قصة الحجاج مع سعيد بن جبير

تاريخ الإضافة 22 أغسطس, 2023 الزيارات : 15075

قصة الحجاج مع سعيد بن جبيرسيرة_الحجاج_بن_يوسف_الثقفي

الحجاج بن يوسف الثقفي .. رجل من الظالمين، ووالٍ من الولاة المعتدين

قال عنه الذهبي رحمه الله: نسبُّه ولا نحبُّه، ونَكِل أمره إلى الله، فإنه كان من الظالمين.

في يومٍ من الأيام خرج عليه سعيد بن جبير رضي الله عنه في قضيةٍ طويلة تسمى بقضية ابن الأشعث ، ثم خرج رضي الله عنه ورحمه إلى مكة يتخفى من الحجاج ، والحجاج يطلبه يريد الانتقام منه.

وفي يوم من الأيام علم الحجاج وأتباعه أنه في مكة ، فأرسلوا له والي مكة يطلبه أن يحضر رضي الله عنه ورحمه، فأرسل والي مكة جنوده للبحث عنه حتى وجدوه، وألقوا القيد على يديه على مرأىً من أصحابه، ثم آذنوه بالرحيل إلى الحجاج، فتلقاهم رحمه الله هادئ النفس مطمئن القلب، ثم التفت إلى أصحابه وقال: [ما أراني إلا مقتولاً على يد ذلك الظالم، ولقد كنتُ أنا وصاحبان لي -اسمع- في ليلة عبادة، فاستشعرنا حلاوة الدعاء فدعونا الله بما دعوناه، وتضرعنا إليه بما شاء أن نتضرع، ثم سألنا ربنا عز وجل أن يكتب لنا الشهادة، وقد رزقها الله لصاحبيَّ كليهما، وبقيت أنا أنتظرها] .

ثم ما إن انتهى من كلامه حتى طلعت عليه بنتٌ صغيرة من بناته، فلما رأته مقيداً والجند يسوقونه تشبثت به وجعلت تبكي وتنشج، فأبعدها برفق والعَبَرة في فؤاده رحمةً بها لا جزعاً من الموت، وقال لها: [يا بُنَيَّة! قولي لأمكِ: إني أرجو الله أن يجمعنا في الجنة، وإن افترقنا فإن موعدنا الجنة إن شاء الله] .

ثم مضى، وفي الطريق أظهر من عبادته وزهده وورعه ما أذهل بذلك الجند! حتى قالوا: [كيف يُقْتَل مثل هذا وليس له جناية ؟!] .

ولما وصل سعيد إلى الحجاج أدخلوه عليه وهو في حقدٍ وغيضٍ شديد، فقال له الحجاج: ما اسمك؟

قال: اسمي سعيد بن جبير .

فقال له الحجاج : بل أنت شقي بن كسير.

فقال: أمي أعلم بي إذ سمتني منك.

فقال: ما تقول في محمد؟

قال: ومن تعني بمحمد؟! هل تريد الرسول صلى الله عليه وسلم؟!

قال: نعم.

قال: هل يخفى عليك قولي فيه وهو سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام، النبي المصطفى؟! وليس مثلك يسأل مثلي؛ لأننا جميعاً نؤمن برسالته، ولا يُسأل إلا شاكٌ مرتاب، يربيه ويعلمه.

قال: فما تقول في أبي بكر ؟

قال: هو الصدِّيق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذهب حميداً وعاش سعيداً.

ثم سأله عن عمر وعثمان وعلي، وهو يجيب بما اتُّصِف به كلُّ واحد من هؤلاء الكرام البررة، صفوة الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، الأئمة المهديين.

ثم قال له الحجاج : أي خلفاء بني أمية أعجب إليك؟

قال له: أرضاهم لخالقه.

قال: فأيهم أرضى للخالق؟

قال: علم ذلك عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى [طه:52] أي: لا أعلم أنا من هو أرضاهم.

قال: فما تقول فيَّ؟

قال: أنت أعلم بنفسك.

قال: أريد علمك أنت.

قال: إذاً يسوءُك ولا يسرك. وهو يرى النطع ويرى السيف؛ لكنه مؤمن بطل.

قال: لا بد أن أسمع.

قال: إني لأعلم أنك مخالف لكتاب الله، تُقْدِم على أمور تريد بها الهيبة وهي تقحمك في الهلكة وتدفعك إلى النار.

قال له الحجاج وقد غَضِب: والله لأقتلنك.

قال: إذاً تفسد عليَّ دنياي، وأفسد عليك آخرتك.

قال الحجاج في عُتُو: اختر لنفسك أي قِتْلة شئت.

قال سعيد: بل اخترها أنت لنفسك يا حجاج! فوالله ما تقتلني قتلة إلا قتلك الله بمثلها في الآخرة.

قال له الحجاج: أتريد أن أعفو عنك.

قال سعيد: إن كان عفوٌ فمن الله تعالى.

فدعا الحجاج بالسيف والنطع، فتبسم سعيد، فقال له الحجاج: وما تبسمك؟

قال: عجبت من جرأتك على الله، وحِلْمِ الله عليك.

قال: اقتله يا غلام! اقتله يا غلام!

فاستقبل سعيد القبلة وقال: إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ ولأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام:79].

قال: احرفوه عن القبلة.

قال سعيد: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115] .

قال: كبوه على الأرض.

قال سعيد : مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى [طه:55] .

فقال الحجاج : اذبحوا عدو الله، اذبحوا عدو الله، فما رأيت أحداً أََدْعَى للآيات منه.

فرفع سعيد المظلوم كفيه البريئتين إلى الرب القدير، يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19] ثم قال: اللهم لا تسلط الحجاج على أحدٍ بعدي.

ثم قُتِل رضي الله عنه ورحمه.

ولم يمضِ على مصرع سعيد خمسة عشر يوماً حتى أصيب الحجاج بحمىً شديدة، واشتدت عليه وطأة المرض، حتى كان يغفو ساعة ويفيق أخرى، فإذا أفاق استيقظ مذعوراً مهزوماً وهو يصيح ويقول: هذا سعيد بن جبير آخذٌ بخُنَّاقي يقول: فيمَ قتلتني؟! ثم يبكي ويقول: ما لي ولـسعيد بن جبير ؟! ما لي ولـسعيد بن جبير ؟! أبعدوا عني سعيد بن جبير. وما بقي إلا أياماً وهو في عذاب شديد حتى قصم الله ظهره، وأزال ذكره، وأحصى بطشه، وجعله عبرةً للمعتبرين .. فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:45] .

وقد روي أنه لما مات رآه بعض الناس فقالوا له: ما فعل الله بك؟ قال: قتلني الله تعالى بكل امرئ قتلته مرة، إلا سعيد بن جبير قتلني الله به سبعين مرة.


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 356 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم