حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم

تاريخ الإضافة 15 يونيو, 2023 الزيارات : 15357
حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم
الدعاء الذي سنتعلمه اليوم هو “حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم”
وقد ورد هذا الذكر في قوله تعالى : -( فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم )- [التوبة/129]
 ما ورد في فضله في السنة :
وقد جاء في فضل هذا الدعاء المبارك من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: مَنْ قالَ فِي كُلّ يَوْمٍ حِينَ يُصْبحُ، وَحِينَ يُمْسِي: حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ  سَبْعَ مَرَّاتٍ كَفَاهُ اللَّهُ تَعالى ما أهمَّهُ مِنْ أمْرِ الدُّنْيا والآخِرَةِ
  رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة، وصحح إسناده الأرناؤوط في زاد المعاد، 2/ 37 موقوفاً ،وهذا الأثر وإن كان موقوفا عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه فمثله لا يقال بالرأي، فهو في حكم الموقوف لفظًا المرفوع حكماً.
هل صحت الزيادة (صادقا كان أو كاذبا):
ورد في سنن أبي داوود عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : ‏( من قال إذا أصبح وإذا أمسى: حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم سبع مرات كفاه الله ما أهمه؛ صادقاً كان بها أو كاذباً ) 
قوله: ‏( صادقاً كان بها أو كاذباً ‏) فيه إشكال  ، فإن تحصيل هذا الاجر إنما يحصله من كان صادقاً في طلبه ومستحضراً هذا الثواب ويرجو من الله عز وجل أن يحقق له ذلك، وأما أن يقولها وهو كاذب فهذا مشكل، ولذلك أنكر بعض العلماء هذه الزيادة ، وصححها بعضهم وردوا على الإشكال  فقالوا :
 الحديث بهذه الزيادة محمول على أن الصادق فيما يقول: هو الموقن المستحضر لقلبه حال الذكْر، والكاذب هو الغافل عن حقيقة معنى الذكْر، فهو يدعي أنه قائم بما تتضمنه كلمات الذِّكْر، مع ما يكذبه حالُه من الغفلة والذهول.
معنى الدعاء :
 حَسْبِيَ اللَّهُ  : أي كافيني ربي من جميع ما أهمّني.
 لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ  : لا معبود بحقٍّ إلاّ هو، تضمّنت هذه الكلمة العظيمة التي عليها الفلاح والنجاح: نفي وإثبات، لا إله نفي لكل الآلهة التي تُعبد من دون اللَّه تبارك وتعالى: إلاَّ هو إثبات في تخصيص العبودية له جلّ وعلا بالحق، دون أحدٍ سواه.
 
 عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ  : التوكل: هو اعتماد القلب على اللَّه وحده، وسكونه، وعدم اضطرابه؛ أي: اعتمدت عليه، ووثقت به وحده في جلب ما ينفع، ودفع ما يضر، وفي تقديم عليه للحصر والقصر: أي لا أعتمد إلا عليه وحده عزَّ شأنه.
والتوكل يقوم على ركنين:
الركن الأول: اعتماد القلب على اللَّه تعالى.
الركن الثاني: العمل بالأسباب.
يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله : التوكل هو أن تعمل الجوارح وتتوكل القلوب. والكسالى هم من يريدون أن يكون التوكل للجوارح وليس القلوب.
وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ  : أي هو مالك أعظم المخلوقات على الإطلاق المحيط بكل شيء الذي هو سقف المخلوقات، وعليه استوى كما يليق به جلّ وعلا، فدونه من المخلوقات داخلون في ربوبيته، وملكه من باب أولى.

ما هو العرش ؟
العرش هو أعظم المخلوقات ، وعليه استوى ربنا استواءً يليق بجلاله ، وله قوائم ، ويحمله حملة من الملائكة عظام الخلق .
والكرسي هو موضع قدمي الرحمن عز وجل على أصح الأقوال فيه ، والعرش أكبر من الكرسي . وقد أخطأ من جعلهما شيئاً واحداً .
عن ابن مسعود قال : بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام وبين كل سماء خمسمائة عام ، وبين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام ، وبين الكرسي والماء خمسمائة عام ، والعرش فوق الماء ، والله فوق العرش لا يخفى عليه شيء من أعمالكم . رواه ابن خزيمة في ” التوحيد ” ، والبيهقي في ” الأسماء والصفات “.
قال الشيخ ابن عثيمين : 
هذا الحديث موقوف على ابن مسعود ، لكنه من الأشياء التي لا مجال للرأي فيها ، فيكون لها حكم الرفع ، لأن ابن مسعود لم يُعرف بالأخذ من الإسرائيليات .
وعرش الرحمن هو أعظم المخلوقات ، وأوسعها .
قال تعالى : { فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش العظيم } [ المؤمنون / 116 ] ، وقال تعالى { وهو رب العرش الكريم } [ التوبة / 129 ] ، وقال تعالى { ذو العرش المجيد } [ البروج / 15 ] .
قال القرطبي : خصَّ العرش لأنه أعظم المخلوقات فيدخل فيه ما دونه .
وقال ابن كثير : { وهو رب العرش العظيم } أي : هو مالك كل شيء وخالقه ؛ لأنه رب العرش العظيم الذي هو سقف المخلوقات ، وجميع الخلائق من السموات والأرضين وما فيهما وما بينهما تحت العرش مقهورين بقدرة الله تعالى ، وعلمه محيط بكل شيء ، وقدره نافذ في كل شيء ، وهو على كل شيء وكيل .
وقال رحمه الله : { ذو العرش } أي : صاحب العرش العظيم العالي على جميع الخلائق ، و{ المجيد } : فيه قراءتان : الرفع على أنه صفة للرب عز وجل ، والجر على أنه صفة للعرش ، وكلاهما معنى صحيح .
والمجيد : المتسع عظيم القدر .
عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” الناس يُصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور ” . رواه البخاري.

وللعرش حملة يحملونه ؛ قال تعالى : ( الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ) [ غافر / 7 ] .
وهم على خِلقة عظيمة ؛عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” أُذِن لي أن أحدِّث عن ملَك من ملائكة الله من حملة العرش ، إنَّ ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام ” . رواه أبو داود.
والحديث : قال عنه الحافظ ابن حجر : وإسناده على شرط الصحيح .
والعرش فوق الكرسي بل فوق كل المخلوقات .
وأما الكرسي فقال تعالى : { وسع كرسيه السموات والأرض } [ البقرة / 255 ] ، وقد قيل : هو العرش ، والصحيح : أنه غيره ، نُقل ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره روى ابن أبي شيبة في كتاب ” صفة العرش ” والحاكم في ” مستدركه ” وقال : إنه على شرط الشيخين ولم يخرجاه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى : { وسع كرسيه السموات والأرض } أنه قال : ” الكرسي موضع القدمين ، والعرش لا يقدر قدره إلا الله تعالى ” .
وقد روي مرفوعاً ، والصواب : أنه موقوف على ابن عباس …
قال أبو ذر رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” ما الكرسي في العرش إلا كحلْقة من حديد أُلقيت بين ظهري فلاة من الأرض ” .

هل هو ذكر أم دعاء ؟

العلماء قالوا، إن الدعاء إما دعاء مسألة وإما دعاء ثناء .

دعاء مسألة : أن تقول اللهم اغفر لي اللهم ارحمني ،ارزقني …الخ

ودعاء ثناء : أن تثني على الله بما هو أهله فثناؤك على الله  -سبحانه وتعالى- بما هو أهله فيه هذا المعنى معنى تعظيم الله  -سبحانه وتعالى-

وفي الحديث القدسي ” من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته ‏أفضل ما أعطي السائلين”  والحديث عند الترمذي واختلف في تضعيفه وتحسينه.‏

إذن فدعاء الثناء أبلغ وأعلى من دعاء المسألة فأنا لو قلت : اللهم اغفر لي اللهم اشفني فأنا بذلك حددت ما أطلب ، لكن إذا أثنيت على الله عز وجل فأنا استدر كرم الكريم  -سبحانه وتعالى- وأسأله من عفوه وكرمه وفضله وإنعامه ، فأنت لما تطلب من واحد ألف دولار سلف ، غير لما تتركه لكرمه إذا كان جوادا كريما.

ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كلام  نافع جداً أنقل بعضه :

‏(والمقصود هنا أن لفظ الدعوة والدعاء يتناول هذا وهذا قال الله تعالى (وآخر دعواهم أن ‏الحمد لله رب العالمين) وفي الحديث “أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله ” ‏رواه ابن ماجة وابن أبي الدنيا ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه ‏الترمذي وغيره ” دعوة أخي ذي النون لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ما دعا ‏بها مكروب إلا فرج الله كربته” سماها دعوة لأنها تتضمن نوعي الدعاء فقوله “لا إله إلا أنت ‏” اعتراف بتوحيد الإلهية ، وتوحيد الإلهية يتضمن أحد نوعي الدعاء فإن الإله هو المستحق لأن ‏يدعى دعاء عبادة ودعاء مسألة وهو الله لا إله إلا هو، وقوله (إني كنت من الظالمين) ‏اعتراف بالذنب، وهو يتضمن طلب المغفرة….الخ ما قال رحمه الله .

ومن هذا الباب للفائدة سورة الفاتحة أعظم سورة في القرآن لما اشتملت عليه من تمجيد الله والثناء عليه ، آية الكرسي أعظم آية في القرآن لما فيها من تعظيم الله وتمجيده ، سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن لنفس المعنى ، فكل ما فيه تمجيد وثناء على الله يكون أبلغ في الأجر والمسألة .

فائدة أخيرة
ما سر العدد 7 ومضاعفاته في القرآن والحديث ؟
 تعرض ابن القيم رحمه الله في كتابه “زاد المعاد في هدى خير العباد” (4/90) للعدد سبعة عند كلامه على حديث الصحيحين : (من تصبح بسبع تمرات من تمر العالية لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر) فقال :
وأما خاصية السبع فإنها وقعت قَدَراً وشرعاً ، فخلق الله عز وجل السموات سبعا ، والأرضين سبعا ، والأيام سبعا ، والإنسان كمل خلقه في سبعة أطوار، وشرع الله لعباده الطواف سبعا ، والسعي بين الصفا والمروة سبعا ، ورمي الجمار سبعا سبعا ، وتكبيرات العيدين سبعا في الأولى، وقال صلى الله عليه وسلم: (مروهم بالصلاة لسبع) وإذا صار للغلام سبعُ سنين خُيِّر بين أبويه في رواية ، وفى رواية أخرى : أبوه أحق به من أمه وفى ثالثة : أمه أحق به ، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه أن يصب عليه من سبع قرب ، وسخَّر الله الريح على قوم عاد سبع ليال ، ودعا النبي صلى الله عليه وسلم أن يعينه الله على قومه بسبع كسبع يوسف ، -أي سبع سنوات من الجدب – ومَثَّل الله سبحانه ما يضاعف به صدقة المتصدق بحبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة، والسنابل التي رآها صاحب يوسف سبعا، والسنين التي زرعوها سبعا ، وتضاعف الصدقة إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، ويدخل الجنة من هذه الأمة بغير حساب سبعون ألفا .
ثم عَلَّق ابن القيم قائلا : فلا ريب أن لهذا العدد خاصية ليست لغيره ، والسبعة جمعت معاني العدد كله وخواصه ، فإن العدد شفع ووتر، والشفع أول وثان ، والوتر كذلك ، فهذه أربعة مراتب ، شفع أول وثان ، ووتر أول وثان ، ولا تجتمع هذه المراتب فى أقل من سبعة ، وهى عدد كامل جامع لمراتب العدد الأربعة ، ثم قال : والله تعالى أعلم بحكمته وشرعه وقَدَره في تخصيص هذا العدد هل هو لهذا المعنى أو لغيره” انتهى .


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 14 مايو, 2024 عدد الزوار : 1034 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن العظيم

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع