26- حقيقة السحر
موضوع الشياطين والسحر وما شابه ذلك، يرتكز على الكثير من الخرافات والأوهام الشعبية المتوارثة.
منذ صغري، وأنا أرى أن فاكهة المجالس تتلخص إما في الحديث عن النساء (والنساء يتحدثن عن الرجال بالطبع)، أو عن السحر والشياطين والجن، والقصص الغريبة والعجيبة التي يتناقلونها ويتواصون بها. كل هذا موجود، والناس مولعون بهذه القصص.
حقيقة الجن والسحر
الجن موجودون فهم حقيقة، وليسوا خرافة، والشياطين موجودون، والأذى موجود، والسحر موجود، وهذه الأشياء لا ينكرها مسلم.
لكن السحر أنواع، منه ما هو تخييل ومنه ما هو حقيقة.
سحر التخييل
عمل المهرج يعتمد على نظرية تحضير العفريت ليبرر لك غرابة ما يقوم به من حركات ، فبمجرد رؤيته، تعتقد أن هناك أشياء غير طبيعية ستحدث. لديه لباس معين وهيئة غريبة وملفتة للنظر، بالإضافة إلى أنه قد يرسم على وجهه، فيعرض الفم أو يكبره، ويعرض منطقة العين ويجعلها كبيرة، وقد يرسم قرونًا لنفسه، كل هذا تهيئة نفسية، خاصة للأطفال، ليظهر وكأنه إنسان يختلف عن بقية البشر.
سحر التخييل يعتمد على الخفة والحركة السريعة: لو أن شخصًا لا يعرف كيف تعمل المروحة، فلن يصدق أنها بثلاثة أجنحة فقط.
انظر إلى المروحة وهي تعمل، واسأل شخصًا جاهلًا، فسيقول لك: “حوالي 60 جناحًا” كلا، إنها ثلاثة أجنحة فقط، ولكن لسرعة الحركة، يحدث لك تخييل بأنها ليست ثلاثة أجنحة فقط.
نكتة سريعة: وأنت تركب السيارة أو القطار، تشعر وكأن كل الأشياء تجري خلفك: البيوت، الأشجار، المباني، كل شيء يجري خلفك.
هل هذا حقيقة؟ الحقيقة أنك أنت الذي تجري، لكن حدث لك تخييل بأن هذه الأشياء كلها تجري وراءك.
الساحر أو المهرج، عندما يُحضر العفريت في ذهنك، يبدأ في عمل أشياء هو مدرب عليها تدريبًا عاليًا، حتى أتقنها لأنه كررها آلاف المرات.
وتعتمد على الخداع البصري وعلى السرعة، فأنت لا تركز.
حضرت بعض هذه العروض، عندما يحضرهم الإخوة في الأعياد أو المناسبات، فيُحضر منديلًا من مادة معينة، أنت تراه منديل قماش، لكنه مادة مضغوطة، فيخرج منه منديل واثنان وثلاثة وأربعة وخمسة وستة وسبعة، والناس منبهرة.
هذا أمر عادي، إنها مادة مضغوطة يقوم المهرج بتفريقها عن بعضها، ليست معجزة.
الشيء الغريب الذي لا أزال لا أعرف له تفسير هو أن يمد يده في الكم ويُخرج حمامة أو اثنتين أو ثلاثًة، وأنا أركز لأعرف أين تذهب الحمامة وتختفي.
والعجيبة أنه يحك قفاه ويخرج أرنبًا، لا أعرف كيف كان يضعه في قفاه. هو يقوم ببعض الأشياء، ولديه اثنان من المساعدين يقومان بالتمويه والمساعدة على التشويش لئلا يكتشف الناس السر.
ويمكنك أن تبحث في اليوتيوب عن الخدع السحرية، يعرضون لك كيف تقوم بالخدع السحرية وعروض للأطفال الصغار أو للترويج بأشياء بسيطة جدًا ولا توجد بها أي مشكلة.
وهناك سوق رائجة لهذه الأشياء تباع أونلاين وموجودة إذا أردت أن تمارس هذه المهنة.
ويقال في بعض كتب التفسير أن سحرة فرعون الذين كانوا أمام كليم الله موسى عليه السلام كان لديهم خبرة بالكيمياء، وكان لديهم مادة اسمها الزئبق، هذه المادة عندما تتعرض للحرارة تتمدد، فجلبوا أنابيب مطاطية وضعوا فيها هذه المادة، وكان الناس موجودين في وقت الضحى في حر الشمس، فلما ألقوا حبالهم وعصيهم، تمددت هذه الحبال والعصي بداخلها الزئبق، فصارت تتلوى كالحيات الحقيقية، ولذلك قال تعالى: “فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ” (الشعراء: 44). وقال: “يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى” (طه: 66).
رأيت مرة مقطع فيديو لفيلم، عن طفل صديقه فيل ، الفيل الذي كان بالفيلم كان شيئا مصنوعا بشكل بالغ الدقة ، قاموا بعمل تمثال كامل لفيل، تمثال كامل مصنّع، وقاموا بعمل آلات لتحريك الأرجل والذيل والزلومة، تتخيل أن الفيلم الذي مدته ساعة ونصف أقنعك أن الفيل يتكلم ويتحرك ويتعامل مع الطفل.
أفلام الديناصورات التي نراها منذ التسعينيات، هل هناك ديناصورات حقيقية؟ أنت مصدق هذا الكلام؟
كلها تعتمد على آلات معينة وتخطيط وإعداد ومصاريف ضخمة، لأنهم في المقابل يكسبون الملايين.
أفلام الإنمي، تعرض لك الحيوانات تتكلم مع بعضها وتكلم البشر، الأسد يتكلم والدب يتكلم ، وأنت تصدق هذا الكلام أيضًا ومقتنع به وتعيش معه. هذا كله تخييل.
السحر الحقيقي والاستعانة بالشياطين
وهناك السحر الحقيقي الذي يعتمد على الاستعانة بالشياطين ، لأن رب العالمين خلق الجن، وهم يختلفون عن طبيعة الإنس، فهم ليسوا مثلنا، ليست لديهم أجسام لها حجم وكتلة وكثافة.
الجن لديهم سرعة حركة، ومنهم من له أجنحة يطير بها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من هو حيات وعقارب، ومنهم من يحلون ويظعنون (يقيمون في مكان ثم يرحلون منه).
نقرأ هذا في قصة سيدنا سليمان عليه السلام عندما قال: “قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ” (النمل: 38).
“قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ” (النمل: 39). سيدنا سليمان في فلسطين وعرش بلقيس في اليمن، مسافة طويلة تتجاوز ألفي كيلومتر وأكثر… سيقطع هذه المسافة ويقتلع العرش ويأتي به لسيدنا سليمان في فلسطين.
هذا يعني أنه مثل طائرة شحن جوي، وقبل أن تقوم من مقامك، هذه تعني فترة اجتماع سيدنا سليمان، الاجتماع كان نصف ساعة أو ساعة.
لكن ليس كل الجن لديهم هذه القدرة التي تحدث عنها هذا العفريت، حتى نحن في لهجتنا الدارجة، عندما يقوم أحد بعمل شيء مبهر نقول: “أنت عفريت”. أو هذا “ولد عفريت”. سبحان الله.
قصة الشيخ الشعراوي مع ساحر هندي:
ذكر الشيخ في أحد دروس التفسير: إنه سافر مرة لمؤتمر في باكستان. وسفير السعودية في باكستان كان صديقًا له، وقال له: “يا شيخ، هناك ساحر هندي هنا في قرية بباكستان يقوم بعرض غريب جدًا، أريدك أن تراه وتخبرني ماذا يحدث”.
ذهب الشيخ الشعراوي كمتفرج؛ وجد الرجل يُحضر كومة قطن، وبسرعة عالية جدًا يقوم بفتلها حبلًا على شكل عمود، كل هذا القطن يفتله ويتشكل على شكل عمود كأنه عمود معدني من الحديد.
ثم يأتي طفل ويقول له: “تسلق العمود هذا” فيتسلقه الطفل وينزل.
من المفترض أن هذا قطن رخو، فكيف يتسلقه؟
تعجب الشيخ الشعراوي: “ما هذا؟” يمكننا أن نصدق أنه فتل القطن بسرعة وبكفاءة، لكن الولد صعد على العمود القطني هكذا ولم يسقط ولم يمل ولم يهتز.
فقال الشيخ للسفير: “ممكن تحضر لي كاميرا لأصور؟” (كان هذا قديمًا، ليس أيام الكاميرات الديجيتال).
فجلب كاميرا وصور العرض كله لكي يتمكن من رؤيته جزءًا بجزء وما الذي يحدث. وكانت المفاجأة:
المفاجأة أن الشيخ الشعراوي يقول بعدما حمّضوا فيلم التصوير، وجدوا كل شيء غير موجود، لا يوجد سوى الساحر فقط. الساحر وحده هو الذي صُوّر، أما القطن وفتل القطن حبلًا والحبل الذي صعد عليه الولد ونزل، كل هذا غير موجود.
ثم قال هذا اسمه استعانة بالشياطين الذين قاموا بعمل سحر التخييل لكل من حضر هذا العرض .
ما هو تفسيرنا لهذا؟
لكي يكون الساحر بهذه الدرجة وتسخّر له الشياطين، يجب أن يكون من أكثر الخلق كفرًا والعياذ بالله، ويجب أن يرضي كبير القبيلة من الشياطين، فيسخر له الشياطين من القبيلة.
بماذا يرضيه؟
بأن يذبح له من دون الله، يخضب جسمه بالدم، يختلي في مكان قذر، أو يقوم بأشياء كفرية لا أريد أن أفسرها.
في النهاية عندما يرضى عنه الشيطان سيد هذه القبيلة، يسخر له الشياطين، فيستعملهم لأكل الأموال، أو لأذى العباد وعمل الأعمال السحرية.
تأثير السحر على الإنسان
السحر يؤذي الإنسان لأن طاقة الشياطين غير طاقة الإنسان؛ جسم الإنسان له قوانين، فيأتي الشيطان ويقوم بعمل خلل فيزيائي لخلايا الجسم، بحيث يشعر الإنسان بالخمول دائمًا والكسل، أو تشعر بالمرض، ثم يتسلط عليك بالوساوس فتشعر بالفشل، والتفكير في الانتحار، والهواجس والوساوس القهرية، التفكير دائمًا في المصائب ، ووسواس تطليق الزوجة، وسواس عمل المعصية الفلانية، على حسب الغرض الذي عمل من أجله السحر.
وعلى الرغم من هذا، هناك نصابون كثيرون لا يعرفون الشياطين ولا حتى لديهم معرفة بها، لكن لهم صيت بين الناس.
فأنت ذاهب إلى شخص قام بعمل دعاية لنفسه مع لباس معين ، بحيث يجعل نفسيتك مهيأة لهذه الأشياء، ويدفع الناس أموالا طائلة للحفظ من السحر والحسد بعمل حرز أو حجاب، ومنهم من يدفع مالا كثيرا لعمل سحر فيه أذى لغيره ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
حجاب آية الكرسي
التمائم جمع تميمة وهي ما يعلق من خرزات ونحو ذلك للحفظ من السحر، أو للوقاية من الحسد، ويسميها بعض الناس حرزا، ويسميها بعضهم حجابا، وسميت تميمة لاعتقادهم أنهم يتم أمرهم ويحفظون بها.
وتعليق التمائم محرم ، وهو من التشبه بالجاهلية، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: من تعلق تميمة فلا أتم الله له ـ وفي رواية أخرى: من تعلق تميمة فقد أشرك ـ
وإن اعتقد فيها النفع والضر من دون الله عز وجل ، فهذا شرك أكبر ، وإن اعتقد أنها سبب للسلامة من العين أو الجن ، فهذا شرك أصغر ، لأنه جعل ما ليس سبباً سبباً .
قال لي أحد الإخوة: “سمعتك في الدرس تقول أن حمل الحجاب وهذه الأشياء حرام وفيها كفر واستعانة بالشياطين، وأنا رجل أخاف الله، لكن زوجتي عندما نزلت للبلاد عملت حجابين للحفظ بـ 160 دولارًا.
الرجل الدجال قال لها: الحجاب بـ 100، ولكن بما أنك عملت حجابين لك ولزوجك، سأعمل لك خصمًا، فخفض لها الحجاب الواحد إلى 80.
ثم أعطاهم لي قائلا: “افعل بهم ما شئت”.
قلت له: “دعنا نفتحهما”.
قال: “لا، سأقف بعيدا عنك”
كل حجاب كان مخيطًا في قماشة صغيرة ؛ فأمسكت المقص وفتحتهما .
ماذا وجدت بالداخل؟
وجدت آية الكرسي، مطبوعة على ورقة عادية والله!!
فناديت عليه قلت له: “بـ 160 دولارًا، كم مصحفًا تشتري؟” قال: حوالي عشرين مصحف .
قلت له: “الرجل طبع لك آية الكرسي على ورقتين، لم يكتبها بيده، وباعها لأهلك بـ 160 دولارًا”. سبحان الله العظيم.
الرجل أخذ يضحك ويضرب كفًا بكف، ثم قال: “والله كنت مرعوبًا وخائفًا ولا أعرف ماذا أقول لك؟!!!
لذلك الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “من أتى عرافًا أو كاهنًا فصدقه بما قال، فقد كفر بما أنزل على محمد” (رواه أحمد).
لماذا؟ لأن من يعتقد أن هذا الدجال وشياطينه ينفعون ويضرون من دون الله، فقد وقع في الشرك والعياذ بالله، أما المسلم الحق فإنه يوقن أن الحافظ له هو الله، وأنه باستعاذته بالله والمحافظة على الرقية الشرعية والأذكار، لا يستطيع الشيطان أن ينال منه.
قال تعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴿٩٨﴾ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴿٩٩﴾ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ ) (النحل: 98-100).
الوسائل الشرعية التي يُتقى بها السحر قبل وقوعه
من أهم الوسائل التي يُتقي به خطر السحر قبل وقوعه هو التحصن بالأذكار الشرعية ، ومن ذلك :
1- قراءة آية الكرسي عند النوم:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: وكلني رسولُ اللهِ ﷺ بحفظِ زكاةِ رمضانَ، فأتى آتٍ فجعل يحثو من الطعام، فأخذته… وفي النهاية قال له:
“إذا أويتَ إلى فراشك فاقرأ آيةَ الكرسيِّ، لن يزالَ معك من اللهِ حافظٌ، ولا يقربُك شيطانٌ حتى تُصبِحَ.”
فقال النبي ﷺ: صدقك وهو كذوبٌ، ذاك شيطانٌ.”رواه البخاري
2- قراءة (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) والمعوذتين ثلاث مرات صباحًا ومساءً:
عن عبد الله بن خُبَيب رضي الله عنه قال:قال لي رسول الله ﷺ:
“اقرأ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، والمعوذتين، حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء” رواه أبو داود
– 3قراءة الآيتين من آخر سورة البقرة ليلًا:
عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال: ” من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه” رواه البخاري ومسلم
والمعنى: كفتاه من كل شر وبلاء.
-4التعوذ بكلمات الله التامات عند نزول منزل:
عن خولة بنت حكيم رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول:
“من نزل منزلًا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك”رواه مسلم
5 -قول: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء… ثلاث مرات:
عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ:ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، ثلاث مرات، فيضره شيء.” رواه أبو داود
وهذه الأذكار من أعظم الأسباب في اتقاء شر السحر وغيره من الشرور لمن حافظ عليها بصدق وإيمان ، وثقة بالله واعتماد عليه ، وانشراح صدر لما دلت عليه .