19- أقسام الناس الثلاثة على الصراط 
يقول الحق تبارك وتعالى : (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين”. الآيات 6 و7
في هذه الآية يتبين لنا أن الناس ينقسمون إلى ثلاثة أصناف:
الصنف الأول: الذين أنعم الله عليهم.
الصنف الثاني: المغضوب عليهم .
الصنف الثالث: الضالين.
الصنف الأول: الذين أنعم الله عليهم.
هؤلاء هم الذين هداهم الله إلى الحق واتبعوه، وليس هناك أوضح في تفسير القرآن من تفسيره بالقرآن نفسه:يقول الله تعالى: (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا) [سورة النساء، الآية 69]
لقد أوضح لنا رب العالمين جل جلاله المنهج والصراط القويم في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، لذلك، إذا احتَرْت في أمر، رده إلى النبعين الصافيين: الكتاب والسنة.
أي شيء تريد أن تزنه وتعرف هل هو حق أم باطل؟ ضعه في الميزان. تخيل هل رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان موجودًا الآن، هل سيفعل هذا الشيء أم لا؟
هل أبو بكر وعمر والصحابة الكرام الأجلاء لو كانوا موجودين الآن، هل سيفعلون هذا الشيء أم لا؟
هل سيكونون مع هذه الجماعة أو هذا الحزب أو هذا الفكر أم لا؟
إذًا، قد سبقك على الطريق النبي صلى الله عليه وسلم والنبيون من ورائه، ثم الصحابة والتابعون وصالح هذه الأمة.
أنت دائمًا تتخيل وأنت تمشي على الطريق: هل هذه البدعة الجديدة أو هذا القول أو هذه القصة، وهذه الفكرة لو كانت موجودة في زمن النبي، هل كان النبي سيوافق عليها؟ هل كان سيقوم بها؟
ولذلك رب العالمين قال: )يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر( [سورة النساء، الآية 59]
وهذا دأب أهل العلم الثقات الذين نأخذ منهم فتوى أو رأي في قضية أو مشكلة، عندما تجد العالم يستشهد بنور الكتاب والسنة، تجد لكلامه نورًا في قلبك ، وتجد استجابة أسرع وأقرب من الذي يقول كلامًا عاديًا.
فهذا صراط المؤمنين، صراط الذين أنعم الله عليهم، فهم السابقون، ونحن نتبعهم بالأثر.
الصنف الثاني: المغضوب عليهم
هم الذين عرفوا الحق ولم يتبعوه، وأغلب كتب التفسير تشير أنهم اليهود، وإن كنت أرى أنها أعم من ذلك، فإن الله تعالى قال: “المغضوب عليهم”، فهي تشمل كل من عرف الحق ولم يتبعه، سواء كان يهوديًا أو مشركًا أو حتى نصرانيًا أو أيًا كانت ديانته، بل حتى من الذين يتبعون ملة الإسلام، منهم من يعلم الحق ويعرفه لكنه يبيعه بغرض من الدنيا والعياذ بالله.
“الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه” – يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم – “كما يعرفون أبناءهم” ولكنهم اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة.
حرصوا على مكانتهم، وحرصوا على دنياهم وعلى رئاستهم، فنقموا على النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا إنه نبي العرب وليس نبي بني إسرائيل. وكانوا في زمن الجاهلية يستفتحون على الذين كفروا؛ والاستفتاح هنا معناه الانتصار، عندما يحدث أي مشاكل، يقولون لهم: هذا أوان مبعث نبي آخر الزمان، وهذه الأيام فيها إرهاصات أن نبي آخر الزمان سيبعث، ونحن سنؤمن به وإذا ظهر واتبعناه سنقاتلكم به، (فلما جاءهم ما عرفوا، كفروا به. فلعنة الله على الكافرين)[ سورة البقرة، الآية 89]
ومن المشركين أيضا من كان يعرف أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو النبي الحق، ولكن كفر به عصبية، وعاداه خوفا على مكانته .
أبو جهل فرعون هذه الأمة:
على سبيل المثال في السيرة، يذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، وكان أول ما فرض قيام الليل ، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقيم الليل إلا قليلا عملاً: بقوله تعالى: (يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلاً). [المزمل: 2] فكان المشركون يذهبون ليستمعوا لقراءة النبي صلى الله عليه وسلم.
ففي ليلة، انطلق ثلاثة من قريش: أبو جهل “الحكم بن هشام”، والثاني الأخنس بن شريق، والثالث أبو سفيان.
كل واحد منهم كان يجلس في ناحية من بيت النبي صلى الله عليه وسلم يستمع للقرآن، ومع ظلام الليل كانوا لا يرى أحدهم الآخر.
عندما انتهى النبي من صلاة الليل، جمعهم الثلاثة الطريق !!
أين كنت يا فلان وأين كنت يا فلان؟ لم يستطع أحدهم أن ينكر.
قالوا: لئن رآنا أحد من قريش، ليكونن علينا شرًا مستطيرًا، وتعاهدوا على ألا يعودوا أبدًا.
وفي اليوم التالي، أبو جهل ذهب منفردًا، والثاني والثالث؛ فجمعهم الطريق فتعاهدوا على ألا يعودوا.
في اليوم الثالث جمعهم الطريق. قالوا: تعالوا نصدق القول، ما قولكم في محمد؟
قال أبو جهل: لقد كنا وبني عبد مناف كفرسي رهان حتى إذا تحاذينا، قالوا: منا نبي، وهذه لا تدرك.
ونقرأ في سورة الأنعام، قوله تعالى: (قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون)[الأنعام: الآية 33] هذه الآية نزلت في أبي جهل. جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد دعاه النبي إلى الحق، فقال: إني لأعلم أنك صادق ولكن لا أصدق ما جئت به!! ما هذا التناقض ؟ الصادق يخبر بالصدق؛ فكيف تكذب خبرا يخبرك به صلى الله عليه وسلم؟!!
ولذلك أول ما دعا النبي قريشا قال: أرأيتم لو أخبرتكم أن خلف هذا الوادي خيلاً تريد أن تغير عليكم، (يقصد جيشا جاء لقتالهم) أكنتم مصدقي؟ قالوا: ما جربنا عليك كذبًا، فأنت الصادق الأمين.
هذا اللعين البائس في غزوة بدر لما قُتل، أدركه عبد الله بن مسعود وهو في الأنفاس الأخيرة، فقال له هل أخزاك الله يا عدو الله؟
قال: لمن الدبرة اليوم؟ (من انتصر اليوم؟ ) قال: لله ولرسوله.
لما بلغ الخبر الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “لكل أمة فرعون، وفرعون هذه الأمة أبو جهل”
فهذا مثال لرجل علم الحق وعلم أن رسول الله على الحق، لكنه أصر أن يموت على الكفر.
أبو لهب :
أبو لهب عم النبي صلى الله عليه وسلم وجار النبي صلى الله عليه وسلم ، وله اثنان من أولاده عتبة وعتيبة، متزوجان من بنات النبي صلى الله عليه وسلم، يعنى عمه وجاره وصهره.
لما صدع النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة ودعا الناس إلى عبادة الله وحده، أجبر أبو لهب ولديه على تطليق ابنتي النبي صلى الله عليه وسلم من باب الانتقام والنكاية بالنبي صلى الله عليه وسلم.
فطلقها عتبة ، أما ابنه الثاني عتيبة فقد كان سيء الأدب إلى حد عجيب. ذهب للنبي صلى الله عليه وسلم وهو في مجلسه قائلا: إني أتفل ابنتك كما أبصق هذه التفلة، وتفل في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال يا محمد: إِني كافر بالنجم إِذا هوى، وبالذي دنا فتدلى، وطلَّق ابنته «أم كلثوم» فغضب النبي ودعا عليه وقال: (اللهم سلط عليه كلباً من كلابك).
وخرج عتيبة مع أصحابه في عير إلى الشام، ولما خرجت القافلة قال أبو لهب لمن حوله: إني أخشى أن تصيبه دعوة محمد، فإن دعوته لا تخطئ.
حتى إذا كانوا في طريقهم زأر أسد فجعلت فرائص عتيبة ترعد فقالوا له: من أي شيء ترعد؟ فقال: إن محمد دعا علي وما ترد له دعوة.
فلما ناموا أحاطوا به وجعلوه في وسطهم فجاء الأسد فشم رؤوسهم جميعاً حتى انتهى إلى عتيبة فهشم رأسه هشمة فقضى عليه، فتحققت دعوة النبي محمد ﷺ.
فلما بلغت القصة أبا لهب قال: قد علمت أن دعوة محمد لن تخطئه.
سبحان الله !! فقد كان على يقين أنه رسول الله، لكن هل أسلم؟
أبي بن خلف:
كان عنده فرس مسميه العوذ. العوذ (أي القوي أو الذي يلجأ إليه عند الحرب) وكان يعلفه يقول: أقتل عليه محمدًا.
ولما بلغت هذه الكلمة النبي قال: “بل أنا قاتله إن شاء الله”.
فلما كان يوم أحد، ضغط المشركون ضغطًا شديدًا حتى كاد النبي أن يقتل، وأحاط به الصحابة وفدوه بدمائهم وأرواحهم رضوان الله عليهم، وبدأ النبي بعمل انسحاب إلى الجبل، جبل أحد، فأقبل أبي بن خلف يريد أن ينال من رسول صلى الله عليه وسلم؛ فأقبل وهو يلبس المغفر، فتناول النبي حربة فأصابه بها في رقبته.
سبحان الله لاحظوا دقة الرمي عند النبي صلى الله عليه وسلم.
فجُرح أبي بن خلف فجعل يتأوه ويبكي. فقيل له: أتبكي كما النساء؟ قال: لقد قال محمد إني قاتله، فلو بصق علي لقتلني.
وظل يتأوه طوال الطريق حتى إذا بلغ مكة، هلك إلى نار جهنم والعياذ بالله.
موسيقى بالعزاء:
منذ عدة سنوات ماتت امرأة ملحدة ،مشهورة؛ إذا رأيتها تأكدت أن إبليس له زوجة!!!فظهر من يقول: الله يرحمها، الله يغفر لها، فقال أحدهم معلقا: يا جماعة أنت مجانين؟ هذه امرأة كانت تنكر وجود الله!!
وهذا ملحد آخر، لما أدركه الموت وصى ابنته ألا يكون بعزائه قرآنا يتلى لأنه غير مؤمن بالقرآن، وأن تقوم بتشغيل موسيقى في العزاء، فجاءت صور العزاء على الفيسبوك مع كمية نكت وتهكم لا توصف، المعزين قاعدين يسمعون موسيقى في العزاء.
هذه بعض الأمثلة والحديث يطول، لكن أقصد أن هناك من يتأكد ويتيقن أن هذا هو الحق، لكنه لا يستطيع أن يدفع ضريبة الانتقال من الباطل إلى الحق. إما للسيادة والرئاسة، وإما طمعًا في دنيا، وإما حرصًا على هوى ومزاج. وبعض أتباع الشهوات يرى أن الإسلام قيد عليه وأن الإسلام يربط حريته، رغم أن الإسلام يحررك من شهواتك وعبوديتك لغير الله.
فتكون عبدًا لله وحده، ومن كان عبدًا لله وحده كان حرًا من كل شيء، ويحيا عزيزًا كريمًا من الذين أنعم الله عليهم.