5- أسرار ومعاني “بسم الله الرحمن الرحيم”
بسم الله الرحمن الرحيم (1)
معنى البسملة:
البسملة: مصدرٌ مشتق من جملة “بسم الله الرحمن الرحيم”، كما يُقال: “الحوقلة” من “لا حول ولا قوة إلا بالله”، و”الحمدلة” من “الحمد لله”، و”الحسبلة “من ” حسبنا الله ونعم الوكيل” ، والحيعلتين : ” حي على الصلاة؛ حي على الفلاح”[1]
فـ”بسمل” تعني: قال “بسم الله الرحمن الرحيم”، و”يبسمل” أي يبدأ بشيء بهذه العبارة، و”البسملة” تُطلق على القول نفسه أو فعله.
ومعناها: “بِسْمِ اللَّهِ” أي أبدأ مستعينًا باسم الله.
(الرحمن الرَّحِيمِ) هما اسمان من أسماء الله تعالى يدلان على عظمة رحمته وسَعتها، فكأن المعنى: أبدأ عملي هذا مستعينًا بالله، متبركًا باسمه، راجيًا رحمته، طالبًا عونه وتوفيقه. [2]
والبسملة افتتح بها الصحابة كتاب الله واتفق العلماء على أنها بعض آية من سورة النمل، ثم اختلفوا هل هي آية من الفاتحة أم لا؟
على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنها آية من كل سورة إلا براءة: وهذا قول الشافعي وأحمد في رواية عنه وإسحاق بن راهويه.
القول الثاني: ليست آية من الفاتحة ولا من غيرها من السور، وهو قول مالك وأبو حنيفة وأصحابهما.
القول الثالث: هي آية مستقلة في أول كل سورة لا منها، وهذا رواية عن الإمام أحمد بن حنبل ، وحكاه أبو بكر الرازي عن أبي الحسن الكرخي، وهما من أكابر أصحاب أبي حنيفة رحمهم الله.
حكم الجهر بها :
أما الجهر بها فمفرع على هذا، فيتفرع القول على ثلاثة مذاهب:
المذهب الأول : مذهب المالكية أنها ليست من الفاتحة فلا يجهر بها، ويستحب ترك قراءتها في الفرض دون النافلة ، ودليلهم:-قوله-صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه جل وعلا: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد: الحمد لله ربِ العالمين…)
وجه الدلالة:- أن المقصود بالصلاة في الحديث الفاتحة كما هو ظاهر، ولم يعد من آياتها البسملة.
الثاني: مذهب الشافعية :أنها آية من الفاتحة ومن كل سورة وعلى هذا فقراءتها واجبة في الفاتحة، وحكمها حكم الفاتحة في السر والجهر.
واستدلوا بعدة أدلة منها:
1- حديث نعيم المجمر ، قال : صليت وراء أبي هريرة فقرأ ( بسم الله الرحمن الرحيم ، ثم قرأ بأم القرآن ) الحديث وفي آخره قال : والذي نفسي بيده أني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه النسائي.
قال الحافظ في الفتح : وهو أصح حديث ورد في الجهر بالبسملة.
2- وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك أنه سئل عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كانت قراءته مدا، ثم قرأ ببسم الله الرحمن الرحيم يمد بسم الله ويمد الرحمن ويمد الرحيم.
3- وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. الرحمن الرحيم. مالك يوم الدين . رواه أحمد وأبي داود وصححه الألباني
الثالث: مذهب أبي حنيفة والثوري وأحمد بن حنبل: لا يجهر بالبسملة في الصلاة ، وأنها آية مستقلة أنزلت للتيمن والفصل بين السور ، وأن قراءتها في الفاتحة جائزة بل مستحبة ، ولا يسن الجهر بها . واستدلوا بـ:
- في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين )
- وبما في الصحيحين عن أنس بن مالك قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يفتتحون بالحمد لله رب العالمين.
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله عز وجل: “قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال: الحمد لله رب العالمين قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال الرحمن الرحيم قال الله: أثنى علي عبدي، فإذا قال مالك يوم الدين قال الله: مجدني عبدي، وقال مرة: فوض إلي عبدي، فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل» رواه مسلم
- حديث أنس قال : ( صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف أبي بكر وعمر وعثمان ، وكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم ) رواه النسائي.
- حديث(سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل…) وسورة تبارك 30 آية من دون البسملة، وهذا جواب على الشافعية.
- واستدلوا بكتابة الصحابة لها في المصاحف مع حرصهم على ألا يكتبوا مع القرآن غيره.
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: “فإن كتابتها في المصحف بقلم القرآن تدل على أنها من القرآن، وكتابتها مفردة مفصولة عما قبلها وما بعدها تدل على أنها ليست من السورة.
وقال ابن القيم : كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر ( ببسم الله الرحمن الرحيم ) تارة ، ويخفيها أكثر مما يجهر بها ، ولا ريب أنه لم يجهر بها دائما في كل يوم وليلة خمس مرات أبدا ، حضرا وسفرا ، ويخفي ذلك على خلفائه الراشدين وعلى جمهور أصحابه وأهل بلده في الأعصار الفاضلة .والعلماء متفقون على صحة صلاة من جهر بها ومن أسر بل وصحة صلاة من تركها ، فهذه من المسائل التي يسعنا فيها الخلاف لأنه خلاف معتبر.
كيفية عد الآيات:
هناك اتفاق على أن الفاتحة سبع آيات ، فكيف يتم عدها مع الاختلاف الوارد في ” بسم الله الرحمن الرحيم”؟
أولا / من يرى أنها آية من الفاتحة يعدها هكذا
﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ١ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ٢ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ٣ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ٤ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ٥ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ٦ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ٧﴾ [الفاتحة: 1-7]
ثانيا/ من لا يرى البسملة آية من الفاتحة يعد الآيات هكذا:
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ١الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ٢مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ٣ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ٤ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ٥صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ٦غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ٧﴾ [الفاتحة: 1-7]
[1] الأسلوب الذي تتكوَّن فيه كلمة واحدة مشتقة من جملة كاملة يُسمّى في اللغة العربية “الاشتقاق الكبير” أو “النحت”، ويسمّيه بعض العلماء “النحت اللغوي”.
والنحت في اللغة هو تركيب كلمة جديدة من كلمتين أو أكثر للدلالة على معنى مركب منهما، وقد عرّفه ابن فارس بأنه نوع من الاشتقاق، يؤخذ فيه من جملتين أو أكثر كلمة واحدة تدل على معناه.
[2] وسيأتي مزيد شرح في الآية الثالثة من السورة إن شاء الله تعالى.
