شرح الأربعين النووية 10- إِنَّ اللهَ تَعَالَى طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبَاً

تاريخ الإضافة 23 فبراير, 2023 الزيارات : 594

شرح الأربعين النووية

10- إِنَّ اللهَ تَعَالَى طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبَاً

عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ : (إِنَّ اللهَ تَعَالَى طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبَاً وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ المُؤْمِنِيْنَ بِمَا أَمَرَ بِهِ المُرْسَلِيْنَ فَقَالَ : (يَاأيها الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً) (المؤمنون: الآية51) ، وَقَالَ: (يَا أيها الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) (البقرة: الآية172) ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيْلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السماء يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ،وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لذلك) رواه مسلم.

شرح الحديث:

هذا الحديث الطيب المبارك وكما قلت مرارا وأكرر إن كل حديث من الأربعين النووية يؤسس لمعنى هام وعظيم من الأمور الشرعية في ديننا والتي لا ينبغي أن يجهلها مسلم.

(إن الله تعالى طيب) كلمة طيب هنا اسم من أسماء الله جل وعلا، وسنفصل ذلك بعد أن نبين معانيها في اللغة.

كلمة الطيب لها عدة إطلاقات في اللغة:

1-الشيء الطيب هو الحلال:

وعكسه الخبيث الحرام، والله- سبحانه وتعالى- قال (قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث) والله- سبحانه وتعالى- قال: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) يعني ما أحله لكم من النساء، إذن فهذا المعنى الأول الطيب بمعنى الحلال.

2-ويطلق أيضا ويراد به الجيد من الحلال:

 يعني هو حلال ويأخذ وصف أنه طيب، كما قال جل وعلا: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق)

 وكما قال في الآية الأخرى: (كلوا مما في الأرض حلالا طيبا)

 والإمام الغزالي رحمة الله عليه قال: اعلم أن الحرام كله خبيث لكن بعضه أخبث من بعض، والحلال كله طيب لكن بعضه أطيب من بعض.

3- المعنى الثالث لكلمة الطيب الطاهر:

 ومنه قول الله- عز وجل- (فتيمموا صعيدا طيبا) يعني طاهرا، لما تتيمم التمس شيئا من جنس الأرض طيبا يعني طاهرا.

4-والشيء الطيب هو الشيء الحسن:

 فيقال طعام طيب وعمل طيب وعبادة طيبة وكلمة طيبة كل هذا في معنى الحسن، ومنه قول الحق جل وعلا: ( ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة)، والآية الأخرى: ( إليه يصعد الكلم الطيب)

5- الطيب بمعنى المؤمن:

ومنه قول الحق جل وعلا ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب، فالطيب هنا المقصود به المؤمن الصادق الذي يبتلى ويمتحنه الله تعالى في إيمانه فيثبت على هذا الابتلاء.

6- الشيء النافع أو الصالح أو ما لا أذى فيه:

 ومنه قول الحق جل وعلا (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه) يعني البلد النافع أو الأرض الصالحة، ومنه الأرض الطيبة يعني الصالحة للنبات والريح الطيبة التي لا أذى فيها، والليلة الطيبة التي لا برد فيها، والمرأة الطيبة اللي هي العفيفة، ومنه قول الله- عز وجل- (والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات)

 إذن في لغة القرآن الكريم كلمة الطيب تأتي بمعنى الحلال الجيد من الحلال والطاهر والحسن والمؤمن الصادق والشيء النافع والصالح ست معانٍ.

ما معنى اسم الله الطيب؟

 اسم الله الطيب لم يرد في القرآن الكريم وإنما ورد في السنة كما في هذا الحديث الذي معنا.

ومعناه: المنزه عن النقائص الله طيب يعني منزه عن النقص، فالله جل وعلا ليس فيه نقص وليس فيه عيب وليس فيه آفة، يعني أي نقص أو أي عيب ينقص من كماله وقدره وجلاله جل وعلا الله منزه عنه، فهو طيب منزه عن النقائص، فالله تعالى طيب رزقه وافر وعطاؤه واسع، والله- سبحانه وتعالى- طيب لا يظلم مثقال ذرة، طيب يعد عباده بكل جميل وبكل حسن، والله تعالى طيب أعد دار الكرامة من فضله الجنة، وجعلها للطيبين من عباده.

( لا يقبل إلا طيبا) القبول هنا المقصود به الثواب، فالقبول يراد به لازمه كما نقول في سمع الله لمن حمده الله يسمع من يحمده ويسمع من لم يحمده يعني من يتكلم بكلام آخر، يسمع من يؤمن به ويسمع من يكفر به، لكن المقصود بـ (سمع الله لمن حمده ) لازمه وهو  أن من يحمد الله تعالى في هذا الموطن عند الرفع من ركوع الصلاة فإن الله يثيبه على ذلك، كما تقول: ربنا يسمع منك ، فمعناه: يراد به لازمه يعني  لازم السمع الإيجاب .

 فمعنى (لا يقبل إلا طيبا) المراد به لازمه وهو الثواب، فقبول العمل كناية عن الأجر والثواب، والرضا بالعمل.

 ومن هذا الباب أيضا لا يقبل إلا طيبا، قالوا: بمدح فاعله يثني عليه بين الملائكة، ونفي القبول للعمل معناه أن العمل فيه نقص أو فيه خبث والعياذ بالله، ولذلك قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: (ما تصدق أحد بصدقة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب، إلا أخذها الرحمن بيمينه) من كسب طيب يعني من حلال، ولا يقبل الله إلا الطيب، الله لا يقبل الصدقة من مال حرام، إلا أخذها الرحمن بيمينه، نسأل الله أن يتقبل منا.

( لا يقبل إلا طيبا) طيبا هنا نكرة، ماذا تفيد؟ قال العلماء: المقصود لا يقبل إلا الكسب الطيب، فلا يقبل الكسب الحرام، وهذا في الصدقة والعطاء طبعا، أو أن الله تعالى طيب لا يقبل من الأعمال إلا العمل الخالي من الرياء والنفاق، فالعمل الطيب يعني الذي قصد به وجه الله تعالى.

وإن كنت أرجح في هذا السياق أن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا، المقصود به الكسب الحلال الطيب.

 النبي ذكر بعد ذلك أن الله أمر المرسلين بما أمر به المؤمنين وذكر الرجل الذي مأكله من حرام ومشربه من حرام فيراد به هنا في حال الإنفاق وفي حال العطاء لا يقبل الله تعالى من الصدقة إلا ما كان طيبا.

إذن من العلماء من يجعل لا يقبل إلا طيبا في الأعمال وفي الأموال وفي النفقات وفي كل شيء، ومنهم من يخصصها بأن المقصود به الكسب الطيب الذي يكون منه الإنفاق الطيب الذي يقبله الله- عز وجل-.

( إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا) وهذا يسميه العلماء تمهيد لما سيأتي بعد، فالرسول- صلى الله عليه وسلم- للتنبيه على خطورة أكل الحرام قدم بمقدمتين:

 1-إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا، لا يقبل من عبده أن يأكل حراما أو أن يسأله وهو يأكل حراما.

2-أنه من أهمية هذا الأمر وعلو شأنه عند الله- سبحانه وتعالى-. أمر به المرسلين في خطاب خاص وأمر به المؤمنين في خطاب عام، وليس المقصود أن الله جمع الأنبياء والمرسلين جميعا فكلمهم مرة واحدة إنما المقصود أن هذا أمر أكد الله عليه على ألسنة الرسل في كل الشرائع.

نرجع للحديث: (إِنَّ اللهَ تَعَالَى طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبَاً وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ المُؤْمِنِيْنَ بِمَا أَمَرَ بِهِ المُرْسَلِيْنَ فَقَالَ: (يَا ا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً) (المؤمنون: الآية51) ، وَقَالَ: (يَا ا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) (البقرة: الآية172)

والمعنى: إذا أكلتم أو شربتم أو لبستم فليكن كسبكم من حلال، ومعنى (كلوا من الطيبات) يعني من كل ما أباحه الله لكم، ولذلك لا يجوز للمسلم يحرم ما طيبه الله له وأحله.

فلا يأتي من يقول: أنا حرمت على نفسي أكل اللحم، أنا حرمت على نفسي أكل الفاكهة، بعض الإخوة طالع نباتي، أنت حر، كل ما تشتهيه نفسك، لكن لا تحرم ما أحل الله لك، في بعض الأطعمة أنا نفسي تعافها، فلما نفسي تعافها لأني لم أجدها في بيئة قومي أو طبيعة نفسي لا تتقبلها خلاص، هذا أمر مفروغ منه، لكن لا احرمه.

 والرسول لما وضع على مائدته في المدينة الضب، لم يأكله، فلما قالوا يا رسول الله إحرام هو؟ قال: لا ، ولكني لم أجده في بيئة قومي فنفسي تعافه.

وفي حديث أبي هريرة في البخاري: (ما عاب رسول الله طعاما قط، إن اشتهاه أكله وإن كرهه تركه)

فلا ينبغي أبدا أن يأتي شخص ويقول أنا حرمت على نفسي كذا، كلا، لا تحرم ما أحل الله لك، كل ما شئت، هذا فيه إباحة، لكن لا تحرم، فنفرق بين من نفسه تتقبل طعم طعام معين أو شراب معين مما أباحه الله، وإن شخص يحرمه على نفسه، فالتحريم هذا أمر لا ينبغي أبدا، وعندنا طبعا الآيات في سورة التحريم، والقصة مشهورة لما الرسول- صلى الله عليه وسلم- حرم على نفسه أن أن يأكل من العسل الذي يأتي من شجر اسمه العرفط، لأنه كان له له رائحة مميزة غير مرغوب فيها ، والنبي لا يحب أن يكون له رائحة تؤذي، وجبريل كان يتنزل عليه بالوحي، فحرمه على نفسه، القصة مشهورة حتى لا ندخل في حوار جانبي.

فالله تعالى قال: ( يا أيها النبي لما تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك، والله غفور رحيم ) ثم أمره الله تعالى أن يكفر عن يمينه قائلا : (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم هو العليم الحكيم)

( ثم ذكر النبي- صلى الله عليه وسلم- الرجل أشعث أغبر) هنا العلماء أخذوا من هذا البيان النبوي آداب الدعاء:

(الرجل أشعث أغبر يطيل السفر يمد يديه إلى السماء يقول يا رب يا رب)

(الرجل) ذكر الرجل كلمة هنا خرجت مخرج الغالب، وإلا فمن الممكن أن يكون الداعي امرأة، وفي أي لغة من اللغات الحية الآن إذا ذكرت النساء في الأمر فأنت لا تريد إلا النساء، فإذا ذكرت الأمر بضمير الذكور فأنت تريد الرجال والنساء، لكن يذكر الأمر بالرجال على سبيل التغليب، يعني أنا لو لو خصصت الكلام للنساء فهو للنساء فقط، أما إذا خصصته للرجال فهذا على سبيل التغليب، فالنبي لما يقول ورجلان تحابا في الله، هل معنى ذلك أن لو في أخت تحب أخت لها في الله، فكلمة الرجل هنا بمعنى الإنسان رجلا كان أو امراة،والرجل هنا مسافر (يطيل السفر) وذكر السفر لأنه من أسباب إجابة الدعاء، لأنه اجتمع عليه وحشة السفر والغربة والمشقة، ولذلك في الحديث أن النبي قال : ( ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم ودعوة المسافر ودعوة الوالد على ولده)

(أشعث أغبر)هيئة الرجل هنا أشعث أغبر، وكانوا في القديم يطيلون الشعور، رجالا أو نساء، بالنسبة لزماننا بعض الناس يستنكر ويقول لك : الرجل مطول شعره عامل كما المرأة، هذا بالنسبة لزمانك، لكن الأصل على سبيل الإباحة أن الرجل لا يحلق، وكان النبي- صلى الله عليه وسلم- لا يحلق إلا في النسك، يعني المسلم زمن النبي- صلى الله عليه وسلم-، يحلق في النسك في الحج أو العمرة، أو -ربنا يعافيكم- لو في مرض في الرأس ولا حاجة فيضطر أن يحلق كما حصل في الحج لما بعض الصحابة أصيب بشيء في رأسه حشرات فرخص له في الحلق.

فالطبيعي أن الشعر يكون طويل، ومسدول على الكتفين، وفي وصف النبي- صلى الله عليه وسلم- وفي وصف أبي بكر كان لهم ضفائر، لأن الشعر كبير أو أن يلبدوه بـ(الدهن ) شحم الحيوان.

ومع طول السفر الرجل لا يلتفت لحاله، لأن السفر كان في الصحراء ويمشون المسافات الطويلة في الحر وفي الشمس، فمن المؤكد أن الشحم أو الدهن يهيش، وهذا معنى كلمة  أشعث، فالأشعث هو الذي تفرق شعره وصار منتشرا.

(أغبر)غبرة السفر لمن يمشي في الصحراء معروفة، لأن فيها غبرة التراب والرمال فيظهر أثر ذلك على وجهه وملابسه .

ولذلك في حديث جبريل لما سيدنا عمر وصفه قال : ( رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرف أحد منا)

فهذا الرجل ( أشعث أغبر ) إشارة إلى أنه رث الهيئة يعني يبدوعلى هيئته أنه منكسر.

(يمد يديه إلى السماء، يقول يا رب يا رب) عندنا السبب الأول من أسباب الإجابة أنه مسافر، السبب الثاني: أنه أشعث أغبر، يعني هيئته رثة ومنكسر، الأمر الثالث: أنه يمد يديه إلى السماء.

وقد ورد عن النبي- صلى الله عليه وسلم- عدة صور في رفع اليدين حال الدعاء:

1- الصورة الأشهر أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان إذا دعا جعل بطون الأكف مما يلي وجهه وظهورهما مما يلي القبلة، يا رب أسألك كذا وأسألك كذ.

2- وهذه كان النبي يفعلها في صلاة الاستسقاء، وهي عكس الأولى : أن يستقبل بوجهه ظهور الأكف ويدعو يا رب يا رب وهذا كناية كما قال العلماء عن تغير الحال أن السماء أمسكت المطر والناس في أشد الحاجة فهنا  كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يفعل هكذا من باب تغير الحال.

3- الهيئة الثالثة أن يرفع بطون الأكف إلى السماء هكذا يا الله يا الله وكان إذا أبلغ بان بياض إبطيه لأنه كان ممكن يلبس رداء  فالنبي كان يدعو ويقول يا رب يا رب ، ونقرأ عن الصحابة : (فرفع النبي يديه حتى بان بياض إبطيه- صلى الله عليه وسلم-) ومعنى ذلك أن النبي لم يكن عنده شعره تحت الإبط ، فكان عنده بياض مميز تحت إبطيه- صلى الله عليه وسلم- أو كان عنده شعر قليل .

4- وهذه هيئة خاصة بالإمام يوم الجمعة على المنبر، النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يشير بالسبابة، قال العلماء إشارة إلى علو الله جل جلاله يعني إذا دعا : اللهم اغفر لنا اللهم ارحمنا ، يكره للإمام أنه يرفع يديه كما يرفعها بقية المؤمنين .

بالمناسبة في البعض يقول : المفروض ألا ترفع الأيدي في الدعاء يوم الجمعة ، ولنا عموم قول النبي- صلى الله عليه وسلم-: ( إن الله تعالى حيي كريم، يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه فيردهما، صفرا خائبتين) صفرا يعني خالية، يعني ارفع يدك وادع ولا شك في أن الله يجيبك.

هل يجوز أني أدعو بدون رفع يدي؟

أي نعم يجوز، وفي بعض الأئمة الله يرضى عليهم في رمضان أو في القنوت أو في التهجد يطيل الدعاء، وبعض الناس أيديهم تؤلمهم فعلا، وهذا طبعا ليس من السنة في شيء، لكن يجوز الإطالة في بعض الأوقات ، كما الليالي الوترية في نهاية رمضان ، الناس يطيب لها الدعاء في هذه الليالي وفي أوقات إجابة الدعاء، لكن لا يكن عادةالإمام الإطالة في الدعاء مع السجع والقافية والألحان والطرب ، ومع التجويد والإخفاء والغنة ، وهذا ليس من الدعاء في شيء.

فالله تعالى  طيب لا يقبل إلا طيبا ويحب من عباده الافتقار، ويحب من عباده الانكسار جل جلاله- سبحانه وتعالى-، إذن يرفع يديه إلى السماء لأن هذه السماء قبلة الداعي، قال تعالى : (قد نرى تقلب وجهك في السماء) وهي مصعد الأعمال إلى الله- سبحانه وتعالى-، والله متصف بالعلو والكبرياء، فأنا حينما أدعو يتعلق قلبي بالله العلي الأعلى جل جلاله، اللهم اغفر لي اللهم ارحمني اللهم …. فأدعو وأدعو وأتوسل إلى الله- سبحانه وتعالى-.

فهذا الرجل عنده أربع أسباب للإجابة، سفره طويل أشعث أغبر، يمد يديه.

الصفة الرابعة: (يارب يارب) يلح على الله، فمعنى أن تقول يا رب: الرب هو المالك السيد المتصرف، فأنت تقول يا رب يا من خلقتني ورزقتني، أنت الذي تنعم وأنت الذي تعطي وأنت الذي ترزق وأنت وأنت هذا معنى كلمة يا رب.

لكن هذا الرجل مع وجود أربع أسباب لإجابة الدعاء النبي ذكر أمرا يمنع من الإجابة، قال:

(وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ،وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لذلك) مطعمه أي ما يأكله من حرام، وما يشربه من حرام، وما يلبسه من حرام.

(وغذي بالحرام) هل يوجد فارق بين المطعم والغذاء؟

 المطعم هو ما يأكله الإنسان بنفسه، أنا الذي أطعم نفسي، إنما غذي إشارة إلى صغره، يعني هو تربي عليه … نشأ ونما على الحرام، وغذي فعل مبني للمجهول من الغذاء، أي نشأ والعياذ بالله من صغره على الحرام، فاللحم والدم اللي يجري في العروق نبت من حرام والعياذ بالله .

 فهذا الرجل مطعمه حرام وملبسه حرام ومشربه حرام، والطعام الذي غذي به في صغره ونشأ ونما عليه حرام، نعوذ بالله!!!

(فأنّي يستجاب له) أنّى بمعنى كيف لكن فيها معنى الاستبعاد، كما في قول زكريا: (يا مريم أنّى لك هذا)

 فإجابته مستبعدة، مستبعدة ، لماذا لأن الحرام كما قلت يجري في عروقه ودمه، وملابسه والعياذ بالله من الحرام، مشربه من الحرام منبته والعياذ بالله من الحرام، فأنّي يستجاب له؟

فكأن النبي- صلى الله عليه وسلم- أراد أن ينبه على خطورة أكل الحرام والكسب الحرام، فما أسهل هذا الكسب! وما أكثر من يتكسبون من الحرام بسهولة، هو كثير وسهل، لكن الحرام لا بركة فيه، الحرام وأكل الحرام فيه مقت الله، الحرام سبب لذهاب البركة وقسوة القلب، الحرام سبب لعقوق الأبناء ، وفساد الزوجة ، وقطع صلتك بالله- سبحانه وتعالى-.

ولذلك كان العلماء يقولون: من أكل الحلال أطاع الله شاء أم أبى.

لذلك لو أحببت أن تأمّن على أولادك أطعمهم من حلال، لا يهم ما يأكلون،  ولا كم أكلوا ، المهم لما يأكلوا لقمة تكون من عرق جبينك من حلال، نسأل الله أن يرزقنا الحلال الطيب، وأن يبارك لنا فيه، وأن يحرم علينا الحرام وأن يباعد بيننا وبينه كما باعد بين المشرق والمغرب.

بعض الناس يظن أنه إذا أخذ مال فيه شبهة أوحرمة فقد أخذ رزقه ويقول هذا رزقي ورزق عيالي، يا أخي أنت أخذت ما لا يحل لك فهو مال لا بركة فيه ، كان فيه مثل مصري يقولون : إن الحرام لما دخل على الحلال الحلال بكى، لأن الحرام دخل عليه، فقال له الحرام لا تخف، إنما أتيت لأخذك معي ونذهب، يعني يقصد أن الحرام لما يدخل على الحلال كلاهما يذهب، كما قال الشاعر في هذا المعنى :

جمع الحرام إلى الحلال ليكثره             أخذ الحرام الحلال فبعثره

فالحرام أذهب البركة من الجميع، لا هو نفسه فيه بركة ولا الحلال الذي دخل عليه واختلط به فيه بركة، فمن أراد البركة فليكتسب من حلال وليطعم أولاده من حلال.

قال العلماء : وقول النبي – صلى الله عليه وسلم- (فأني يستجاب له) استبعاد وليس استحالة، قالوا والدليل على ذلك أن الله قد يستجيب لمن يدعوه في بعض الأحيان إنعاما منه وتفضلا أو لحكمة بالغة يعلمها، كما استجاب الله لإبليس حينما قال : (أنظرني، إلى يوم يبعثون، قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم)

والمشركين رغم كفرهم بالله- عز وجل- ذكر الله تعالى أنهم لما أحيط بهم في البحر وهاجت بهم الأمواج وظنوا أنهم أحيط بهم، دعوا الله مخلصين له الدين،قال تعالى : (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) [يونس: 22] ، فالله تعالى استجاب لإبليس، والله تعالى يستجيب للمشركين ليعلموا أن آلهتهم العاجزة لا حول لها ولا قوة، فهم في عرض البحر ومع ارتفاع الأمواج لم يذكروا اللات ولا العزى ، إنما ذكروا الله ودعوا الله مخلصين له وحده،- سبحانه وتعالى-، فأنجاهم الله.

 فوائد الحديث:

1- إن من أسماء الله الحسنى الطيب، ومعناه المنزه عن النقائص والعيوب.

2- إن الله تعالى لا يقبل إلا كسبا طيبا تنفق منه وتعطي منه.

3- أن الله تعالى شدد في أمر الكسب الطيب حتى جعل به خطابا خاصا لعباده المرسلين وخطابا عاما لجميع المؤمنين، تكرار هذا الأمر الإلهي بالأكل من الطيبات دلالة على أهميته.

4- أهمية الدعاء وذكر النبي- صلى الله عليه وسلم- لبعض آداب الدعاء وان من أسباب الإجابة: السفر، والهيئة الرثة ، وطبعا  لو هيئتي جميلة فلا أطالب أن اعملها رثة كلا المقصود أن هذا أمر غلب عليه بسبب سفره، فليس المقصود أن هذه حالة المسلم أن يكون أشعث أخبر كلا طبعا فالله جميل يحب الجمال، لكن ممكن بدل الهيئة الرثة بسبب السفر تكون حال الانكسار والابتكار في الدعاء، كما هو حال نبي الله زكريا، (إذ نادى ربه نداء خفيا، قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا )، فالانكسار في الدعاء والافتقار إلى الله- سبحانه وتعالى- من أسباب إجابة الدعاء، أيضا من الآداب وأسباب الاستجابة رفع اليدين، أيضا من أسباب الإجابة التوسل على الله بأسمائه الحسنى، كما قال تعالى : (ولله الأسماء الحسنى، فادعوه بها ) وكما كان النبي يدعو يقول اشف وأنت  الشافي، وعندنا الآية ( فالله خيرا حافظا وهو أرحم الراحمين)

5- أن أكل الحرام  سبب لمنع إجابة الدعاء.

6-  كيف تكون التوبة من المال الحرام؟

التوبة من من المال الحرام بالتخلص منه لأن هذا ليس مالك، وهذا التخلص له اتجاهين، إما أن الوسيلة حرام بمعنى إن شخص اكتسب كسب حرام بأن يبيع سلعة محرمة، أو يعمل عمل محرم ويتقاضى عليه أجر كحمل الخمر، فمع هذه الحالة يجب عليه أن يخرج هذا المال ويتخلص منه، بمعنى أن تنفقه في أي باب من الأبواب المباحة، لكن لا يرد أي نفع منها عليك، يعني ممكن يعطي المال  لأخيه أولأخته صلة رحم ، وممكن كهدية لصديق يقضي به دين أو يعطيه لمسجد أو لأيتام أو لمستشفى أو لمدرسة أو  لإصلاح طريق أو حفر بئر هذا كله من باب التوبة إلى الله بالتخلص من الحرام.


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 352 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم