لماذا سمي يوم عرفة بهذا الاسم ؟
اختلف في سبب تسمية عرفة وعرفات على أقوال منها :
أنه من العرف ، بمعنى : الرائحة الزكية ، وذلك لأن منى تصبح رائحتها لكثرة الذبح متغيرة ، أما عرفات فلا يصيبها ذلك أو لأنها مطيبة بالتقديس ، فهي واد مقدس معظم ، لأنه من شعائر الله .
وقيل : لأن الناس يجتمعون فيه فيتعارفون
وقيل : لأن العباد يتعرفون على ربهم بالطاعات والعبادات
وقيل : لأن الله بعث جبريل عليه السلام إلى إبراهيم ، فحج به ، حتى إذا أتى عرفة ، قال : عرفت وكان قد أتاها مرة قبل ذلك ، قال له : عرفت .
وقيل : لأن آدم وحواء تعارفا بعد الهبوط إلى الأرض . والله أعلم بالصواب .
هل يوم عرفة هو خير الأيام عند اللّه تعالى ؟
للعلماء قولان :
الأول : الشافعية قالوا : إن يومُ عرفة أفضلُ أيام العام ،فهو يومُ الحج الأكبر، وصيامُه يكفر سنتين، ومَا مِنْ يَوْمٍ يَعْتِقُ اللَّهُ فِيهِ الرِّقابَ أَكثَرَ مِنهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ ، ولأنه سبحانه وتعالى يَدْنُو فِيهِ مِنْ عِبَادِه ، ثُمَّ يُبَاهِي مَلاَئِكَتَه بِأَهْلِ الموقف.
الثاني جمهور الفقهاء قالوا : يومُ النحر أفضلُ أيام العام ، وهو يومُ الحج الأكبر كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: “أَفْضَلُ الأيَّامِ عِنْدَ اللَهِ يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ القَرِّ” وهو يوم الحادي عشر.
وفي “سنن أبي داود” أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: “يوم الْحَجِّ الأكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ
وعلى هذا فإن يومُ عرفة يكون كمقدِّمة ليوم النَّحر ففيه يكونُ الوقوفُ ، والتضرعُ ، والتوبة ، والابتهالُ ، ثم يومَ النَّحر وتكون الوفادةُ والزيارة ، ولهذا سمي طوافُه طوافَ الزيارة ، لأنهم قد طهروا من ذنوبهم يوم عرفة ، ثم أذن لهم ربُّهم يوم النَّحر في زيارته ، والدخولِ عليه إلى بيته ، ولهذا كان فيه ذبحُ القرابين ، وحلقُ الرؤوس ، ورميُ الجمار ، ومعظمُ أفعال الحج ، وعملُ يوم عرفة كالطهور والاغتسال بين يدي هذا اليوم.
فإن قيل: فأيهما أفضلُ: يوم الجمعة، أو يوم عرفة؟
عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم.”لاَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ وَلاَ تَغْرُبُ عَلَى يَوْمٍ أَفْضَلَ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ” رواه ابن حبان
والصوابُ أن يوم الجمعة أفضلُ أيام الأسبوع ، ويومَ عرفة ويوم النَّحر أفضلُ أيام العام .
ويوم عرفة موافق ليوم إكمال اللّه تعالى دينَه لعباده المؤمنين، وإتمامِ نعمته عليهم، كما ثبت في “صحيح البخاري” عن طارق بن شهاب قال: جاء يهوديٌ إلى عمرَ بنِ الخطاب فقال: يَا أَمِيرَ المُؤمِنِين آيَةٌ تَقْرَؤونَهَا في كِتَابِكُمْ لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ اليَهُودِ نَزَلَتْ وَنَعْلَمُ ذَلِكَ اليَوْمَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ ، لاتَّخَذْنَاهُ عِيداً ،
قَالَ: أيُ آَيَةٍ؟ قَالَ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً} المائدة:3
فَقَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: إِنِّي لأَعْلَمُ الْيَوْمَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيه ِ، وَالمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ ، نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ ، وَنَحْنُ وَاقِفُونَ مَعَهُ بِعَرَفَةَ.
فضل صوم يوم عرفة :
في الحديث عند مسلم عن أبى قتادة رضي الله عنه قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة قال : ” يكفر السنة الماضية والباقية “.
قال النووي : معناه يكفر ذنوب صائمه في السنتين، قالوا: والمراد بها الصغائر، وهذا يشبه تكفير الخطايا بالوضوء، فإن لم تكن هناك صغائر يرجى التخفيف من الكبائر، فإن لم يكن رفعت درجات. ( شرح صحيح مسلم، 4/308 )
وقال الملا علي القاري : قال إمام الحرمين: المكفر الصغائر. وقال القاضي عياض: وهو مذهب أهل السنة والجماعة, وأما الكبائر فلا يكفرها إلا التوبة، أو رحمة الله.( مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، 4/474 )
وقال المباركفوري :فإن قيل: كيف يكون أن يكفر السنة التي بعده مع أنه ليس للرجل ذنب في تلك السنة ؟
قيل: معناه أن يحفظه الله تعالى من الذنوب فيها.
وقيل: أن يعطيه من الرحمة والثواب قدرا يكون ككفارة السنة الماضية والسنة القابلة إذا جاءت واتفقت له ذنوب.( تحفة الأحوذي، 3/171-172 )
الحجاج لا يصومون يوم عرفة :
عن عمير مولى أم الفضل ( شك ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صيام يوم عرفة ونحن بها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلت إليه بقعب فيه لبن وهو بعرفة فشربه ) رواه مسلم
قال ابن المنذر : الفطر يوم عرفة بعرفات أحب إلىَّ إتباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، والصوم بغير عرفة أحب إلىَّ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم – وقد سئل عن صوم يوم عرفة – فقال : ” يكفر السنة الماضية والباقية ” .
والحكمة من ذلك : حتى يتقوى الحاج على القيام في هذا اليوم مع اشتداد حرارة الشمس وقلة الظل ، فيحتاج التقوي على طاعة الله بالدعاء والاستغفار والتلبية والذكر .
و روي عن سفيان بن عيينة : أنه سئل عن النهي عن صيام يوم عرفة بعرفة ؟ فقال : لأنهم زوار الله و أضيافه و لا ينبغي للكريم أن يجوع أضيافه .
الدعاء يوم عرفة :
قال صلى الله عليه وسلم : ” أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة ، وأفضل ما قلت أنا والنبيون قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) “رواه الترمذي وحسنه الألباني”. ” .
وذكر الشيخ سيد سابق في فقه السنة هذه القصة قال :
يروى عن الحسين بن الحسن المروزي قال : سألت سفيان بن عيينة عن أفضل الدعاء يوم عرفة . فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له .
فقلت له : هذا ثناء وليس بدعاء .
فقال : أتعرف حديث مالك بن الحارث ؟ هو تفسيره .
فقلت : حدثنيه أنت ، فقال : حدثنا منصور ، عن مالك بن الحارث قال : يقول الله عز وجل : ” إذا شغل عبدي ثناؤه علي عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين “ . قال : وهذا تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم .
ثم قال سفيان : أما علمت ما قال أمية بن أبي الصلت حين أتى عبد الله ابن جدعان يطلب نائله (عطاءه ) ؟
فقلت : لا .
فقال : قال أمية :
أأذكر حاجتي أم قد كفاني ……. حياؤك إن شيمتك الحياء
وعلمك بالحقوق وأنت فرع ……. لك الحسب المهذب والسناء
إذا أثنى عليك المرء يوما ……. كفاه من تعرضه الثناء
ثم قال : يا حسين، هذا مخلوق يكتفي بالثناء عليه دون مسألة ، فكيف بالخالق ؟
يوم عرفة يوم العتق من النار :
عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عدداً من النار من يوم عرفة وأنه ليدنو عز وجل ثم يباهى بهم الملائكة ، يقول : ما أراد هؤلاء ” . رواه الدارقطني
وعن عبيد الله بن كريز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” ما رئي الشيطان يوماً هو فيه اصغر ولا أحقر ولا أدحر ولا أغيظ منه في يوم عرفة ) رواه مالك في الموطأ مرسلا
قوله تعالى : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ )
نزلت هذه الآية لأن قريشاً كانت ترى نفسها أهل الحرم فلا يُطالبون أبداً بما يُطالب به سائر الناس، ولذلك لا يذهبون مع الناس إلى عرفات، والله يريد بالحج المساواة بين الناس، ولذلك قال النبي في حجة الوداع: ” كلكم بنو آدم وآدم خلق من تراب) فلابد أن ينسخ الله مسلك قريش فقال: { ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ } يعني لا تميز لكم ولا تفرقة بين المسلمين.
الْحَجّ عَرَفَة :
في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الْحَجّ عَرَفَة ) رواه أبو داوود
ومعناه : أن الوقوف بعرفة هو ركن الحج الأكبر فمن فاته فقد فاته الحج
أسماء الأيام من اليوم الثامن من ذي الحجة إلى الثالث عشر :
8 من ذي الحجة : يوم التروية :
سمي بذلك لأنه لم يكن بعرفة ومزدلفة ماء في الزمن القديم ، وكان الناس في اليوم الثامن يستقون الماء لحمله معهم إلى عرفات ومزدلفة .
9 من ذي الحجة : يوم عرفة : سبق ذكر سبب تسميته بهذا الاسم .
و10 من ذي الحجة : يوم النحر:
لأنه تنحر (تذبح ) فيه الأضاحي والهدي ، ويسمى يوم الحج الأكبر لأن أغلب مناسك الحج تتم فيه (الذبح والرمي والطواف والحلق أو التقصير )
و11 من ذي الحجة : يوم القر:
سمي بذلك لأن الحجيج يستقرون فيه بمنى بعد أداء المناسك في اليوم السابق .
و11و12و13 من ذي الحجة الثلاثة :
تسمى أيام التشريق وسُميت هذه الأيام بذلك؛ لأنهم كانوا يُشرِّقون لحوم الأضاحي في الشمس، وتشريق اللحم كما قال أهل اللغة: تقطيعه وتقديده وبسطه ( نشره ) فكانت هذه الوسيلة المتاحة آنذاك لحفظ اللحم لكثرته مع عدم وجود المبردات (الثلاجات ).
قال ابن حجر : سميت أيام التشريق؛ لأنهم كانوا يُشرِّقون فيها لحوم الأضاحي، أي: يقطعونها ويقددونها .
وتسمى أيام التشريق: الأيام المعدودات، قال تعالى: { واذكروا الله في أيام معدودات } (البقرة:203) وتسمى أيضًا: أيام منى، لأن الحاجَّ يكون موجودًا فيها تلك الأيام .
وسميت منى (بكسر الميم ) بذلك لأن الدماء تمنى أي تراق وتسيل فيها بسبب ذبح الهدي والأضاحي .
من أحوال السلف بعرفة :
أما عن أحوال السلف الصالح بعرفة ؛ فمنهم من كان يغلب عليه الخوف أو الحياء: وقف مطرف بن عبدالله وبكر المزني بعرفة، فقال أحدهما: اللهم لا ترد أهل الموقف من أجلي.
وقال الآخر: ما أشرفه من موقف وأرجاه لإله لولا أني فيهم!.
ووقف الفضيل بعرفة و الناس يدعون و هو يبكي بكاء الثكلى (التي مات ولدها )المحترقة قد حال البكاء بينه و بين الدعاء ، فلما كادت الشمس أن تغرب رفع رأسه إلى السماء و قال : و اسوأتاه منك و إن عفوت .
و دعا بعض العارفين بعرفة فقال : اللهم إن كنت لم تقبل حجي و تعبي و نصبي فلا تحرمني أجر المصيبة على تركك القبول مني .
ومنهم من كان يغلب عليه الرجاء: قال عبدالله بن المبارك: جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة وهو جاثٍ على ركبتيه، وعيناه تذرفان فالتفت إلي، فقلت له: من أسوأ هذا الجمع حالاً؟ قال: الذي يظن أن الله لا يغفر له.
ورأى سالم بن عبد الله بن عمر سائلا يسأل الناس في عرفة فقال: يا عاجز أفي هذا اليوم تسأل غير الله تعالى؟ !.
قال ابن القيم رحمه الله في ميميته المشهورة:
وراحوا إلى التعريف يرجون رحمة —- ومغفرة ممن يجود ويكرم
فلله ذاك الموقف الأعظم الذي —- كموقف يوم العرض بل ذاك أعظم
ويدنو به الجبار جل جلاله — يباهي بهم أملاكه فهو أكرم
يقول عبادي قد أتوني محبة —- وإني بهم بر أجود وأرحم
فأشهدكم أني غفرت ذنوبهم —- وأعطيتهم ما أملوه وأنعم
فبشراكم يا أهل ذا الموقف الذي —- به يغفر الله الذنوب ويرحم
فكم من عتيق فيه كمل عتقه —– وآخر يستسعى وربك أرحم
وما رؤى الشيطان أغيظ في الورى —- وأحقر منه عندها وهو ألأم
وذاك لأمر قد رآه فغاظه —– فأقبل يحثو الترب غيظا ويلطم
لما عاينت عيناه من رحمة أتت —- ومغفرة من عند ذي العرش تقسم
بنى ما بنى حتى إذا ظن أنه —- تمكن من بنيانه فهو محكم
أتى الله بنيانا له من أساسه —– فخر عليه ساقطا يتهدم
وكم قدر ما يعلو البناء وينتهي —- إذا كان يبنيه وذو العرش يهدم
العبد بين حالين
إذا ظهر لنا حال السلف الصالح في هذا اليوم، فاعلم أنه يجب أن يكون حالك بين خوف صادق ورجاء محمود كما كان حالهم .
والخوف الصادق: هو الذي يحول بين صاحبه وبين حرمات الله تعالى، فإذا زاد عن ذلك خيف منه اليأس والقنوط.
والرجاء المحمود: هو رجاء عبد عمل بطاعة الله على نور وبصيرة من الله، فهو راج لثواب الله، أو عبد أذنب ذنباً ثم تاب منه ورجع إلى الله، فهو راج لمغفرته وعفوه.
قال تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم) “البقرة: 218”.
فينبغي عليك أخي أن تجمع في هذا اليوم العظيم المبارك بين الأمرين: الخوف والرجاء؛ فتخاف من عقاب الله وعذابه، وترجو مغفرته وثوابه.
التكبير في عيد الأضحى :
يقول الشيخ يوسف القرضاوي في فتاويه :
التكبير في عيد الأضحى نوعان: تكبير مطلق، وتكبير مقيد.
فالتكبير المطلق يجوز من أول ذي الحجة إلى أيام العيد .. له أن يكبر في الطرقات وفي الأسواق، وفي منى، ويلقي بعضهم بعضًا فيكبر الله.
وأما التكبير المقيد فهو ما كان عقب الصلوات الفرائض، وخاصة إذا أديت في جماعة، كما يشترط أكثر الفقهاء.
وكذلك في مصلى العيد .. في الطريق إليه، وفي الجلوس فيه، على الإنسان أن يكبر، ولا يجلس صامتًا .. سواء في عيد الفطر، أو عيد الأضحى . لأن هذا اليوم ينبغي أن يظهر فيه شعائر الإسلام.
ومن أبرز هذه الشعائر التكبير .. وقد قيل ” زيّنوا أعيادكم بالتكبير “. (رواه الطبراني في الصغير والأوسط وفيه نكارة).
ولهذا ينبغي على المسلمين أن يظهروا هذه الشعيرة يوم العيد، فإذا توجهوا إلى المصلى، أو جلسوا فيه ينتظرون الصلاة، فعليهم أن يرفعوا أصواتهم مكبرين بقولهم “الله أكبر . الله أكبر . لا إله إلا الله. .. والله أكبر . ولله الحمد ” وهذه الصيغة واردة عن ابن مسعود وأخذ بها الإمام أحمد .
وهناك صيغة وردت عن سلمان ” الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا “.
أما الصلوات وما يتبعها من أذكار فلم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم كقولهم: ” اللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد .. الخ “.
والصلاة على النبي مشروعة في كل وقت، ولكن تقييدها بهذه الصيغة وفي هذا الوقت بالذات لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من صحابته الأبرار.
وكذلك ما يقولونه بهذه المناسبة ” لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده … ” لم يرد أيضًا مقيدًا بيوم العيد. وإنما التكبير المأثور الوارد هو ما كان بالصيغة السابقة الذكر ” الله أكبر . الله أكبر، لا إله إلا الله . والله أكبر . الله أكبر . ولله الحمد “.
فعلى المسلم أن يحرص على هذا التكبير، وأن يملأ به جنبات المصلي، وأن يكبر الله في أيام عشر ذي الحجة كلها.
وأما التكبير المقيد بأعقاب الصلوات فيبدأ عقب الصلاة فجر يوم عرفة، ويستمر إلى ثلاث وعشرين صلاة، يعني إلى رابع أيام العيد، حيث ينتهي التكبير عقب صلاة العصر من ذلك اليوم .
لماذا نكبِّر في عيد الأضحى أكثر ممّا نكبِّر في عيد الفطر؟
مدّة التكبير في عيد الفطر أقلَّ من الأضحى؛ لأن القُربة إلى الله في عيد الفطر كان أهمُّها الصلاة وإخراج زكاة الفطر، أمّا في عيد الأضحى فالقُربة برمَي الجِمار والذَّبح ممتدة إلى ثلاثة أيّام بعد يوم العيد.
أيام التشريق :
أخرج مسلم في صحيحه من حديث نبيشة الهذلي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (أيام منى أيام أكل و شرب و ذكر الله عز و جل )
و في رواية للإمام أحمد ( من كان صائماً فليفطر فإنها أيام أكل و شرب )
وهي الأيام المعدودات كما أسلفنا.
و ذكر الله عز و جل المأمور به في أيامك التشريق أنواع متعددة منها :
1- ذكر الله عز و جل عقب الصلوات المكتوبات بالتكبير في أدبارها و هو مشروع إلى آخر أيام التشريق عند جمهور العلماء .
2- و منها : ذكره بالتسمية و التكبير عند ذبح النسك فإن وقت ذبح الهدايا و الأضاحي يمتد إلى آخر أيام التشريق عند جماعة من العلماء ، و هو قول الشافعي و رواية عن الإمام أحمد
3- و منها : ذكر الله عز و جل على الأكل و الشرب فإن المشروع في الأكل و الشرب أن يسمي الله في أوله و يحمده في آخره ، و في الحديث ( إن الله عز و جل يرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها و يشرب الشربة فيحمده عليها .)
4- و منها : ذكره بالتكبير عند رمي الجمار في أيام التشريق ، و هذا يختص به أهل الموسم .
5- و منها : ذكر الله تعالى المطلق فإنه يستحب الإكثار منه في أيام التشريق ، و قد كان عمر يكبر بمنى في قبته فيسمعه الناس فيكبرون فترتج منى تكبيراً ، و قد قال الله تعالى : (فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا… )البقرة 200
حرمة صيام العيدين وأيام التشريق الثلاثة :
يحرم صيام العيدين عيد الفطر وعيد الأضحى، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيامهما لما في الصحيحين عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه نهى عن صوم يومين: يوم الفطر ويوم النحر.
وعن ابى عبيد قال شهدت العيد مع عمر رضى الله عنه فبدأبالصلاة قبل الخطبة ثم قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام هذين اليومين اما يوم الاضحى فتاكلون من لحم نسككم واما يوم الفطر ففطركم من صومكم رواه الشيخان وابو داود والترمذى والنسائى
كما يحرم صيام أيام التشريق وهي الأيام الثلاثة بعد يوم عيد الأضحى ( الحادي عشر ، والثاني عشر ، والثالث عشر ، من شهر ذي الحجة ) لقوله صلى الله عليه وسلم : ( أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله ) رواه مسلم
وروى أبو داود عَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَلَى أَبِيهِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَرَّبَ إِلَيْهِمَا طَعَامًا ، فَقَالَ : كُلْ . فَقَالَ : إِنِّي صَائِمٌ . فَقَالَ عَمْرٌو : كُلْ فَهَذِهِ الأَيَّامُ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا بِإِفْطَارِهَا ، وَيَنْهَانَا عَنْ صِيَامِهَا . قَالَ الإمام مَالِكٌ : وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ . وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
لكن يجوز صوم أيام التشريق للحاج الذي لم يجد الهدي فعن عائشة وابن عمر رضي الله عنهم قالا : ( لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي ) رواه البخاري
فيجوز للقارن والمتمتع إذا لم يجدا الهدي أن يصوما هذه الأيام الثلاثة حتى لا يفوت موسم الحج قبل صيامهما . وما سوى ذلك فإنه لا يجوز صومها ، حتى ولو كان على الإنسان صيام شهرين متتابعين فإنه يفطر يوم العيد والأيام الثلاثة التي بعده ثم يواصل صومه .
استحباب الدعاء بـ (ربنا آتنا في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة و قنا عذاب النار)
و قد استحب كثير من السلف كثرة الدعاء بهذا في أيام التشريق .
قال عكرمة : كان يستحب أن يقال في أيام التشريق : ربنا آتنا في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة و قنا عذاب النار
و عن عطاء قال : ينبغي لكل من نفر أن يقول حين ينفر متوجهاً إلى أهله : ربنا آتنا في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة و قنا عذاب النار ، خرجهما عبد بن حميد في تفسيره
و هذا الدعاء من أجمع الأدعية للخير و كان النبي صلى الله عليه و سلم يكثر منه
و روي : أنه كان أكثر دعائه ، و كان إذا دعا بدعاء جعله معه فإنه يجمع خير الدنيا و الآخرة .
قال الحسن : الحسنة في الدنيا : العلم و العبادة ، و في الآخرة : الجنة .
و قال سفيان : الحسنة في الدنيا : العلم و الرزق الطيب ، و في الآخرة : الجنة
و الدعاء من أفضل أنواع ذكر الله عز و جل .
و في الأمر بالذكر عند انقضاء النسك معنى و هو أن سائر العبادات تنقضي و يفرغ منها ، و ذكر الله باق لا ينقضي و لا يفرغ منه بل هو مستمر للمؤمنين في الدنيا و الآخرة ، و قد أمر الله تعالى بذكره عند انقضاء الصلاة ، قال الله تعالى : (فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياماً و قعوداً و على جنوبكم) النساء 103
و قال في صلاة الجمعة : (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض و ابتغوا من فضل الله و اذكروا الله كثيراً ) الجمعة 10
و قال تعالى : (فإذا فرغت فانصب * و إلى ربك فارغب ) الشرح 8،7
قال الحسن : أمره إذا فرغ من غزوة أن يجتهد في الدعاء و العبادة فالأعمال كلها يفرغ منها ، و الذكر لا فراغ له و لا انقضاء ، و الأعمال تنقطع بانقطاع الدنيا و لا يبقى منها شيء في الآخرة ، و الذكر لا ينقطع ، المؤمن يعيش على الذكر و يموت عليه و عليه يبعث .
قال ذو النون : ما طابت الدنيا إلا بذكره و لا الآخرة إلا بعفوه و لا الجنة إلا برؤيته .
فأيام التشريق يجتمع فيها للمؤمنين نعيم أبدانهم بالأكل و الشرب ، و نعيم قلوبهم بالذكر و الشكر ، و بذلك تتم النعم ، و كلما أحدثوا شكراً على النعمة كان شكرهم نعمة أخرى إلى شكر آخر ، و لا ينتهي الشكر أبداً .
في قول النبي صلى الله عليه و سلم : إنها أيام أكل و شرب و ذكر الله عز و جل ، إشارة إلى أن الأكل في أيام الأعياد و الشرب إنما يستعان به على ذكر الله تعالى و طاعته و ذلك من تمام شكر النعمة أن يستعان بها على الطاعات ، و قد أمر الله تعالى في كتابه بالأكل من الطيبات و الشكر له ، فمن استعان بنعم الله على معاصيه فقد كفر نعمة الله و بدلها كفراً و هو جدير أن يسلبها .
كما قيل :
إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم
و داوم عليها بشكر الإله فشكر الإلــــه يزيل النقم
و خصوصاً نعمة الأكل من لحوم بهيمة الأنعام كما في أيام التشريق فإن هذه البهائم مطيعة و هي مسبحة له قانتة كما قال تعالى : (و إن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ) الإسراء44.
و إنها تسجد له كما أخبر بذلك في سورة النحل و سورة الحج ، و ربما كانت أكثر ذكراً لله من بعض بني آدم ، و في المسند مرفوعاً : رب بهيمة خير من راكبها ، و اكثر له منه ذكراً .
و قد أخبر الله تعالى في كتابه أن كثيراً من الجن و الإنس كالأنعام بل هم أضل فأباح الله عز و جل ذبح هذه البهائم المطيعة الذاكرة له لعباده المؤمنين حتى تتقوى بها أبدانهم و تكمل لذاتهم في أكلهم اللحوم ، فإنها من أجل الأغذية وألذها مع أن الأبدان تقوم بغير اللحم من النباتات و غيرها لكن لا تكمل القوة و العقل و اللذة إلا باللحم فأباح للمؤمنين قتل هذه البهائم و الأكل من لحومها ليكمل بذلك قوة عباده و عقولهم ، فيكون ذلك عوناً لهم على علوم نافعة و أعمال صالحة يمتاز بها بنو آدم على البهائم و على ذكر الله عز و جل و هو أكثر من ذكر البهائم .
فلا يليق بالمؤمن مع هذا إلا مقابلة هذه النعم بالشكر عليها ، و الإستعانة بها على طاعة الله عز و جل و ذكره حيث فضل الله ابن آدم على كثير من المخلوقات ، و سخر له هذه الحيوانات ، قال الله تعالى : (فكلوا منها و أطعموا القانع و المعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون) الحج36
فأما من قتل هذه البهيمة المطيعة الذاكرة لله عز و جل ثم استعان بأكل لحومها على معاصي الله عز و جل و نسي ذكر الله عز و جل فقد قلب الأمر و كفر النعمة ، فلا كان من كانت البهائم خيراً منه و أطوع .
و إنما نهى عن صيام أيام التشريق لأنها أعياد للمسلمين مع يوم النحر فلا تصام بمنى و لا غيرها عند جمهور العلماء ، خلافاً لعطاء في قوله : إن النهي يختص بأهل منى و إنما نهي عن التطوع بصيامها سواء وافق عادة أو لم يوافق
فأما صيامها عن قضاء فرض أو نذر أو صيامها بمنى للمتمتع إذا لم يجد الهدي ففيه اختلاف مشهور بين العلماء .
قال الحسن بن عمران – ابن أخي سفيان بن عيينة -: حججت مع عمي سفيان آخر حجة حجها سنة سبع وتسعين ومائة فلما كنا بجمع وصلى استلقى على فراشه، ثم قال: فد وافيت هذا الموضع سبعين عاما أقول في كل سنة: اللهم! لا تجعله آخر العهد من هذا المكان، وإني قد استحييت من الله من كثرة ما أسأل ذلك، فرجع فتوفي في السنة الداخلة يوم السبت أول يوم من رجب سنة ثمان وتسعين ومائة ودفن بالحجون… وتوفي وهو ابن إحدى وتسعين سنة.
– قال علي بن الموفق: حججت ستين حجة، فلما كان بعد ذلك جلست في الحجر، أفكر في حالي وكثرة تردادي إلى ذلك المكان، ولا أدري هل قبل مني حجي أم رد! ثم نمت فرأيت في منامي قائلا يقول لي: هل تدعو إلى بيتك إلا من تحب! قال: فاستيقظت وقد سرى عني.
وقد سئل الحسن البصري رحمه الله تعالى: ما الحج المبرور؟ قال: أن تعود زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة.
هذا الموضوع اقتبست أغلب فقراته من كتاب لطائف المعارف لابن رجب الحنبلي باختصار وتصرف يسير