛ ألا ترغبون ؟هل ترغبون فعلا ؟ بلى يا رب.
إذن فاعف عمن ظلمك وأساء إليك، سامح، اصفح، اجعل قلبك أبيض، لا تكن دائما حمال للإساءات والعداوات.
الإنسان لن يتسع صدره ولن يتسع وقته ولا عمره إلى أن يعادي الناس كلها.
ولو ابتغيت صديقا بلا عيب فلن تجد أحدا تصاحبه؛ كلنا بشر، كلنا نخطئ، كلنا فينا نقص، فلو بحثت في الدنيا كلها عن شخص بلا عيب أو بلا نقص، فلن تجد، ولو ظللت تقاطع كل إنسان يصدر عنه أي شيء يخالف ما تحب فلن تصاحب أحدا، فعامل الناس بالعفو كما قال الله لنبينا صلى الله عليه وسلم) : خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)[ الأعراف، الآية 199]
ما معنى ( خذ العفو) ؟
أي ما سمحَت به أخلاق الناس وأحوالهم وطبائعهم خذ العفو ولا تنتظر المثالية في الأخلاق من كل من تلقاه وكل من تتعامل معه بل الناس فيهم في هذا الباب تفاوت عظيم، فإذا هيئت نفسك هذه التهيئة أن تأخذ بالعفو، وما سمحت به أخلاق الناس، وتَيسر لهم القيام به سعدت في هذه الحياة.
أما إذا كنت تنتظر من كل من تلقاه أن يكون مثالياً في أخلاقه، وفي تعاملاته فلن تجد ذلك ، لأن الناس طبائع وأجناس: منهم سريع الغضب، ومنهم سريع الانفعال ومنهم الهادي ومنهم العنيف ومنهم الغليظ …إلى آخره .
فهيئ نفسك لملاقاة هذه الأنواع والأصناف المتباينة من الأخلاق وخذ ما سمحت به نفوس الناس منها، ولو أن كل اثنين اختلفا تخاصما وتهاجرا لخربت الدنيا.
وهذا الإمام الشافعي لما اختلف مع أحد تلامذته يونس بن عبد الأعلى اختلف معه في مسألة فقهية، أمسك الشافعي بيده وقال : وما عليك لو اختلفنا في مسألة لكن لا تختلف قلوبنا!!
أنا وأنت عندنا اختيار فقهي، أنت من المذهب الفلاني من المدرسة الفلانية تأخذ عن الشيخ فلان ؛ ما المشكل لو اختلفنا في مسألة لكن لا تختلف قلوبنا؟
ما المشكلة لو تعددت وجهات النظر في موضوع بينك وبين زوجتك وحاولنا التقريب بين المسافات ؟ ما المشكلة لو تنازلت قليلا حتى تدوم الحياة؟
وقد أشار القرآن إلى مسألة صغيرة جدا، مسألة فطام الطفل الصغير.
أول الآيات قال تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ )[البقرة: 233] فإذا أراد الأبوين أن يكون رضاع ابنهما أقل من سنتين قال: ) فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا) أراد الأبوين فصل الولد عن أمه يعني بالفطام، ماذا قال الله؟ ( َعنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ) فالحياة الزوجية ليست استبدادا فكل شخص يستقل برأيه؛ إما رأيي وإما الطلاق.
إما أن تسمعي كلامي وإما أن تذهبي لأهلك؛ لا ليست الحياة الزوجية نعم أو لا؛ الحياة الزوجية (عن تراض منهما وتشاور) هذا في فطام الطفل فما بالكم بما هو أكثر من ذلك، مصير الأولاد، مصلحة البيت؟ ما المانع أن نقرب المسافات، ما المانع أن تتنازل أيها الزوج؟ أو تتنازلي أيتها الزوجة قليلا حتى تتقارب وجهات النظر.
من اللطائف الجميلة للشيخ الشعراوي في تفسيره يقول مثلا: لو جاءك أحد أبناءك يشكو إليك أن أخاه قد ضربه فأخذت المضروب وطمأنته وهدأته ثم جئت بقطعة من الحلوى شوكولاتة أو شيء، وقلت للآخر: أنت لن تأخذ مثلما أخذ أخوك. يقول : هنا يتمنى الطفل الذي ضرب أنه يكون هو المضروب. لأنه أخذ الحنان من الوالد وأخذ الحلوى.
هنا رب العزة سبحانه وتعالى يقول لك أبشر يا من عفوت، أبشر يا من صفحت إن أجرك عند الله (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)[الشورى:40]
لو تنازلت قليلا وصرت لين الجانب لزوجتك، لأخيك، لرحمك، لصديقك، لله عز وجل أبشر برضا الله سبحانه وتعالى.
والله يا إخواني تعجبون معي لكثير من الناس ما شاء الله عليه تغبطه في صلاته، تغبطه في عبادته، تغبطه في كل شيء إلا في هذه النقطة تجده قاسي عصبي صعب، لماذا يا أخي ؟ يقول لك أنا هكذا.
غير نفسك لوجه الله الذي تسجد له، غير من طباعك؛ فإن رب العزة قال لمن هو خير منك) : وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)[الشعراء 215]
وقال: ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ لنت من اللين وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)[ آل عمران: 159]
خامسا/ من هو المشاحن؟
غدا إن شاء الله ليلة النصف من شعبان ليلة الخامس عشر، وهذه الليلة صح فيها حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : (إن الله تبارك وتعالى يطلع على عباده ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن. )
أما المشرك فقد عافانا الله، ونسأل الله أن يجعلنا من أهل التوحيد، وأما المشاحن فهو المشكلة؟
من هو المشاحن؟
مشاحن من الشحناء كأن في شحن في الصدور، مواقف عديدة وكثيرة، أدت إلى أنك لم يعد لك قبول عندي.
فالتشاحن سببه الخصام، أو السب، أو العداوة، أو النميمة، أو التنافس الدنيوي، أو اختلاف وجهات النظر؛ فيؤدي ذلك إلى ضيق في الصدر بهذا الشخص، وقد يؤدي هذا إلى الفجور في الخصومة بفضح الأسرار وهتك الأستار والتشهير بخصمك أمام الناس، هذه من صفات النفاق نسأل الله العافية، والنبي صلى الله عليه وسلم : قال : (وإذا خاصم فجر) فهذه من ألد أنواع الخصومة أنك إذا عاديت شخصا تهتك الستر الذي بينك وبينه سواء الشخص هذا صديق أو زوجة .
عند الخصام تشتعل نار العداوة : يقول لك لا أنا لازم أتكلم….. يا أخي هذه أسرار بيوت…. يا أخي هذه أعراض….. يقول لك لا أنا لن أسكت… يا أخي، اتق الله. صن لسانك…. هذه أم أولادك…. يا أختي هذا أبو أولادك. لا حول ولا قوة إلا بالله.
ظلمني… ظلمتني… أتركها لله. أسكت لله … الله تعالى قال : (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ )[البقرة :229]
يا قوم اسمعوني الله يقول: (بإحسان ) وليس تشهير وليس تجريح وليس خوض في أعراض. لا حول ولا قوة إلا بالله.
بعض العلماء قال: أما تعلمون أن سلامة الصدر جزء من نعيم الجنة ؟
سبحان الله كيف هذا ؟
قال: قال تعالى : (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ) [الأعراف:43]
هل تريد أن تعيش سليم الصدر تتمتع بجزء من نعيم أهل الجنة ؟
مع ضيق الصدر والله تضيق بك الحياة!! والله تصير الحياة جحيم لا يطيب لك طعام ولا شراب ولا نوم، لأن الشخص الذي يحقد ولديه خصومة أو عداوة دائما مترقب متربص ضيق الصدر ضيق النفس، دائما يتوقع السوء يتوقع الشر… لا إله إلا الله!
اذكر ذات مرة في صلح بين شخص وزوجته السابقة واتفقنا على بعض الأمور، ومع ذلك قال: لا ولكني سأفعل كذا وأفعل كذا وسأذهب للمحكمة وسأوكل محامي…
قلت له يا أخي بكم تشتري راحة بالك؟ وبكم تشتري سلامة صدرك؟
ابدأ حياة جديدة بدون أشياء تعكر عليك هذه الحياة ؟هي ظلمت، وأساءت، طيب أنت أحسن. هي أخذت أكثر من حقها طيب أنت تعفو!! وأجرك على الله.
يا إخواني نتيجة الحقد والكمد وهذه الأشياء كلها أمراض الله بها عليم.
لكن تعال على الجانب الآخر( وليعفوا وليصفحوا) قيمتك عند الله ترتفع ، وتتمتع براحة البال، ودائما تشعر بالسعادة ؛ فعندما يحسن المرء إلى غيره ويحب الخير لمن حوله يسعد ويفرح، وهذا ما أراده منا الإسلام؛ قال تعالى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ) [البقرة 83]
وهذا ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم : (خير الناس أنفعهم للناس) و( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
بعض الأطباء النفسيين جعلوا من ضمن البرامج العلاجية للمرضى النفسيين أن يذهب المريض ويقدم بعض الهدايا للأطفال اليتامى، وللمرضى، وللمحتاجين وأصحاب الإعاقة، وقالوا : إن هذا يفرز هرمون معين في الجسم يؤدي إلى شعور بالسعادة. سبحان الله !
يعني أنت حينما ترى بسمة على وجه غيرك أنت سبب فيها أنت تفرح وتسعد.
ففرصة ونحن إن شاء الله نستقبل هذه الليلة التي جعل من بركتها مغفرته مغفرة تشمل كل عباده المؤمنين إلا صنفين مشرك ومشاحن.
فأنت من أهل التوحيد فكن من أهل سلامة الصدور وادع بدعاء الذين آمنوا حينما دعوا ربهم قائلين: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر :10]
وحتى تكتمل الصورة إذا أردت أن تصلح ما بينك وبين غيرك فرفض فقد أديت ما عليك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. )
ويجوز أن تهجر من هجرته لله؛ فليس من المعقول أن الإنسان سيعيش بدون أن يكون هناك من يخالفه، فإذا كان هناك من إذا عاملته كانت المعاملة كلها بلاء وكلها شر فهجر هؤلاء لله لا حرج فيه.
الأحاديث الواردة في القطيعة والخصام والعفو كلها في مسألة العداوة الدنيوية العداوة التي لها سبب دنيوي ، أما من كانت معرفته بلاء ويظلمك ويسيء إليك، ولا يترك شرا إلا أوصله إليك، فهؤلاء البعد عنهم غنيمة.
وهذا كما قال عبد الله بن المبارك الناس ثلاثة : فمنهم من هو كالداء لا تحبه بحال (الداء هو المرض) ومنهم من هو كالهواء لا تستغني عنه بحال ومنهم من هو كالدواء إذا احتجته وجدته.
ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يطهر قلوبنا
وأن يصلح ذات بيننا
وألا يجعل للشيطان حظا
في كلامنا وفي أفعالنا
بيننا وبين إخواننا.