الغنائم الخمس (1) شبابك قبل هرمك

تاريخ الإضافة 1 أغسطس, 2023 الزيارات : 11386

(1) شبابك قبل هرمك

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه : ” اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك  وصحتك قبل سقمك وغناءك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك أخرجه الحاكم وصححه الألباني في صحيح الجامع .

فهذه الوصية الجامعة يوصي فيها النبي صلى الله عليه وسلم أن يسابق المسلم إلى الخيرات في مراحل العطاء والقوة قبل أن يشغل أو تسلب منه أحد هذه النعم الشباب الصحة ….الفراغ…. الغنى…. الحياة

وإلى الغنيمة الأولى :

اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل َهرَمك

الهرم : بفتح الراء أقصى الكبر ، والرجل هرم ، والمرأة هرِمة (بكسر الراء ) وفي الحديث (تداووا عباد الله فإن الله سبحانه لم يضع داء إلا وضع معه شفاء إلا الهرم )صححه الألباني

فالرسول صلى الله عليه وسلم يوصي المسلمين  باغتنام فرصة الشباب قبل أن يصل إلى مرحلة الشيخوخة والعجز وهذه سنة الله فينا قال تعالى :

( الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير ) 54 الروم

سبحان الله لقد كنا عدما لا شيء فأنعم الله علينا بنعمة الوجود  وكنا خلقا ضعيفا ؛ فيولد الواحد منا صغيرا ضئيلا واهن القوى ثم يشب قليلا قليلا حتى يصل إلى مرحلة الشباب مرحلة  القوة بعد الضعف…. ثم يشرع في النقص ويبدأ فيشيخ ثم يهرم وهو الضعف بعد القوة فتضعف الهمة والحركة شيئا فشيئا .

قال تعالى (ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون ) يس 68

فأوصانا الرسول صلى الله عليه وسلم باغتنام هذه المرحلة العمرية التي هي ربيع العمر  قبل أن يصل إلى خريف العمر الشيخوخة والهرم .

ومن حرصه صلى الله عليه وسلم على شباب أمته أنه حذرهم من التفريط في هذه المرحلة من العمر؛ لأنه زمن القوة والاكتمال، فعدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الشباب غنيمة، وحث على تداركها قبل فواتها.

عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه؟ وعن شبابه فيما أبلاه …)أخرجه الترمذي
فهو يسأل عن
عمره كله مرة واحدة ثم سؤالا خاصا بمرحلة الشباب إشارة إلى أهميتها .

ونعلم أن أحد الأصناف السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله (شاب نشأ في طاعة الله )
ورحم الله
أبو الطيب الطبري العالم الشافعي الجليل الذي بلغ الثمانين منعمره....خرج  يوما مع طلابه في سفينة فلما قاربوا الشاطئ قفز من السفينة فقالوا : كيف استطعت و أنت في الثمانين ؟
قال :هذه أعضاء حفظناها في الصغر ، فحفظها الله علينا في الكبر ..

شباب الصحابة كيف كانوا :

لو نظرنا إلى الوراء إلى عهد النبوة العظيم وعهد الصحابة الكرام نجدهم شبابا يقدمون أرواحهم وأنفسهم وأموالهم في سبيل الله عز وجل
فهذا مصعب بن عمير شاب من أجمل شباب قريش ..وأغناها كان إذا مر من أزقة مكة كان الناس يعرفون أن مصعباً مر من هنا من أثر العطر الذي يضعه ……. كان يحيا حياة الترف واللهو والعبث .

ولكن جاء الإسلام لينير دربه وقلبه وعقله فأخذه بكل ما فيه وأقبل عليه بكل كيانه حتى أن أمه حبسته ومنعت عنه الطعام وقيدته ،فتحايل على القيد وهرب نجاة بدينه وإيمانه فحرمته نصيبه من المال فلم يأبه لذلك بل مضى في طريقه طالبا النجاة لنفسه ولأمته …..

فابتعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم سفيرا للإسلام والمسلمين إلى المدينة خرج في سبيل الله ليحل محل رسول الله في تبليغ الدعوة وقبل أن يصل عليه السلام كان قد أسلم على يدي مصعب جموع كبيرة من أهل المدينة …..هذا الشاب الذي لم يكن يهمه من قبل إلا مظهره وملبسه وعطره وجماله ولكن الإسلام قلب موازينه وغير أهدافه ورؤيته للحياة

وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه شابا قويا شجاعا يبيت في فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصرف نظر الكفر عنه في هجرته عليه السلام كان من الممكن أن يقتلوه ويستهينوا بأمره ولكنه لم يحفل بذلك بل واجه قريش بكل قوته وشجاعته ولم يخف على شبابه ويتأخر في نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وهذا أسامة بن زيد رضي الله عنهما جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم أميرا على جيش فيه أبي بكر وعمر رضوان الله عليهم أجمعين ليغزو الروم .
يا لله أتعرفون عمر أسامة آنذاك ؟؟

لم يتجاوز العشرين عاما وكان قائدا عاما لجيش المسلمين أنظروا كم هي عظيمة هذه المسئولية.

لقد كانوا شباباً ذو عزة ورفعة ، كانوا شباباً ذو هم وهمة وفي هذا يقول الشاعر:

شباباً ذللوا سبل المعالي وما عرفوا سوى الإسلام دينا

شباباً لم تحطمه الليالي ولم يسلم إلى الخصم العرينا

إذا شهدوا الوغى كانوا كماة يدكون المعاقل والحصونا

ولم تشهدهم الأقداح يوماً وقد ملئوا نواديهم مجونا

وما عرفوا الأغاني مائعات ولكن العلى صيغت لحونا

وإذا جن الظلام بهم فلا تراهم من الإشفاق إلا ساجدينا

كذالك أخرج الإسلام قومي شباباً مخلصاً حراً أمينا

كانوا رهبانا في الليل فرساناً في النهار وعلى أعتاقهم قام المجتمع الإسلامي العظيم

قوة الأمة بقوة شبابها :
فثروة
الأمم ليست في معادنها ولا في ذهبها وفضتها ؛وليست ثروتها فيما تملكه من أرصدة البنوك ؛ ليست هذه هي الثروة كما يتصور البعضالثروة الحقيقية هي الإنسان الإنسان هو أعظم ثروة ، والشباب هم العنصر الأهم لهذه الثروة الإنسانية ولهذا إذا أحببت أن تعرف مستقبل أمة فاسأل ما موقع شبابها ؟ما الذي يهمهم ؟وما أهدافهم في الحياة ماذا يصنعون ؟ وفيم يفكرون ؟إذن أنت أيها الشاب تحدد عمر ومكانة أمتك

مفاهيم عجيبة للشباب
بعض
الشباب ظن أن كلمة شاب معناها النوم والراحة والكسل أو سجائر ومخدرات وصحبة السوء أو لعب للكرة ومشاهدة المباريات ومتابعة الأخبار والقنوات الرياضية فصارت الكرة كأنها وثن يعبد .

ومنهم من عكف على سماع الأغاني ومتابعة الأحدث منها ومعظم الأغاني التي تسمع في هذا العصر تدور حول محور واحد هو الحب والغرام والعشق والهجر والوصال ،كأنه ليس في الدنيا شئ إلا الحب وكأنه ليس هناك حب إلا حب المرأة وحب جسدها…. وحب المرأة الأجنبية لاحب المرأة الزوجة ولا حب المرأة الأم
ومنهم من جعل الشباب مصادقة الشاب للفتاة والفتاة للشاب وحب هذه والجري وراء تلك
أو أن كلمة
شاب معناها أن يتخنث الشاب فيلبس سلسلة في رقبته وانسيالا وحليا كالنساء وتسترجل الفتاة !!!

الإسلام لا يريد أن يمشي الواحد في الطريق فلا يعرف من أمامه أهو رجل فيتحسر على الرجولة الضائعة أم فتاة فيتحسر على ضياع الحياء سبحان الله
وللأسف ثقافة المجتمع هنا في الغرب الشذوذ في المظهر للفت الأنظار …حلق الشعر بطريقة غريبة ، الخرزوالدبابيس في الأنف والشفتين والآذان ،  الوشم

( Tattoo ) الملابس الممزقة والمقلوبة أحيانا  …. البناطيل الساقطة ….

وجمال الرجل ليس في إظهاره لشعر صدره تتدلى من رقبته سلسلة إنما جمال الرجل في خشونته ،أن يبقى الرجل رجلا .
وليست
الأنوثة أن تسترجل الفتاة ، أو بإبراز مفاتنها وإثارة الغرائز ؛إنما جمال أي فتاة في حيائها ،فإذا نزع الحياء من فتاة نزع منها أغلى شئ.

عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال رواه البخاري

والعجيب أننا عندما نرى أحدهم يحيا حياته باستهتار وتسأله لماذا ؟؟!!

يجيبك أنا شباب ويقول لك أحدهم غداً يكبر ويعقل !!
متى عندما يمر شبابه وعندما يصبح كهلا وهرما لا يقدر أن يؤدي حتى الفرائض …..وما الذي يضمن لك أنه سيكبر وسيمضي في الحياة أليس من الممكن أن يكون الله عز وجل قد قدر له الموت وهو شاب أم أن ذلك الأمر قد نزعناه من قاموس حياتنا وأخذنا انطلاقة أن الموت لا يأتي إلا لكبار السن !!

 

تحديد الهدف :

ومن العجب أن تجد شابا يهيم على وجهه في الدنيا كالريشة في مهب الريح
فالشاب
الضائع أو المائع الذي ينقاد لغيره ، ألغى شخصيته فذابت مع غيره .

لابد وأن يوطن نفسه ويستقل بذاته عن غيره كما علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم (لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا ) سنن الترمذي

ومن ندامة أهل سقر في النار والعياذ بالله(وكنا نخوض مع الخائضين )

وأذكر أن أحد مشايخنا سألنا في درس له سؤالا قال :

لماذا يجري 22 لاعبا في مباراة كرة القدم وراء الكرة هذا يضربها

والآخر يركلها ؟

فذهب الناس مذاهب فمنا من قال لإحراز الهدف …لا للفوز بالمباراة …..لا لإثبات المهارة في اللعب

 

فقال كلا ؛ إن السبب أن هذه الكرة منفوخة على الفاضي ) منفوخة هواء (

وأي واحد منفوخ هواء سهل أن يُشاط (كالكرة )

الشخصية التافهة المائعة لا وزن لها .

 

فتحديد الهدف وتكوين الشخصية المتزنة القويمة أمر هام جدا لأن الذي يعرف هدفه ينطلق إليه وبسرعة كالسهم .

على قدر أهل العزم تأتي العزائم      وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها         وتصغر في عين العظيم العظائم

 

سئل نابليون : كيف استطعت أن تولد الثقة في أفراد جيشك؟ فأجاب: كنت أرد بثلاث على ثلاث، من قال: لا أقدر، قلت له: حاول، ومن قال: لا أعرف، قلت له: تعلم، ومن قال: مستحيل، قلت له: جرب.

كم وزنك بميزان الرجال:

أوزان الرجال تختلف بقدرإيمانهم وعلو همتهم وثباتهم وتأثيرهم في المجتمع حولهم وقوة الشخصية  وقد أخبر الله عن خليله إبراهيم أنه كان أمة

وقال أبو بكر عن القعقاع بن عمرو : لصوت القعقاع في الجيش خيرٌ من ألف رجل

والعرب تقول : رجل بألف وألف بنعل

وقال الشاعر في شأن بعض الناس :

قوم إذا صفعت النعال وجوههم      شكت النعال بأي ذنب تصفع

فزن نفسك كم تساوي وما هو قدرك بميزان الرجال نسأل الله أن يثقل موازيننا

أحزان قلبي لا تزول *** حتى أبشر بالقبول
وأرى كتابي باليمين *** وتُسَرَّ عيني بالرسول

وأخيرا أخي الشاب احذر صحبة السوء الصحــبة الســيئـة :
أخي الكريم عليك بالصحبة الصالحة عليك بصديق الخير ، أوما سمعت إلى قول نبيك صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل)

واترك صديق السوء  فما أفسد إنسان مثل صديق السوء وما أصلحه مثل صديق صالح

روى البخاري ومسلم عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما مثل الجليس الصالح، والجليس السوء كحامل المسك، ونافخ الكير، فحامل المسك، إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة).

فجليس السوء هو الذي يجمل لك القبيح ويحلل لك الحرام ويهون عليك أمر الكبيرة ويجعلها ذنباً يسيراً ويحبب لك المعصية حتى يقودك شيئاً فشيئاً من سيء إلى أسوأ

أيها الشاب :

قل لي من تصاحب؟ أقول لك من أنت؟ ..

إنها قاعدة عظيمة تقرها فطرة الإنسان وطبيعته، فالنفس تؤثر وتتأثر سلبًا أو إيجابًا، وكلما كثرت الخلطة وطالت .. كثر ذلك التأثر وزاد .. وكثرة التماس تفقد الإحساس .

فالمدخنون .. مثلاً .. كان أول عود أحرقوه تقليدًا ومحاكاة، إن لم يكن أُحرق لهم من جليس أو صاحب، والآن أضحت عادة وطبعًا ..

أقول لك أيها الشاب من تحب؟ من تجالس؟ من تصاحب؟

أولئك الذي تعلق قلبك بهم .. هل ترضى أن تحشر معهم يوم القيامة؟ .. أن تكون في منزلتهم وحزبهم …؟

أترك الجواب لك .. ولكني أذكرك وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّـٰلِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يٰلَيْتَنِى ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلاً يٰوَيْلَتَا لَيْتَنِى لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً لَّقَدْ أَضَلَّنِى عَنِ ٱلذّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِى وَكَانَ ٱلشَّيْطَـٰنُ لِلإِنْسَـٰنِ خَذُولاً الفرقان:27-29.

أبو طالب حُرم الإيمان وجنة الرحمن بسبب رفقة السوء والفسوق .. فتصور حال النبي صلى الله عليه وسلم وهو فوق رأسه يقول: (يا عم، قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله)، والشياطين يرددون: أترغب عن ملة عبد المطلب ..

فتمثل نفسك وقد تحشرجت روحك وأنت عند رفقائك .. هل سيذكرونك الشهادة أم ستبقى تصارع خروج الروح دون مذكر أو معين؟.

اللهم احفظ شباب المسلمين وأجرهم من الفتن واحفظهم من كل سوء

وأظلنا بظل عرشك يا أكرم الأكرمين

آمين

 


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود

 رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود   ما أجمل أن يتلمس الدعاة في عصرنا الحاضر السير على خطى الأنبياء، والتخلق بأخلاقهم، والاقتداء بهم في الدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، من خلال المنهج القرآني في عرض قصصهم، وأحوالهم مع أقوامهم؛ من خلال دراستي لأحد سور القرآن (سورة هود)

تاريخ الإضافة : 24 أبريل, 2024 عدد الزوار : 27 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع