لفتة بلاغية في قوله تعالى:(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا)
بين آية سورة إبراهيم وآية سورة النحل
قال تعالى: { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } (إبراهيم: 34)
وقال سبحانه: { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } (النحل: 18)
وهنا وقفة لطيفة، فتجد أن الله ختم الآيتين بخاتمتين مختلفتين؛ ففي سورة إبراهيم ختمت بقوله تعالى: {إن الإنسان لظلوم كفار}، وأما في سورة النحل فختمت بقوله تعالى: {إن الله لغفور رحيم} فما تعليل ذلك؟
أنقل ما ذكره الطاهر بن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير حيث يقول: «وقد خولف بين ختام هذه الآية (آية النحل)، وختام آية سورة إبراهيم؛ إذ وقع هنالك {وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار} لأن تلك جاءت في سياق وعيد وتهديد عقب قوله تعالى: { ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرًا} فكان المناسب لها تسجيل ظلمهم وكفرهم بنعمة الله.
وأما هذه الآية فقد جاءت خطابًا للفريقين، كما كانت النعم المعدودة عليهم منتفعًا بها كلاهما. ثم كان من اللطائف أن قوبل الوصفان اللذان في آية سورة إبراهيم {لظلوم كفار} بوصفين هنا {لغفور رحيم} إشارة إلى أن تلك النعم كانت سبب لظلم الإنسان وكفره، وهي سبب لغفران الله ورحمته، والأمر في ذلك منوط بعمل الإنسان».