(5) حياتك قبل موتك
وها نحن نصل إلى ختام الغنائم الخمس التي أوصانا رسول الله باغتنامها
حياتك قبل موتك
إخواني الكرام بداية نحمد الله الذي خلقنا من العدم وأنعم علينا بنعمة الوجود فأطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا وجعلنا مسلمين فالحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه .
لكن إخواني نحن لم نخلق عبثا ولن نترك سدى فالله خلقنا لغاية لا ينبغي لعاقل أن يجهلها ألا وهي عبادته جل وعلا ، وجعلنا في هذه الدنيا ابتلاء واختبارا كما في قوله تعالى (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) الملك 2
وجعل الله هذه الدنيا دار ممر وليست دار مقر فنحن لسنا مؤبدين في هذه الدنيا قال تعالى ( وماجعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون )الأنبيياء 34
وقد بين لنا الله حقيقة الدنيا التي جعلها محل اختبار لنا فقال سبحانه:
( اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ ) الحديد: 20
وقال تعالى ( إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴿7﴾ وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا ﴿8﴾ ) الكهف
أي أنَّ ما على الأرض جعله الله زينة للأرض وذلك لاختبار الناس.
هل يتعلقون بهذه الزينة أم يتعلقون بالخالق؟
الناس ينقسمون إلى قسمين، منهم من يتعلق بالزينة ومنهم من يتعلق بالخالق،
و قوله تعالى: (أَحْسَنُ عَمَلاً ) ولم يقل: “أكثر عملاً”؛ لأن العبرة بالأحسن لا بالأكثر .
(وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً) (الكهف:8)
قوله تعالى: ( صَعِيداً ) هذه الأرض بزينتها، سوف يجعلها الله تعالى ( صَعِيداً جُرُزاً ) أي خالياً، إذا قامت القيامة لا جبال، لا أشجار، الأرض كأنها حجر واحد أملس، ما فيها نبات ولا بناء ولا أشجار ولا غير ذلك، سيحولها الله تعالى ( جُرُزاً ) خالية من زينتها التي كانت عليها.
وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( أتاني جبريل، فقال: يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب ما شئت، فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس ) صححه الألباني
نعم عش ما شئت، فإنك ميت: فمهما طال العمر أو قصر، فما هي إلا سنوات تمضي وبعدها الموت !!
رأى عمر جنازة فسأل من الميت قالوا فلان فقال واعظا نفسه : اليوم مات فلان وفلان و غدا يقول الناس مات عمر !!!
يقول أبو العتاهية
نح على نفسك يا مسكين إن كنت تنوح لتموتن وإن عمرت ما عمر نوح
ونوح عمر طويلاً أطول الأنبياء عمراً ولعله أطول البشر عمراً، بعثه الله على رأس الأربعين وعاش في قومه يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاماً ثم أخذهم الطوفان وهم ظالمون ثم عاش بعد الطوفان ما شاء الله لا نعلم المهم أنه عاش أكثر من ألف عام وجاءه ملك الموت ليقبض روحه فسأله: يا أطول رسل الله عمرا كيف وجدت الدنيا قال: وجدتها كدار لها بابان دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر!!!
عش ما شئت فإنك ميت ما دام النهاية هي الموت فيستوي إن طال عمرك أم قصر، يقول الشاعر
وإذا كان آخر العمر موتاً فسواء قصيره والطويل
المهم ماذا فعلت في هذا العمر؟
هل استفدت منه؟
هل عمرته بالخير؟
هل ملأته بالتقوى؟
أم هو عامر بالمعاصي والغفلات وضياع الواجبات وانتهاك المحرمات،
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصى بعدم الركون والطمأنينة إلى هذه
الدار الفانية ، كما في وصيته لابن عمر رضي اللـه عنهما: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل) البخاري
وكان ابن عمر يقول: ” إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك”.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ما الذي يجعل الإنسان ينسى آخرته
إلى هذا الحد ؟
والجواب : إن أكبر آفتين يصاب بهما المسلم هما حب الدنيا والغفلة
الغفلة وحب الدنيا مرضان من أخطر الأمراض على النفس المسلمة
أولا حب الدنيا :
قال تعالى (بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى ) الأعلى17،16
فالكثير منا إلا من رحم الله يؤثر الدنيا على الآخرة والأولى أن نؤثر الآخرة على الأولى، نؤثر ما يبقى على ما يفنى .
يقول أحد الزهاد: لو كانت الدنيا ذهباً يفنى والآخرة خزفاً يبقى لآثر العاقل خزفاً يبقى على ذهب يفنى فكيف والدنيا أقل من خزف والآخرة أكثر من ذهب
حب الدنيا هو الذي أهلك الناس هو الذي جرهم إلى الهاوية، هو الذي جعلهم يقاتل بعضهم بعضاً يعادي الابن أباه ويعادي الأخ أخاه، ويعادي الأرحام بعضهم بعضاً في سبيل عرض يسير من الدنيا، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي الرجل مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض يسير من الدنيا، هذه الدنيا هي التي أبعدت الناس عن الله.
الفرق بين إرادة الدنيا وتملك الدنيا
لقد كان في الأنبياء ملوك، يوسف وداود وسيلمان ولكن الدنيا لم تفتنهم عن آخرتهم، وكان في الصحابة أغنياء يملكون الآلاف المؤلفة، ولكن إذا طلب منهم شيء قدموه لله رخيصاً !!!
وقد جعل الله الناس صنفين :
منهم من يريد الدنيا و منهم من يريد الآخرة فقال تعالى :
(من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد) الإسراء 18
من كان يريد العاجلة، الدنيا وشهواتها وملذاتها وما فيها من مال وبنين وقناطير مقنطرة ونساء وكذا وكذا، سيأخذ نصيبه الذي أراده الله له، ولكن كيف تكون العاقبة ؟
(ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحورا )الإسراء 18
وفي مقابله : ( ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا ) الإسراء 19
أراد الآخرة أي جعلها مبلغ همه وجعلها نصب عينيه، أما الذي جعل الدنيا أكبر همه ومبلغ علمه كالذين قال الله فيهم :
(فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم) النجم 29
لم يرد إلا الحياة الدنيا، إذا عرض له أمران أحدهما للدنيا وأحدهما للآخرة آثر أمر الدنيا على أمر الآخرة.
سأل الخليفة سليمان بن عبد الملك التابعي الجليل أبو حازم سلمة بن دينار
يا أبا حازم، ما لنا نكره الموت ؟!
قال أبو حازم: لأنكم عمرتم دنياكم وخربتم أخراكم فأنتم تكرهون أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب !!
وقال بعض الصالحين: زهدت في الدنيا لقلة غنائها وكثرة عنائها وسرعة فنائها وخسة شركائها
النفس تبكي على الدنيا
جاء رجل إلى علي بن أبي طالب وقال: يا إمام لقد اشتريت دار وأرجو إن تكتب لي عقد شراءها بيدك….
فنظر الإمام إليه فوجد الدنيا قد تربعت على عرش قلبه وملكت عليه أقطار نفسه فكتب قائلا :
بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد:
فقد أشترى ميت من ميت دارا تقع في بلد المذنبين وسكة الغافلين لها أربعة حدود الحد الأول ينتهي إلى الموت والثاني ينتهي إلى القبر والثالث ينتهي إلى الحساب والرابع ينتهي إما إلى الجنة وإما إلى النار
فلما نظر الرجل في عقد الشراء قال ما هذا يا أمير المؤمنين جئتك تكتب لي عقد شراء دار فكتبت لي عقد شراء مقبرة !!!
فقال علي بن أبي طالب :
النفس تبكي على الدنيا وقد علمت أن الســلامة فيها ترك ما فيها
لا دار للمرء بعد الموت يسـكنها إلا التي كان قبل المـوت يبنيها
فإن بــناها بخـير طاب مسكنه وإن بنــاها بشـر خاب بانيها
أموالـــنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخـراب الدهـر نبنيها
كم من مدائن في الآفاق قد بُنيت أمست خرابا وأفنى الموت أهليها
أين الملوك التي كانت مسلطنةً حتى سقاها بكأس الموت ساقيها
لا تركِنَنَّ إلى الدنيا وما فيها فالموت لا شك يُفنينا ويُفنيها
واعمل لدار ٍغداً رضوانُ خازنها والجار أحمد والرحمن ناشيها
قصورها ذهب والمسك طينتها والزعفران حشيشٌ نابتٌ فيها
أنهارها لبنٌ محضٌ ومن عسل والخمر يجري رحيقاً في مجاريها
والطير تجري على الأغصان عاكفةً تسبحُ الله جهراً في مغانيها
فمن يشتري الدار في الفردوس يعمرها بركعةٍ في ظلام الليل يحييها
فبكى الرجل وقال: يا أمير المؤمنين أُشهد الله أني قد تصدقت بداري على الفقراء والمساكين
ثانيا / مرض الغفلة :
وشر ما يصاب به الإنسان هو الغفلة، أن يعيش غافلاً عن مهمته في هذه الحياة، يعيش غافلاً عما هو مكلف به، غافلاً عن ربه، غافلاً عن ذكره، غافلاً عن آخرته، قال تعالى : ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٦) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (٧) الروم
كثير من الناس يعيشون في الدنيا وكأنهم مخلدون، لا يدركون أنهم سينتقلون إلى دار آخرة، سيحاسبون على كل كلمة قالوها جهراً كانت أم سرا، على كل عمل عملوه خيراً كان أم شرا، على كل خطوة مشوها….
كثير من الناس في غفلة لاهون وفي غمرة ساهون، يجلس بعضهم إلى بعض كل حديثهم عن الدنيا عن المال عن النساء عن الشهوات عن البورصة عن الأسهم عن الربح عن الخسارة وهم عن الآخرة هم غافلون.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الصنف فقال :
( إن الله يبغض كل جعظري جواظ سخاب في الأسواق جيفة بالليل حمار بالنهار عالم بالدنيا جاهل بالآخرة )صححه الألباني
الجعظري وهو الجموعُ المنوِعُ أي الذي يحرصُ على جمعِ المالِ بنيَّةٍ فاسدةٍ وهي أن يكون جمْعُهُ للمالِ حباً بالمالِ من حيثُ ذاتُهُ ليتوصلَ لإشباعِ شهواتهِ المحرَّمةِ وليفخَرَ و يتكبرَ على عبادِ اللهِ
وأمّا الجوَّاظُ فهو الرجلُ المستكبرُ فإذا جمع مع صفةِ الجعظريِّ أن يكون جواظاً فقد ارتفعَ في الشرِّ والفسادِ.
ثم إن زاد على ذلكَ أنَ يكون (سخَّاباً بالأسواقِ ) أي أنه من شدةِ حرصِهِ على المالِ يُكثرُ الكلامَ في سبيلِ جمعِ المالِ .
( جيفةً بالليلِ حماراً بالنهارِ )أي يستغرقُ ليله بالنومِ ولا يهتمُ بأن يكسبَ في ليلهِ من الصَّلواتِ وحمارٍ بالنهارِ أي أن همُّه التفننَ بالأكلِ والإكثارِ من الملذاتِ وينشغلُ بذلكَ عنِ القيامِ بما افترضَهُ اللهُ عليه ثم إذا انضافَ إلى ذلك الوصفِ الأخيرِ وهو أن يكون (عارفاً بأمرِ الدنيا جاهلا بأمرِ الآخرةِ) فقد تزايد شره، فمن هنا يعلم أن من آتاه اللهُ المال وكان عارفاً بطرق جمع المال وهو جاهل بأمورِ الدّينِ أي بما افترض الله عليه معرفَتْه من علمِ الدينِ فهو من شر خلقِ الله.
قصة وعبرة
وقف سليمان بن عبد الملك الخليفة الأموي الشاب أمام المرآة فراقه حسن صورته وأعجبه نظرة شبابه فقال في زهو وغرور أنا الملك الشاب، وكان بجواره إحدى جواريه فنظر إليها وقال لها ماذا تقولين؟ فقالت له يا أمير المؤمنين أقول ما قال الشاعر :
أنت نعم المتاع لو كنت تبقى غير ألا بقاء للإنســـان
ليس فيما علمته فيك عيـب كان في الناس غير أنك فان
ولم يلبث سليمان إلا أياماً حتى توفي، جاءه الموت
الموت يأخذ الشاب والشيخ ويأكل الأخضر واليابس، هون الموت من قيمة هذه الدنيا،
قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون) المنافقون 9
من ألهاه ماله وولده عن ذكر الله وحق الله ولقاء الله وحساب الله فأولئك هم الخاسرون
(وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين)المنافقون10
أنفق وأعمل صالحاً قبل أن تأتي ساعة الموت، ساعة الاحتضار، هنالك تتصاغر حياتك ويتضاءل عمرك كله وتتمنى لو أمهلت يوماً أو بعض يوم، أو ساعة أو لحظة لو أمهل حتى أن تصلي ركعتين لو أمهلت حتى تتصدق بما تستطيع من مال لو أمهلت حتى تقول :سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر
لو أمهلت قليلاً، ولكن هيهات، يقول الله تعالى
(ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون) المنافقون11
، لن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون وكلمة ساعة هنا ليست هي الساعة الفلكية ستون دقيقة ، الساعة بالمعنى اللغوي اللحظة لا يستأخرون ساعة أي لا يستأخرون لحظة ولا يستقدمون، هو الأجل (إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون) نوح 4
قصة عجيبة
حكى بعضهم هذه القصة فقال :
تكلمت مع أحد المعارف ناصحا إياه بالصلاة
وبعد أن جادلته وجادلني قال لي: انس لن أصلي.
قلت: اتق الله!
قال أبداً.
قد تموت الآن أو قد تموت غداً قبل أن تخرج من بيتك
قال: أنا الآن في الأربعين ووالدي بلغ التسعين من عمره وجدي بلغ مائة،نحن عائلة معمرة إن شاء الله إذا وصلت الستين سوف أصلي
فتركته…….
وفي يوم التالي اتصل بي أحد الإخوة وقال: إنّ فلاناً ( الذي كنت عنده أمس) قد توفي وسوف نصلي عليه غداً، أراد عشرين سنة فلم يمهله المولى عشرين ساعة.
يا نفس قد أزف الرحيل وأظلك الخطب الجليل
فتأهبى يا نفس لا يلعب بك الأمل الطويل
فلتنزلن بمنزل ينسى الخليل به الخليل
وليركبن عليك فيه من الثرى ثقل ثقيل
قرن الفناء بنا جميعاً فلا يبقى العزيز ولا الذليل
ولقي الفضيل بن عياض رجلاً فقال له الفضيل كم عمرك:
قال الرجل: ستون سنة.
قال الفضيل: إذن أنت منذ ستين سنة تسير إلى الله، يوشك أن تصل .
فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون.
فقال الفضيل: يا أخي هل عرفت معناها؟
قال الرجل: نعم عرفت أنى لله عبد وأنى إليه راجع.
فقال الفضيل: يا أخي إن من عرف أنه لله عبد، وأنه إليه راجع عرف أنه موقوف بين يديه، ومن عرف أنه موقوف عرف أنه مسئول، ومن عرف أنه مسئول، فليعد للسؤال جواباً.
فبكى الرجل فقال يا فضيل: وما الحيلة؟
قال الفضل: يسيرة.
قال الرجل: وما هي يرحمك الله؟
قال الفضيل: أن تتقى الله فيما بقى، يغفر الله لك ما قد مضى وما قد بقى.
أيا عبد كم يراك الله عاصيا حريصا على الدنيا وللموت ناسيا
أنسيت لقاء الله واللحد والثرى ويوما عبوسا تشيب منه النواصيا
لو أن المرء لم يلبس ثيابا من التقى تجرد عُريانا ولو كان كاسيا
ولو أن الدنيا تدوم لأهلها لكان رسول الله حيا وباقيا
ولكنها تفنى ويفنى نعيمها وتبقى الذنوب والمعاصي كما هي
حينما جاء مرض الموت إلى هارون الرشيد وفحص الأطباء بوله، أعطاهم بوله ليفحصوه ضمن جملة أبوال حتى لا يعرفوا بول من هو، فلما فحص الأطباء قالوا: صاحب هذا البول في أيامه الأخيرة، فأنشد يقول:
إن الطبيب له علـم يدل بـه ما دام في أجل الإنسان تأخير
حتى إذا ما انتهت أيام مهلته حار الطبيب وخانته العقاقيـر
ثم طلب أن يحمل إلى قبره الذي سيدفن فيه فلما حُمل ونظرفي قبره رفع بصره إلى السماء وقال (ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه) يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه، يا من لا يزول ملكه ارحم من زال ملكه!!!
الدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر
في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر) صححه الألباني
فالدنيا سجن للمؤمن بالنسبة لما أعدّ له في الآخرة من النعيم المقيم.
وهي جنة الكافربالنسبة لما أمامه من عذاب الجحيم نسأل اللّه السلامة يوم القيامة
وقيل المؤمن صرف نفسه عن لذاتها فكأنه في السجن لمنع الملاذ عنه والكافر سرحها في الشهوات فهي له كالجنة
ويذكر أن الحافظ ابن حجر لما كان قاضي القضاة(كوزير العدل الآن )
مر يوماً بالسوق في هيئة جميلة فهجم عليه رجل من أهل الذمة يبيع الزيت وأثوابه ملطخة بالزيت ، فقبض على لجام بغلته وقال : يا شيخ الإسلام تزعم أن نبيكم قال الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر فأي سجن أنت فيه وأي جنة أنا فيها فقال:أنا بالنسبة لما أعد اللّه لي في الآخرة من النعيم كأني الآن في السجن وأنت بالنسبة لما أعدّ لك في الآخرة من العذاب الأليم كأنك في جنة .
خالد
بارك الله فضيلة الشيخ دائما تمتعنا بخطبك الرائعة
abojannah
الله يعزك ويرفع قدرك أخي خالد