بادروا بالأعمال الصالحة(الاستعداد لرمضان)
ها هو شهر رمضان قد حل علينا بأنفاسه العطرة وذكرياته الغالية ، ودائما ما نجد التجار عند اقتراب موسم من مواسم التجارة يبادرون بعرض بضائعهم وعرض أسعارها لجذب أنظار الناس وترغيبهم في شرائها ، وتحقيق أعلى قدر من المكسب والربح .
فـشـهـــر رمـضـان شـهـر الــبـركـــات والـخــيـرات ، و شهر النفحات والهبات ، والنفس والمؤمنة تستقبل هذا الشهر بفرح وسرور لما فيه من صيام وقيام واستغفار و عبادات وطاعات ، والمسلم يضاعف طاعاته في هذا الشهر … لينافس الصالحين … ويندرج تحت زمرة المتقين ، ويفوز مع الفائزين .
أيها الأحباب ألا أدلكم على تجارة لا تبور ( لا تكسد ولا تخسر )
إنها التجارة مع الله ؛ فهذا الشهر الكريم فرصة عظيمة للتجارة مع الله ، شهر رمضان سباق إلى الجنة وتنافس على رضوان الله .
قال تعالى (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢١) الحديد
فالمسارعة والمسابقة بدون كسل ولا تباطؤ ولنحذر من تحقير الأعمال .
تحقير الأعمال :
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم ، ولكن رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم ، فاحذروا ، إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا ، كتاب الله ، وسنة نبيه ) صححه الألباني
ومعنى الحديث أن الشيطان لما رأى ما في الصحابة من تمسك بالدين الصحيح والعقيدة الصافية ،يئس أن يعبد في جزيرة العرب؛ ولكنه رضي أن يطاع فيما سوى ذلك والمقصود أن يزهد الواحد منا في الطاعة فيكسل عنها أو يتركها ، فيزهده في كلمة طيبة أو في صلاة الجماعة بالمسجد ، أو في صدقة تطوع ، أو صلة رحم ، تحت دعوى التعب ، الإرهاق ، الكسل ، أنا أحسن من غيري ، أنا مشغول ….
أو ما نحقر من الذنوب التي يفعلها الإنسان ويراها صغيرة ، وقد حذرنا النبي –عليه الصلاة والسلام- بقوله : ( إياكم ومحقرات الذنوب فإنها تجتمع على العبد حتى تهلكه) وضرب المثل بالقوم الذين نزلوا منزلاً ليصنعوا طعامهم فيأتي هذا بعود، وهذا بعود، فيوقدون ناراً ويصنعون الطعام على هذه الأشياء الحقيرة.
ومن هذا الباب : التساهل في الغيبة ، والخوض في الأعراض ، وتحقير الغير ، واعتياد ترك صلاة الفجر، أو يقطع الرحم ، أو يتساهل في أكل الحرام ، فالمقصود أن المحقرات هي التي يراها الإنسان حقيرة ويتساهل بها .
من هم أهل الأعراف ؟
الأعراف جمع عرف ، وهو المكان المرتفع، وهو سور عال بين الجنة والنار عليه أهل الأعراف، وهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم .
قال حذيفة وابن عباس: هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة، وتجاوزت بهم حسناتهم عن النار فوقفوا هناك حتى يقضي الله فيهم ما يشاء ثم يدخلهم الجنة بفضل رحمته .
فإذا نظروا إلى أهل الجنة نادوا: سلام عليكم وإذا صرفوا أبصارهم إلى أصحاب النار قالوا: “ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين”
فهؤلاء القوم كان الواحد منهم لا أقول يحتاج حسنة بل كان يكفيه أن يهم بحسنة أو أن يترك سيئة لله !!!
وأعجب العجب أن قوما يأتون يوم القيامة وقد غلبت سيئاتهم حسناتهم ؛ على الرغم من أن الحسنة تتضاعف إلى عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله ، وأما السيئات فإن السيئة تكتب بواحدة وهي قابلة للتكفير بالمرض أو بأن تتبعها بحسنة أو للتوبة فيبدل الله السيئات حسنات ، أو للعفو من الله ….. وعلى الرغم من ذلك سيأتون يوم القيامة وقد غلبت سيئاتهم حسناتهم .
وهذا السباق بين الحسنة والسيئة يذكرنا بالقصة الرمزية التي قرأناها ونحن صغار عن السباق بين السلحفاة والأرنب !!
قصة السباق بين السلحفاة والأرنب :
فيحكى أن أرنباً مغرورا كان يفتخر دائماً بأنه الأسرع وفي يوم من الأيام شاهد السلحفاة تمشي ببطء شديد فراح يستهزأ بها ويقول لها إنك بطيئة جدا !!!
فقالت له السلحفاة: ما رأيك أن نتسابق أنا وأنت وسوف نرى من سيفوز؟!!
فوافق الأرنب .
وبدأ السباق والأرنب المغرور يقول : لن تغلبني هذه البطيئة !!
فما كان منه إلا أن نام وهو يقول لنفسه سأغلب السلحفاة البطيئة بعد أن أرتاح قليلا ….وتابعت السلحفاة المشي ولم تتوقف حتى وصلت لخط النهاية ، واستيقظ الأرنب متأخرا وأخذ يقفز بسرعة ليسبق السلحفاة، لكن قد فات الأوان، وفازت السلحفاة لأنها لم تتوقف عن المسير.
فسباق الحسنات والسيئات تماما كالسباق بين السلحفاة والأرنب ، وسيأتي يوم القيامة أناس غلبت سيئاتهم حسناتهم !!
فهم خاطئ لقوله تعالى : ( ولا تنس نصيبك من الدنيا )القصص 77
وبعض الناس إذا كلمته في ذلك يقول لك : ( ولا تنس نصيبك من الدنيا )القصص 77 ويقصد أن الإنسان يلهو ويلعب ، ويفرح بأيامه ولو كان في معصية الله ….
ولفهم الآية فهما صحيحا لا بد من قراءتها من أولها ، قال تعالى -حكاية عن صالحي بني إسرائيل حينما كلموا قارون أن يخرج زكاة ماله- : (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين ) القصص 77
فالمعنى هنا أن المسلم ينبغي أن يجعل الآخرة هي محل الاهتمام ، والدنيا هي محل النسيان … وأوضح ذلك بمثال :
رجل يعمل في القاهرة وهو يذهب لعمله يوميا فهذا (محل الاهتمام )
طلبت منه أن يشتري شيئا من مكان فيها فهذا (محل النسيان )
فأنا أقول له إحرص على الوصول إلى عملك في القاهرة ولا تنس أن تشتري لي كذا وكذا من المكان الفلاني ، فمحل اهتمامه العمل ومحل نسيانه أن يشتري شيئا ما.
إذن فالمسلم عنده الآخرة محل الاهتمام ، والدنيا محل النسيان وقد كان هذا واضحا جليا في موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ذَبَحَ أهلُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ شاةً، وتَصَدَّقُوا بِلَحْمِها على الفقراءِ، وأبقَوْا كَتِفَها لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، لأنّه كان يُحِبُّ لَحْمَ الكَتِف.
ولمّا عادَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إلى مَنْزِلِه، سأل عائشة عن الشاة فقالت ذهبت كلها إلا الكتف فقالَ لها الرسولُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ( بل قولي بقيَت كلُّها إلا الكتفَ.) فالذي وزَّعُوه على الفقراء هو الباقي عند الله لأنه صدقة سيجزيهم الله عليها، والذي أبَقْوه لِيأكلُوه هو الفاني الذي ذَهَبَ.
وهذه عائشة تفعل مثلما فعل النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقد قسمت في يوم مائة وثمانين ألف درهما بين الناس فلما أمست قالت يا جارية علي فطوري فجاءتها الجارية بخبز وزيت !!!
فقالت لها الجارية: أما استطعت فيما قسمتي أن نشتري لنا بدرهم لحما نفطر عليه ؟؟
فقالت لها عائشة لو ذكرتيني لفعلت !!!
رمضان سباق نحو الجنة :
فها نحن نستقبل بعد أيام ضيفا كريما ، طالما انتظرته القلوب المؤمنة، وتشوقت لبلوغه النفوس الزاكية، وتأهبت له الهمم العالية، وقد جعله الله موسما عظيما لفعل الخيرات، والمسابقة بين المؤمنين في مجال الباقيات الصالحات، فإن أنت عرفت قدره، وأحسنت استقباله، واستثمرته فيما يقربك إلى الله تعالى ويرفع درجاتك عنده كنت من الفائزين .
إنه شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، إنه سيد الشهور وأفضلها على الدوام، إنه شهر القرآن والصيام والقيام، شهر جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعا ، شهر تفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب النيران، وتصفد فيه الشياطين ومردة الجان.
شهر المغفرة والرحمة والعتق من النار، شهر الصبر والمواساة، شهر التكافل والتراحم، شهر التناصر والتعاون والمساواة، شهر ترفع فيه الدرجات، وتضاعف فيه الحسنات، وتكفر فيه السيئات، شهر فيه ليلة واحدة هي خير من ألف شهر، من حرم خيرها فهو المحروم.
فهنيئا لنا برمضان، ويا بشرى من تعرض فيه لنفحات الله، وجاهد نفسه في طاعة الله (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت 69
ولقد كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يبشر أصحابه بقدوم هذا الشهر المبارك، ويبين لهم فضائله، حتى يتهيئوا له ويغتنموه.
فعن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال: “كان النبي – صلى الله عليه وسلم- يبشر أصحابه، يقول: “قد جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، فيه تفتح أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم” رواه الإمام أحمد ، وحسنه الألباني.
وروى البخاري ومسلم أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال: “إذا جاء رمضان، فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين” وزاد في رواية للترمذي وابن ماجه وغيرهما: “وينادي منادٍ يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة“.
فدلت هذه الأحاديث وما في معناها على بعض خصائص هذا الشهر وفضائله ومنها ما يأتي:
أولاً: أنه تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النار، وذلك لكثرة ما يعمل فيه من الخير والأعمال الصالحة التي هي سبب لدخول الجنة، ولقلة ما يقع فيه من المعاصي والمنكرات التي هي سبب لدخول النار، وتفتح أبواب الجنة أيضاً ترغيباً للعاملين في استباق الخيرات، والمسابقة إلى الباقيات الصالحات، فهذا أوان الجد والاجتهاد، وهذا هو وقت العمل والجهاد، وأن يري المسلم ربه من نفسه خيراً، والموفق من وفقه الله، والمحروم من حرمه الله.
وتغلق أبواب الجحيم، ترغيباً للعاصين المفرطين في جنب الله، أن يتوبوا ويعودوا إلى الله، وأن يتبعوا السيئات بالحسنات، التي تزيل آثار الذنوب من القلوب، وتمحوها من ديوان الحفظة، فإن الحسنات يذهبن السيئات، والخير يرفع الشر، والنور يزيل الظلمة، والمرض يعالج بضده.
ثانياً: أنه تصفد فيه الشياطين، أي تغل وتوثق، وتقيد بالسلاسل والأصفاد، فلا يصلون فيه إلى ما يصلون إليه في غيره، ولا يتمكنون من إغواء عباد الله وإضلالهم كما يتمكنون منهم في غيره.
و لهذا الحديث مزيد من الشرح في الأسبوع القادم إن شاء الله بعنوان : (يا يا باغي الخير أقبل )
أسأل الله تعالى أن يبلغنا رمضان ، وأن يعيننا على صيامه وقيامه، ويجعلنا من السابقين إلى الخيرات، الفائزين بأعلى الدرجات، وأن يغفر لنا ولوالدينا وسائر المسلمين والمسلمات .