ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا.

تاريخ الإضافة 24 سبتمبر, 2025 الزيارات : 128

ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا

نعيش في هذا اللقاء مع حديث:

رواه الإمام مسلم عن العباس بن عبد المطلب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

( ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا ) رواه مسلم

ذاق طعم الإيمان

الإيمانُ له حَلاوةٌ وطَعمٌ يُذاقُ بالقُلوبِ، كما تُذاقُ حَلاوةُ الطَّعامِ والشَّرابِ بالفَمِ، وكما أنَّ الجَسدَ لا يَجِدُ حَلاوةَ الطَّعامِ والشَّرابِ إلَّا عندَ صِحَّتِه، فكذلك القَلبُ إذا سَلِمَ مِن مرَضِ الأهواءِ المُضلَّةِ والشَّهواتِ المُحرَّمةِ، وجَدَ حَلاوةَ الإيمانِ، ومتى مَرِضَ وسَقِمَ لم يَجِدْ حَلاوةَ الإيمانِ، بلْ قدْ يَستحْلِي ما فيه هَلاكُه مِن الأهواءِ والمعاصي.

قال الإمام النووي: قال العلماء رحمهم الله: معنى حلاوة الإيمان استلذاذ الطاعات وتحمل المشقات في رضا الله عز وجل، ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وإيثار ذلك على عرض الدنيا ، ومحبة العبد ربه – سبحانه وتعالى – بفعل طاعته ، وترك مخالفته ، وكذلك محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم). شرح صحیح مسلم المجلد الأول (2/13 ).

وقال ابن حجر في الفتح: وفي قوله: « حلاوة الإيمان » استعارة تخييلية، شبه رغبة المؤمن في الإيمان بشيء حلو وأثبت له لازم ذلك الشيء وأضافه إليه ، وفيه تلميح إلى قصة المريض والصحيح أن المريض الصفراوي يجد طعم العسل مرا، والصحيح يذوق حلاوته على ما هي عليه، وكلما نقصت الصحة شيئا ما نقص ذوقه بقدر ذلك. فتح الباري (1/90)

إن لذة الطاعة لا تعادلها لذة وحلاوة الإيمان لا تعادلها حلاوة وعز الطاعة لا يعادله عز ، كما أن مرارة المعصية لا تعادلها مرارة وشؤم الذنب لا يعادله شؤم ، وذل المعصية لا يعادله ذل.
وحب الطاعة هو أن تحب طاعة الله تعالى وتستمتع بها، وتشعر بالطمأنينة والهدوء فيها؛ كالنبي صلى الله عليه وسلم، حينما قال: (وجعلت قرة عيني في الصلاة) وكان يقول  لبلال: (أقم الصلاة يا بلال، أرحنا بها)،
فكان صلوات ربي وسلامه عليه يشتاق للصلاة وللقيام بين يدي الله عز وجل لدرجة أنه كان يقيم الليل حتى تغلب لذة القيام بين يدي الله ألمه في قدمه، تخيلوا واحدًا يقف يصلي حتى تتورم قدماه ولا يبالي! ولما راجعه بعض الصحابة قالوا: يا رسول الله، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال: “أفلا أكون عبدًا شكورًا؟”. سبحان الله!

كان بعض السلف إذا جاءه الفقير ليعطيه من الزكاة، فيقول: “مرحبًا بمن جاء يحمل عنا ذنوبنا”.

وكانت عائشة رضي الله عنها إذا تصدقت عطرت الدراهم بالمسك، تعطرها بالمسك! سبحان الله! فلما سُئلت عن ذلك قالت: “لأن الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير”.

وكان الحسن البصري إذا تصدق تصدق بالسكر، قالوا له: يعني السكر هذا بماذا يفيد الفقير؟ قال: الله عز وجل قال: {لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [سورة آل عمران: الآية 92]. وأنا أحب السكر فأتصدق مما أحب.

هكذا كانوا يجدون أن الطاعة فيها شوق، فيها استمتاع، فيها لذة. زين الله الإيمان في قلوبهم فيبذلون وينفقون وهم في ذلك لسان حالهم كما قال موسى عليه السلام: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ} [سورة طه: الآية 84]. اللهم ارضَ عنا يا رب العالمين.

وحلاوة الإيمان لا يحسها ولا يعايشها أي أحد ، كما أنها لا تباع ولا تستجدى ، يقول أحدهم من شدة سروره بتلك النعمة : لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه – يعني من النعيم – لجالدونا (لقاتلونا)عليه بالسيوف.
وقال بعض العارفين: مساكين أهل الدنيا، خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها. قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: محبَّة الله تعالى ومعرفته وذكره .

يقول ابن تيمية رحمه الله : في رسالة العبودية :

فإن المخلص لله ذاق من حلاوة عبوديته لله ما يمنعه من عبوديته لغيره، إذ ليس في القلب السليم أحلى ولا أطيب ولا ألذ ولا أسر ولا أنعم من حلاوة الإيمان المتضمن عبوديته لله ومحبته له وإخلاص الدين له، وذلك يقتضي انجذاب القلب إلى الله فيصير القلب منيباً إلى الله خائفاً منه راغباً راهباً”.

حلاوةٌ يستشعرها القلب، وهذه الحلاوة وهذا التذوق لا يقلُّ أبدًا عمّا يتذوقه اللسان، بل إن هذه الحلاوة التي يجعلها الله تعالى في القلب تنعكس على سلوك الإنسان وعلى توجهاته؛ لأنه يستشعر دائمًا باتزان وفرحة وانشراح صدر.

حتى إن بعض العلماء أقسم أنه ليتذوق هذه الحلاوة وهذا الأمر في قلبه، وقد أخذها من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان”. فقال: إن الرسول قال “وجد”، والوجد هنا يعني شيء موجود، وليس شيئًا معنويًّا أو شيئًا معدومًا، بل هو شيء يجده المؤمن في قلبه. “وجد حلاوة الإيمان” أين؟ في قلبه.

من رضي بالله ربا

ما معنى رضيت بالله ربًّا ؟

رضيت بالله ربًّا وحده لا شريك له، فأنت راض بالتوحيد بريء من الشرك.

رضيت بالله ربًّا، رضيت بعطائه، رضيت بنعمه، رضيت بما قسمه لي، لأن أكثر شيء يدخل به الشيطان على الإنسان أن يجعله ساخطًا على الله، لا يرضى عن شيء، وهو الذي قال: {وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [سورة الأعراف: الآية 17].

الدنيا دار نقص، ما في أحد يحصل على كل شيء، هذه سنة الله، دار التمام تكون الجنة إن شاء الله، نسأل الله أن يرزقنا الجنة، دار السلام التي لا هم فيها ولا مرض ولا نقص ولا أي شيء، لكن الدنيا دار نقص، قدر الله فيها هذا النقص ليتكامل الجميع وتدور عجلة الحياة.

فالله تعالى أعطاني ومنع عني، وأعطى غيري ومنع عنه، فأحمد الله على ما أعطاني وعلى ما منعه عني، فعطاؤه نعمة ومنعه نعمة، فأنا رضيت بما قسمه الله لي من رزق.

يقول ابن عطاء الله السكندري في كتابه “الحكم العطائية”:

“ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك، ومتى فتح لك باب الفهم في المنع، صار المنع عين العطاء”.

ومعناها: أن الله تعالى قد يعطي الإنسان ما يطلبه، وقد يمنع عنه شيئًا يرغب فيه، ولكن هذا المنع قد يكون في حقيقته عطاءً، حيث يفتح للإنسان أبوابًا للفهم والتدبر في حكمة الله، ويقوده إلى الاستبصار بأن المنع قد يكون فيه خير أكبر من العطاء الظاهري. 
فإذا أدرك الإنسان الحكمة من وراء المنع، وأيقن أن الله لا يمنع إلا لحكمة يعلمها، تحول المنع في نظره إلى عطاء، حيث يجد فيه خيرًا ورشادًا. 
إذن العطاء والمنع هما وجهان لعملة واحدة، وفهم الحكمة الإلهية في كليهما هو مفتاح السعادة والرضا. 

أيضًا الرضا بأقدار الله المؤلمة، أقدار الله المؤلمة مثل وفاة حبيب أو قريب، أو الابتلاء بالمرض، أو الابتلاء بالخسارة، أو ما شابه ذلك من أنواع الابتلاء.

وهذا مما يشق على النفس، لكن حينما أرضى عن الله جل وعلا في قدره، وأقول: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [سورة البقرة: الآية 156]، فأنا بذلك رضيت بالله ربًّا. وما أطيبها من كلمات!

ثبت الله تعالى بها قلوب إخواننا في غزة مع شدة ما يرون من البلاء والعذاب وشدة ما يعانون من التجويع والتهجير والقتل وسفك الدماء، إلا أنك تجد أحدهم صابرًا محتسبًا حامدًا لله عز وجل، يعلم أن لله فرجًا قريبًا، وأن من عاش منهم يحيا كريمًا لم ينحنِ ولم يركع، ومن قُتل منهم قُتل شهيدًا وله الجنة إن شاء الله.

عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ

وهذا ما قاله رسول الله: “عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير”، يقول: “وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن”. سبحان الله! نعم، لماذا؟ لأن المؤمن إن أصابته سراء... السراء اللي هي المسرة، الخير، الصحة، الرزق، العافية، نعمة الولد، نعمة المال، هذه النعم، شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء… المضرة، يكون في مرض في بلاء في نقص في موت حبيب، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له. إذًا هذا الأمر أو هذه الميزة لا تكون لأحد إلا للمؤمن.

اعتناق امرأة ألمانية الإسلام عمرها 70 سنة:

حكى الدكتور خالد حنفي قصتها فقال: حضرت حفلة اعتناق امرأة ألمانية الإسلام وعمرها 70 سنة، فكان الطبيعي جداً أن أطرح عليها السؤال: ما الذي يدفعك إلى التفكير في الإسلام وعمرك 70 سنة؟

قالت: “أنا أقرأ عن الإسلام منذ 30 سنة”.

قلنا لها: وما الذي دفعك إلى التفكير في بدء القراءة عن الإسلام قبل 30 سنة؟

قالت: “أنا أعمل رئيسة قسم للحالات الحرجة في مستشفى كبير في ألمانيا.

وكل المرضى عندي في القسم يائسون من الحياة، متبرّمون من المرض ومن الابتلاء.

يطلبون دائماً الخلاص بدواء يقتلهم.

يتحدثون: لماذا نحن فقط نُبتلى ولا نستمتع بالحياة مثل غيرنا؟

إلا امرأة واحدة، امرأة مغربية أمّية، أشدّهم ابتلاءً وأكثرهم صبراً. الابتسامة مرسومة على وجهها دائماً.

قلت لها: لماذا أنتِ من بين كل هؤلاء الناس مبتسمة وسعيدة رغم أن آلامك وابتلاءاتك شديدة؟

قالت لها: أنا مسلمة والله تعالى أمرني بالصبر عند الابتلاء، ووعدني بأجر عليه في الآخرة”.

وماتت في اليوم التالي.

بدأت هذه الممرضة تفكر: “ما هذا الدين الذي يجعل حياة هذه المرأة بهذا الجمال وبهذا الصبر وهي في هذه الحالة وفي هذه الصورة؟” فبدأت أقرأ عن الإسلام، لكن لم يكتمل لي الاقتناع العقلي وانشراح الصدر القلبي إلا بعد 30 سنة. “فأنا الآن أعتنق الإسلام”. هل درت هذه المرأة الأمّية بفعلها هذا أنها ستكون سفيرة للإسلام وستكون سبباً في هداية امرأة أخرى إلى دين الله سبحانه وتعالى؟

 وهذا الذي رأيناه مع إخواننا في غزة،وكنت قد أشرت في خطبة سابقة كيف أن مشهدًا واحدًا لهذا الرجل الذي أحببناه في الله وإن لم نكن نعرفه قبل هذا المشهد، الشيخ خالد نبهان، الذي ارتقت حفيدته في إحدى الغارات على بيتهم، فجعل يقبلها ويقول: “يا روح الروح”، ويحمد الله تعالى على ما أصابه، ودّع حفيدته وقبلها قبلة حانية وحضنًا دافئًا، ثم وضعها في أكفانها، والعالم يشهد هذا المشهد الإنساني الكبير.

حتى أن أحد المعلقين في وكالة إخبارية أمريكية قال: “هذه صورة مسلم بلحية وعمامة طالما صُدرت إلينا على أنها صورة الإرهابي على مستوى العالم، الآن نرى صاحب اللحية والعمامة إنسانًا عنده رحمة وعنده رضا وعنده استسلام لأمر الله”وسبحان الله حتى هذا الجد لقي الله شهيدا بعدها.

إسلام الأمريكي كريستوفر ميكس:

هذا المشهد حرك الأمريكي كريستوفر ميكس، الذي استضافته قناة الجزيرة مباشر ليحكي قصته مع هذا المشهد :قال ميكس “في شهر أكتوبر 2023، وعيت بمعاناة الشعب الفلسطيني اليومية. ومنذ ذلك الحين، تحطم قلبي مرة تلو الأخرى. لم أشعر قط بمثل هذا الحزن العميق. لم أذرف مطلقًا مثل هذا القدر من الدموع”.

وأوضح أنه شعر بذنب كبير لأن بلاده ترسل الذخائر والقنابل التي يقصف بها الاحتلال قطاع غزة “لقد رأيت القنابل التي نرسلها تمزق الأبرياء في غزة، وشعرت بذنب كبير وعار شديد، وأنني لا حول لي ولا قوة.

حاولت تخدير هذه المشاعر التي لا توصف، لكن بدا أن ذلك يزيد الأمر سوءًا”.

لكن نقطة التحول في حياة ميكس جاءت بعد نحو شهرين من بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، وتحديدًا في ديسمبر، فيقول عن ذلك “رأيت رجلًا مسنًّا بلحية بيضاء يحمل جثة طفلة صغيرة، وهو يداعب وجهها بلحيته بحنان للمرة الأخيرة قبل أن يضعها وهو يحمد الله… لا أعتقد أنني بكيت في حياتي مثلما بكيت حينها”.

وأضاف “بينما بدأت الأفكار تتشكل عن هذا الإيمان العظيم، سرعان ما سيطرت مشاعر الحزن والغضب والكراهية والذنب.

ماذا يمكنني أن أفعل للتعبير عن تعاطفي مع هذا الرجل؟ ماذا يمكنني أن أفعل لأقول له: أنا آسف؟”.

وفي محاولة للبحث عن السكينة والسلام الداخلي، أشار ميكس إلى أن شخصًا ما نصحه بزيارة المسجد للصلاة من أجل غزة “اقترح عليَّ أحدهم على الإنترنت أن أذهب إلى المسجد وأصلي من أجل غزة.

كنت قبل سنوات قد توقفت عن وصف نفسي بالمسيحي، لكنني ما زلت أؤمن بالخالق، لذا فكرت في تجربة الأمر”.

وصف ميكس مشاعره حينها قائلًا “كنت متوترًا للغاية، لكن لا أعتقد أنني كنت سأشعر بأسوأ مما كنت أشعر به في تلك اللحظة. لذا لم يكن لديَّ ما أخسره.

وبعدما دخلت المسجد، بدأت في الصلاة.

وعندما رأيت الآخرين يسجدون وضعت رأسي مثلهم على الأرض، وشعرت حينها أن الكثير من الناس ينظرون إليَّ.

لكن ذلك لم يهم، فلم أكن هناك من أجلهم”.

بعد أسابيع من الذهاب المستمر إلى المسجد، أعلن كريستوفر إسلامه في 12 من يناير 2024، وأوضح “بعد بضعة أسابيع من الذهاب إلى المسجد يوميًّا، نطقت بالشهادة، الإخوة هنا استقبلوني بكل ترحاب….أشعر حقًّا أنني أنتمي إلى هنا….أشعر أنني محظوظ جدًّا أنني اهتديت للإسلام”.

واختتم الشاب الأمريكي قصته بالإشارة إلى أن كل ذلك بدأ مع الشهيد خالد النبهان “كل ذلك بدأ مع العم خالد، إنه روح الروح بالنسبة لي، أسأل الله أن يمنحه أعلى مراتب الجنة”.

 وبالإسلام دينًا

معناها أني أبدا لا أختار دينًا غير دين الإسلام، فهو الدين الذي ارتضاه الله عز وجل. {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [سورة آل عمران: الآية 19]. {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [سورة آل عمران: الآية 85].

والإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله لنا فقال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [سورة المائدة: الآية 3]. قال ابن كثير: “أي: فارضوه أنتم لأنفسكم، فإنه الدين الذي رضيه الله وأحبه وبعث به أفضل رسله الكرام، وأنزل به أشرف كتبه.” فالله ارتضاه لنا دينًا فنحن نرتضيه دينًا.

ولو أن المسلم أراد أن يدرس الأديان الأخرى فلن يجد دينًا كدين الإسلام الذي ارتضاه الله عز وجل.

فالمسلم يرى أن الله هداه إلى أعظم دين وأشرف دين، وهو الدين الذي رضيَه الله تعالى لجميع رسله وأنبيائه، وهو الدين الذي لا يقبل يوم القيامة أن يأتي أحد إلى الله إلا وهو يدين به.

ومع فخري وعزي بديني فإني أعلم دائمًا أنه حينما يأتيني أمر من أوامر الله عز وجل لم أفهمه، لم يستوعبه عقلي، أن الخلل في عقلي وليس في ديني ، فلا أرد الأمر على الله وإنما أتهم نفسي بالجهل، ولذلك علمنا الله: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [سورة النحل: الآية 43].

أكبر موجة للتشكيك في الدين وفي الثوابت هو ما نراه الآن من بعض هؤلاء الأفاكين الذين يقلبون الحقائق ويذيعون الشبهات، وأنا أنصح كل مسلم ألا يجعل دينه عرضة للشبهات.

سيقول بعضن الشباب: أحاول أن أفهم كيف يفكرون حتى أستوعب.

كيف يا أخي؟ لا يذهب أحد ويتناول السم ثم يقول: أردت التأكد هل هو قاتل أم غير قاتل؟

أو سأرى هل ستظهر علي أعراض السم أم لا تظهر!

ابتعد، اطلب السلامة لعقيدتك والسلامة لدينك، واحمد الله عز وجل أن هداك لخير دين.

عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول: “والله لقد كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، ولو ابتغينا العزة في غيره لأذلنا الله”.

فأفخر أني مسلم، أصلي، ولا أشرب الخمر ولا آكل الخنزير، وأفخر بأن ديني يأمرني بالصدق والأمانة، لا أغدر ولا أغش ولا أخون، وديني يأمرني بمكارم الأخلاق والإحسان إلى الناس والإحسان إلى الجار، وديني يأمرني باحترام الكبير والرحمة للصغير، وديني يعلمني الكثير والكثير والكثير مما لا نراه في دين آخر. والحمد لله رب العالمين، والحمد لله الذي هدانا لهذا الدين العظيم.

الحمد لله أن ولدنا مسلمين، هذه نعمة لن ندركها إلا إذا رأينا من نشأ في بيئة أو محيط آخر غير دين الإسلام.

فاللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام في كل وقت وحين، اللهم آمين.

 وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولًا

الرضا بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون: بالإيمان به، ووجوب طاعته، واتباع سنته صلى الله عليه وسلم، والتعلق بأخلاقه الحسنة، وأن يكون المسلم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم.

لا ينبغي أبدًا أن يكون المسلم عبارة عن كلام يردد وأفعال تناقض ما يقول.

ينبغي أن تكون قدوتي النبي صلى الله عليه وسلم في كلامي، وفي أفعالي، وفي سلوكي، وفي أخلاقي.

ومن أولى الحقائق الدالة على صدق محبتك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصدقه في كل ما جاء به، وقد انتشر في هذه الأيام  ظاهرة متكررة بائسة لمسلمين يشهدون معنا الصلاة وينكرون حجية السنة وأن علينا أن نأخذ بالقرآن فقط، وهذا مؤشر خطير.

لأن إنكار السنة كأنه تكذيب برسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن الذي جاءنا بالقرآن؟

إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف نصدقه في القرآن ولا نصدقه في السنة؟

إذًا فأنت حينما ترد ما ثبتت صحته من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تمامًا كمن يكذب بالقرآن، ما الفرق؟ {مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [سورة النساء: الآية 80]. {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [سورة الحشر: الآية 7]. 

ما هو شكل الدين بدون السنة؟

من أين لكم العلم بالصلوات الخمس؟ هل ورد في القرآن مواقيت الصلاة وعدد ركعات الصلاة وكيفية الصلاة؟ لم يرد شيء في القرآن، فالسنة شرحت ما أجمل في القرآن بقول الله تعالى: “وأقيموا الصلاة”[البقرة :43]

كيف عرفتم أنصبة الزكاة وأن هناك زكاة تسمى زكاة المال (الذهب والفضة)، وهناك زكاة التجارة، وزكاة الثروة الحيوانية، والثروة الزراعية، هذه نصابها كذا، مقدار الزكاة كذا، هذه التفاصيل من أين جئنا بها؟ من السنة.

الحج ومناسك الحج، من أين عرفنا مسألة الإحرام من الميقات، الميقات الزماني والمكاني، الطواف بالبيت سبعاً، السعي بين الصفا والمروة سبعاً، الوقوف بعرفة يوم التاسع من ذي الحجة، رمي الجمار في اليوم الأول من أيام العيد سبع جمار، ثم إلى آخره إلى آخره، من أين علمنا بهذه التفاصيل؟

أنتم تريدون ديناً غير هذا الدين الذي نعرفه!!!

 فكما جاء النبي بكلام الله عز وجل القرآن، فقد جاء بالسنة، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يوحى إليه بالسنة كما يوحى إليه بالقرآن، إلا أن القرآن نزل نصاً من الله فبلغه لنا رسول الله كما نزل عليه به جبريل، أما السنة فقد بلغها لنا رسول الله بلفظه هو.

إذن، فاللفظ القرآني لفظ مقدس ليس فيه أي شك، أما اللفظ النبوي فهو لفظ رواه لنا رسول الله بوحي أوحاه الله تعالى إلى نبينا وعبر عنه بلفظه، فالرسول علمه الله عز وجل (وعلمك ما لم تكن تعلم)[النساء 113] فلما علمه السنة أخبرنا بها صلوات ربي وسلامه عليه.

فضل قول: رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا

 إتماما للفائدة فقد ورد في فضل قول هذه الكلمات المباركة عدة أحاديث أذكرها للفائدة:

1- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا أبا سعيد، من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا، وجبت له الجنة، فعجب لها أبو سعيد، فقال: أعدها علي يا رسول الله، ففعل، ثم قال: وأخرى يرفع بها العبد مئة درجة في الجنة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، قال: وما هي يا رسول الله؟ قال: الجهاد في سبيل الله) رواه مسلم .

 2- عن رجل من الصحابة رضي الله عنه مرفوعا: «من قال حين يصبح، وحين يمسي: رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيا، كان حقا على الله أن يرضيه يوم القيامة» رواه الطبراني وحسنه الألباني.

 3- ورد حديث يفيد أن المسلم يقولها دون قيد بوقت :عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قال: رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا، وجبت له الجنة). رواه أبو داود والنسائي وحسنه الألباني

4- وورد قولها في أذكار الصباح والمساء: عن عبد الله بن غَنَم رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «من قال حين يصبح وحين يمسي: رضيت بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًّا، كان حقًّا على الله أن يُرضيه» رواه أبو داود وفي رواية الترمذي: ثلاث مرات.

5- عن المنيذر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من قال إذا أصبح: رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا فأنا الزعيم لآخذن بيده حتى أدخله الجنة» (رواه الطبراني، وحسنه الألباني).

6- قوله عند سماع المؤذن : والحديث فيه أخرجه مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من قال حين يسمع المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، رضيت بالله ربا ، وبمحمد رسولا ، وبالإسلام دينا ، غفر له ذنبه .

هل يقول وبحمد نبيا أم وبمحمد رسولا؟

قال النووي في “الأذكار” ووقع في رواية أبي داود وغيره : ” وبمحمد رسولا “وفي رواية الترمذي : ” نبيا ” ، فيستحب أن يجمع الإنسان بينهما فيقول ” نبيا ورسولا ” ، ولو اقتصر على أحدهما كان عاملا بالحديث “

قوله صلى الله عليه وسلم: «كان حقا على الله أن يرضيه يوم القيامة»

معناه أن من قال: رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا، كان واجبا أوجبه الله على نفسه أن يرضي هذا القائل لهذه الكلمات بلسانه وقلبه يوم القيامة، ورضا الله تعالى هو أعظم ما يتمناه المؤمن من ربه، فرضا الله عن العبد فيه نجاته من النار وفوزه بالجنة، فمن رضي الله عنه أفلح وأنجح، ومن سخط عليه ربه خاب وخسر والعياذ بالله.

ولقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في الوتر: «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك» (رواه مسلم)

 وما أجمل هذه اللفتة من موسى عليه السلام إذ يقول له ربه: {وما أعجلك عن قومك يا موسى} [طه:83]، فيجيب صلى الله عليه وسلم قائلا: {هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى} [طه:84]، فاللهم ارضى عنا آمين.

 ورضا الله عز وجل عن العبد فيه الفوز بالجنة والنجاة من النار، قال تعالى: {قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم} [المائدة:119]

 وأما الفوز الأكبر فهو رضا الله عز وجل ذاته فهو أكبر من الجنة، وهو الفوز العظيم؛ قال تعالى: {وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم} [التوبة:72]. يقول ابن كثير رحمه الله: “أي: رضا الله عنهم أكبر وأجل وأعظم مما هم فيه من النعيم”

وهذا ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم بعينه، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة. فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك. فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك؟! فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟! فيقولون: يا رب وأي شيء أفضل من ذلك؟! فيقول أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا» (متفق عليه).

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله هل تشتهون شيئا فأزيدكم فيقولون ربنا وما فوق ما أعطيتنا فيقول رضواني أكبر» (رواه الطبراني والحاكم، وصححه الألباني)

 فيا رب ارض عنا رضا نستغني به عن رضا من سواك.

وصل اللهم وسلم على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

Visited 267 times, 1 visit(s) today


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 16 أبريل, 2025 عدد الزوار : 14348 زائر

خواطر إيمانية

كتب الدكتور حسين عامر

جديد الموقع