قوانين السعادة
4- فلنحيينه حياة طيبة
اليوم نتكلم عن القانون الثالث من قوانين السعادة وهو :
الحياه الطيبة إيمان وعمل صالح
يعيش على وجه الأرض ما يزيد على سبعة مليار، ما منهم من أحد إلا وهو يتمنى السلامة والسعادة، وبتعبير قرآني يتمنى الحياة الطيبة، كلنا يتمنى الراحة النفسية ، والعافية والسلامة من الأمراض، والغنى وكثرة المال، وما من أحد إلا وهو مفطور على بغض المعيشة السيئة وما فيها من فقر وأمراض ومنغصات وقلق .
إن السعادة الحقيقية والحياة الطيبة تكون بالقرب من الله، فالأمر أمره، والخلق خلقه، والتدبير تدبيره، لأن الله جعل راحة الأرواح في القرب منه، وجعل أنس الحياة في الإنس به سبحانه وتعالى.
وقد بين الله شرطين لكي نعيش الحياة الطيبة وإذا خالف أحد هذين الشرطين فقد اختار المعيشة الضنك .
قال تعالي : (من عمل صالحا من ذكر أو أنثي وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) [سورة النحل :97]
وقال تعالى : ( فَإِمَّا يَأتِيَنَّكُم مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى، وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) [طه : الآيتين 123، 124]
في آية سورة النحل ذكر الله سبحانه وتعالي الشرطين اللذين يحققان للعبد الحياة الطيبة الشرطان هما :
1- العمل الصالح . 2- الإيمان
ما هي الحياة الطيبة؟
الحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت، وقد تعددت أقوال المفسرين: (من تفسير ابن كثير للآية)
الحياة الطيبة هي: الرزق الحلال الطيب.
الحياة الطيبة هي: القناعة.
الحياة الطيبة هي: السعادة.
الحياة الطيبة هي: الرزق الحلال والعبادة في الدنيا.
الحياة الطيبة هي: العمل بالطاعة والانشراح بها.
والصحيح أن الحياة الطيبة تشمل هذا كله كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد:عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله ﷺ قال: “قد أفلح من أسلم ورزق كفافا، وقنعه الله بما آتاه”. وروى الترمذي عن فضالة بن عبيد؛ أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: “قد أفلح من هدي إلى الإسلام، وكان عيشه كفافا، وقنع به”.
فصاحب الحياة الطيبة راض بقضاء الله طائع لربه، متبع لرسوله، صلى الله عليه وسلم، يحمل القناعة في نفسه، والرضا في قلبه، يسلم لله فيما كتب من الأقدار، إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإن أذنب استغفر، وأجمل وصف له هو قوله، صلى الله عليه وسلم: «عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء فصبر كان خيرا له، وليس ذلك إلا للمؤمن»
وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:(إن للحسنة ضياء في الوجه، ونوراً في القلب، وسعة في الرزق، وقوة في البدن، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القلب، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق) ذكره ابن القيم في الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، (ص 106).
المعيشة الضنك :
أما الآيتين من سورة طه ؛ قوله تعالى: ( فَإِمَّا يَأتِيَنَّكُم مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى، وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) [طه : الآيتين 123، 124]
في الآية الأولى بين الله جل وعلا أن من اتبع القرآن وعمل به فإن الله سبحانه وتعالى تكفل له بألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة.
والشقاء نوعان:
- شقاء الجسد
- وشقاء الروح.
شقاء الجسد: يشترك فيه جميع الخلق، الشقاء هو التعب الشديد كما يقول المفسرون، فالإنسان يصيبه الجهد والتعب في المعيشة والسعي في طلب الرزق وما شابه ذلك، هذا يشترك فيه الجميع المؤمن والكافر، لأن الله تعالى قال (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ) [البلد 4]
كبد يعني في مشقة ومعاناة من ساعة ميلاده إلى أن يموت، لأن الدنيا ليست دار السلام وليست دار النعيم، والجسد حينما يشقى ويتعب يحتاج إلى الراحة، يحتاج إلى الطعام والشراب، يحتاج إلى النوم، يحتاج إلى أن يرد عن نفسه ما يؤذيه، وأن يجلب ما ينفعه، وهذه مسألة فطرية، الخلق جميعا يسعون إليها ويطمعون فيها.
أما شقاء الروح: فهذا لا يشعر به إلا من كفر بالله وأعرض عن طريق الله، أما سعادة الروح فإنها سعادة لا يجدها إلا من سلك طريق الله، وهذا معنى الآية: (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى) هذه الآية في سورة طه، في أول السورة رب العالمين قال لنبينا: ﴿طه مَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لِتَشۡقَىٰٓ﴾ [طه: 1-2] فالشقاء هنا المقصود به الروح، شقاء الدنيا والآخرة بأن يظل الإنسان في حالة ضيق دون أن يعرف السبب.
وفي الآية الثانية أن من أعرض عن القرآن ولم يعمل به فإن الله جل وعلا يعاقبه بعقوبتين :
الأولى : أنه يكون في معيشة ضنكًا:
والضَّنَّكُ : الضِّيِّقُ من كلِّ شيءٍ؛ فمعنى معيشة ضنكا ، عيشة سيئة مليئة بالمخاطر ، وليست المعيشة الضنك أن تسكن كوخا أو لا تجد مالا أو أن تفقد عضوا من أعضائك أو أن تصاب بمصيبة ؛ بل المعيشة الضنك هي معيشة الشقاء ، معيشة القلق ، معيشة الضياع ، معيشة الإحباط ، معيشة اليأس ، والمكاره و الاكتئاب ،وتواصل الهم والغم والحزن ، والتسخط من القضاء والتبرم بأقدار الله ، والقلق ، والاضطراب ، وتمني الموت ، والإشراف على الانتحار، فلا طمأنينة له ولا انشراح لصدره بل صدره ضيق حرج لضلاله وإن تنعم ظاهره ولبس ما شاء وأكل ما شاء وسكن حيث شاء فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى فهو في قلق وحيرة وشك فلا يزال في ريبة يتردد فهذا من ضنك المعيشة ؛ جزاء له على إعراضه عن كتاب الله جل وعلا، لأنه ترك الهدى فوقع في الضلال ووقع في الحرج .
والعقوبة الثانية : أن الله جل وعلا يحشره يوم القيامة أعمى:
لأنه عمي عن كتاب الله في الدنيا فعاقبه الله بالعمى في الآخرة، قال : { رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَي وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى } ، فإذا عمي عن كتاب الله في الدنيا بأن لم يلتفت إليه ولم ينظر فيه ولم يعمل به، فإنه يحشر يوم القيامة على هذه الصورة البشعة والعياذ بالله .
فقوله تعالى: (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى) هذا قانون عام لجميع البشر، من اتبع الله وطريق الله فلا يخطئ طريق السعادة والفوز في الدنيا والآخرة، ولا يشقى في الدنيا ولا في الآخرة.
ما معنى الحياة الطيبة؟
هل الحياة الطيبة بكثرة الأكل والشرب والنوم والراحة؟ الحياة الطيبة قرب من الله- عز وجل-، إذا اقترب العبد من مولاه شعر بالسعادة وشعر بالطمأنينة، وشعر بأن لحياته هدفا وقيمة، وطاب له كل ما يتعرض له من مشاق ومتاعب وهموم.
انظر إلى نظرة النبي لهذا الأمر وهو خير خلق الله، لما دعا أهل الطائف وسلطوا عليه العبيد والسفهاء وألقوا عليه الحجارة وسبوه، وأهانوه- صلى الله عليه وسلم-، دعا ربه قائلا: (اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس! يا أرحم الراحمين! أنت رب المستضعفين وأنت ربى، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمنى؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟! إن لم يكن بك غضب على فلا أبالي، أسألك بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، ألا تنزل بي غضبك، أو يحل على سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك) رواه الطبراني وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: ورجاله ثقات ما عدا ابن إسحاق وهو مدلس ثقة، وله شاهد آخر يقوي هذا الحديث عند ابن إسحاق موصولاً وكلاهما يقوي بعضهما الآخر.
لاحظوا الرسول يؤذى ويسب ويهان فيلوذ بالله ويتضرع لمولاه، رغم أن أي واحد منا يسلط طريقا ثم يبدو فيه مصاعب ومشقات ويتعرض للسب والإهانة، ما هو أول تفكير يفكر فيه؟
أن يترك هذا الطريق، وأن يترك هذا العمل، النبي يعلم أنه على الطريق الصحيح، لكنه يشكو إلى الله ضعف قوته، فهو يطلب من الله العون والمدد ليستمر في هذا الطريق، ثم يخاطب مولاه مناجيا إياه (إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي)، طالما أن هذا الذي يحدث من مشقات وصعوبات وصدود وسب وإهانة، هذا ليس غضب منك فأنا لا أبالي بهذا.
وكان النبي يقول لأصحابه إن قريشا تزعم أنها تسبني وهي إنما تسب مذمما ولست مذمما إنما أنا محمد، طبعا هم كانوا يحاولون تشويه اسم النبي لأن اسم محمد اسم جميل يسمونه بعكس اسمه محمد عكسها مذمم، فكان النبي يقول إنهم يسبون شخصا آخر ولست أنا، هكذا كان النبي يستقبل هذه الأمور.
أي واحد في الدنيا ليس عنده إيمان بالله لا تهون عليه الصعاب، صعبة جدا شاقة، لأنه يفسر تفسيرات مادية، أما المؤمن أي صعاب يتعرض لها يعلم أن فيها أجرا، ويعلم أن فيها سعادة، ويعلم أن الطريق إلى مرضاة الله ابتلاءات وهكذا.
عجبا لأمر المؤمن :
اسمعوا إلى قول رسول الله (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن إصابته سراء (نعمة) شكر فكان خيرا له، وإن إصابته ضراء صبر فكان خير له)
إذا أنا في النعمة اعلم أن هذا عطاء الله، وعطاء الله يستلزم الشكر والثناء والعطاء للمحتاجين من خلقه، أما إذا منع الله عنه فهو يعلم أن الله منع عنه ليربيه، ليبتليه هل يصبر؟ هل يحتسب؟ هل عنده ثقة في الله أم تزعزع إيمانه بالله؟
فهو يعلم أن كلا الأمرين فيهما خير، (السراء والضراء) كلا الأمرين هو مثاب فيهما، فالرسول قال: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير)
هذه هي السعادة تواجه المخاطر والآلام والصعاب والشدائد، وقلبك معلق بالله، أما التفسيرات المادية البحتة وتفسير الأمور على أنها: الحظ التعاسة الشقاء أحوال السوق التعب الغلاء كذا كذا، هذه كلها تفسيرات مادية لكنها تؤدي إلى المعيشة الضنك فتضيق الحياة أمامك، وتسود الدنيا في وجهك، كمْ من شخص قرأنا عنه في الإعلام أنه لما أحاطت به الديون انتحر، لما اشتد به المرض انتحر، لما قضى قصة حب فاشلة انتحر، لما فشل في التجارة انتحر … انتحر لماذا؟
لأن القلب فارغ من الإيمان بالله، القلب ليس عامرا بالإيمان بالله، لا يفهم ما هي الدنيا، هو فاهم أن الدنيا أنه يتعب قليلا ويسعد كثيرا وهذا خطأ الدنيا مراحل كل مرحلة فيها متاعب، متاعب وصعوبات ثم راحة متاعب وصعوبات ثم راحة، تأمل مرحلة الطفولة وما فيها مرحلة الشباب وما فيها مرحلة الكهولة ثم الشيخوخة، وهكذا كل مرحلة فيها متاعب ومصاعب.
فكلما زادت الآلام والمتاعب والاختناق على الجسد فإن الروح تميل إلى الله، فهنا يولد الطاقة الإيجابية، ويدفع عنك الطاقة السلبية، ويجعلك تفكر في الأمور بنحو آخر، المؤمن يرى الدنيا بخلاف ما يراها الناس، المؤمن يفهم سنن الله وقوانين الله بخلاف ما يراه الناس، ولذلك كان بعض السلف يقول والله إنا لفي سعادة لو علمتها الملوك لقاتلتنا عليها بالسيوف، لأن الملوك يحتاجون الراحة والنعيم ، فهم يبحثون عن كل أسباب الرفاهية فهو يقول: إنا لفي سعادة يقصد قربه من الله، وطاعته لله- عز وجل-، وأنه دائم الإقبال على الله إذا ضاقت به الدنيا فإنه يقول : يا رب يا رب، يلجأ إلى الله- سبحانه وتعالى-
أتريد أن ترى صاحب العيشة الضنك؟
سوف تجده في إنسان عاص فاجر تارك للصلاة ظالم لعباد الله عاق لوالديه قاطع لرحمه معترض على قضاء الله يلهث وراء المادة حينها تجده يعيش مهزوما مفتونا حائرا قلقا لأن الذي يملك السعادة هو الله وحده، فإذا أغلق الإنسان الباب الذي بينه وبين الله وقطع الحبل الواصل الذي يصله بالله فمن أين تأتيه السعادة؟
وسوف تشاهد في حياتك أهل العيشة الضنك الذين أعرضوا عن الهداية وألغوا المسجد من حياتهم والسجود لله، وهجروا القرآن وارتكبوا ما يسخط الله، وقد يجمع أحدهم مالا كثيرا ويملك ثروة هائلة ويجمع دورا وقصورا، لكنه في غم دائم وحزن مستمر.
ولا يفهم من هذا أن الأغنياء والأثرياء دائما أشقياء، بل كم من غني ومؤمن صادق وعابد منيب يسكن قصرا مشيدا، وكم من فقير ممزق الثوب مفلس من المال وهو عدو لله، فالميزان ليس كثرة المال أو قلته أو فخامة المسكن أو بؤسه أو علو المنصب أو دنوه، إنما الشأن في قلب هذا الإنسان، في ضميره، في إرادته، فالسعادة تأتي من النفس المطمئنة المؤمنة، والشقاء والمعيشة الضنك تنطلق من قلب مارد جاحد، ومن ضمير خاو، ومن إرادة فاشلة.
اقرأ قصصا عالمية لأثرياء وأغنياء جمعوا المليارات والبنوك، ومنهم من انتهى إلى الانتحار أو المرض النفسي أو الهستريا والهذيان وفقد العقل؛ لأنهم فقدوا البوصلة التي تدلهم على السعادة والحياة الطيبة المتمثلة بالإيمان الصادق والقناعة واستقامة الضمير والقيام بالحقوق والواجبات وإعطاء كل ذي حق حقه، لا تبحث عن السعادة في جمع الدولار والدينار واليورو والريال والدرهم، فإن كبار أغنياء العالم يملك الواحد منهم من الثروة ما لا تملكه دولة من الدول، لكنه جمعها من الربا والغش والنصب وغسيل الأموال، وهو مع ذلك محارب لله مكذب لرسله، معرض عن طاعته، فأين السعادة إذن؟ ولا تظن السعادة أن تسكن قصرا أو برجا عاجيا أو حديقة غناء، فقد سكنها قوم وملكها أناس، لكنهم لما أخطأوا طريق السعادة، حرموا الحياة الطيبة وعاشوا أشقياء بكدر وانزعاج حتى أتتهم القاضية، وفي المقابل وجد السعادة أناس يسكنون الخيام وينامون على الحصير ويأكلون خبز الشعير، لكنهم ما بين سجدة وتلاوة ودعاء وقناعة وصبر وشكر، فعاشوا سعداء وماتوا راضين عن الله، والله راض عنهم.
الخلاصة:
الحياة السعيدة سببها الاتصال بالله عز وجل
والمعيشة الضنك سببها الإعراض عن الله جل جلاله .