6- أسرار ومعاني “الحمد لله رب العالمين”

وسنتناول هذه النقاط بعون الله ومدده:
أولا / معنى الحمد.
ثانيا/ دوام الحمد لله تعالى.
ثالثا/ لا أحصي ثناء عليك
رابعا/ الحمد في السراء والضراء
خامسا/ ما الفرق بين الحمد والمدح ؟
سادسا/ ما الفرق بين الحمد والشكر؟
سابعا/ ما ورد في فضل الحمد.
أولا / معنى الحمد
(الحمد لله) ثناء أثنى به على نفسه وفي ضمنه أمر عباده أن يثنوا عليه فكأنه قال: قولوا الحمد لله.
والألف واللام في الحمد لاستغراق جميع أجناس الحمد وصنوفه لله تعالى.
فكل المحامد لله سبحانه وتعالى، لأنه هو الخالق لكل شيء، وكل ما يُحمد في هذا الكون فهو منه، وقائم به سبحانه.
فإذا رأينا شخصًا يُحمد على حسن خلقه، أو يُثنى عليه لكرمه أو علمه، فكل ذلك من عطاء الله عز وجل، فالذي يستحق الحمد الكامل هو الله تعالى، فهذا الشخص ما كان له أن يُحمد لولا أن الله أكرمه ووفقه، فجعل له هذا الخُلق أو هذا الفضل بين الناس، فهو في الحقيقة قائم بالله، وبهذا يكون الله سبحانه هو المستحق للحمد أولًا وآخرًا، كما قال تعالى:﴿وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ﴾ [القصص:70].
فالله سبحانه له جنس المحامد كلها، لأن كل من اتصف بشيء يُحمد عليه، فإنما هو من فيض الله ونعمه، وقائم بأمره سبحانه.
وقال بعض العلماء: إن معنى “الحمد لله” هو: الحمد التام الكامل لله عز وجل؛ لأن البشر إذا مُدِح أحدهم، لا يُمكن أن يُمدَح مدحًا تامًا مطلقًا، فكل إنسان فيه ما يُحمد عليه وما قد يُذم عليه.
فنقول: فلان عنده صفات حسنة كذا وكذا، لكن إن غضب تغيّر، أو إن مرض تغيّر حاله… فالبشر يُحمد في جانب، ويُذم في جانب آخر، وهذه حال البشر جميعًا.
أما رب العالمين جل جلاله، فهو المحمود حمدًا تامًا لا نقص فيه بوجه من الوجوه؛ فهو محمود في ذاته، محمود في أسمائه، محمود في أفعاله، محمود في تشريعه، محمود في قضائه وقدره، وتدبيره.
ولذلك علّمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نقول في الدعاء:
“اللهم لك الحمد كله” أي أن كل الحمد له، فلا نحمده على شيء ونذمه على آخر – حاشاه سبحانه – بل هو محمود حمدًا مطلقًا تامًا دائمًا، فالحمد لله دائمًا وأبدًا.
من نعم الله أن علمنا كيف نحمده:
يقول الشعراوي رحمه الله في التفسير:(ومن رحمة الله سبحانه وتعالى أنه علمنا صيغة الحمد. فلو أنه تركها دون أن يحددها بكلمتين. . لكان من الصعب على البشر أن يجدوا الصيغة المناسبة ليحمدوا الله على هذا الكمال الالهي. . فمهما أوتي الناس من بلاغة وقدرة على التعبير فهم عاجزون على أن يصلوا الى صيغة الحمد التي تليق بجلال المنعم فكيف نحمد الله والعقل عاجز أن يدرك قدرته أو يحصي نعمه أو يحيط برحمته؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم َ أعطانا صورة العجز البشري عن حمد كمال الالوهية لله، فقال: «لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» .
وكلمتا الحمد لله، ساوى الله بهما بين البشر جميعا، فلو أنه ترك الحمد بلا تحديد، لتفاوتت درجات الحمد بين الناس بتفاوت قدراتهم على التعبير، فهذا أمي لا يقرأ ولا يكتب لا يستطيع أن يجد الكلمات التي يحمد بها الله، وهذا عالم له قدرة على التعبير يستطيع أن يأتي بصيغة الحمد بما أوتي من علم وبلاغة، وهكذا تتفاوت درجات البشر في الحمد طبقا لقدرتهم في منازل الدنيا.
ولكن الحق تبارك وتعالى شاء عدله أن يسوي بين عباده جميعا في صيغة الحمد له. . فيعلمنا في أول كلماته في القرآن الكريم. . أن نقول {الحمد للَّهِ} ليعطي الفرصة المتساوية لكل عبيده بحيث يستوي المتعلم وغير المتعلم في عطاء الحمد ومن أوتي البلاغة ومن لا يحسن الكلام.
ولذلك فإننا نحمد الله سبحانه وتعالى على أنه علمنا كيف نحمده وليظل العبد دائما حامدا. ويظل الله دائما محمودا. )[1]
ثانيا/ دوام الحمد لله تعالى
إن من أعظم ما يُفارق به حمد الله عن حمد المخلوقين: أنه حمد دائم لا ينقطع.
فأنت إذا أحسن إليك إنسان بمعروف، شكرته وحمدته على جميله، ثم ينتهي الأمر… لأن الإحسان قد انتهى، أو لأنه لا يقدر على الاستمرار.
أما عطاء الله عز وجل، فإنه لا يتوقف عنك أبدًا:
- منذ أن خلقك من العدم…
- إلى أن يقبض روحك…
- بل وتستمر نعمه عليك حتى في قبرك، ثم في آخرتك، إن كنت من أهل رضاه.
فحمد الله عز وجل لا يُحدّ بوقت، ولا ينحصر في مناسبة، بل هو واجب دائم مستمر، لأنه عز وجل ينعم على عبده ليلاً ونهارًا، بلا توقف ولا انقطاع.
وقد قال الله تعالى:﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ [إبراهيم:34]
“نعمة” هنا اسم جنس يشمل كل أنواع النعم، لا تستطيع حصرًا ولا عدًّا.
ولهذا لما قال أحد الصحابة – بعد الرفع من الركوع –ربنا ولك الحمد، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه”وفي رواية عند الإمام مالك في الموطأ:كما يحب ربنا ويرضى”
قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكًا يبتدرونها، أيهم يكتبها أول”رواه مسلم.
وهذا يدل على محبة الله لهذا الحمد، وأنه لم يُسمَع من عبد قبل ذلك بهذا اللفظ، فكان حمدًا جديدًا يُرضي الله تعالى، حتى تسارع الملائكة لكتابته ورفعه.
فأي مقام أعظم من هذا؟! أن تقول كلمة يُرضى عنها رب العالمين، وتسابق الملائكة لكتابتها؟
ولهذا ينبغي أن يكون الحمد لله شعار المسلم في كل حين، لأن نعم الله لا تتوقف، ولأن الله يحب الحمد، ويُرضى به، ويُثيب عليه أعظم الثواب.
ثالثا/ لا أحصي ثناء عليك
حينما تقوم بالإخبار عن أحدهم معرفا به تقول: فلان الفلاني… رئيس كذا، مدير كذا، صاحب كذا، مؤسس كذا…
لكن إذا أردت أن تخبر عن الله عز وجل، فإنك تقول:الحمد لله رب العالمين” [الفاتحة: 2]
الكون كله بيده : ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ﴾ [الملك: 1]، و ﴿فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [يس:83]
نعم، نحن نمدح الناس على صفات محدودة: نقول عن فلان إنه مؤدب، من بيت طيب، من أسرة معروفة، يصلي، حسن الخلق… هذا حمد محدود.
لكن إن أردنا أن نثني على الله بما هو أهله، فإننا لا نستطيع، ولهذا قال النبي ﷺ في دعائه: (لا أُحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك) ، أي: يا رب، أنا أعجز عن أن أصفك بما يليق بجلالك، فأنت كما أثنيت على نفسك.
وفي سورة الكهف:﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي﴾ [الكهف: 109] أي: لو تحوّل ماء البحر إلى حبر، وكتبنا به أسماء الله وصفاته وكلماته، لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات الله فكلمات الله تامّة، لا نقص فيها، ولذلك نقول:أعوذ بكلمات الله التامات”
لأن صفاته كاملة:
- علمه: لا يسبقه جهل، ولا يلحقه نسيان.
- قدرته: لا يعجزه شيء، ولا يحدها حد.
- سمعه: يسمع كل الأصوات، في وقت واحد، لا تخفى عليه خافية.
- بصره: يرى كل شيء، في السماوات والأرض.
أما نحن:
- علمنا محدود، يسبقه جهل، ويلحقه نسيان.
- قوتنا محدودة، بصرنا محدود، سمعنا محدود، أموالنا محدودة، حياتنا نفسها محدودة…وحتى أعظم الملوك في الأرض، قد يُمنَع من اتخاذ قرار!
أما رب العالمين، فإذا أراد شيئًا قال له : “كن فيكون، لا معقّب لحكمه، لا أحد يراجع الله في قضائه: قال تعالى: ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ، وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ﴾[يونس:107]
فالله عز وجل لا يردّ حكمه أحد، ولا يعارضه أحد، ولا يُنازعه أحد في ملكه. كمال صفات الله وعجز البشر عن الإحاطة بها
فحين تريد أن تثني على الله بما هو أهله، تعجز، وفي سورة لقمان، يقول الله:﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ، وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ، مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ﴾ [لقمان:27]
لو أخذنا كل أشجار الأرض، مثلًا: يقولون إن في كندا 318 مليار شجرة تقريبًا [2] لوحولناها كلها إلى أقلام، وأخذنا البحار مدادًا (حبراً)، وكتبنا بها أسماء الله وصفاته وأفعاله… ما نفدت كلمات الله.
فإذا قلت في أذكارك:أعوذ بكلمات الله التامات”فاستشعر أنك تستعيذ بالله بصفاته الكاملة التي لا نقص فيها.
فسمع الله تام…بصره تام…علمه تام…رحمته تامة…قدرته تامة…
أما الإنسان: فعلمه ناقص، وقدرته محدودة، وسمعه وبصره يعتريهما الضعف، ويحيط بهما النقص.
ومن هنا، كان اللجوء إلى غير الله مذلّة وضياعًا.
ومن ذهب إلى عرّاف أو كاهن فقد كفر بما أنزل على محمد، لأنه ترك باب الملك، وذهب إلى عبد مسخر للشيطان.
فوالله لو أمضينا أعمارنا كلها في مدح الله، ما وفيناه حقه،كما قال النبي ﷺ:لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك”
رابعا/ الحمد في السراء والضراء
ونحن نحمد الله عز وجل في كل حال، ونحمده على كل نعمة، وعلى كل قدر، لأنه سبحانه مستحق للحمد مطلقًا.
ومن المعروف عند الناس: أن من أحسن إلينا نشكره، ونثني عليه لإحسانه ومعروفه، لكن من أساء إلينا، ماذا نفعل؟
نكرهه، نقاطعه، نبتعد عنه، نهجره .
أما الله سبحانه وتعالى جل جلاله، فإنه يُحمد في السراء والضراء، يُحمد في المنع كما يُحمد في العطاء، وهذه لا تليق إلا به سبحانه.
فإذا أنعم الله عليك بنعمة، تقول:الحمد لله”وإذا ابتُليت بمصيبة، تقول:الحمد لله” أيضًا.
وهذا هو السر الذي جعل الناس يُعجَبون بثبات أهل غزة – مثلًا –:يموت لهم شهيد، يُقتل ابنها، زوجها، أبوها، أهلها… ثم لا تسمع منها إلا:الحمد لله”.
وهذا من الأمور العظيمة، التي لا يطيقها اللسان البشري إلا إذا كان القلب عامرًا بالإيمان.
عند المصيبة، ما الذي تقول؟ إذا لهج لسانك بالحمد، فاعلم أن قلبك خاشع، مؤمن، واثق بربه، يعلم أن ما قدّره الله خير.
ولهذا قال النبي ﷺ متعجبًا: (عجبًا لأمر المؤمن! إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن:إن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرًا له)رواه مسلم.
فالمؤمن يعلم يقينًا أن ما عند الله خير مما فاته، وأن حمده لله سبب في عوض الله له بخيرٍ أعظم.
وفي الحديث القدسي:
قال الله تعالى لملائكته:قبضتم روح ولد عبدي؟”قالوا: نعم
قال: “قبضتم ثمرة فؤاده؟”
قالوا: نعم
قال: “فماذا قال عبدي؟”
قالوا: حمدك واسترجع
فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة، وسمّوه: بيت الحمد” رواه الترمذي.
فالله تعالى له الحمد دائمًا وأبدًا، له الحمد كله، وله الشكر كله،
له الحمد في السراء، والحمد في الضراء، له الحمد في الشدة والرخاء، في العطاء والمنع.
علاج ضيق الصدر:
وحينما ضاق الأمر برسول الله ﷺ، واشتد عليه أذى الكفار، قال الله له في القرآن:﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ ﴾
ثم أرشده سبحانه إلى العلاج والدواء:﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ﴾ [الحجر: 97-98]
فما الذي يصنعه التسبيح في النفس؟
حينما تذكر الله، ويجري اسمه على لسانك وقلبك، فأنت تعتصم بالله، وتوقن أن ربك لا يغيب عنه حالك، يرى مكانك، ويسمع كلامك، ويعلم ضعفك، ويستجيب دعاءك.
فإذا أوذي الإنسان من مخلوق، سُبّ أو ظُلم أو هُدّد أو خُذل، فإن المخرج هو:أن يعتصم بالله، الذي بيده ملكوت كل شيء.
خامسا/ ما الفرق بين الحمد والمدح ؟
قد تمدح من لا تحب، لأن المدح في أصله هو وصف الشيء بصفة كمال، سواء أحببته أم لا، وسواء عرفته أم لا.
فربما تمدح شاعرًا لإبداعه في الشعر، أو عالمًا في الطب أو الفلك أو الهندسة، وربما لم تره قط، أو مات قبل أن تولد بمئات السنين. فأنت تمدحه على شيء فعله أو أثر تركه، دون أن يكون هناك بالضرورة محبة أو تعظيم أو ولاء.
أما الحمد لله سبحانه وتعالى، فهو مدح مقرون بمحبة وتعظيم، أي أن العبد حينما يحمد الله، لا يذكره بكمال صفاته وأفعاله فقط، بل يفعل ذلك محبةً له، وتعظيمًا، وخضوعًا.
فأنت حين تقول: “الحمد لله”، فأنت تثني عليه لكماله وجلاله، ولكنك في الوقت ذاته تحبه، وتخشاه، وتُجله، وتشعر في قلبك بصدق أنه مستحق لهذا الحمد من كل وجه.
ولهذا فإن الحمد أخص من المدح، لأنه يجمع بين الثناء والمحبة والتعظيم، بخلاف المدح الذي قد يخلو من المحبة.
سادسا/ ما الفرق بين الحمد والشكر؟
الحمد يختلف عن الشكر من حيث المعنى والدلالة، وإن كان بينهما تقارب في اللغة.
فـالحمد هو الثناء على الله تعالى لذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، سواء أنعم عليك أم لم يُنعِم.
فإذا قلت: “إن الله واحد لا شريك له”، أو قلت: “إن الله لم يتخذ ولدًا ولا صاحبة”، فأنت تحمد الله على كمال ذاته وتنزهه، وتُثني عليه بما هو أهله، سواء تعلّق ذلك بك شخصيًا أو لا.
أما الشكر، فهو الثناء على الله على النعم والإحسان، كأن تقول: “أشكر الله على الصحة، أو على العمل، أو على العافية، أو على نعمة الأمن”، فالشكر مرتبط بما أسداه الله إليك من خير، كما قال تعالى:﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم:7]
فالشكر يكون على النِّعم، أما الحمد، فيكون على النِّعم، وعلى صفات الكمال، وعلى الأفعال الإلهية الجليلة.
وجميع أهل المعرفة بلسان العرب يوقعون كلا من الحمد والشكر مكان الآخر– كما يقع أحيانًا في ألفاظٍ مثل “الفقير والمسكين”، أو “الإسلام والإيمان” – لكن من دقة التعبير الشرعي أن نُميِّز بينهما عند الحديث عن الثناء على الله
فالحمد يجمع في طياته الشكر، والتوحيد، والثناء، والمحبة، والتعظيم، ولهذا استُفتِحت به أعظم سورة في القرآن:
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
وقال ابن عباس (الحمد لله) كلمة كل شاكر.
والمعنى: أن قولك “الحمد لله” إذا أُنعِم عليك يتضمن:
– الاعتراف بالنعمة
– الاعتراف بالمنعِم
– الثناء عليه وتمجيده بما هو أهله.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال عمر رضي الله عنه: قد علمنا سبحان الله ولا إله إلا الله، فما الحمد لله؟ فقال علي: كلمة أحبها الله تعالى لنفسه ورضيها لنفسه وأحب أن تقال.
سابعا/ بعض ما ورد في فضل الحمد
1-عن الأسود بن سريع قال: قلت يا رسول الله ألا أنشدك محامد حمدت بها ربي تبارك وتعالى فقال: “أما إن ربك يحب الحمد” رواه النسائي وصححه الألباني.
2- عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)؛ متفق عليه.
(خفيفتان على اللسان) وصفهما بالخِفة على اللسان والثِّقَل في الميزان ؛ لبيان قلة العمل وكثرة الثواب.
(حبيبتان إلى الرحمن )الله تعالى يحبهما وإذا أحب الله العمل أحب العامل به فهاتان الكلمتان من أسباب محبة الله للعبد .
( سبحان الله وبحمده ) التسبيح معناه أنك تنزه الله تعالى عن كل عيب ونقص، وأنه الكامل من كل وجه جل وعلا مقرونا هذا التسبيح بالحمد الدال على كمال إفضاله وإحسانه إلى خلقه جل وعلا وتمام حكمته وعلمه وغير ذلك من كمالاته ، فمعنى ( سبحان الله وبحمده ) سبحان الله والحمد لله ، فهي تعني الجمع بين التسبيح والحمد ، إما على وجه الحال ، أو على وجه العطف ، والتقدير : أسبح الله تعالى حال كوني حامدا له ، أو أسبح الله تعالى وأحمده .
(سبحان الله العظيم ) يعني ذي العظمة والجلال فلا شيء أعظم من الله سلطانا ، ولا أعظم قدرا ، ولا أعظم حكمة ، ولا أعظم علما ، فهو عظيم بذاته وعظيم بصفاته جل وعلا .فاللهم لك الحمد حمدًا كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك،
حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، كما تحب وترضى.
3- وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله» رواه الترمذي وحسنه الألباني.
4- وروى ابن ماجه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما أنعم الله على عبد نعمة فقال: الحمد الله إلا كان الذي أعطى أفضل مما أخذ» وحسنه الألباني.
5-وفي سنن ابن ماجه عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثهم أن عبدا من عباد الله قال يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك. فعضلت بالملكين فلم يدريا كيف يكتبانها فصعدا إلى الله فقالا: يا ربنا إن عبدا قد قال مقالة لا ندري كيف نكتبها، قال الله، وهو أعلم بما قال عبده، ماذا قال عبدي؟ قالا يا رب إنه قال: لك الحمد يا رب كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك. فقال الله لهما “اكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني فأجزيه بها» [3]عضل به الأمر: اشتد واستغلق.
فهذا الحمد بهذه الصيغة لا تقدر بحسنات يعني أنها تكتب هكذا ويقدرها الله عز وجل بكرمه، ولا يعلم عطاء الكريم الا الكريم سبحانه وتعالى.
6- عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ ليرضى عن العبد أن يأكلَ الأكلةَ فيحمدَه عليها، أو يشربَ الشربةَ فيحمدَه عليها» رواه مسلم
7-عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الطهور شطر الإيمان ، والحمد لله تملأ الميزان ، وسبحان الله والحمد لله تملآن – تملأ – ما بين السماوات والأرض ، والصلاة نور ، والصدقة برهان ، والصبر ضياء ، والقرآن حجة لك أو عليك ، كل الناس يغدو ، فبائع نفسه ، فمعتقها أو موبقها ) رواه مسلم .
ومعنى (الحمد لله تملأ الميزان) يوم القيامة ؛أي: أن كلمة الحمد لله لو وضعت في ميزان، أو لو جعلت جرما، -أي: شيئا محسوسا يرى،- لرأيتها تملأ الميزان، أي: تملأ كفة الميزان يوم القيامة، وتثقل عملك، لما اشتملت عليه من الثناء على الله سبحانه وتعالى والتبجيل له ، وهذا يبين عظيم الأجر المترتب على هذه الكلمات الطيبات .
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من عباده الحامدين، الذاكرين، الشاكرين.
اللهم آمين يا رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] «تفسير الشعراوي» (1/ 55)
[2] وهذا الرقم يجعل كندا ثاني أكثر دولة في العالم من حيث عدد الأشجار بعد روسيا، أما عدد الأشجار بروسيا 642 مليار شجرة تقريبًا
[3] قال الشيخ أحمد شاكر في التفسير إسناده جيد، وفي بعض روايات الحديث أن هذا العبد هو نبي الله داوود- عليه السلام-