بصائر في زمن الفتن

تاريخ الإضافة 20 يونيو, 2025 الزيارات : 171

بصائر في زمن الفتن

نتابع جميعًا ما يجري من أحداث ساخنة طوال الأسبوع الماضي.

هذه الحرب التي ابتدأت شرارتها بضربات على إيران من الكيان الصهيوني، ثم توالت الضربات من هنا وهناك.

وكل يوم، الحرب تزداد وتستعر وتشتد، ويزداد أطرافها وأحداثها، والله وحده يعلم كيف تنتهي هذه الحرب.

حينما أقف هنا في هذا الموقف، لا أقف لأحكي لكم ما يقال في نشرات الأخبار، فنحن جميعا نسمع ونتابع الأخبار، فلن أكرر ما ورد إلى مسامعنا طوال الأسبوع الماضي.

ولن أقف هنا لأتحدث عما أثير بدون داعٍ من جدال: هل نؤيد إسرائيل أم نؤيد إيران؟ إيران شيعة، والشيعة الاثنا عشرية وهل هم كفار أم مشركون أم فساق؟ وهل نفرح؟ وهل نحزن؟ وهل نؤيد؟ وهل نعارض؟ وهل نشمت؟ كل هذه أمور أرى أنها مفتعلة للتغطية على كثير من التفاصيل.

ولذلك، بصيرة المؤمن في هذه الأحداث أن يكون عنده ثوابت لا تتغير.

نحن المسلمين يعصمنا منهج الله سبحانه وتعالى من الزيغ ومن الزلل.

أولا/ الاتفاق على مواجهة الظلم:

فلا يدفعنا ظلم ظالم على أن نعينه على ظلمه، ولا يدفعنا مصلحة ولا غرض شخصي إلى أن نؤيد الظلم أو نقف مع الظالم.

القرآن يقول: “وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ” (سورة المائدة، الآية 8).

شنآن يعني البغضاء والعداوة في خصومة.

والمعنى لا يدفعنكم هذا على أن يكون حكمكم غير عادل، حكمًا جائرًا ظالمًا.

فنحن كمسلمين عندنا ثوابت منها أننا لا نقف أبدًا مع الظلم ولا نؤيده ولا نباركه، وإنما نقف دائمًا مع المظلوم ونحاول أن ندفع الظلم عنه بكل ما أوتينا من قوة، سواء كان في الوضع الحالي أو قبله أو بعده.

اختلفت الأسماء، اختلفت الأزمنة، هذا مبدأ لا يحيد عنه المسلم أبدًا.

لا نعين ظالمًا ولا نؤيده ولا نبارك ما يفعل، ولا نعين على الظلم ولا نشجع هذا الظلم أبدًا.

هذه من الثوابت التي لا ينبغي أن يزيغ المسلم عنها مطلقًا.

ومسألة التأييد في موقف محدد ليس معناه التأييد في كل شيء.

 أنا مثلًا ضد ما فعلته إيران مع إخواننا أهل السنة في سوريا من مذابح ومهالك، وما فعلوه أيضا بالعراق، ومن يومين، كان هناك إعلان من مسؤول إيراني قال: “نحن ساعدنا أمريكا في أفغانستان والعراق” هذا تصريح صريح بالعمالة والخيانة والتآمر على الدم البريء.

لا نؤيدهم في هذا مطلقًا، ونرى أن ما فعلوه ظلم واعتداء وسفك للدماء، لا يتسرب إلى مؤمن شك في هذا أبدًا.

لكن حينما نرى أن هذا الوقت فيه اعتداء وفيه ظلم وفيه جناية، فنحن أيضًا ننكر هذا الظلم وإن وقع على إيران وإن وقع على غيرها؛ لأن الظلم هو الظلم.

ثانيا / كما تدين تدان: 

نستبصر أيضا في هذه الأحداث بنور الله ونقول: “كما تدين تدان”. هذه سنة واضحة جدًا في الطرفين.

فإيران التي أذاقت المسلمين في سوريا والعراق وغيرهما ويلات الذبح والقتل والانقسام وسفك الدماء، الآن تذوق من نفس الكأس.

وإسرائيل وما فعلته في غزة من تهجير وضرب للبنية التحتية وشل لحركة الحياة والحصار والتجويع وإفزاع الناس وتخويف الآمنين وقتل النساء والأطفال، الآن نرى المشاهد في تل أبيب كأنها مشاهد في غزة.

ووقف رئيسهم يندد بأن إيران ضربت مستشفى ويُفَظِّع هذا الأمر في وجه الصحافة العالمية: “كيف تجرؤ إيران وتضرب مستشفى؟” وصاحب القلب الرقيق الذي لا يحتمل حزين أن مرضى كانوا يجَرون من الضربات، وهذا المستشفى كان فيه أطفال وكان وكان….  وكأنه سبحان الله بريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب، وكأنهم لم يسبقوا إلى هذا الفعل الشنيع والجريمة البغضاء!!!

في غزة، كم مستشفى ضُرب؟ كم مستشفى اعتُدِيَ عليها؟

كم من المرضى سُفِكت دماؤهم؟ مستشفى الشفاء وغيره؟

مستشفيات عديدة دفنت الجثث في ساحاتها لأنهم لم يملكوا وقتًا لنقلها إلى المقابر؟ الناس في العناية المركزة ماتوا، الأطفال الخُدَّج في الحضانات ماتوا لما قطعت عنهم الكهرباء.

كل معالم الرحمة سُلِبت من قلوبهم.

فكما تدين تدان.

الكأس الذي أذاقوه لغزة يذوقونه الآن، يرونه الآن.

“كما تدين تدان” نراها الآن أحد الجنود هذا تصريح منشور قال: “أنا جئت للتو من خان يونس فلم أجد فرقًا بين تل أبيب وخان يونس”. خان يونس بغزة. لم يجد فرقًا. كما تدين تدان، كما تدين تدان.

وهذا التصريح الذي وقف يدين به إيران، أقول له: “إن هذا إدانة لك وإدانة لما تفعلونه بغزة”.

طبعًا هناك الجانب الآخر إيرانيًا قالوا: “هناك قاعدة عسكرية في أسفل المستشفى” ونحن لا نصدق هذا ولا نكذبه.

الحرب الإعلامية كل شيء فيها محتمل.

أعود فأقول إن هذا التصريح إدانة لهذا المعتدي الظالم بما يفعلونه في غزة.

والعجيب أنك وأنت تشاهد هذه المشاهد القاسية في تل أبيب بفعل الصواريخ والتدمير والرعب والفزع، تجدهم يرتكبون خسة لا نظير لها:

يجمعون الجوعى المحاصرين الذين طُويت بطونهم من شدة الجوع، فإذا أحسوا بوجود المساعدات وذهبوا لأخذها، يفتحون عليهم النار.

صارت كمصيدة يصطادون بها هؤلاء الأبرياء الذين مسهم الجوع وعضهم الجوع بشدته.

إذا صبر الرجل، فكيف يصبر الطفل؟ وإذا صبر الشاب القوي، فكيف يصبر الرجل الكبير أو المرأة العجوز أو المريض؟

يستغلون هذه النقطة، نقطة ضعف وحاجة أهل غزة للطعام، فيقتلون منهم يومًا بعد يوم بحجة المساعدات.

أين يوضع هذا في ميزان التاريخ وميزان العالم والصحافة التي تندد بما يحدث في تل أبيب الآن؟

هل هناك معياران؟

معيار نعامل به إسرائيل ومعيار نعامل به غزة؟

أليست هذه أنفس وهذه أنفس؟

جربتم طعم القهر والفزع والرعب، جربتم انهيار البيوت فوق رؤوس أصحابها.

رأينا مخيمات للمشردين واللاجئين في تل أبيب وحيفا.

طالما أنكم ذقتم مرارة الحرب، لماذا لا تكفوا عن العدوان على غزة؟

لماذا لا يندد العالم المزدوج المعاييربهذه الجرائم؟

لماذا لا يندد العالم صاحب المعايير المزدوجة بما يحدث في غزة كما ينددون بما يحدث في تل أبيب وحيفا؟

فهذا هو الذي ينبغي أن ننتبه إليه يا إخواني في هذه الحرب التي تستعر وتشتد يومًا بعد يوم.

أخلاقيات الحرب في الإسلام:

أنا كمسلم عندي ثوابت، عندي أخلاقيات. أنا كمسلم حرام في ديني أن تقتل نفس بريئة، أن تقتل امرأة، أن يقتل طفل، أن يعتدى على آمنين في مستشفى أو في مقر للاجئين أو يطلبون طعامًا يسكت كلب الجوع الذي ألزمهم لشهور وشهور عديدة.

لماذا يزيغ الميزان من أيدي البعض؟ لا حول ولا قوة إلا بالله.

ثالثا/ سنة التدافع:

من البصيرة في هذا الأمر أن نفهم سنن الله الكونية.

هذا الموضوع الذي تطرقت إليه في عدة خطب، وإن شاء الله نعد خطبة عن سنة التدافع، لكن أقول سريعًا إشارة إليها:

إن إسرائيل تغولت، تغولت بعد حرب غزة.

لم يعد في غزة شيء يقاتلون عليه.

كل المباني انهارت وانهدمت، كل البنية التحتية انهارت وانهدمت.

غزة صارت ركامًا60 آلاف شهيد ارتقوا في هذه الحرب، 200 ألف جريح، هذا ناهيك عن بقية المشردين والمحاصرين.

نسأل الله أن يفرج عنهم.

فالصهاينة تغولوا. بدأوا الآن في الضفة الغربية، اشتغلوا على الضفة الغربية واشتغلوا على سوريا ويفكرون في إيران ويهددون باكستان. ويقول أحد المسؤولين فيهم: “والدور بعد ذلك على تركيا”.

ماذا يريد هؤلاء؟

هذا التغول لا يأذن الله به أبدًا.

لاحظوا سنة الله أنه لا يأذن لأحد أن يتغول في الأرض فيفسد فيها بدون رادع.

كل الدول العربية مدجنة ضمنوها في جيوبهم، حتى ممنوع مظاهرة واحدة تأييدًا لغزة، هذه جريمة لو واحد خرج يؤيد غزة بمظاهرة.  

فجاءتهم إيران من حيث لا يحتسبوا، وفوجئوا بالصواريخ التي قلبت نهارهم إلى ليل وليلهم إلى نهار، وفوجئوا بهذه القوة الشديدة التي ما حسبوا لها الحسابات.

إنها سنة الله؛ قال تعالى: “وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ” (سورة البقرة، الآية 251).

التدافع معناه الدافع هو الحاجة إلى الشيء. أنا عندي حاجة إلى الطعام، فدافعي أن أبحث عن الطعام، عن المال الذي يشترى به الطعام. عندي دافع إلى ري العطش، فأبحث عن الماء ومن أين يجلب الماء.

هناك للحق أتباع وللباطل أتباع، فتكون هناك مدافعة.

سنة الله في الخلق أن يتدافع أهل الحق مع أهل الباطل، أن يتدافع الإيمان مع الكفر، أن يتدافع الحلال مع الحرام، أن تتدافع الفضيلة مع الرذيلة، أن يتدافع الظلم مع العدل، أن تتدافع الشهوات مع الطاعات.

هذه سنة الله في هذه الدنيا، قال تعالى:  “وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ” (سورة الحج، الآية 40).

فلا نغفل أبدًا عن هذه السنن التي قال الله تعالى عنها: “فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا” (سورة فاطر، الآية 43). سنن الله، قوانين الله الجارية في الكون.

سبحان الله، تغولوا وازدادت قوتهم وأحسوا بأنهم ملكوا السماء بسلاح الطيران والتفوق فيه، فأتاهم الله تعالى من إيران التي ما حسبوا لها حسابها.

ظنوا أن إيران ستضرب بعدة صواريخ وانتهى الموضوع، ورغم أن إيران فيها جواسيس للنخاع لدرجة رصد هذا الاجتماع الذي كان على مستوى كبير من القادة والزعماء، رُصد وتم قصفهم بالطيران، وبعده منصات إطلاق الصواريخ والدفاع الجوي ومناطق تخصيب اليورانيوم. سبحان الله، اختراق عجيب.

وعلى الرغم من هذا، نرى صواريخ إيران لا تعبث أبدًا، إنما تصل إلى أهدافها رغم القبة الحديدية والسماء الفولاذية والأسلحة والتقنية والرصد والأقمار الصناعية ودعم بريطانيا وأمريكا وفرنسا.

كل هذا تلاشى وتوقف أمام قدر الله النافذ بأن يذيقهم من نفس الكأس الذي أذاقوه لإخواننا بغزة.

إذا فأنا كمسلم أنظر إلى الأحداث نظرة المستبصر، نظرة الفاهم الواعي.

لا أخضع عقلي للتحليلات والأخبار والإخبارات التي يعني فيها سيل لا يتوقف عن الأمور والأبعاد وكذا وكذا.

سمعت شيخا على وسائل التواصل يقول: “الآية (غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) (سورة الروم، الآية 2-3)”. لو قرأت في التفسير، العلماء قالوا إن فارس عبدة النار، مشركون. والروم نصارى يعني من أهل الكتاب، فغلبوا في معركة، ونزل الوحي يبين أنهم (من بعد غلبهم سيغلبون)، وأن في هذا اليوم يفرح المؤمنون باعتبار أن أهل الكتاب أقرب إلى المسلمين من المشركين المجوس، والمجوس المشركين أقرب إلى كفار مكة من المسلمين. فبين الله هذه الآية من آياته. ثم قال: “إذا فنحن عندنا إسرائيل أهل كتاب وإيران شيعة، والشيعة مشركون، فنحن نؤيد أهل الكتاب على المشركين”.

تخيلوا يا إخواني هذا المنطق الأعوج ؟!! كأني أرى إبليس الآن يصفق له!! والله كأني أرى إبليس يصفق لهذا الاستنتاج الرائع العجيب !!

 أهل الكتاب أقرب إلينا من المشركين (شيعة إيران)؟ يقولون: “إن شر البلية ما يضحك”،

فلا تسلم عقلك لهؤلاء الذين نصبوا أنفسهم في هيئات إفتاء وعلماء ورصد وتضخيم وتكبير وتضييع وتضيع منا الثوابت.

فهناك ما نحرص عليه وندين الله تعالى بما يرضيه جل وعلا.

ينبغي أن لا نزيغ عن هذا الحق ولا أن نحيد عنه، ولا يرد قضاء الله تعالى كاره ولا محب.

قضاء الله نافذ، وسنن الله لا تتوقف ولا تتبدل ولا تتغير.

لكن استبصروا يا إخواني في وقت الأزمات والفتن، ماذا نفعل؟

مع أي صف نقف؟ في أي مكان نقف؟ ما هي نظرتنا؟ ما هو حكمنا؟

هذا هو ما أريد قوله في هذه الخطبة.

ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يحق الحق بكلماته، وأن يبطل الباطل، وأن يهزم أهله، وأن يجعل إخواننا في غزة في عافية من أمرهم. اللهم آمين يا رب العالمين. 

Visited 45 times, 1 visit(s) today


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 16 أبريل, 2025 عدد الزوار : 14348 زائر

خواطر إيمانية

كتب الدكتور حسين عامر

جديد الموقع