شرح أسماء الله الحسنى: 26- الخبير

تاريخ الإضافة 26 أكتوبر, 2023 الزيارات : 13583

شرح أسماء الله الحسنى 26 ( الخبير )

أولا /  المعنى اللغوي :

الخبير في اللغة على وزن فعيل، وهذا الوزن يدل على المبالغة ، وخبرت بالأمر أي علمته،  وخبرته أي عرفته على حقيقته ، والخبرة أبلغ من العلم لأنها علم وزيادة، فالخبير بالشيء من عَلِمَه وقام بمعالجته وبيانه وتجربته وامتحانه فأحاط بتفاصيله الدقيقة وألمَّ بكيفية وصفه على الحقيقة .

وفي صحيح مسلم من حديث أبي موسى الأشعري أنه سأل السيدة عائشة رضي الله عنها قال: فما يُوجب الغسل ؟ قالت: على الخبير سقطتَ. أي إنك سألت خبيراً بهذا الموضوع.

ثانيا / المعنى في حق الله تعالى :

الخبير هو العليم بسرائر عباده وضمائر قلوبهم ، الخبير بأمورهم الذي لا يخفى عنه شيء (الرحمن فاسأل به خبيرا) الفرقان 59

أي لا أحد أعلم بالله من الله ، و (الباء )هنا بمعنى ( عن ) يعني اسأل عنه خبيرا ، وهو الله عز وجل وقيل محمد وقيل جبريل .

الفرق بين العليم والخَبير:

العلم هو معرفة الشيء على وجه صحيح ؛ لكن الخبرة أبلغ من العلم لأنها علم وزيادة، فالخبير بالشيء من علمه وقام بمعالجته وبيّن خصائصه وجربه وامتحنه فأحاط بتفاصيله الدقيقة وألمّ بخصائصه اللصيقة ووصفه على حقيقته، فالعلم نظري والخبرة عملية.

ثالثا / وروده في القرآن الكريم :

اسم الخبير ورد في القرآن الكريم خمسا وأربعين مرة ،وقد ورد مقترناً بالعديد من الأسماء منها :

اقترانه باسم الحكيم في قوله تعالى:﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18) الأنعام

ومقترناً مع اسم اللطيف: ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103) الأنعام

ومقترناً مع اسم العليم في قوله تعالى: ﴿ نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3) ﴾ التحريم

ومقترناً مع اسم البصير في قوله تعالى: ) إن الله بعباده لخبير بصير ) فاطر 31

رابعا / تأملات في رحاب الاسم الجليل :

الفرق بين خبرة الله وخبرة الإنسان :

خبرة الله قديمة قدم وجوده أما صنعة الإنسان تتطور بحسب خبرته المتنامية؛ لذلك وازن بين سيارة صنعت عام 1912 ومركبة 2012، فخبرة الإنسان تتنامى، خبرة الإنسان حادثة، أما خبرة الله قديمة، هل طرأ على خلق الإنسان تعديل ؟ في إنسان موديل ثمانين مثلاً ؟ كمال مطلق، الفرق الدقيق بين خلق الإنسان وبين صنع الإنسان، صنعة الإنسان تتطور بحسب خبرته المتنامية وبحسب الخطأ والصواب أما خبرة الله عز وجل قديمة قدم وجوده، الله عز وجل خبير.

آلات كثيرة تصمم وفق أحدث قواعد العلم على التطبيق، على التجريب، على الاستعمال تكشف أخطاء كثيرة تعدل وتعدل وتعدل والإنسان ما دام حياً يرزق صنعته تحتاج إلى تعديل بينما صنعة الواحد الديان كاملة كمالاً مطلقاً ، قال تعالى :﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ النمل: الآية: 88

إتقان الله عز وجل لكل شيء :

قد تذهب إلى بعض المناطق الباردة جدا حيث تصل الحرارة سبعين تحت الصفر يتقي الناس هناك البرد الشديد بطاقية وقفازات ومعطف وأحذية مبطنة بالصوف وجوارب صوفية …. لكن هل يغطي أحدهم عينيه ؟ لا على الرغم أن ماء العين يلامس سبعين تحت الصفر، فعلى هذا كل إنسان هناك ينبغي أن يموت أو يفقد بصره، الواقع أن الله أودع في ماء العين مادة مضادة للتجمد لئلا يتجمد ماء العين في منطقة باردة

الخبيرهو العالم بكل شيء:

المعنى الآخر للخبير هو الذي يعلم كل شيء ولا يغيب عن علمه صغيرة ولا كبيرة، وهو المطلع على حقيقة كل شيء مهما دقت أو خفيت، عليم بدقائق الأمور لا تخفى عليه خافية، يعلم الداء والدواء، يعلم الظاهر والباطن، يعلم الشكل والمضمون، يعلم جلائل الأمور ودقائقها، يعلم ما يرى بالعين وما لا يرى، يقول الغزالي رحمه الله تعالى: الخبير هو الذي لا تغرب عنه الأخبار الباطنة و لا يجري في الملك والملكوت شيء إلا بعلمه ولا تتحرك ذرة ولا تسكن إلا بعلمه ولا تضطرب نفس ولا تطمأن إلا بعلمه.

والله بما تعملون خبير :

الأعمال بالنيات كما قال النبي صلى الله عليه وسلم والنية محلها القلب كما يقول الفقهاء ، ومعنى ذلك أنه لا يطلع على حقيقة ما في القلب من نوايا لأي عمل إلا الله ؛ قد تعمل عملاً لا يشك أحد من الخلق أنه عمل طيب لكن النية ليست كذلك فالله عز وجل خبير ببواعثك، وقد تدّعي شيئاً وأنت على خلافه من يعلم الحقيقة ؟ وقد تريد شيئاً في الظاهر ولكنك في الباطن لا تريد، تقول لأحدهم والله اشتقنا لك وأنت ما اشتقت له أبداً ولا تستطيع أن تراه ولكن تقولها مجاملة، قد تريد شيئاً بالظاهر لكنك في الباطن تريد غيره، وقد ترحب وأنت تبغض وقد تغضب وأنت تحب، إنسان قريب منك جداً وأخطأ تغضب أشد الغضب ويرتفع صوتك لكنك تحبه .

قد تجد إنساناً يعمل عملاً طيباً ويسوق الله له مصائب كثيرة تحتار، يا أخي مستقيم يصلي ويصوم ويؤدي زكاة ماله وله سمعة طيبة والمصائب تتوالى عليه أنت لا تعلم لكن الله يعلم.

قصة لها العجب :

يقول الدكتور محمد راتب النابلسي : قصة أرويها كثيراً لأنني تأثرت بها، كنت أمشي في بعض أسواق دمشق، خرج من أحد المحلات رجل، واعترضني، وقال: أنت تخطب في المسجد ؟ قلت: نعم، قال لي: البارحة إنسان بأحد أسواق دمشق المغطاة بائع أقمشة سمع إطلاق رصاص، فمدّ رأسه ليرى ما الخبر، فإذا رصاصة تستقر في نخاعه الشوكي فشُلَّ فوراً، قال لي: ما ذنبه ؟! أليس العمل عبادة ؟ إنسان عنده عيال، عنده أولاد جاء لمحله التجاري وفتحه حتى يسترزق أين الخطأ ؟ أين الذنب ؟ هو في عمل في بيع وشراء ؟ عمل مباح، قلت: والله أنا لا أعلم، أنا أثق أن الله عادل لكن لا أعلم هذا الجواب.

لحكمة بالغة بالغة بالغة في عندي في المسجد مدير معهد بعد عشرين يوماً قال لي أنا ساكن في الميدان أحد أحياء دمشق قال لي: لنا جار فوقنا مغتصب بيت لأولاد أخيه الأيتام وخلال ثماني سنوات رفض أن يعطيهم إياه، فشكوه إلى عالم جليل هو شيخ قراء الشام توفي رحمه الله فاستدعاه ورفض أن يعطيهم البيت بوقاحة، هذا العالم حكيم خاطب أبناء أخوته وقال لهم: يا أولادي هذا عمكم، لا يليق بكم أن تشكوه إلى القضاء، اشكوه إلى الله، هذا الكلام كان الساعة التاسعة مساءً الساعة التاسعة صباحاً هو نفسه الذي أطلّ برأسه ليرى ما الخبر فجاءت رصاصة لا تقول طائشة قل مصيبة، رصاصة مصيبة فاستقرت في عموده الفقري فشل (أصيب بالشلل).

خامسا / ثمار الإيمان بالاسم الجليل :

1- اليقين بأن الله هو الخبير ، العالم ببواطن الأمور و خفياتها ، عالم بما كان وما يكون و ما سيكون و ما لم يكن كيف كان سيكون.. ، لا يفوته من العلم شيء وان كان صغيرا سرا دقيقا  ، وهذا لله وحده لا يشاركه فيه احد من خلقه .
2- رضا العبد باختيار ربه في كل أمره فطالما آمن العبد بأن الله هو الخبير، سلم له في جميع شئونه مطلق التدبير، وهذا شأن أهل اليقين أنهم يسلمون له أمورهم ثقة في كمال تدبيره

_3 الإيمان بأن الله خبير عليم بأعمال عباده وأقوالهم ، وما يجول في صدورهم من خير أو شر،قال تعالى وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً (17) الإسراء ، فيوقن العبد أنه مكشوف أمام الله ، لا تخفى على الله منه خافية ، فيراقب الله في جميع أحواله وخواطره وقلبه بتهذيب سره وتطهير باطنه ، ويخلص أعماله لله .


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 278 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم