الأحاديث القدسية : 11- ابْنَ آدَمَ ارْكَعْ لِي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ

تاريخ الإضافة 5 أكتوبر, 2023 الزيارات : 8562

ابْنَ آدَمَ ، ارْكَعْ لِي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ

عَنْ نُعَيْمِ بْنِ هَمَّارٍ الْغَطَفَانِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا ابْنَ آدَمَ ، لَا تَعْجِزْ عَنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ أَكْفِكَ آخِرَهُ ). رواه أحمد ، وأبو داود

وورد بلفظ آخر عن أبي الدرداء ، وأبي ذر رضي الله عنهما: (قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ:  ابْنَ آدَمَ ، ارْكَعْ لِي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ أَكْفِكَ آخِرَهُ ) أخرجه الترمذي وصححه الألباني

ما المراد بهذه الأربع ركعات ؟

قولان للعلماء :

القول الأول : المراد بها صلاة الضحى ، وهو قول: أبي داود ، والترمذي ، والعراقي ، وابن رجب الحنبلي ، وغيرهم .

القول الثاني :المراد بها صلاة الصبح وسنتها، وهو قول: شيخ الإسلام ابن تيمية ، وتلميذه ابن القيم رحمهما الله تعالى .
قال ابن القيم : ” سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: هذه الأربع عندي هي الفجر وسنتها “انتهى من ” زاد المعاد في هدي خير العباد ” (1/ 348).
وقال الشوكاني : ” قيل: يحتمل أن يراد بها فرض الصبح وركعتا الفجر ؛ لأنها هي التي في أول النهار حقيقة ، ويكون معناه: كقوله صلى الله عليه وسلم : (من صلى الصبح فهو في ذمة الله)أي: في عهده وأمانه.

 قال العراقي : وهذا ينبني على أن النهار هل هو من طلوع الفجر أو من طلوع الشمس ؟ والمشهور الذي يدل عليه كلام جمهور أهل اللغة وعلماء الشريعة أنه من طلوع الفجر، وعلى تقدير أن يكون النهار من طلوع الفجر فلا مانع من أن يراد بهذه الأربع الركعات بعد طلوع الشمس ؛ لأن ذلك الوقت ما خرج عن كونه أول النهار ، وهذا هو الظاهر من الحديث وعمل الناس ، فيكون المراد بهذه الأربع ركعات صلاة الضحى “.” نيل الأوطار” (3/79).

والحاصل : أنه يحتمل أن يكون المراد بهذه الصلاة صلاة الصبح وسنتها ، ويحتمل أن تكون صلاة الضحى ، فينبغي للمسلم أن يحافظ على أربع ركعات في الضحى مع محافظته على صلاة الفجر وسنتها ليحصل له هذا الفضل .

ومعنى قوله : ( أَكْفِكَ آخِرَهُ ) يحتمل أن يراد كفايته من الآفات والحوادث الضارة ، أوأن يراد حفظه من الذنوب والعفو عما وقع منه في ذلك.

أي : أنه يكون في حفظ الله تعالى ، فيحفظه من شر ما يقع في آخر هذا اليوم مما يضره في دينه أو دنياه .

 شرح الحديث
التفسير الأول على أن المقصود صلاة الفجر وسنتها :

مكانة صلاة الفجر عند الله عز وجل :
هذه الصلاة العظيمة صلاة مشهودة تحضرها الملائكة؛ قال – سبحانه -: ﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾ [الإسراء: 78]،
قال ابنُ كَثير – رحمه الله -: “يعني صلاة الفجر”

 ورَوى البخاريُّ في “صحيحه” عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: (تجتمع ملائكةُ الليل وملائكةُ النهار في صلاة الصبح)، يقول أبو هريرة – رضي الله عنه -: اقرؤوا إن شئتم: ﴿ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾.

فصلاة الفجر مجتمعًا للملائكة، ومحفلاً من محافل الخير والطاعة والعبادة، لا يحضُرُه إلاَّ كلُّ طاهرٍ مطهر من الأبرار، يستحقُّ أن يكون في ضيافة الرحمن.

عن أبي أُمَامَةَ – رضي الله عنه – عن النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: (مَن توضَّأ ثم أتى المسجدَ فصلَّى ركعتين قبل الفجر، ثم جلس حتى يُصلِّيَ الفجر، كُتِبت صلاتُه يومئذٍ في صلاة الأبرار، وكُتِب في وفد الرحمن)؛ رواه الطبراني – بإسناد حسن.

وروى مسلم في “صحيحه” عن عثمانَ بنِ عفان – رضي الله عنه – قال: سمعت رسولَ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – يقول: (مَن صلَّى العشاءَ في جماعة، فكأنَّما قام نصف الليل، ومَن صلَّى الصبحَ في جماعة، فكأنَّما صلَّى الليل كلَّه)

أيضا حديث (من صلّى الفجر فهو في ذمة الله فلا يطلبنكم الله بشيء من ذمته ) رواه الطبراني ، وهو في صحيح الجامع. ومعنى في ذمة الله : أي في حفظه وعنايته سبحانه .

ورَوى مالك – بسند صحيح -: أنَّ عمر بنَ الخطاب – رضي الله عنه – فَقَدَ سليمانَ بنَ أبي حَثْمَةَ في صلاة الصبح، فمَرَّ على الشِّفاء أمِّ سليمان فقال لها: “لم أرَ سليمان في الصبح!” فقالت: إنه بات يصلِّي فغلبتْه عيناه، فقال عمر: “لَأَنْ أَشْهدَ صلاةَ الصبح في جماعة أحبُّ إليَّ من أن أقوم ليلة”

 ومما ورد في التأكيد على سنة الفجر أنها خير من الدنيا وما فيها :

ففي الحديث عن عائشة (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها) رواه مسلم خير من الدنيا: خير من متاع الدنيا ، وقيل خير من إنفاق  مال الدنيا في سبيل الله .

وتقول عائشة رضي الله عنها: «لم يكن النبي ﷺ على شيء من النوافل أشد تعاهدًا منه على ركعتي الفجر»

وقالت أيضًا رضي الله عنها: «كان النبي ﷺ لا يدع أربعا قبل الظهر، وركعتين قبل الغداة»والغداة صلاة الفجر.

 

التفسير الثاني على أن المقصود صلاة الضحى :

صلاة الضحى عبادة مستحبة فمن شاء ثوابها فليؤدها وإلا فلا تثريب عليه في تركها ، فعن أبي سعيد رضي الله عنه قال : ( كان صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى حتى نقول لا يدعها ، ويدعها حتى نقول لا يصليها ) رواه الترمذي وحسنه .

وقتها :

يبدأ وقتها بارتفاع الشمس قدر رمح ويقدرها الفلكيون باثنتي عشر دقيقة  إلى أن يقوم قائم الظهيرة، وهو قُبيل زوال الشمس بزمن قليل، وقدَّره بعض العلماء بعشر دقائق تقريباً قبل دخول وقت الظهر، ولكن المستحب أن تؤخر إلى أن ترتفع الشمس ويشتد الحر ، فعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال : خرج النبي صلى الله عليه وسلم على أهل قباء وهم يصلون الضحى فقال : ( صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال من الضحى ) . رواه أحمد ومسلم

الأوابين : الراجعين إلى الله .

رمضت : احترقت . والفصال جمع فصيل وهو ولد الناقة : أي إذا وجدت الفصال حر الشمس ، ولا يكون ذلك إلا عند ارتفاعها .

فضلها :

بالإضافة للحديث الذي معنا فقد ورد في فضل صلاة الضحى أحاديث كثيرة ، نذكر منها ما يلي :

1 – عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يصبح على كل سلامي (عظام البدن ومفاصله ) من أحدكم صدقة ، فكل تسبيحة صدقة ، وكل تحميدة صدقة ، وكل تهليلة صدقة ، وكل تكبيرة صدقة ، وأمر بالمعروف صدقة ، ونهي عن المنكر صدقة ، ويجزي من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى ) رواه أحمد ومسلم وأبو داود .

يجزي – بفتح أوله – بمعنى يكفي ، أو بضمه ويكون من الإجزاء .

2 – ولأحمد وأبي داود عن بريدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( في الإنسان ستون وثلاثمائة مفصل عليه أن يتصدق عن كل مفصل منها صدقة ) قالوا فمن الذي يطيق ذلك يا رسول الله ؟ قال : ( النخامة في المسجد يدفنها أو الشئ ينحيه عن الطريق ، فإن لم يقدر فركعتا الضحى تجزئ عنه ) .

قال الشوكاني : ( والحديثان يدلان على عظم فضل الضحى وكبر موقعها وتأكد مشروعيتها وأن ركعتيها تجزيان عن ثلاثمائة وستين صدقة ، وما كان كذلك فهو حقيق بالمواظبة والمداومة . ويدلان أيضا على مشروعية الاستكثار من التسبيح والتحميد والتهليل ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، ودفن النخامة ، وتنحية ما يؤذي المار عن الطريق وسائر أنواع الطاعات لنسقط بذلك ما على الإنسان من الصدقات اللازمة في كل يوم ) .

3- و قال النبي صلى الله عليه وسلم (من صلى الضحى أربعا وقبل الأولى (الظهر) أربعا بنى له بيت في الجنة) حسنه الألباني في صحيح الجامع  .

4-  و قال النبي صلى الله عليه وسلم (من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة) . حسنه الألباني في صحيح الجامع  .

ومعنى الحديث أن من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله بتلاوة القرآن أو مدارسة العلم الشرعي أو الذكر إلى وقت الشروق ثم بعد ذلك صلى ركعتي الضحى بعد الشروق باثنتي عشر دقيقة ، وله أن يصليها خارج المسجد إلى ما قبل الظهر بسبع دقائق كان له هذا الأجر العظيم .

هذا وقد أفتى الشيخ ابن باز بأن المرأة التي تصلي في بيتها منفردة ثم تقعد تذكر الله في مكان صلاتها أن لها نفس الأجر لأنها لا يجب عليها الجماعة .

عدد ركعاتها :

أقل ركعاتها اثنتان كما تقدم في حديث أبي ذر وأكثر ما ثبت من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثماني ركعات ، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه لاحد لأكثرها لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربع ركعات ويزيد ما شاء الله ) رواه أحمد ومسلم وابن ماجة .


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 14 مايو, 2024 عدد الزوار : 1034 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن العظيم

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع