أحبابنا وإخواننا الكرام كنا في الأسبوع الماضي نتكلم عن الأسباب التي تجلب لنا نعمة الأمن والأمان ، وقلنا أن من ضمن الأسباب التي تجلب الأمن والأمان (الحوار )
وقد خصصت هذه الخطبة عن هذا الموضوع لأننا نحتاج إلى فهم كيف يكون الحوار.
سنة الله في اختلاف الخلق :
إدراك أن الله تعالى خلقنا جميعا من أب واحد لكنه جعل فينا الإختلاف، الإختلاف في الألوان، في الطباع، في الألسنة، في التفكير، في البيئة…..الخ
هذه سنة أرادها الله تعالى ليتنوع الخلق ….. فالله جل وعلا جعل هذا الأمر من آياته التي تستحق التأمل . قال: “ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين”.
إذن فالإختلاف بين الخلق أمر أراده الله في الكون ليكون هذا التنوع الذي نراه في الدنيا كلها.
ليس هناك شيء اسمه ( إجتماع الناس على شيء واحد) أو أنك تجمع الناس على رؤية واحدة أو سياسة واحدة أو فكر واحد أو حتى دين واحد.
إذن لما تؤمن بهذه المسألة سيتسع ذهنك ويتسع صدرك لأن تتكلم مع من يخالفك، لأن تتحاور مع من يخالفك.
لغة الحوار هي لغة القرآن الكريم مع المخالفين دائما ، لم تأت لغة القتال أو الأمر بالقتال إلا مع من يعتدي ومن يأكل الحقوق ويهضم الناس ويظلمهم. أما لو قرأنا سواء القرآن المكي والحوار مع المشركين أو قرأنا القرآن المدني والحوار مع أهل الكتاب ستجد لغة الحوار لغة راقية في القرآن الكريم تبين لنا كيف يكون الحوار ؟ وكيف يكون سياق الحجج ؟ رغم أن الذي يتكلم هو الله جل جلاله.
فهذه مسألة مهمة جدا يا إخواني…. فالحوار خير من الإقتتال، خير من الخصام والعداوة.
الحوار خير من الشتائم والتشنج.
الحوار خير من لغة التصادم.
الحوار سيكون سببا لإشاعة جو التفاهم في أي مشكلة.
الحوار يكون بينك وبين صورة مصغرة في أسرتك مثلا حينما تختلف أنت وزوجتك أو مع أولادك أو مع زميلك أو مديرك في العمل أو مع جيرانك أو من يخالفك في الفكر أو في الثقافة.
الحوار على مستوى الأفراد، على مستوى الأمم.
إذن يا إخواني فالحوار دائما ما يفرغ الشحنات السالبة.
الحوار لما ننصت لبعضنا لغة الخصام والشجار والعداوة والاحتقان تختفي.
حينما يكون هنالك قوة للحق فهذا أفضل مليون مرة من حق القوة ؛ قوة الحق حينما نتحاور يظهر الأمر لكن حينما نتشاجر ونتخاصم يكون الأمر هو حق القوة وليس قوة الحق.
لماذا نتحاور؟
1- كما قلت في مقدمة كلامي حتى لا يكون هنالك تصعيد في اتجاه العنف والإقتتال والعداوات والخصام.
2- الأمر الثاني الإنسان لن يعيش لوحده في الدنيا ، لن تستطيع أن تكون بمفردك ، الناس حولك يخالفونك ، لا تستطيع أن تجعل الناس على هواك، على مزاجك، على وفق ما تريد. هذا أمر لا بد منه.
إذن فالحوار يجعل هناك نقاط إتفاق بينك وبين من يخالفك لينسجم العمل.
3- الحوار إثراء للمعرفة وللعلم : فالله تعالى لم يخلقنا جميعا نعرف كل شيء إنما أنا أعلم شيء ويخفى علي أشياء وأنت تعلم شيئا ويخفى عليك أشياء ، فلما نتحاور تظهر الأمور وتتضح ؛ فالحوار فيه إظهار لوجهات النظر وطريقة التفكير وعمق الرؤية…. وهكذا بدل من أن أبصر بعينين إثنين أبصر بأربعة، بستة، بثمانية على حسب من أحاور ومع من أتكلم الرؤية تكون أوضح وتكون أفضل وتكون أظهر.
العلماء ألفوا مؤلفات كثيرة في موضوع أدب الحوار وكيف يكون الحوار؟
وأنا أحاول أن أبسط الكلام كما قلت لنتحاور في النطاق حتى الضيق بينك وبين زوجتك أو بينك وبين صديقك أو بينك وبين مجموعة ممن يخالفونك في الفكر أو في الدين أو ما شابه ذلك.
آداب الحوار
أولا / أن تبدأ بالنقاط المشتركة؛ نقاط الإتفاق.
لماذا؟ لأن هذا يعزز موقفي أنا وأنت لأرضية إنطلاق مشتركة ، ما الذي نتفق عليه أنا وأنت؟ واحد إثنان ثلاثة أربعة، هذا يجعل الحوار فيه إيجابية. هذا يشعرني بأني وأنت هدف واحد. ليس هدفنا عدم الإلتقاء ولا عدم الإنسجام. هدفنا هو الوصول للحق أو الوصول للهدف الذي ننشده.
فحينما نبدأ أي حوار نقول بما أن بيننا نقاط مشتركة أو أننا نتفاهم في كذا وكذا وكذا فعلينا أن نحدد هذه النقاط، واحد إثنان ثلاثة إلى آخره.
فإذا عددنا نقاط الإتفاق أدى هذا كما قلت للشعور بالإنسجام بين المتحاورين وتخفيف لغة الإحتقان أوالتصادم بين الطرفين.
الأمر الثاني تحديد نقاط الإختلاف :
حددنا الإتفاق نحدد الإختلاف، كيف نختلف؟ وعلام نختلف؟ واحد إثنان ثلاثة. نحدد نقطة الحوار. نبدأ بكذا نتكلم عن كذا.
أما إذا كان الحوار من نقطة إلى إثنين إلى ثلاثة إلى رابعة إلى سادسة إلى عاشرة وانتهت الجلسة بعد ثلاث ساعات أو أربع ساعات بلا فائدة !!!
نحدد نقاط للحوار….. لا ينبغي أن يكون المكان أو الإجتماع لثلاثين نقطة نتكلم فيها. يكفي نقطة واحدة نخرج منها بنتيجة وفائدة أبرك من حوار يمتد الكلام فيه لساعات طويلة دون الإتفاق على شيء.
الأمر الثالث/ نهينا أن نتجادل مع الذي يريد الحوار من أجل إثبات الباطل :
واحد لا يريد السماع للحق أبدا ، واحد يظهر الباطل ويحرص عليه ويدعو إليه ويتمسك به ، كما نرى نحن في الحوارات التي تكون على بعض القنوات الفضائية يأتي بإثنين كل واحد في اتجاه. ليس هناك لا نقاط إتفاق ولا طريقة سليمة في التفكير ولا توجه نحو فائدة الناس أو العموم.
كل واحد جلس ينظّر لنفسه. هذا يسمونه الحوار العقيم!!!
لا فائدة من ورائه طالما أن من جلس جلس ليبين نفسه لا ليظهر الحق، ليجادل فيرد الحق بالباطل الذي معه ؛ فهذا حوار لا ينبغي أبدا أن نلتفت إليه. الحوار الذي نتكلم عنه الحوار المثمر البناء ، الحوار الذي يفيد، الحوار الذي يؤدي إلى نتيجة.
الأمر الرابع / كيف تكون لغة الحوار ؟
هنا سبحان الله القرآن علمنا كيف نتحاور مع من يخالفنا فلا ينبغي أبدا (هذه أخلاقيات المسلم) أن يكون حوارك بلغة الإستعلاء ومن يخالفك هو دونك الدونية أنا وأنا وأنا( باستعلاء)….. هذه ليست لغة الحوار…… هذه لغة المتكبرين.
قال تعالي : ” ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم يالتي هي أحسن” إن يكن هناك طريقة حسنة فجادل بالتي هي أحسن ”
و” وقولوا للناس حسنا” و ” ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن” هكذا علمنا القرآن.
فلما نتحاور مع من يخالفنا ننتقي العبارات والألفاظ قال تعالى “قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ”وهذا الكلام لنبينا ولنا من بعده في حواره مع المشركين الذين يعبدون مع الله آلهة أخرى سبحان الله !!! نحن أجرمنا !!! نحن ينسب إلينا الجرم يعني أخطأنا وفعلنا وفعلنا.
“…وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ” ليس المسألة إحتكار للحق. أنا المتفرد به وأنت من كذا وكذا وكذا. “…وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ”.
والأمثلة في هذا المعنى كثيرة جدا المقصود منها يا إخواني أن لا تكون لغة الحوار لغة السب لغة الشتائم، لغة التشنج ؛ فهذه أشبه بمعركة كلامية من أن تكون جلسة للحوار والتفاهم. رب العزة يقول: “وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ”
ولما نادى الله تعالى على أهل الكتاب (اليهود والنصارى) وأن ما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو مذكور في كتبهم، نادى عليهم بأحب أسمائهم (يا أهل الكتاب ) وهذا تشريف لهم (يا بني إسرائيل) يعني يا أبناء الرجل الصالح إسرائيل (وهو يعقوب عليه السلام ) نبي من أنبياء الله ومنه إثنا عشر ولدا منهم يوسف عليه السلام. تفرع من هؤلاء الإثني عشر أسباط بني إسرائيل.
فالله تعالى يناديهم يا أبناء الرجل الصالح إسرائيل: “يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ”. هكذا يا إخواني
والرسول صلى الله عليه وسلم علمنا في لغة الحوار والتخاطب إظهار الإحترام لمن تكلمه. قال: “أنزلوا الناس منازلهم” إن كان له لقب يعرف به، إن كان له مكانة إجتماعية يتشرف بها بين الناس أو اشتهر بها بين الناس لا ينبغي أبدا أن تنتزعها عنه فتكلمه بلغة الإستعلاء أو الإحتقار أو الدونية فهذا ليس من أخلاقنا نحن المسلمين.
الرسول صلى الله عليه وسلم لما كتب رسائله لملوك العالم بعد صلح الحديبية كان يكتب إلى هرقل عظيم الروم، إلى كسرى عظيم الفرس، إلى المقوقس عظيم القبط وهكذا….. كان النبي صلى الله عليه وسلم يبين هذا في صدر رسالته لنتعلم من ورائه.
أما أن واحد يبدأ الحوار بالسب … بالشتم…. بالتجريح … بالإستهزاء …. بالسخرية فأبشر بفشلك في هذا الأمر!!!
إذا لا بد من هذه الكلمات.. وقولوا للناس حسنا… بالتي هي أحسن.
الأمر الخامس / مراعاة الهدوء في الصوت :
ينبغي أن يكون الصوت مناسبا لجو الجلسة، فارتفاع الصوت دليل على ضعف الحجة كما قال العلماء: (من ضعفت حجته علا صوته ) يعني لما يشعر أنه ضيق عليه أو أن الأمر فيه خسارة يعلو صوته لتضييع المسألة أو تمييع المسألة ، فلا ينبغي أبدا أن يكون التشنج هو لغة الحوار.
وأنا أعرف حوارات كثيرة انتهت بالطلاق بين رجل وزوجته وانتهت بالشجار والتقاتل بين رجل وصديقه!!! لماذا؟
لأنه بعد ظهور خطئه يتطور الأمر هنا للاستبداد بالرأي والإستعلاء فيكون بعد ذلك علو الصوت ثم السب واللعن و و و…. حتى نصل إلى ما نعرفه من عواقب وخيمة. سبحان الله العظيم.
الأمر السادس / قبول الحق سواء كان على يدي أم على يد غيري :
من الأشياء التي ينبغي على المسلم أن يعلمها أنه في أي حوار لا يضرني إن ظهر الحق على يدي أو على يدي غيري.
الإمام الشافعي رحمه الله كان يقول ما ناظرت أحدا إلا وتمنيت أن يظهر الله الحق على يديه أو على لسانه.
ما في مشكل !! نحن إذا كنا نبتغي الخير فلا يضرني نطق به لساني أو نطق به لسانك.
والعلماء يشبهون الأمر بمن ينشد الضالة … واحد تاه منه حيوان أو وقع منه شيء ثمين فسواء أنا وجدته أو أنت وجدته جزاك الله خيرا.
ولما سئل النبي عن معنى الكبر قال (الكبر بطر الحق وغمط الناس) البطر يعني التعالي ، تبطر يعني تعالى عن قبول الحق. لماذا؟ استعزازا بنفسه حتى لا يبدو أمام الناس أنه مخطئ.
( وغمط الناس ) احتقار الناس ، أن يحتقر من أمامه ، فيرد الحق لأنه خرج من فلان لا منه ويحتقر الناس فلا يتنازل أو يعتبر كلمة الإعتذار أو كلمة الأسف أو كلمة الخطأ على لسانه شيء يعيبه ؛ بزعم أن ذلك سيظهر ضعفه أو يظهر هزيمته فهذا أبدا ليس من أخلاقنا نحن المسلمين.
( الكبر بطر الحق وغمط الناس) فتجنب أن تتعالى وأن تتكبر.
الأمر السابع / أن نفرق في كلامنا بين ما هو شرعي وبين ما هو دنيوي:
ما هو شرعي عندما أتكلم في قال الله وقال الرسول فينبغي أن ننسب الأمر لأهله يعني ليس من همتي أنا كرجل أعمل مهندس أو أعمل مدرس أو في مجالات التكنولوجيا إلى آخره …. أعمل في أي مكان ؛ أن أكون كشيخ الإسلام ابن تيمية أو الشافعي أو البخاري…بل أنسب الأمر لأهله.
لكن أنت تعجب حينما يتحاور إثنان ليسوا من أهل التخصص الذي يتكلمان فيه هذا جاهل وذاك جاهل وكل يريد أن يثبت نفسه. كل يريد أن يثبت ذاته. طيب يا أخي انسب الأمر لأهله ، الله تعالى علمنا “…فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ”.
هنا في مسألة التدين البعض يأخذها بمسألة عزة. أنا متدين.. أنا ملتزم.. أنا أسرتي فيها اثنان مشايخ.. أنا والدي كان كذا وكذا… والدك.. عمك.. لكن أنت لا دراية لك بما تتكلم عنه؟
ولذلك الشيخ محمد الغزالي ذكر أنه مرة دخل صيدلية فوجد الطبيب الصيدلي فاتح مجلدات في الفقه والتفسير….. وكذا ، فقال له أريد هذا الدواء. قال انتظر قليلا!!!
قال : ولما طال الإنتظار قلت له : يعني أنا رجل شيخ وهذه مهمتي أو عملي وأنت رجل صيدلي أخبرني ما عملك الآن ؟
قال في المسجد اختلفنا في مسألة فقهية ووعدت الرجل أن آتيه بالدليل فأنا الآن أبحث عن الدليل !!!
قال والله ما أضاع المسلمين إلا أنت وأمثالك ….. لما صيدلي واقف في الصيدلية يبحث في مسألة فقهية ماذا يسوي الشيخ؟ أنت مكانك في المعمل. أنت مكانك لتبحث عن دواء يرفع الألم عن مريض أو يخفف الآلام عن مريض !!! أما ما تفعله أنت الآن فهذا الذي أضاع المسلمين.
وهذا فيه إشارة إلى حديث الرسول: (إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة) فينبغي يا إخواني لما الإنسان يتخاصم أو يتجادل أو يتحاور في مسألة هو جاهل بها أن يمسك. طالما أنك لا علم لك فلا تقولن ما ليس لك به علم. كما علمنا الله عز وجل “وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا”.
الذي يتكلم في غير فنه دائما ما يأتي بالعجائب ، والذين يتزعمون الفضائيات والقنوات ومجالات الإعلام الحديثة تجد أغلبهم ليس عندهم ألف باء تدين أو ألف باء العلم الشرعي ، وأنا خصصت الكلام عن العلم الشرعي لأن المسألة الآن أصبحت مسألة تلاعب بالألفاظ، تلاعب بالأفكار، مغازلة الشبهات وإيقاظ الشهوات في قلوب الناس من خلال ما نسمع وما نرى الآن.
يعني ذكرت على سبيل المثال أنهم جاؤوا بواحد معمم وقال إن صحيح البخاري ليس من عمل البخاري بل هو لشخص يدعى جمعة محمد بن إسماعيل وقرأ ما على جلدة الكتاب جمعة محمد بن إسماعيل !!! وهز المذيع رأسه وقال فعلا فعلا !!!
طبعا هو ليس هناك شخص اسمه جمعة ، الكتاب مكتوب عليه جمعه (محمد بن إسماعيل) فقرأها صاحبنا لأنه لا دراية له بالعلم الشرعي لم يمسك يوما كتابا وتتلمذ أو تعلم على يدي شيخ فيقرأ (جمعه ) قرأها (جمعة) !!!
بل أحد الإخوة أخبرني أن أستاذ جامعي في بلده كانوا يتكلمون عن الخمر وأنها ليست محرمة وأن من يحرمونها هم المتشددون وأتى بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة ناوليني الخمرة من المسجد. قال هذا الحديث صحيح . يا أخي نعم الحديث في (صحيح مسلم) لكن ليس اسمها خمرة (بفتح الخاء) إسمها خمرة (بضم الخاء) والخمرة هو فرش كان النبي يفرشه للصلاة يشبه سجادة الصلاة عندنا….. ففارق بين الخمرة والخمرة !!! الكتابة واحدة لكن من يعلمنا أن هذه معناها كذا وهذه معناها كذا سبحان الله العظيم.
واحد آخر يتكلم أنه يجوز قراءة القرآن في كل مكان حتى لو في الحمام. طيب يا أخي سبحان الله من أين جئت بها؟
قال: قال فلان وقال فلان وجاء بالكتاب وقرأ….. الحمام عندنا غير الحمام عند مشايخنا (قديما)الحمام عندنا هو مكان قضاء الحاجة ،والإستحمام ،عند مشايخنا الحمام هو (لأن الماء لم يكن متوفرا في القديم مثل حالنا الآن حنفيات والسخانات الكهربية وكذا…. فكان الرجل إذا أراد الإستحمام يذهب إلى مكان للإستحمام إسمه الحمام يكون فيه الماء ساخن وبعضها يكون فيه معالجة طبية أو يقولون عليه ماء الكبريت إلى آخره). فالحمام غير الحمام. لا علاقة بهذا وذاك.
الأمر الثامن / تحرير الألفاظ والمصطلحات :
إن اللعبة الآن ربما صارت للجهل الكبير التلاعب بالألفاظ كمصطلح (الإرهاب) التلاعب به يتم بصورة عجيبة جدا.
الآن أصبح من يخالف الحاكم الظالم إرهابي.
بشار الأسد يقول عن الجيش الذي يواجهه أن اسمه إرهابيين !!! لا إله إلا الله.
وأنت؟ يا من قتلت الملايين وسفكت الدماء بالقنابل والبراميل المتفجرة؟! أنت الحاكم العادل عمر بن الخطاب؟ لا إله إلا الله.
فمعركة المصطلحات معركة عجيبة وكبيرة.
عندك كل من يخالف الحاكم إرهابي … طيب هو الرجل لم يحمل السلاح هو نقد الحاكم ….. آه أنت من الخوارج. وطبعا من يسمع لا يعرف معنى الخوارج…. الخوارج يعني ماذا ؟ الذين يكرهون الحاكم. الذين يخرجون على الحاكم ؛ والخوارج هؤلاء يعني ناس فسقة ناس فجرة ناس كذا وكذا….. يا أخي وهل كل من نقد الحاكم صار من الخوارج؟
تنصيب الحاكم على أنه إله لا يخطئ أو نصف إله أو متكلم نيابة عن الله هذا من الفجور وكل سينال عقابه عند الله من مشايخ السلطان الذين زينوا لهم هذا الكلام واستحلوا به الدماء وسفكوا به الدماء.
فمصطلح الإرهاب، مصطلح الخوارج، مصطلحات كثيرة جدا في عالمنا الآن تحتاج إلى تدقيق.
إذا قلنا الإرهاب أسألك بماذا تقصد؟
ما معنى الإرهاب في ظنك؟ ربما عندك في بعض المصطلحات الإرهابي هو من يصلي….. في بعض الاصطلاحات الإرهابي هي من تلبس الحجاب…. في بعض الاصطلاحات الإرهابي هو من يقول كلمة حق عند سلطان جائر….. من يريد أن يصحح للناس وعيها بعد تزييف الوعي المتعمد.
ففي الحوار التلاعب بالألفاظ التلاعب بالكلمات التلاعب بالأفكار.
مصطلحات كبيرة (الإسلام السياسي)، (الإسلام الرديكالي) … جماعات التشدد الذي كذا… الذي كذا إلى آخره.
أحد الإخوة العاملين بالمجال السياسي هنا قال في الأمن يقولون بأن هناك من يبلغ عن ابنه. لماذا؟
إبني صار يصلي… إبنتي لبست الحجاب. …هذا في ظنهم إنه انضم لداعش.
هذا بسبب تزييف الوعي عند الناس. …تزييف الوعي أنه صار من يصلي إرهابي…. من لبست الحجاب انضمت لداعش.
إذا أين الإسلام؟ ما تظنون الإسلام؟ سبحان الله !
وعلى هذا من لا يشرب الخمر صار متشدد !! أنت مسلم متشدد لا تشرب الخمر!! ومن يتعفف في ألفاظه هذا مسلم متشدد!!
ومن لا يأكل القمار أو ما يسمى باللوتو هذا أيضا مسلم متشدد!!!
صار مصطلح التشدد أسهل ما يكون على أي واحد يهتم بدينه ولو كما قلنا بأبجديات الدين.
فينبغي في الحوار هنا تحديد أو تحرير المصطلحات ، عدم التلاعب بالألفاظ .
الأمر التاسع / لا ينبغي أبدا أن تكون لغة الحوار هي لغة الإتهام:
رجل يتحاور مع زوجته يقول لها أنت غبية ….أنت لا تفهمي ….أنت عدوة لأولادك….. أنت تفعلين ذلك من أجل أهلك من أجل أبيك من أجل أخيك. والأمر بالتبادل … هي تقول : أنت كذا وأنت كذا وأنت كذا… فتقول أنت رجل فاشل …. وهكذا.
هذه ليست لغة حوار هذه لغة خصام وعداوة ، هذه لغة من يريد تدمير هذه الأسرة.
فلا ينبغي أبدا أن تكون اللغة لغة السب، لغة الشتم، لغة الرمي والتجريح، التنقيب عن النوايا.
الله تعالى علمنا أن نأخذ الناس بظواهرهم لا ببواطنهم.
الأمر العاشر / أن نبدأ بالقضايا الكبرى قبل الصغرى ، أو الكلية قبل الجزئية:
نلحظ هذا في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم مع معاذ حينما أرسله إلى اليمن. قال إنك تأتي قوما أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن هم أطاعوا لذلك (أول أمر التوحيد) فإن هم أطاعوا لذلك (ابدأ بالمرحلة الثانية) فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة فإن هم أطاعوا لذلك (المرحلة الثالثة) فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم.
فلا ينبغي مثلا إذا تحاورت مع واحد ملحد أن يتكلم معي عن الحجاب في الإسلام وعن تعدد الزوجات وعن قضية الميراث.
يا أخي أنت أصلا غير مؤمن بالله !! أنت تقول لا إله !!
يعني خلينا نبدأ بالكليات بالأصول. أنت تزعم أن لا إله للكون… تعالى نتكلم في هذه ثم إذا آمنت أنه لا إله إلا الله نتابعها بغيرها.
لأن الكلام مع من يخالفك في الفرعيات هو مضيعة للوقت. ..هو لم يؤمن بالأصول…. لم يؤسس الأركان. ….فلما تتكلم معه مع فروع أو مع جزئيات أو مع قضايا متعددة فهذا معناه أنك تضيع وقتك.
حينما تريد أن تتكلم ابدأ بالأصول ابدأ بالكليات حتى لا يكون هنالك الحديث مضيعة للوقت.
الأمر الحادي عشر الأخير / لا ينبغي أبدا بعد المحاورة أن تعادي من حاورت أو تخاصمه:
فالخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية ، وكان الإمام رشيد رضا رحمة الله عليه يقول: نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه. وسبحان الله يعني الإمام الشافعي ناظر أحد الفقهاء من تلامذته وبعد أن انتهى الأمر أخذ بيده وقال ما عليك يا أخي لو اختلفنا في مسألة لكن لا تختلف قلوبنا !!!
لو اختلفت أنا وزوجتي في مسألة فرعية هل معنى ذلك إنتهاء الأسرة ؟ و تدميرها وخراب البيت بالطلاق؟
لو اختلفت مع صديقي إذن فراق للأبد ؟ وأنا لا أريد أن أراك ولا تراني وكذا وكذا!!!
هل لو اختصمت مع جاري ….هل لو اختصمت يعني بعض الناس ينهيها بهذا الشكل. …. إما أو… ومن قال لك ذلك؟
ومن قال أنه سيأتي اليوم الذي يتفق الخلق جميعا على رؤية واحدة؟ لن يحدث.
فلو تحاورنا ولم نتفق فما زلنا والحمد لله أصدقاء ولسنا أعداء طالما نتحاور طالما كان هنالك علاقة و باقي هناك صداقة.
لكن إما أو …إما أن توافقني فأنت قديس وإما أن تخالفني فأنت إبليس؟ سبحان الله العظيم.
فرحم الله الشافعي يقول ما علينا لو اختلفنا في مسألة ولكن لا تختلف قلوبنا. … نحن تختلف قلوبنا وأضلاعنا وتسود الحياة وتنتهي وتخرب الأسرة وتضيع الصداقات والزمالة كأنه لا ينبغي أبدا أن يخالفك أحد.
لا بد أن يجاملك الناس ولو بالكذب والنفاق ولذلك قالوا صاحبك من صدقك( بفتح الدال ) لا من صدقك (بتشديد الدال).
صاحبك من صدقك يصدقك في النصيحة إذا أخطأت يقول لك أخطأت… إذا كنت على باطل يقول الصواب كذا وكذا…
لكن البعض منا للأسف الشديد لسوء فهم يظن أن صديقه هو المنافق الذي يجامل الذي دائما معه كله تمام (أوكي). أنت ترى كذا؟
أنا أرى مثلما ترى تماما. سبحان الله العظيم.
هذه الرؤية تماما هي رؤية الإستبداد الذي قالها فرعون قديما “…ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد”.
ملخص الخطبة
كلامنا في نقاط نقول:
الإختلاف سنة كونية. “…واختلاف ألسنتكم وألوانكم”
الأمر الثاني هنالك نقاط كثيرة مع أي إثنين مختلفين للإتفاق فلا ينبغي إهمال نقاط الإتفاق وإثارة دائما نقاط الإختلاف لأن ذلك يؤدي إلى التخاصم والتعادي ولغة الإحتقان والعداء والعداوة لا تنتهي أبدا بخير.
الأمر الثالث الحوار يتطلب منا أن يكون هنالك منطلقات مشتركة الهدف منها أننا ننشد الصواب، ننشد الحق، نريد الخير لمن حولنا. تبادل وجهات النظر، الإثراء المعرفي والفكري. تكون هذه النية. أما إذا كانت النية الجدال و الإستبداد بالرأي والتعالي على الناس وإعجاب كل ذي رأي برأيه فلا فائدة من الحوار في هذا الشأن لأنه مضيعة للوقت.
سبحان الله ولذلك العلماء قالوا: وجادلهم بالتي هي أحسن إذا كان الجدال للحق أما إذا كان جدالا بالباطل فإن هذا مما ينبغي أن يتجنبه المسلم. وقد عاب الله تعالى على صنف جادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق.
رابعا يا إخواني ينبغي أن لا تكون لغة الحوار هي لغة الإستعلاء ومن يخالفك تستحل عرضه ودمه. تستحل سبه وتجريحه. تستحل الخصام والسخرية. هذه ليست لغتنا نحن المسلمين وليست آدابنا ولا أخلاقنا.
أيضا يا إخواني ينبغي أن ننسب الأمر لأهله فمن كان جاهلا في مجال فلا يتناظر ولا يتخاصم فيه بل كما علمنا الله “فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ”. فكم من مريد للحق لا يستطيع أن ينطق به فيجعل هذا الإخفاق سببا لأن يتسع الباطل وأن يمتد لأنه أخفق في بيان الحق أو أنه ليس أهلا لبيان هذا الحق. فأفسد أكثر مما أصلح.
قال تعالى “قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ….” أدعو إلى الله على بصيرة على علم على رؤية على واقعية على فهم. هذا هو ديننا..
أيضا يا إخواني ينبغي إذا ظهر الحق على يد غيري أن أسمع له فأنا مسلم متبع للحق. والحكمة ضالة المؤمن. والنبي بين أن عكس ذلك هو الكبر . بطر الحق وغمط الناس.
إذا اختلفنا ولم نتفق ولو بعد الحوار فلا ينبغي أن نختلف على مسألة وتختلف قلوبنا إنما نختلف فكريا نختلف في وجهات النظر ولا تختلف القلوب. ما علينا لو اختلفنا في مسألة ولم تختلف قلوبنا كما قال الشافعي رحمه الله.