شرح أسماء الله الحسنى: 79- الصمد

تاريخ الإضافة 26 نوفمبر, 2023 الزيارات : 3023

شرح أسماء الله الحسنى: 79- الصمد

أولا / المعنى اللغوي

الصَّمَدُ : المقصودُ لقضاءِ الحاجاتِ، وشيءٌ صَمَدٌ: مُصْمَتٌ لا جَوْفَ له، ورَجُلٌ صَمَدٌ : الْمُتَجَلِّدُ فِي الْحَرْبِ، الْمُقَاوِمُ الَّذِي لاَ يَعْطَشُ وَلاَ يَجُوعُ أَثْنَاءهَا.

ثانيا / المعنى في حق الله تعالى

وردت عدة أقوال في معنى الصمد :

1-هو السيد الذي قد كمل في سؤدده ،وهو الذي يصمد إليه الخلائق في حوائجهم ومسائلهم ، فهو المستغني عن كل أحد، والمحتاج إليه كل أحد.

 2- ومن معاني الصمد أيضًا القصد والغاية، فصمد إليه: (أي قصده وجعله مقصده وغايته)؛ وهذا هو سبب تسمية سورة “الصمد” بالإخلاص لأن الصمد هو الذي تقصده الخلائق في عبادتها وتوحيدها دون غيره عز وجل.

3- المصمت أو المصمد الذي لا جوف له، يعني لا يأكل ، ولا يشرب.

4- الصمد الذي لم يلد ولم يولد لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت، وليس شيء يموت إلا سيورث، وإن الله عز وجل لا يموت ولا يورث.

ومن العلماء مَن قال: (الصمد) يحمل هذه المعاني كلها: ·فهو سبحانه السيد الذي انتهت إليه السيادة في كل شيء، وهو سبحانه الصمد الذي يصمد إليه الخلق لقضاء حوائجهم ، وهو سبحانه الذي (لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد [الإخلاص:3-4].

ثالثا / ورود الاسم في القرآن والسنة

قال تعالى: ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ) [الإخلاص: 2]

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال اللَّهُ: كَذَّبَنِي ابنُ آدَمَ ولَمْ يَكُنْ له ذلكَ، وشَتَمَنِي ولَمْ يَكُنْ له ذلكَ، أمَّا تَكْذِيبُهُ إيَّايَ أنْ يقول: إنِّي لَنْ أُعِيدَه كما بَدَأْتُه، وأَمَّا شَتْمُه إيَّايَ أنْ يَقُولَ: اتَّخَذَ اللَّهُ ولَدًا، وأنا الصَّمَدُ الذي لَمْ ألِدْ ولَمْ أُولَدْ، ولَمْ يَكُنْ لي كُفُؤًا أحَدٌ (لَمْ يَلِدْ ولَمْ يُولَدْ ولَمْ يَكُنْ له كُفُؤًا أحَدٌ) رواه البخاري.

وعن بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه قال: (سَمِعَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم رجُلًا يقول: اللَّهُمَّ! إنِّي أسألُكَ بأنِّي أشهدُ أنَّكَ أنتَ اللَّه، لا إلَه إلاَّ أنتَ، الأحَدُ الصَّمَدُ، الَّذي لم يلِدْ ولَم يولَدْ، ولم يَكُنْ لَه كُفُوًا أحَدٌ. فقال: لقد سألَ اللَّهَ باسمِهِ الَّذي إذا سُئلَ به أعطى، وإذا دُعِيَ بِه أجاب) رواه أبو داود.

رابعا / تأملات في رحاب الاسم الجليل

الله الصمد الذي يصمد إليه الخلائق في حوائجهم ومسائلهم:

الله سبحانه هو الصمد الذي يقف الخلق ببابه لقضاء حوائجهم ، أمرنا بالدعاء وضمن لنا الإجابة: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) [غافر:60] وقال تعالى : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة:186]،فلا يتوجه العبد  في طلب الحاجات إلا منه، فهو السيد الصمد الذي بيده الخير وهو على كل شيء قدير، وقد علّم النبي ﷺ أصحابه هذا الأدب الكامل كما جاء في حديث ابن عباس قال: كنت خلف النبي ﷺ يوماً فقال: (يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف) رواه الترمذي

والله لا يخيب من توجه إليه، ورجاه، فقد جاء في حديث أبي هريرة  مرفوعاً إلى النبي ﷺ فيما يرويه عن ربه -تبارك وتعالى-: (أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني، واللهِ للهُ أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة، ومن تقرب إليّ شبرًا تقربت إليه ذراعًا، ومن تقرب إليّ ذراعًا تقربت إليه باعًا، وإذا أقبل إليّ يمشي أقبلت إليه أهرول) فهو السيد الصمد، وهو خير مقصود، وهو خير مأمول ، وقد قال طاووس بن كيسان -رحمه الله- لعطاء: “يا عطاء، لا تنزلن حاجتك بمن أغلق دونك أبوابه، وجعل عليها حجابه، ولكن أنزلها بمن بابه مفتوح لك إلى يوم القيامة، أمرك أن تدعوه وضمن أن يستجيب لك”، فلماذا تتوجه إلى غيره؟

لا تسألنّ بُنيَّ آدم حاجةً *** وسـل الذي أبـوابه لا تُحجـبُ

فالله يغضب إن تركتَ سؤاله *** وبُنيُّ آدم حين يُسأل يغضبُ

وكان السلف يستحون أن يسألوا غير الله، فقد جاء عن سفيان بن عيينة -رحمه الله- قال: “دخل هشام بن عبد الملك الخليفة الأموي الكعبة فإذا هو بسالم بن عبد الله بن عمر -رحمه الله- فقال له: يا سالم سلني حاجة، فقال له: إني لأستحي من الله أن أسأل في بيت الله غير الله، فلما خرج، خرج في أثره فقال له: الآن قد خرجت فسلني حاجة، فقال سالم: من حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة؟ قال: بل من حوائج الدنيا، فقال له سالم: ما سألت من يملكها، فكيف أسأل من لا يملكها؟!

فسؤال المخلوق للمخلوق سؤال فقير لفقير، والله -تبارك وتعالى- هو الغني إذا سألته أحبك، والمخلوق كلما سألته ضاق بك ذرعاً وأبغضك ومقتك .

 وقد ربى النبي ﷺ بعض أصحابه على نمط من التربية رفيع، وأخذ البيعة عليهم بمقتضى ذلك، وما كان يطالب الجميع بهذا كما جاء في حديث عوف بن مالك  قال: “كنا عند رسول الله ﷺ تسعة أو ثمانية أو سبعة فقال: “ألا تبايعون رسول الله ﷺ؟”، وكنا حديثي عهد ببيعة، فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثم قال: ألا تبايعون رسول الله ﷺ؟، يقول: فبسطنا أيدينا، وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، فعلامَ نبايعك؟ قال: (على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، والصلوات الخمس، وتطيعوا الله، وأسر كلمة خفية -وهي الشاهد- ولا تسألوا الناس شيئاً) يقول: “فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحداً أن يناوله إياه”(البخاري) مع أن ذلك لا يحرم أن يطلب الإنسان مثل هذه الأمور اليسيرة التي اعتاد الناس عليها كأن يقول: أوصلني معك، أو يقول مثلاً: اكتب لي هذه الورقة،  أو نحو هذا، فإن هذا جائز، ولكن الأكمل ألا يطلب الإنسان من الناس شيئاً، وهذا لمن وصل المراتب العالية في العبودية.

أمامَ بابك كلُّ الخلق قد وقفوا *** وهم ينادون يا فتاحُ يا صمدُ

فأنت وحدك تعطي السائلين ولا *** ترد عن بابك المقصود مَن قصدوا

والخيرُ عندك مبذول لطالبه *** حتى لمن كفروا حتى لمن جحدوا

إن أنت يا رب لم ترحم ضراعتهم *** فليس يرحمهم من بينهم أحدُ

 

وهو الصمد الذي لا جوف له(لا يأكل ، ولا يشرب):

وهو سبحانه لا جوف له فلا يأكل ولا يشرب ، قال تعالى : (قُلۡ أَغَیۡرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِیࣰّا فَاطِرِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ وَهُوَ یُطۡعِمُ وَلَا یُطۡعَمُ )[الأنعام 14]

﴿وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ﴾ أَيْ: وَهُوَ الرَّزَّاقُ لِخَلْقِهِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَيْهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ* إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذَّارِيَاتِ: 56 -58] .
وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: دَعَا رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ أَهْلِ قُبَاءٍ النَّبِيَّ ﷺ، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا مَعَهُ، فَلَمَّا طَعِمَ النَّبِيُّ ﷺ وَغَسَلَ يديه قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُطعِم وَلَا يَطْعَم، ومَنَّ عَلَيْنَا فَهَدَانَا، وَأَطْعَمَنَا وسَقانا وَكُلَّ بَلاء حَسَن أَبَلَانَا، الْحَمْدُ لِلَّهِ غَيْرِ مُودّع وَلَا مكافَأ وَلَا مَكْفُورٍ وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا مِنَ الطَّعَامِ، وَسَقَانَا مِنَ الشَّرَابِ، وَكَسَانَا مِنَ الْعُرْيِ، وَهَدَانَا مِنَ الضَّلَالِ، وبَصَّرنا مِنَ العَمَى، وفَضَّلنا عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ” رواه النسائي

ولذلك بين الله أن المسيح لو كان إلها ما كان له ولأمه أن يأكلا ويشربا فقال تعالى : (مَّا ٱلۡمَسِیحُ ٱبۡنُ مَرۡیَمَ إِلَّا رَسُولࣱ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُ وَأُمُّهُۥ صِدِّیقَةࣱ كَانَا یَأۡكُلَانِ ٱلطَّعَامَ ٱنظُرۡ كَیۡفَ نُبَیِّنُ لَهُمُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ ثُمَّ ٱنظُرۡ أَنَّىٰ یُؤۡفَكُونَ)[ المائدة 75] وَقَوْلُهُ: ﴿كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ﴾ أَيْ: يَحْتَاجَانِ إِلَى التَّغْذِيَةِ بِهِ، وَإِلَى خُرُوجِهِ مِنْهُمَا، فَهُمَا عَبْدَانِ كَسَائِرِ النَّاسِ وَلَيْسَا بِإِلَهَيْنِ كَمَا زَعَمَ النَّصَارَى.

وهو الصمد الذي لا زوجة له ولا والد ولا ولد:

والصمد جل جلاله ليس عنده احتياج لزوجة ولا ولد (لمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ )أي: ليس له ولد، ولا والد، ولا صاحبة، والتوالد أمارة الفناء لأن التوالد من أجل بقاء الجنس والله سبحانه باق فلا ولد له ولا والد ، وهذه الآية خير رد على النصارى الذين يقولون: إن عيسى هو الله، وهذا من العجب! إذ يقولون: إن عيسى هو الله وقد ولدته مريم ! فمن هو الله قبل أن تخلق مريم ؟! وأين كان الله قبل أن تخلق مريم إذا قالوا: إن عيسى هو الله! ويُجاب عليهم: إذا كان هذا هو الرب، فقبل أن يولد من الذي كان يدبر أمر السماء والأرض؟! وقبل أن تولد مريم، فضلاً عن عيسى ولدها؟! من الذي كان يدير السماوات والأرض ويدبر أمرها؟! وهل بطن امرأة يسع إلهاً يحكم السماوات والأرض؟! تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً!

وقال ابن عباس: { لَمْ يَلِدْ } كما وَلَدَتْ مَرْيَم، ولم يُولد كما وُلِدَ عيسى وعُزَيرٌ. وهو رد على النصارى، وعلى من قال: عُزيرٌ ابن الله.

وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” قال الله عز وجل: كذبني ابن آدم، ولم يكن له ذلك، وشتمني، ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي، فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته، وأما شتمه إياي، فقوله: اتخذ الله ولداً، وأنا الأحد الصمد، لم ألد ولم أولد، ولم يكن لي كفواً أحد ” وفي صحيح البخاري: ” لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله، يجعلون له ولداً، وهو يرزقهم ويعافيهم “

وقفة مع آخر سورة الإسراء:

قال تعالى : “وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا”سورة الإسراء (111)

ما المحمود عليه في الآية؟ (الجواب مستفاد من خواطر الشيخ الشعراوي رحمه الله )

الحق سبحانه يأمرنا أن نحمده على عدة أمور أولها :حمده لأنه سبحانه لم يتخذ ولداً ؛ وهذه نعمة كبيرة على العباد يجب أنْ يحمدوه عليها، فإنْ كان له ولد فسوف يخصُّه برعايته دون باقي الخَلْق، فقد تنزّه سبحانه عن الولد، وجعل الخَلْق جميعهم عياله، وكلُّهم عنده سواء، فليس من بينهم مَنْ هو ابن لله أو مَنْ بينه وبين الله قرابة، وأحبّهم إليه تعالى أتقاهم له، وهكذا ينفرد الخَلْق بكل حنان ربهم وبكل رحمته.

ثم، ما الحكمة من اتخاذ الولد؟ الناس يتخذون الولد ويحرصون على الذَّكَر، خاصة لأمرين: أن يكون الولد ذكرى وامتداداً لأبيه بعد موته، كما والحق سبحانه وتعالى باقٍ دائمٌ، فلا يحتاج لمَنْ يُخلِّد ذكراه، أو يكون امتداداً له، تعالى الله عن ذلك عُلواً كبيراً، فالحمد لله أنه لم يتخذ ولداً.

أو يكون الولد للعِزْوة والمكاثرة والتقوّى به من ضعف، والحق سبحانه وتعالى هو الغالب القهار، فلا يحتاج إلى عِزْوة أو كثرة، لذلك يأمرنا سبحانه أن نُمجِّده لأنه لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، والمتأمل في حال الملوك والسلاطين يجد أكثر فسادهم إما من الولد وإما من الصاحبة.

ثم يقول سبحانه: {وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي الملك. .} [الإسراء: 111]

وهذا أيضاً من النعم التي تستوجب الحمد، ولك أنْ تتصوّر لو أن لله تعالى شريكاً في الملْك، كم تكون حَيْرة العباد، فأيُّهما تُطيع وأيهما تُرضِي؟

لقد أوضح لنا الحق سبحانه هذه المسألة في هذا المثل الذي ضربه لنا: {ضَرَبَ الله مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً. .} [الزمر: 29]

لذلك، ففي أعراف الناس وأمثالهم يقولون: (المركب التي بها رئيسين تغرق) وكَوْنه سبحانه واحداً لا شريك له يجعلك تطمئن إلى أمره ونَهْيه فتُطيعه وأنت مطمئن، فأوامره سبحانه نافذة لا مُعقِّب لها، ولا مُعترِض عليها، فليس هناك إله آخر يأمرك بأمر مخالف، أليست هذه نعمة تستوجب الحمد؟

وأيضاً فإن الحق سبحانه يقول: {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذل. .} [الإسراء: 111]

الوليّ: هو الذي يليك، وأنت لا تجعل أمرك إلا لمن تثق به أنه يجلب لك نَفْعاً، أو يدفع عنك ضُرّاً، أو ينصرك أمام عدو، أو يُقوِّي ضعفك، فإذا لم يكُنْ لك ذاتية تحقق بها ما تريد تلجأ لمن له ذاتية، وتحتمي برحابه، وتجعل ولاءك له.

والحق سبحانه ليس له وليٌّ يلجأ إليه ليعزه؛ لأنه سبحانه العزيز المعِزّ القائم بذاته سبحانه، ولا حاجة له إلى أحد.

ثم يقول تعالى: {وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً} [الإسراء: 111]

لأن عظمة الحق سبحانه في نفس المؤمن أكبر من كل شيء، وأكبر من كل كبير؛ لذلك جُعلتْ (الله أكبر) شعار أذانك وصلاتك، فلا بُدَّ أن تُكبِّر الله، وتجعله أكبر مِمّا دونه من الأغيار.

ولا تنسَ أنك إن كبَّرْتَ الحق سبحانه وتعالى أعززْتَ نفسك بعزة الله التي لا يعطيها إلا لمَنْ يخلص العبودية له سبحانه، فَضْلاً عن أن العبودية لله شرفٌ للعبد، وبها يأخذ العبد خَيْر سيده، أما العبودية للبشر فهي مذمومة مكروهة، وهي مذلة وهوان، حيث يأخذ السيد خير عبده.

فالعزة في العبودية لله، والعزة في السجود له تعالى، فعبوديتك لله تعصمك من العبودية لغيره، وسجودك له تعالى يعصمك من السجود لغيره

(وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ) كُفُواً أي مكافئا ومماثلا ، والكفء والمكافئ: النظير والمثيل، والمراد أنه لم يوجد له مماثل أو مكافئ.

وقال تعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ ) الشورى 11

خامسا / ثمرات الإيمان بهذا الاسم الجليل

1-تنزيه الله عن كل نقص :

ووصفه سبحانه بكل كمال فهو سبحانه صمد متنزه عن الشريك والمثيل وعن الصاحبة والوالد والولد ومنزه عن احتياجه لطعام أو شراب أو راحة من تعب أو مرض .

2- الوقوف بباب الصمد :

أن يتوجه العبد إليه وحده لا شريك له في طلب الحاجات، فلا تطلب إلا منه، فهو السيد الصمد الذي لا شيء فوقه، بيده الخير وهو على كل شيء قدير،ويتويل إليه باسمه الصمد ، ففي الحديث عن بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه قال: (سَمِعَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم رجُلًا يقول: اللَّهُمَّ! إنِّي أسألُكَ بأنِّي أشهدُ أنَّكَ أنتَ اللَّه، لا إلَه إلاَّ أنتَ، الأحَدُ الصَّمَدُ، الَّذي لم يلِدْ ولَم يولَدْ، ولم يَكُنْ لَه كُفُوًا أحَدٌ. فقال: لقد سألَ اللَّهَ باسمِهِ الَّذي إذا سُئلَ به أعطى، وإذا دُعِيَ بِه أجاب) رواه أبو داود.

3- طمأنينة النفس :

إذا علم العبد أن ربه هو السيد الصمد الذي يرجع إليه الأمر كله، فإنه يلجأ إليه، ويعتمد عليه لا يعتمد على أحد سواه فالله هو القادر وحده على تحقيق مطالبه، فتحصل له الطمأنينة، والسكينة والثقة القوية المطلقة بالله، والأمل الواسع به، تحصل له قوة تشرح الصدر، وتبعثه على العمل، ولا ييأس لا يقنط مهما تتابعت عليه الأوجاع والأمراض والعلل فإنه يطلب من الغني الذي نواصي الخلق بيده

المؤمن الذي يعرف السيد الصمد ثقته كبيرة بالله، وأمله واسع لا يمكن أن ينقطع، لا يمكن أن تظلم الدنيا في عينه، لا يمكن أن تسد الأبواب، فالله على كل شيء قدير، فينشط، وتوجد عنده بواعث العمل ويبذل الأسباب، ويعتصم بالله فربه بر، رحيم، ودود، لطيف يجد فيه الملاذ عند الشدة، يجد فيه الأنس حال الوحشة، والنصير حال القلة، فيعيش متفائلاً، مستبشراً، بانشراح عظيم، مع ما فيه من العلل، والأوجاع والأمراض، فالله هو الذي يملك أزمّة الأمور، (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ) [الشعراء:78-80]،

 4- قضاء حوائج الناس:

من نعم الله تعالى على العبد أن يجعله مفتاحا للخير والإحسان يصمد الناس ببابه لقضاء حاجاتهم وإعانتهم ،وأن يسخره لقضاء حوائج الناس ففي الحديث عَنْ سَهْلِ بن سَعْدٍ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:”عِنْدَ اللَّهِ خَزَائِنُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، مَفَاتِيحُهَا الرِّجَالُ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَهُ مِفْتَاحًا لِلْخَيْرِ، وَمِغْلاقًا لِلشَّرِّ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَهُ مِفْتَاحًا لِلشَّرِّ، وَمِغْلاقًا لِلْخَيْرِ” .أخرجه ابن ماجة.

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّ لِلَّهِ أَقْوَامًا اخْتَصَّهُمْ بِالنِّعَمِ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ، وَيُقِرُّهَا فِيهِمْ مَا بَذَلُوهَا، فَإِذَا مَنَعُوهَا نَزَعَهَا عَنْهُمْ وَحَوَّلَهَا إِلَى غَيْرِهِمْ “أخرجه الطبراني وقال الألباني : حسن لغيره  

ولقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثل والنموذج الأعلى في الحرص على الخير والبر والإحسان , وفي سعيه لقضاء حوائج الناس وبخاصة للضعفاء والأيتام ,والأرامل ، ففي الحديث عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً ، فَقَالَ : يَا أُمَّ فُلاَنٍ ، انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ ، حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ ، فَخَلاَ مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ ، حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا.أخرجه مسلم.

بل أنها من أحب الأعمال وأعلاها وأزكاها عند الله تعالى , فعن ابن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أحبُّ الناسِ إلى الله أنفعُهم للناس وأحبُّ الأعمالِ إلى الله سُرُورٌ تُدْخِلُه على مسلم أو تَكْشِفُ عنه كُرْبَةً أو تَقْضِى عنه دَيْناً أو تَطْرُدُ عنه جُوعاً ولأَنْ أمشىَ مع أخي المسلمِ في حاجةٍ أحبُّ إِلَىَّ من أن أعتكفَ في هذا المسجدِ شهرًا ومن كفَّ غضبَه سترَ اللهُ عورتَه ومن كَظَمَ غَيْظَه ولو شاء أن يُمْضِيَه أَمْضاه ملأ اللهُ قلبَه رِضًا يومَ القيامةِ ومن مشى مع أخيه المسلمِ في حاجةٍ حتى تتهيأَ له أثبتَ اللهُ قدمَه يومَ تَزِلُّ الأقدامُ وإنَّ سُوءَ الخُلُق لَيُفْسِد العملَ كما يُفْسِدُ الخلُّ العسلَ ” أخرجه الطبراني وحسنه الألباني.

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبَهُم * * * فطالما استعبدَ الإنسانَ إحسانُ
وكُنْ على الدّهرِ مِعْوَانًا لذي أملٍ * * * يرجو نَداكَ فإنّ الحُرَّ مِعْوانُ
واشْدُدْ يديك بحبلِ اللهِ معتصمًا * * * فأنّه الرّكنُ إنْ خانتك أركانُ
من كان للخير منّاعًا فليس له * * * على الحقيقة إخوانٌ وأخْدانُ
من جاد بالمال مالَ النّاسُ قاطبةً * * * إليه والمالُ للإنسان فتّانُ


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 14 مايو, 2024 عدد الزوار : 1033 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن العظيم

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع