يوم عاشوراء وشكر نعمة الله في إهلاك الظالمين

تاريخ الإضافة 27 يوليو, 2023 الزيارات : 6886

 يوم عاشوراء وشكر نعمة الله في إهلاك الظالمين

عاشوراء هو اليوم العاشر من أيام شهر المحرم ، وهو يوم من أيام الله تعالى، كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم، أوقع الله فيه آية من أعظم آياته، ومعجزة باهرة، تلك المعجزة هي نصر موسى عليه السلام ومن معه من المؤمنين، وإهلاك فرعون عليه لعائن الله ومن تبعه من المجرمين، فكان هذا اليوم آية وعبرة لكلا الفريقين جميعا: أهل الإيمان والإحسان، وأهل الكفران والإجرام والطغيان.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قدم المدينة، فوجد اليهود صيامًا يوم عاشوراء فقال لهم رسول الله: “ما هذا اليوم الذي تصومون؟” فقالوا: “هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكرًا، فنحن نصومه”، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: نحن أحق وأولى بموسى منكم”، فصامه رسول الله – صلى الله عليه وسلم- وأمر بصيامه رواه البخاري ومسلم.
إن قصة موسى مع فرعون تصلح لأن يضرب بها المثل في كل وقت وحين ليتسلى بها المؤمنون وليحذر من مغبة ظلمهم المجرمون، فقد كان فرعون يمثل أعتى صور الطغيان من ناحية الدين والعقيدة، ومن ناحية الحكم والسياسة:
فمن ناحية الدين طغى وبغى و تخطى كل حدود البشر ليعلن على الناس ـ كذبا وزورا وبهتانا ـ أنه ربهم الأعلى “وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي}(القصص:38)، وقال تعالى: {فكذب وعصى . ثم أدبر يسعى . فحشر فنادى . فقال أنا ربكم الأعلى}(النازعات:21ـ24)..
وأما من ناحية الحكم والسياسة: فقد بلغ الغاية في العتو والظلم والإجرام وسحق الناس وقهرهم، كما قال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}(القصص:4).
 
كما بلغ النهاية في إذلالهم واحتقارهم وتهميشهم، حين ألغى كل قيمة لهم فقال: {ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد}(غافر:29).. فليس لأحد أن يفكر أو أن يتكلم أو ينطق بعد كلام فرعون ورأيه.
 
وعندما أرسل الله إليه نبيه موسى ليدله على الله ويذكره بأيامه ويدعوه للإيمان والإسلام ما زاده ذلك إلا طغيانا كبيرا، وسام المؤمنين سوء العذاب {سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون} (الأعراف:127)
 
وسنة الله تعالى فيمن هذا حاله، أنه يمهله ويريه من الآيات ما على مثله يؤمن كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، حتى إنه قد يتركه يصول ويجول ويظلم ويبغي ويتحكم ويسيطر ويقتل ويعتدي ويهلك الحرث والنسل، ليس إهمالا من الله، ولكنه الإمهال بحلم الله وحكمته إلى حين، والتي ربما تقتضي من البعض العجب.. ولكن الله تعالى لا يعجل لعجلة أحدكم.. فإذا جاء أمر الله أخذ الظالم أخذة العزيز المقتدر فلم يفلته كما قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: [إِنَّ اللهَ لَيُمْلِى لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ] ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهْيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيد}(رواه البخاري ومسلم).
 
أمر الله نبيه موسى أن يسري بقومه وينتقل بهم من هذه القرية الظالم أهلها فرارا بدينهم إلى مكان يستطيعون فيه أن يعبدوا ربهم ويظهروا دينهم ويؤدوا شعائرهم، فخرج بهم ليلا متوجها إلى الأرض المقدسة، فلما بلغ فرعون خروجهم أبى أن يتركهم ومنعه غروره بقوته وجبروته أن يتركهم حتى يفروا، وأبى إلا أن يقضي عليهم ويبيدهم {إن هؤلاء لشرذمة قليلون . وإنهم لنا لغائظون . وإنا لجميع حاذرون} (الشعراء:54ـ56).. فأتبع القوم بجنوده وأدركوهم بالفعل عند شاطئ البحر.
 
وبلغ الخوف بقوم موسى مداه، فلم يعد أمامهم أمل في النجاة، فالبحر من أمامهم، وفرعون وملؤه من ورائهم، فأيقنوا بالهلاك وقالوا لموسى إنا لمدركون، فقال قولة الواثق في ربه ونصرته وتأييده: {كلا إن معي ربي سيهدين}(الشعراء:62)، ولم تتأخر الإجابة كثيرا فكان الأمر بأعجب أمر {اضرب بعصاك البحر}(الشعراء:63) ليعلم أن حقيقة الفعل ومصدر النصر هو الواحد الأحد وليس للعبد إلا الأخذ بالسبب، فضرب البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم.. وأنجى الله موسى وقومه وأغرق فرعون وحزبه ولتبقى آية لكل مؤمن موحد وظالم جاحد. {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً}(يونس:92) يموت فرعون وتطفو جثته على الماء لتظل عبرة لكل من بعده وإلى أن يشاء الله.
 
 قال الله تعالى عن فِرعون : ( وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ) .القصص 40،39
 
وما هي من الظالمين ببعيد
وليس فرعون فقط هو الذي يكون مصيره بقدر ظلمه.. وإنما قراءة التاريخ تدل على أن هذا حال كل طاغية جبار متكبر في الأرض، يزين للناس الباطل ويشوه الحق، ويحكم أهواءه ويتسلط ببطشه وجبروته ويذيق الناس سوء العذاب .
 
إن معركة الحق مع الباطل معركة ممتدة عبر التاريخ، وما قصة موسى وفرعون إلا مثال لهذه المعركة، وموكب الحق على امتداد هذه المعركة وطولها يواجه الضلال والطغيان والاضطهاد والبغي والتهديد والتشريد، والمؤمنون وإن كانوا يعيشون الاضطهاد في أغلب الأحيان وفي أكثر البلدان، وتتحكم فيهم قوى الشر ويتكالب عليهم كل عدو لله ولدينه ولأتباعه فيسومونهم سوء العذاب، حتى إن حداءهم في أكثر الأحيان متى نصر الله؟
إلا أنهم مع هذا كله تأتيهم ذكرى عاشوراء وأمثالها فتذكرهم بأن نصر الله قريب، وأن الله معهم يسمع كلامهم، ويرى مكانهم، ويعلم سرهم وجهرهم، وأنه لا يخفى عليه شيء من أمرهم، وأنه كما كان حاضرا مع موسى وقومه في زمان فرعون فهو حاضر في كل وقت وحين وفي زمان كل فرعون، فتكون هذه الذكرى زاد الصمود، وأمل النصر، وفرحة الخلاص من الجبابرة مهما كانت قوتهم.. فلابد للحق أن يظهر مهما بدا ضعيفاً وأنصاره، ولابد للباطل أن يزهق مهما بلغت قوته وبطشه {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق}(الأنبياء:18).
 
إهلاك الظالمين نعمة
نعم إهلاك الظالمين نعمة من الله تستحق الشكر ، فوجودهم في الأرض أصل كل مفسدة، وذهابهم عنها أو إخضاعهم لقوة الحق من أعظم المقاصد وأكبر المصالح ولذلك لما حكى الله إهلاكه للظالمين من الأقوام السابقين عقب على ذلك بحمد نفسه على نعمته وشكره على حكمته فقال: {فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين}(الأنعام:45).. ومن هنا كان صيام نبي الله موسى لهذا اليوم شكرا لله على إنجائه وقومه وإهلاك فرعون وقومه.
 
ورؤية مصارع الظالمين تزيد الإيمان لانتقالها من علم اليقين إلى عين اليقين , فعندما يرى المؤمن المفارقة العجيبة بين موقفين , موقف الظالم وهو في أوج قوته وسطوته واستعلائه وتكبره , يكاد يظن في نفسه أنه يقول للشئ كن فيكون , وبين موقف آخر يراه فيه ذليلا منكسرا – حيا أو ميتا – لا حيلة له ولا إرادة ولا سطوة , يراه مهزوما منكسرا ينتظر ما يفعل به أن كان حيا ويقلبه الناس ميتا على وجهه وظهره فلا يحرك ساكنا ولا يأمر ولا ينهي , ساعتها يخر المؤمن ساجدا لربه بعدما أراه مثل هذه الآية العظيمة .
 وفي التاريخ عبرة :
وحملت كتب التاريخ بعضا من المواقف ذات التعبير الشديد للمفارقة بين الحالين , فبعد عهد تجبر فيه البرامكة حينما كانوا وزراء في عهد الرشيد ثم عزلوا وسجنوا وقبعوا في السجون التي طالما حبسوا فيها غيرهم , جمع موقف بين يحيي البرمكي وولده فسأله الابن ” يا أبتِ ، بعد العز ، أصبحنا في القيد والحبس ، بعد الأمر والنهي،  صرنا إلى هذا الحال؟”  فقال ” يا بُنِي ، دعوة مظلوم ، سرت بليل ، ونحن عنها غافلون ، ولم يغفل الله عنها ” .
 
ولذلك كان حال الأنبياء المرسلين وكذلك حال المؤمنين الصالحين حينما يرون إقبال الدنيا  يكونون في أشد اللحظات خوفا وتواضعا واعترافا بفضل الله عليهم , فقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح ورأسه تكاد تمس ظهر راحلته تذللا لله سبحانه واعترافا بقيوميته على خلقه .
ولما فتحت قبرص بكى أبو الدرداء رضي الله عنه ؛ فسئل ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله ؟ , فقال ” ما أهون الخلق على الله إذا تركوا أمره، بينما هي أمة ظاهرة قاهرة للناس لهم الملك، إذا تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى “
 
ويشاء الله سبحانه أن يري الأمة الإسلامية كل فترة نماذج من هلاك الظالمين لتكون لنا عبرة وآية ، فكما أرانا تجبرهم وتسلطهم يرينا مصرعهم وذلهم حتى نوقن أن الله وحده يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء لندرك أن الله وحده بيده الخير وبيده الأمر وله الحكم وليس لأحد سلطان غيره .
 
هيلاسيلاسي المجرم 
  “هيلاسيلاسي ” نذر نفسه لمحاربة الإسلام والمسلمين في الحبشة ليسومهم سوء العذاب ويذبح أبناءهم وليغتصب نساءهم وليحرق دورهم وليستأصل وجودهم , ووضع خطة لمحو اسم المسلمين من الحبشة في خلال خمسة عشر عاما ، وبدأ بتنفيذها بحرق قرى المسلمين كاملة بشيوخها ونسائها وأطفالها بإشعال النار وسكب البنزين على تلك القرى.
 
وكانت نهايته آية وعبرة إذ انقلب عليه بعض أتباعه في عام 1974 بعد حكم دام ستة وأربعين عاما , فقاموا بانقلاب عسكري وقبضوا عليه وأودعوه ذات السجون المظلمة القذرة التي طالما سجن فيها عشرات الآلاف من الأبرياء المظلومين , وقد بلغ من العمر حينها واحدا وثمانين عاما , ليقضي آخر عام في حياته وحده في زنزانة ضيقة , حتى قتله أحدهم ودفن بجوار مرحاض قذر , وهو المكان الذي يعطينا الآية والعظة في سوء الخاتمة بعد التجبر والسلطة , ولعذاب الآخرة أشد وأخزى .
 
القذافي وجرائم تستعصي على الحصر
وجاء القذافي بجرائمه التي يستحيل على البشر إحصاؤها , فمنهم من يقدر عدد قتلاه في أيامه الأخيرة فقط بخمسين ألفا , فضلا عن جرائمه السابقة في قتل شعبه والاستعانة عليهم بمرتزقة جمعهم من كل مكان , وانتهك أعراض نساء أهل بلده هو و طغمته وأبناؤه وحاشيته , ظن أنه ملك كل شيء , حتى انه كان يحلو له أن يسمي نفسه بملك ملوك أفريقيا , ظن أنه ملك الأرض ومن عليها , واعتبر الناس كالجرذان كما كان يخاطب معارضيه دوما , فجاءه أمر الله من حيث لا يحتسب واستخرجه الناس من ماسورة صرف صحي اختبأ فيها هو والجرذان الحقيقيين , فأخرجوه منها متوسلا باكيا ذليلا يسترحم من لم يرحمهم يوما , يبكي لمن لم يسمع بكاءهم يوما , ليكون جزاؤه من جنس عمله , بأن يتذوق مرارة القتل , ليغسل وحده بلا حاشية , وليدفن في قبر غير معلوم لكي لا تناله أيدي الباطشين بعد موته جزاء بما فعل , ولعذاب الآخرة أشد وأبقى للعصاة المجرمين .
 
 وننتظر البشرى 
وأنا لننتظر اليوم الذي تقر فيه أعين المؤمنين , لنخر سجدا لرب العالمين بنهاية ظالم آخر مستبد ممن عاثوا في الأرض فسادا و إفسادا , وأنا لنراه قريبا بإذن الله .
ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ،وما ذلك على الله بعزيز.
 


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 365 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم