شرح أسماء الله الحسنى 31 – 32 الحكم والحكيم
أولا / وروده في القرآن الكريم والسنة المطهرة :
ورد الاسمين في آيات عديدة من القرآن الكريم منها :
قول الله تعالى :(أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً)الأنعام: من الآية114
وقال: (فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} [الأعراف: من الآية87.
وقال تعالى: {هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم “6”} سورة آل عمران
وقال تعالى: {والله عليم حكيم “15”} سورة التوبة.
وقوله تعالى: (وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً)النساء 130
وروده في السنة الشريفة:
عن هانئ بن يزيد بن نهيك، قال : إنه لمَّا وفد إلى رسولُ اللهِ – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم – مع قومِه ؛ سَمِعهم يَكْنُونَه بأبي الحَكَمِ ، فقال : رسولُ اللهِ – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم – : اللهُ هو الحَكَمُ ، وإليه الحُكْمُ ! ، فقال : كان قومي إذا اختلفوا في شيءٍ ؛ أَتَوْنِي فحكمتُ بينهم ، فَرَضِيَ الفريقانِ ، فما أحسنَ هذا فما لك مِنَ الولدِ ؟ ، قال : شريحٌ ، ومسلمٌ ، وعبدُ اللهِ ، قال : فَمَنْ أكبرُهم ، قلتُ : شريحٌ ، قال : فأنتَ أبو شُريحٍ . قال الألباني إسناده جيد .
ثانيا / المعنى اللغوي :
الحكم : العلم والفقه والقضاء بالعدل ، قال تعالى (وآتيناه الحكم صبيا)مريم 12 ، أي العلم والفقه .
وسمي القرآن بالذكر الحكيم :أي أن القرآن حاكم لكم أو عليكم ، أو لأنه محكم لا اختلاف فيه ولا اضطراب .
وحكم الشيء : منعه ، ومنه : الحاكم ؛ لأنه يمنع الظالم من الظلم ، أو هو الذي يمنع أحد الخصمين من التعدي على حق الآخر.
وأحكم الأمر :أتقنه ، ولذا يقال لمن يحسن دقائق الصناعات : حكيم ، والإخوة في لبنان إلى الآن يسمون الطبيب بالحكيم، لأنه بطبه يمنع انتشار المرض بجسم المريض .
والحَكَمَة: هي الحديدة التي توضع في فم الدابة فتمنعها من الانفلات.
أما الحِكْمة: فهي صفة راسخة ؛ توجب لمن اتصف بها صوابا في الرأي وسدادا في العمل ، وهي عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم.
والحكيم : من يتحلى بالحكمة ، ويصيب القول ، والفعل ، ويضع الشيء في موضعه، والحكيم أيضا:المتقن للأمور.
ثالثا / المعنى في حق الله تعالى
بالتأمل في المصادر التي ذكرت معاني الأسماء الحسنى نجد أن لاسم الله الحكيم ثلاث معاني أساسية:
1- حكيم بمعنى حَاكم من الحُكْم ، من فعيل بمعنى:فاعل، وهو بهذا مقارب لمعنى اسم الله )الحاكم( أو اسم الحَكَم ، ومعناه:القاضي
2- حكيم بمعنى:مُحْكِم من الإحكام من فعيل بمعنى:مُفْعِل، كأليم بمعنى:مؤلم ، بمعنى المحكم الذي أتقن كل شيء صنعه وجعله صالحاً لما يراد به، فسبحانه أوجد كل شيء على أدق نظام وأحكم إتقان.
3- حكيم بمعنى:ذو الحكمة فهو الذي يُحْكِم الأشياء ويتقنها.
فهذه المعاني الثلاثة تدور عليهما أقوال العلماء.
وقد تضمن هذا الاسم جميع الصفات العلا والأسماء الحسنى إذا لا يكون حكيماً إلا من كان سميعاً بصيراً عالماً خبيراً إلى غير ذلك.
فهو سبحانه حكم بين العباد في الدنيا والآخرة ، وفيما شرع من شرعه وحكم من حكمه وقضاياه على خلقه قولاً وفعلاً وليس ذلك لغير الله تعالى.
التلازم بين الحكم واسم الله الحكيم :
الحَكم والحاكم أيهما أبلغ ؟؟
الله عز وجل سمى نفسه بالحكم ، والذي يظهر أن الحَكم أبلغ من الحاكم فلا يستحق التسمية بالحَكم إلا من كان حاكما مقسطا عادلا .
وأما (الحاكم) فهي صيغة جارية على الفعل بحيث إن ذلك يقال لكل من حَكم فيقال له حاكم ، أما الحَكم فذلك يقال لمن صار ذلك صفة له مع قسط وعدل.
ومما يدل على أن الحَكم أبلغ من الحاكم ، أنه لا يصح للإنسان أن يكني نفسه بأبي الحكم كما دل عليه حديث هاني بن يزيد رضي الله عنه الذي ذكرناه سابقا، ولذا فإن بعض العلماء أخذ من هذا أنه لا يجوز التكني بأبي الحكم ، وقالوا إن ذلك من الأسماء المختصة بالله عز وجل ، وبعضهم توسط في هذا الباب ولعله أقرب ، وهو أن الإنسان إذا تسمى بذلك أو تكنى به مراعاة للمعنى فذلك لا يجوز ، يعني إذا قيل له ذلك بناءا على صفة فيه وهو أن يحكم بين الناس حكما عادلا أو يرتضونه فكني بذلك أو لقب به فذلك لا يجوز لأن فيه مضاهاة لاسم الله عز وجل فالله هو الحكم وإليه الحكم .
وأما من سمي به بمجرد التسمية فإن ذلك لا إشكال فيه والله تعالى أعلم ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله عن علة ذلك ولم يغيره ابتداء.
رابعا / تأملات في رحاب الاسم الجليل
التأمل هنا يكون في ثلاثة معان :
الأول : الله هو الحكم الذي يقضي بين عباده بالحق .
الثاني : الله هو الذي أحكم كل شيء فأوجده على أدق نظام وأحكم إتقان.
الثالث :الحكيم ذو الحكمة
تأملات في المعنى الأول : الله هو الحكم
اسمه تعالى الحكيم بمعنى الحاكم الذي يحكم الناس ويمنعهم من الفساد لأنه تعالى أنزل شرائع بها يحكم الناس ويمنع عدوان بعضهم على بعض .
وقد أوجب الله تعالى على عباده تحكيم شرعه في آيات كثيرة من القرآن منها :
قوله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) سورة النساء: 65.
ففي هذه الآية دلالة على أن من ردّ شيئاً من أوامر الله تعالى أو أوامر رسوله صلى الله عليه وسلم فهو خارج من الإسلام، سواء رده من جهة الشك فيه أو من جهة ترك القبول والامتناع من التسليم .
وقوله تعالى: (ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون) (سورة الجاثية: 18)
وقوله تعالى: (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله) (سورة النساء: 105).
فالغاية العليا من إنزال القرآن، والمقصد الأسمى من إنزال الكتاب العزيز هو تحكيمه في حياة الناس، وفضّ نزاعاتهم به، وإقامة العدل بينهم بأوامره ونواهيه، وردّ الحقوق بالتزامه، والاهتداء في الحياة كلها بالاستقامة على أحكامه.
المصلحة تقتضي بوجوب تحكيم الشريعة:
وفي تطبيق الشريعة الإسلامية الخير كلّه، والنفع كلّه، والمصلحة كلّها، والسعادة كلّها؛ لأن مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد .
كما يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: “الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلّها، ورحمة كلّها، ومصالح كلّها، وحكمة كلّها، فكلّ مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدّها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل، فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم أتم دلالة وأصدقها، وهي نوره الذي به أبصر المبصرون، وهداه الذي به اهتدى المهتدون، وشفاؤه التام الذي به دواء كل عليل، وطريقه المستقيم الذي من استقام عليه فقد استقام على سواء السبيل فهي قرة للعيون، وحياة القلوب، ولذة الأرواح، فهي بها الحياة والغذاء والدواء و النور الشفاء والعصمة، وكل خير في الوجود فإنما هو مستفاد منها، وحاصل بها، وكل نقص في الوجود فسببه من إضاعتها، ولولا رسوم قد بقيت لخربت الدنيا وطوي العالم، وهي العصمة للناس وقوام العالم، وبها يمسك الله السموات والأرض أن تزولا، فإذا أراد الله سبحانه وتعالى خراب الدنيا وطي العالم، رفع إليه ما بقي من رسومها، فالشريعة التي بعث الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم هي عمود العالم وقطب الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة” أ.هـ. كلام ابن القيم.
تأملات في المعنى الثاني : الله هو الذي أحكم كل شيء فأوجده على أدق نظام وأحكم إتقان.
فإنّه سبحانه خلق الخلق بالحقّ، خلق المخلوقات كلّها بأحسن نظام، ورتّبها أكمل ترتيب، وأعطى كلّ مخلوق خلقه اللاّئق به، بل أعطى كلّ جزء من أجزاء المخلوقات، وكلّ عضو من أعضاء الحيوانات خلقته وهيئته، فلا يرى أحد من خلقه خللا ولا نقصا ولا فطورا.
فلو اجتمعت عقول الخلق من أوّلهم إلى آخرهم ليقترحوا مثل خلق الرّحمن أو ما يقارب ما أودعه في الكائنات من الحسن والانتظام والإتقان لم يقدروا، وأنّى لهم القدرة على شيء من ذلك..
وقد تحدّى عباده أن ينظروا ويكرّروا النّظر والتأمّل هل يجدون في خلقه خللا أو نقصا ؟ وأنّه لا بدّ أن ترجع الأبصار كليلة عاجزة عن الانتقاد على شيء من مخلوقاته.
ومن حكمته أنه وضع لحيوان البحر من الأعضاء ما يوائمه، ولحيوان البر ما يناسبه والطير في الهواء ما يلزمه.
الحكمة في إنبات اليقطين على نبي الله يونس عليه السلام
ويتجلى اسم الله الحكيم في قصة نبي الله يونس عليه السلام “عندما طُرح بالعراء وأنبت الله عليه اليقطين(القرع ) فقد توجهت الأبحاث لمعرفة مكونات اليقطين ووجد أن لها أثر وقائي وعلاجي.
فسبحان الله الحكيم الذي علم أن يونس عليه السلام مريضاً وضعيفاً منهك القوى.
وقد وجد أن نبات اليقطين يطرد الحشرات خاصة الذباب، فسبحان الله الحكيم الذي علم أن يونس عليه السلام كان في ظلمات شديدة داخل عصارات بطن الحوت وعدم وصول الشمس إليه فقد خرج من بطنه وأي شي يؤذي جسمه المهتريء وأول ما يؤذيه هو الحشرات وخاصة الذباب، فأنبت عليه شجرة اليقطين.
ووجد بأن كثافة وكبر حجم أوراق اليقطين ظل رائع حتى لا تصل أشعة الشمس الضارة إلى جسده فتتلفه ، ووجد أيضاً أن نبات اليقطين سريع النمو، والإزهار، والإثمار، وثماره تحتوي على المواد الغذائية اللازمة للجسم، وثماره تؤكل خضراء طرية، وتؤكل ناضجة، وقابلة للتخزين من دون تلف لمدة طويلة لسمك جدار الثمرة.
لذلك أختار الحكيم سبحانه هذه النبتة فأنبتها على سيدنا يونس عليه السلام.
تأملات في المعنى الثالث : حكمة الله جل وعلا
الحِكمة أن نضع الشيء المُناسِب في المكان المُناسِب في الحجم المُناسِب وفي الوقت المُناسِب وبِالقَدْر المُناسِب وبِالأسْلوب المُناسب.
والله هو وحْده الحكيم ولا حكيم سِواه وحكْمة البشَر مُسْتَنْبَطةٌ من حِكْمة الله فقد قال تعالى:﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾.
حكيم أي الموصوف بكمال الحكمة ، وبكمال الحكم بين المخلوقات ، واسع العلم والإطلاع على مبادئ الأمور وعواقبها، فهو الذي يضع الأشياء في مواضعها ، وينزلها منازلها اللائقة بها في خلقه وأمره، فلا يتوجه إليه سؤال، ولا يقدح في حكمته مقال.
وأوامره ونواهيه محتوية على غاية الحكمة والصلاح والإصلاح للدين والدنيا ، فإنه لا يأمر إلا بما مصلحته خالصة أو راجحة، ولا ينهي إلا عما مضرته خالصة أو راجحة.
ومن حكمة الله أن كلامه حكيم في أسلوبه الرائع وحكيم في هدايته ورحمته وحكيم في إيضاحه وبيانه، وحكيم في كل ما اشتمل عليه. والقرآن أيضاً محكماً لا حشو فيه ولا نقص ولا عيب كما يكون في كلام البشر.
الحكمة من خفاء فهم الحكم في حكم لله :
خفاء الحكمة من الخلق أو الشرع لا يعني عدمها، وإنما يعني عدم علمنا بها. والقاعدة المقرَّرة: “أن عدم العلم ليس علمًا بالعدم”.
أي: عدمُ علمنا بالحكمة لا يعني أنها معدومة فعلاً، وإنما غايةُ الأمر أننا جهلناها ولم ندركها.
والإيمان بذلك يندرج تحت ركن من أركانِ الإيمان وهو الإيمان بالغيب.
فالله – تعالى – أخفاها عنّا لحكم أخرى منها :
1– الابتلاء للناس في التسليم بحكمة الحكيم فيما أمر ، وما يترتب على هذا الابتلاء من الفرقان بين الناس، ورفعة المؤمنين وظهور آثار أسماء الله تعالى وصفاته في خلقه.
-2الرحمة بعقول الناس وإدراكهم، فإن عقل الإنسان وإدراكه لا يحيط بجميع علوم المخلوقات فضلا عن علم الخالق جلَّ وعلا، وإن معرفة الإنسان بما ينفعه خير له من معرفة ما يضره، فضلا عن معرفة كل ما يعلمه الخالق جلَّ وعلا، ولهذا فإن خفاء بعض الأمور على المخلوق رحمة به، وهو خفاء لا يضره، وإنما الذي يضره أن يخفى عليه ما هو بأمس الحاجة إليه لنجاته في الدنيا والآخرة، وهذا ما قد أرسل الله الرسل ليهدوا الناس إليه ويدلوهم عليه، وجعله الحجة المعتبرة التي يكفر من لا يقبلها ويؤمن بها.
-3 دلالتها على اتساع حكمة الله تعالى وكمالها، مع عجز الإنسان وضعفه عن الإحاطة بجميع حكمة الله تعالى، فهي بينة باهرة ظاهرة في الحكمة المخفية على ظهور كمال حكمة الله تعالى.
فسبحان من جعل في خفاء بعض حكمته ظهورا لكمال حكمته وتمامها!
هل تصح نسبة الشر إلى الله تعالى ؟ وهل يقع في أفعاله شر؟
إن الله سبحانه وتعالى منزَّه عن الشر، ولا يفعل إلا الخير، والقدر من حيث نسبته إلى الله لا شر فيه بوجه من الوجوه؛ فإنه علم الله، وكتابتُه، ومشيئته، وخلقُه، وذلك خير محض، وكمال من كل وجه، فالشر ليس إلى الرب بوجه من الوجوه، لا في ذاته، ولا في أسمائه ولا صفاته، ولا في أفعاله.
ولو فَعَلَ الشر سبحانه لاشتُق له منه اسم، ولم تكن أسماؤه كلها حسنى، ولعاد إليه من الشر حكمٌ تعالى وتقدس.
وإنما الشر يدخل في مخلوقاته، ومفعولاته، فالشر في المقضي، لا في القضاء، ويكون شرَّاً بالنسبة إلى محل، وخيراً بالنسبة إلى محل آخر، وقد يكون خيراً بالنسبة إلى المحل القائم به من وجه، كما هو شر من وجه آخر، بل هو الغالب، وهذا كالقصاص، وإقامة الحدود، وقتل الكفار؛ فإنه شرٌ بالنسبة إليهم لا من كل وجه، بل من وجه دون وجه، وخير بالنسبة إلى غيرهم لما فيه من مصلحة الزجر، والنكال، ودفع الناس بعضهم ببعض , وكذلك الأمراض وإن كانت شروراً من وجه فهي خيرٌ من وجوهٍ عديدة.
والحاصل أن الشر لا يُنسب إلى الله تعالى ولهذا ثبت في صحيح مسلم أن النبي ” كان يثني على ربه بتنزيهه عن الشر بدعاء الاستفتاح في قوله “لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت”
ومعناه والشر ليس مما يُضاف إلى الله إفراداً أو قصداً حتى يُقال: يا خالق الشر، ويا مقدر الشر وإن كان الخالق والمقدر لهما جميعاً؛ لذلك أضاف الخضر عليه السلام إرادة العيب إلى نفسه فقال فيما أخبر الله عنه في قوله (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا) سورة الكهف:79.
ولمَّا ذكر الخير والبر والرحمة أضاف إرادتها إلى الله عز وجل فقال :(فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) سورة الكهف: 82.
و قال مخبراً عن إبراهيم عليه السلام أنه قال : (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) سورة الشعراء: 80.
فأضاف المرض إلى نفسه، والشفاء إلى ربه، وإن كان الجميع منه
والحاصل أن الله تعالى لا يُنسب إليه الشر؛ لأنه إن أريد بالشر وضع الشيء في غير موضعه فهو الظلم، ومقابله العدل، والله منزَّه عن الظلم.
وإن أُريد به الأذى اللاحق بالمحل بسبب ذنب ارتكبه فإيجاد الله للعقوبة على ذنب لا يُعد شرَّاً له؛ بل ذلك عدلٌ منه تعالى.
وإن أُريد به عدم الخير، وأسبابه الموصلة إليه فالعَدَمُ ليس فعلاً حتى ينسب إلى الله، وليس للعبد على الله أن يوفقه، فهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، ومنع الفضل ليس بظلم ولا شر.
خامسا / ثمار الإيمان بالاسم الجليل :
1- الانقياد لأمر الله وشرعه ونهيه:
فإذا علم العبد أنّه يعبد ربا حكيما في خلقه وشرعه وجب عليه أن ينقاد لأمره كله، وأن يتحاكم إلى شريعته (ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون )المائدة 50 ، وهذه الآية بيِّنة على أن حكم غير الشرع جاهلية، ويستنكر رب العزة ابتغاء الحُكّام حُكْماً غير الشرع، ويؤكد أن ذلك جاهلية.
2- لا يخلو فعل من أفعال الله من حكمة:
اليقين بأنه لا يخلو فعل من أفعال الله أو خلق من خلقه من حكمة ، وكمال الله يأبى أن يطلع خلقه على جميع حكمته ، وإن جهل العبد الحكمة فليتهم نفسه وجهله ولا يتهم ربه وشرعه، فلا ينبغي للعبد أن يقدم على أمر الله وعلى نهيه وعلى قدره لا رأيا ولا واقعا ولا تجربة .
3- السكينة والطمأنينة والرضا بقدر الله :
إذا علم العبد أن كل ما يجري في هذا الكون هو لحكمة بالغة أرادها الله تبارك وتعالى ؛ كان لهذه المعرفة الأثر البالغ في حياته وتصرفاته ونظرته للكون والحياة وعاش مطمئن القلب قرير العين مفوضا الأمر كله لله تعالى متقنا لعمله محسنا لعبادته، ومتيقنا أن كل ما يجري في الكون والحياة هو من تقدير الحكيم العليم اللطيف الخبير الذي لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه.
4- معنى الحكمة الحقيقي: وضع الشّيء موضعه:
وليس معناها الرّفق كما يفهم أكثر النّاس، بل إنّ من الحكمة التشدّد وقت الشدّة، والرّفق وقت الرّفق كما قال الشّاعر:
ووضع النّدى في موضع السّيف بالعُلا *** مُضرّ، كوضع السّيف في موضع النّدى
وقال آخر
إن أنت أكرمت الكريـم ملكتـه *** وإن أنت أكرمـت اللّئيم تـمـرّدا