مظاهر الرحمة في الحج
من رحمة الله تعالى بنا ـ نحن المسلمين ـ أن شرع لنا الحج، ولم يفرضه علينا إلا مرة واحدة في العمر، ومع أن الله تعالى لم يفرضه إلا مرة واحدة في العمر، لم يجعل هذه الفريضة على كل المسلمين ، إنما جعلها فرضا على المستطيع فقط، قال تعالى: ” وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ”، آل عمران: 97
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا فَقَالَ رَجُلٌ أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ ثُمَّ قَالَ ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ”، رواه مسلم
مظاهر الرحمة في الحج:
قال الله عز وجل ” وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق “، وقال قتادة لما أمر الله عز وجل إبراهيم أن يؤذن في الناس بالحج نادى: يا أيها الناس إن الله عز وجل بنى بيتاً فحجوه وقال تعالى ” ليشهدوا منافع لهم ” قيل التجارة في الموسم والأجر في الآخرة.
ولما سمع بعض السلف هذا قال: غفر لهم ورب الكعبة، وقيل في تفسير قوله عز وجل “لأقعدن لهم صراطك المستقيم ” أي طريق مكة يقعد الشيطان عليها ليمنع الناس منها، وقال صلى الله عليه وسلم “من حج البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه “،
وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم ” ما رؤي الشيطان في يوم أصغر ولا أدحر و أحقر ولا أغيظ منه يوم عرفة ” وما ذلك إلا لما يرى من نزول الرحمة وتجاوز الله سبحانه عن الذنوب العظام.
ومن مظاهر التيسير أيضا المسائل التالية:
المسألة الأولى: الحج عن الغير:
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال:” كان الفضل رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت امرأة من خثعم فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه! وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر! فقالت يا رسول: الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم، وذلك في حجة الوداع“،
المسألة الثانية: تعدد المواقيت:
عن ابن عباس قال:” إن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، هن لهن ولمن أتى عليهن من غيرهن ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة“،
المسألة الثالثة: فدية الأذى:
عن عبد الله بن معقل قال:” جلست إلى كعب بن عجرة رضي الله عنه فسألته عن الفدية فقال: نزلت فيَّ خاصة وهي لكم عامة، حملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي! فقال: “ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى أو: ما كنت أرى الجهد بلغ بك ما أرى، تجد شاة؟” فقلت: لا، فقال: “فصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع“،
قال البخاري: باب قول الله تعالى: (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) [البقرة: 196] وهو مخير فأما الصوم فثلاثة أيام، ثم روى عن كعب بن عجرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لعلك آذاك هوامك” قال: نعم يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : احلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين أو انسك بشاة“،
المسألة الرابعة: الركوب في الطواف:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن“،
وعن أم سلمة أنها قالت شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي فقال: “طوفي من وراء الناس وأنت راكبة قالت: فطفت ورسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ يصلي إلى جنب البيت وهو يقرأ بالطور وكتاب مسطور“،
وعن أبي هريرة رضي الله عنه:” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يسوق بدنة! فقال: اركبها، فقال: إنها بدنة! فقال: اركبها، قال: إنها بدنة! قال: اركبها ويلك، في الثالثة أو في الثانية “،
المسألة الخامسة: التوكيل في ذبح الهدي:
عن علي قال:” أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه وأن أتصدق بلحمها وجلودها وأجلتها، وأن لا أعطى الجزار منها قال: نحن نعطيه من عندنا“
المسألة السادسة: رخصة المبيت خارج منى:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: “استأذن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له“
المسألة السابعة: سقوط الوداع عن الحائض:
عن عائشة رضي الله عنها:” أن صفية بنت حيي زوج النبي صلى الله عليه وسلم حاضت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أ حابستنا هي؟! قالوا: إنها قد أفاضت، قال: فلا إذا“
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض“
المسألة الثامنة: جواز فعل المناسك للحائض:
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:” قدمت مكة وأنا حائض ولم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة، قالت: فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “افعلي كما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري“،
المسألة التاسعة: الإحرام بالعمرة من أدنى الحل:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال :” أهل النبي صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه بالحج،،، وحاضت عائشة رضي الله عنها فنسكت المناسك غير أنها لم تطف بالبيت فلما طهرت طافت بالبيت قالت: يا رسول الله تنطلقون بحجة وعمرة وأنطلق بحج فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج معها إلى التنعيم فاعتمرت بعد الحج“،
المسألة العاشرة: التقديم والتأخير في أعمال الحج:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:” كان النبي صلى الله عليه وسلم يُسأل يوم النحر بمنى فيقول: “لا حرج” فسأله رجل فقال: حلقت قبل أن أذبح قال: “اذبح ولا حرج” وقال رميت بعد ما أمسيت فقال: “لا حرج“،
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال:” وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه فجاء رجل فقال: يا رسول الله: لم أشعر فحلقت قبل أن أنحر؟ فقال: اذبح ولا حرج، ثم جاءه رجل آخر، فقال: يا رسول الله لم أشعر فنحرت قبل أن أرمى؟ فقال: ارم ولا حرج، قال: فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء قدم ولا آخر إلا قال: افعل ولا حرج “،
المسألة الحادية عشرة: التخيير بين الحلق والتقصير:
عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “اللهم ارحم المحلقين، قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: اللهم ارحم المحلقين، قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: والمقصرين“
رحمة المكان:
ومن مظاهر الرحمة في الحج أن جعل الله هذه الأماكن ـ أماكن الحج ـ مقدسة يحرم فيها ما لا يحرم في غيرها، فحرمة الأماكن رحمة، فهي:
منطقة أمان تشمل الإنسان والطير والحيوان عبر التاريخ: لقد جعل الله هذه الحرمات تشمل الإنسان والطير والحيوان بالأمن في رحاب البيت الحرام، وفي فترة الإحرام للمسلم، حتى وهو لم يبلغ الحرم، كما جعل الأشهر الحرم الأربعة لا يجوز فيها القتل ولا القتال!
ولقد ألقى الله في قلوب العرب : {وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}! (آية 57 سورة القصص)
حـرمـة حمل الـســلاح: ويروي مسلم وغيره عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يحل لأحدكم أن يحمل بمكة السلاح»! وفي رواية قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن إبراهيم حرّم مكة، وإني حرّمت المدينة ما بين لابتيها، لا يقطع عضاهها، ولا يصاد صيدها»!،