مأساة مسلمي الإيغور وواجبنا نحوهم

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- : (مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم و تعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى)رواه مسلم.
كلنا يسمع هذه الأيام عن مأساة مسلمي الإيغور بمنطقة تركستان الشرقية ، هذه المأساة الكبيرة التي ليست كما نظن أنها حدثت في هذه الأيام فقط بل هي مأساة كبيرة لها عشرات السنين لكنها اشتدت هذه الأيام .

ما هوعدد المسلمين في الصين ؟

تقابلت خلال الأسبوع الماضي مع أحد الإخوة من مسلمي الصين جاء هنا ضيفا وكان يبحث عن مسجد ، وهو يجيد اللغة العربية، وهو من ساكني بكين (عاصمة الصين) فأخبرني أن المسلمين بالصين بخير ،كل من يعيش بأنحاء الصين بخير ويمارس العبادة بحرية ، إنما التضييق والمواجهات في إقليم تركستان الشرقية ، وأخبرني أن عدد المسلمين في الصين يتجاوز 50 مليون ، والإحصاءات الرسمية تقول إنهم 24 مليون ، والصحيح أن العدد قد يتجاوز حتى الخمسين مليون وبعض الإحصاءات تصل بالعدد إلى 100مليون ،ومن المعلوم أن بعض الحكومات للتقليل من شأن بعض الأقليات يقللون عددها حتى لا يكونوا بارزين على أن لهم وزنا أو شأنا يذكر ، وليس هناك إحصاءات دقيقة لعدد المسلمين ، وعموما هذا العدد من 30 إلى 100 مليون يبين عن أعداد ضخمة جدا للمسلمين بالصين ، والذين يتركز أغلبهم بتركستان الشرقية من عرقية تسمى الإيغور .
والسر في هذا التفاوت في إحصاء العدد أن هناك من يدينون بالإسلام بالوراثة فقط ، أجداده كانوا مسلمين ،يعرف عن الإسلام لا إله إلا الله محمد رسول الله ، يعرف الفاتحة ، وربما يصلي أو لا يعرف الصلاة ، وأيضا هناك متدينون ملتزمون يحرصون على شعائر الإسلام وأكل الحلال ولا يشربون الخمر ولا يأكلون لحم الخنزير ، أيضا المواجهات القاسية مع مسلمي الإيغور أدت إلى تهجير أعداد كبيرة منهم خلال السنوات الماضية .

تاريخ تركستان :

وأنا أبتغي من وراء هذا الحديث أولا أن ندرك حجم المأساة التي تجرى على إخواننا مسلمي الإيغور في تركستان الشرقية حتى نتحرك ونحرك ضمير العالم معنا تجاه هذه المآسي التي تحدث لهؤلاء الذين ليس لهم جريمة تذكر إلا أنهم مسلمون !!!
اسم تركستان مكون من مقطعين: ترك واستان ، ومعنى استان أرض فيكون المعنى أرض الترك ( والترك غير العثمانيين فهم ينتشرون حاليا في عدة بلدان )
وهي قسمان : تركستان الشرقية والتي تحتلها الصين حاليا ( وغيرت اسمها لتصبح شينجيانغ وتعني بالعربية المستعمرة الجديدة.)

وتركستان الغربية التي احتلتها روسيا سابقا وكانت تسمى تركستان الروسية وقد استقلت هذه المناطق حاليا وعرفت الآن باسم الجمهوريات الإسلامية حاليا ( كازاخستان وأوزبكستان وتركمانستان وطاجيكستان وقيرغيزستان)
حدث الاستقلال لسنوات قليلة ثم عاد الاحتلال الصيني مرة أخرى ، وما بين الحين والآخر يحدث هناك انفراجة ويعطونهم الحكم الذاتي ، ويتركون المسلمين وشأنهم بممارسة حياتهم وعباداتهم، ومع تغير الحكومة بالصين تتغير السياسة تجاههم ؛ فتحدث مواجهات وثورات على الأوضاع الظالمة ، وتحدث مجازر ومذابح يقتل فيها الآلاف بلا رحمة من نساء وأطفال ورجال .
والسر في هذه المواجهات مطالبتهم بالاستقلال مع فرض الضرائب العالية أو التضييق عليهم في عبادتهم وحركتهم .

وتركستان تمثل للصين أرضا بها ثروات طبيعية كثيرة جدا من البترول والمعادن ، وهي بوابة الصين إلى طريق التجارة مع دول آسيا في الشمال وأوربا ، لأن حدود تركستان تشرف على تسع دول ، فالصين تريد السيطرة الكاملة عليها لهذه الأسباب ، وأهلها يريدون الاستقلال عن الصين لأنهم لا ينتمون للصين لا عرقا ولا لغة ولا قومية ولا تاريخا ، ويعدون الصين على أنها دولة احتلال .

كيف دخل الإسلام الصين ؟

دخل الإسلام هذه المناطق بداية من تركستان ، فتحها القائد المسلم قتيبة بن مسلم الباهلي عام 96هـ في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان ، ودخل مدينة (كاشغر) ودخل الناس بعدها في الإسلام .

ومسلمو الصين يقولون إن الإسلام دخل منذ أيام النبي -صلى الله عليه وسلم- وهناك مسجد يسمى مسجد وقاص،نسبة إلى الصحابي سعد بن أبي وقاص ويزيدون على ذلك بأن سعد بن أبي وقاص تزوج في الصين ، وهناك قبر بوسط المدينة يتوسط خمسين قبرا يقولون إنه لأحد صحابة النبي – صلى الله عليه وسلم – والذين عاشوا وماتوا بأرضهم .
وهذا يخالف ما رواه جميع مؤرخي المسلمين ، لأن سعد بن أبي وقاص لم يذهب إلى الصين وبالتالي لم يمت هناك إنما توفي بعد خلافة عثمان في المدينة ، ولعل هذا من تشابه الأسماء فقط.

دخل الإسلام من خلال ثلاثة أمور :

الفتح الإسلامي كما ذكرنا ، والتجار ، والدعوة في الداخل الصيني ، وكلمة مسلم في التراث الصيني (داشي) وترجمتها الحرفية تاجر ، ولعل هذا سببه التأثر بالتجار المسلمين الذين كانوا يأتون خاصة في المناطق السياحية .
والحزب الحاكم الآن بالصين هو الحزب الشيوعي ، والشيوعية لا دين لها ، ومن المفترض أن تلتزم الحكومة الحياد تجاه الديانات الموجودة كلها كما ينص عليه الدستورالصيني ، لكنهم يضيقون على المسلمين تضييقات كثيرة جدا كما سأذكر .

ما الذي يحدث لمسلمي الإيجور ؟
تعمد الحكومة الصينية الحالية إلغاء هوية مسلمي الإيغور نهائيا ، وإضعاف وجودهم بالقتل والسجن والتهجير الإجباري ، وعمليات غسيل المخ التي تجرى فيما أسموه بمراكز التأهيل ، وقطع صلتهم بالإسلام ولغته وعباداته وشعائره ،من خلال بعض الاجراءات التعسفية منها :
1- عمل إعادة التركيبة السكانية (الديموغرافيا) لهذا المكان بتسكين قوميات أخرى وتشجيعهم على ذلك .
2- إجبار الفتيات المسلمات على الزواج على الزواج من الصينيين ، (وهناك شهادات موثقة عبر القنوات الإعلامية المختلفة ) وكل صيني يتزوج من فتاة مسلمة من تركستان له مكافأة مالية كبيرة ويعالج بالمجان وأولاده يدخلون الجامعة بالمستقبل بدون نفقات.

3-هناك تضييقات لأداء الصلاة بالمسجد بالاعتقال وأيضا بهدم المساجد أو اتخاذها مقرا للأمن أو تحويلها لمعابد لديانات أخرى .

4- أي ملتح أو امرأة محجبة عرضة للاعتقال في مركزالتأهيل كما يسمونها (مراكز التعذيب)، ويمنعون من ركوب الحافلات العامة (الباص)

5- التعذيب البدني والنفسي وحكى الأخ حبيب الله وهو ممن سبق له الاعتقال من قبل وخرج في لقاء على قناة الجزيرة وقال : أنه بقي في إحدى المرات عشرة أيام بدون نوم وكلما غلبته عيناه من شدة الإعياء ايقظوه بالضرب.
6- جلسات المعالجة من الفكر الإرهابي كما يسمونها فيجلس السجين يكتب قائلا كنت أصلي والصلاة شيئا خاطئا ، وكنت أؤمن بالله وهذا غير صحيح لأن الله خرافة لا وجود له (تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا) ويأمرونه بكتابة هذه الأفكار لساعات طويلة تصل لست ساعات، وكذلك عليه أن يمجد الرئيس الصيني والحزب الشيوعي، وترديد الشعارات والأناشيد التي تعبرلا عن كونهم صينيين وليسوا شيئا آخر ….الخ .
7- التوقعات الإخبارية تقول إن عدد المعتقلين وصل لثلاثة ملايين وربما يكون العدد أضعاف ذلك لأن الصين تلتزم الكتمان .
8- هناك آلاف القتلى قضوا نحبهم تحت ضغط التعذيب ، وإحدى الأخوات المحررات تقول : إن من كانت تقع بينهن بسبب الإعياء أو الوفاة ممنوع على أي واحدة أن تقترب منها ويسمعون عبر الميكروفونات التحذير من الاقتراب منها وإلا سيكون العقاب الأليم .

9- أي موظف حكومي أو طالب جامعي ممنوع من صيام رمضان أو يرى وهو يصلى فهذه جريمة تستوجب السجن ، وقد يعرض المسلمون للاختبار بإجبارهم على شرب الخمر أو أكل لحم الخنزير
10- قاموا بعمل تطبيق على الهواتف المحمولة للتجسس الدائم عليهم وأجبروا المسلمين على أن يكون على هواتفهم ومن يضبط ومعه هاتف ليس عليه هذا التطبيق فإنه يسجن .
11- إجبارهم على دخول رجل أمن في بيت مع النساء المسلمات .

12- والمآسي والفظائع كثيرة جدا تقشعر لها الأبدان حتى أن الأخ حبيب الله الذي أشرنا إلى شهادته لما سألوه هل الوضع عندكم أسوأ من سوريا ؟ قال نعم فسوريا على الرغم مما يعانون إلا أنهم يتمكنون من الصلاة والحركة بحرية ، أما نحن فممنوعون من الصلاة وأخي مسجون 11 سنة لأنه ضبط وهو يصلي بمطعمه ، وأنا وكلوا بي في السجن 3 من المساجين المجرمين كلما سكت يضربونني ظنا منهم أني بهذه الصورة أصلي ، فلا بد أن يتحرك ويتكلم باستمرار للتأكد من أنه لا يصلي.

13- قاموا أيضا بجمع الأئمة من تركستان كلها في ميدان كبير وأجبروهم على الرقص لإذلالهم ولإسقاط هيبتهم في نفوس من حولهم ، وكانت الشرطة تقول: الله لا يعطيكم رواتبكم بل الصين هي التي تعطيكم الرواتب.
14- حقن البنات في سن الزواج بحقن تصيبهن بالعقم فلا ينجبن بعد ذلك .

ما هو واجبنا تجاه هذه المأساة القائمة ؟

للأسف الشديد رغم كل ما ذكرنا من فظائع ومآسي مما ظهر وما خفي سيكون أعظم ، رغم كل هذا إلا أن ردود الفعل خاصة في الدول العربية باهتة خلت حتى من الشجب والاستنكار ، ورغم ضخامة الواردات الصينية وحجم التجارة الذي يصل إلى المليارات سنويا لم تلوّح أي دولة عربية بقطع العلاقات الاقتصادية مع الصين من باب الضغط عليهم بل على العكس قامت بعض الدول العربية باعتقال عدد من مسلمي الإيغور المقيمين عندهم وقامت بترحيلهم للصين ، وذكر الأخ حبيب الله أنهم جعلوا يطوفون بهم في الميادين ويقولون هؤلاء قبضنا عليهم من دولة كذا ، ليس هناك أحد في العالم معكم .

وهناك بعض الخطوات التي تجعلنا نتحرك بإيجابية تجاه القضية :

1- وعي الأزمة ونشرها :

فأريد من هذا الكلام أن نعي الأمر تماما وأن هناك أزمة إنسانية وهناك أشخاص يتعرضون لمآس وفواجع طوال السنوات الماضية واشتدت أكثر من بعد عام 2016 ، حتى يومنا هذا في أكبر عملية لمحو هوية أمة بأكملها وإعادة التركيبة السكانية لتركستان الشرقية تحت ضغط الإرهاب والقمع الذي تمارسه الحكومة الصينية ضد هؤلاء المستضعفين المساكين .

2- كن أنت الإعلام البديل :

فيجب علينا أن نكون نحن الإعلام البديل لنشر هذه القضية والإعلام الشعبي الذي يقوم به الجمهور ثبتت فعاليته الكبيرة ونجح في إثارة الكثير من القضايا من خلال نشر وسم أو الهاشتاج التالي:

#China_is_terrorist‬⁩
#الصين_بلد_إرهابي_يقتل_مسلمي_الإيغور‬⁩

فننشره لأعلى مدى ، طبعا ممكن البعض يضحك ويقول : الشيخ يتكلم عن هاشتاج ؟ مالنا ومال هذا ؟

أقول إن الهاشتاج أصبح وسيلة لإثارة انتباه الإعلاميين والسياسيين لقضية ما من القضايا التي لا يراد لها أن تناقش في الإعلام أو على مستوى السياسيين ، ولما حدثت أزمة مسلمي بورما وقمنا بتفعيل القضية جماهيريا تحرك العالم إنسانيا بالمساعدات وسياسيا بالضغط على الحكومة في بورما ، فكان ذلك عاملا كبيرا في تخفيف الأزمة وماترتب عليها من الناحية الإنسانية.
فلنكن نحن الإعلام البديل ونحرك ضمير العالم إنسانيا لتتوقف هذه المجازر وهذه المعاناة التي يعانيها المسلمون هناك .

3- مخاطبة المنظمات الحقوقية والإنسانية:

للتحرك تجاه دعمهم ورفع الضغط عنهم ، وأغلب الشخصيات من الوزراء والسياسيين ونواب البرلمان هنا بكندا لهم حسابات رسمية على الفيس بوك وغيره فنراسلهم ، ونسألهم عن موقفهم من هذه الانتهاكات والمآسي التي تحدث ، وإمكانية اتخاذ موقف سياسي أو تبني موقف إنساني تجاه هذه القضية .
وأنا أخاطب عقول واعية وفاهمة وأغلبكم والحمد لله يجيد أكثر من لغة فتحركوا في هذا الاتجاه إعذارا إلى الله ولنكون سببا إن شاء الله في رفع هذه الغمة عن إخواننا مسلمي الإيغور -( وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد الذي له ملك السماوات والأرض والله على كل شيء شهيد )- [البروج8/ 9]

4- إعلان المقاطعة للبضائع الصينية :
الصين دولة تجارية ولها تجارة تجوب العالم بآلاف المليارات ، فالمقاطعة ستكون عامل ضغط كبير على الحكومة الصينية ، والاستغناء عن البضائع الصينية ببدائلها المصنعة ببلاد أخرى ، أو إذا كان من الكماليات نستغني عنه مطلقا ، ومن الممكن استهداف بعض السلع الحيوية أو الاستراتيجية لتكون المقاطعة قاصمة ولها ثمارها ، والخسائر الاقتصادية ستكون ضخمة جدا جدا إذا نجحت المقاطعة ، سواء من المسلمين المنتشرين في العالم كله أو أصحاب الضمائر الحية ممن لم تمت إنسانيتهم في كل مكان .
ومما يثبت فاعلية هذا الأمر ردة الفعل السريعة للحكومة الصينية بعد انتشار الكلام عن القضية عبر وسائل التواصل الاجتماعي بإنكار أن هناك أزمة بتركستان وأن هناك بضعة آلاف من الأشخاص في مراكز إعادة التأهيل فقط هم الذين يتعرضون لبعض المراجعات والتصويبات للتراجع عن الفكر الإرهابي ، فهذا جاء بعد أن كانت الحكومة الصينية تنكر أصلا وجود شيء من هذا القبيل .

ولا ننس قبل كل هذا الدعاء لهم أن يثبتهم الله على الدين وأن يخفف الله عنهم وأن ينجيهم من هذا البلاء الصعب.