ولو أعجبك كثرة الخبيث

أيام صعبة نمر بها:
ما من يوم يمر في هذه الأيام إلا وتجد فاجعة تحدث أو مصيبة تجري، أو مجزرة قام بها من قام، أو حرب اشتعلت!! وكثرت الآلام والمصائب في زماننا…. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
خرجنا من حرب غزة وما فيها الآن دخلنا في موضوع السودان وإقليم دارفور والنزاع القائم عليه لأنها أرض غنية بالذهب والبترول ، وهناك مذابح رأينا منها فظائع واستخفاف بالدم وسفك لأرواح الأبرياء كبير، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يفرج هذه الغمة عن الأمة .
لكن أريد أن أقول شيئا : مهما اسود الواقع ومهما حلك الظلام فالمسلم لا يتشاءم أبدا ؛ لأني أرى في الرسائل التي يتبادلها الإخوة وما ينشر على وسائل التواصل كالفيسبوك وغيره الحديث عن المستقبل الأسود وعن الواقع المشؤوم وعن سنوات تنتظرنا فيها من المجاعات والمآسي والمجازر والمؤامرات التي تهدف إلى تقسيم الدول العربية والإسلامية والأحلام التوسعية والمشاريع الاستخرابية ونهب الثروات وقيام حرب عالمية.
وتجد في الناحية الأخرى الحديث عن انتشار الفساد والخيانات الزوجية والسرقات والنهب والظلم والأذى!!
ثم على الناحية الثالثة من يتكلم عن الإلحاد وإنكار السنة وإنكار وجود الله عز وجل!!!
وهكذا تجد أنك تخرج من إلى حتى تصل إلى درجة من الكآبة لا مثيل لها!!!
أود أن أضرب مثالا نراه الآن اليوم وأمس كان في أمطار شديدة ؛ الغيم يملأ السماء لم نر الشمس ليومين ؛ هل وجود الغيم والمطر مدة ثمان وأربعين ساعة معناه أنه لا توجد الشمس؟ كلا، الشمس موجودة، وستشرق الشمس من جديد ، والأصل أن الشمس تشرق كل يوم لكن قد يحجب نور الشمس بعض الغمام لكن الشمس موجودة باقية ستشرق يوما بعد يوم حتى يأتي اليوم الذي ستشرق فيه الشمس من مغربها فهذه النظرة السوداوية وهذه النظرة التشاؤمية وحرص البعض بقصد وبدون قصد على نشر هذه الأمور هذا اتجاه سلبي؛ لا ينبغي للمسلم أن يشارك فيه.
ليس قصدي أن نسطح الأحداث أو نهون مما يحدث إنما أقصد ألا ينبغي أبدا أن يكون الأصل هو نشر جرعات الفساد والتشاؤم والظلامية وهذه الأشياء التي تجعل الإنسان ساخطا قانطا يخرج مكتئبا.
لا بد من زاد إيماني في هذه الأحداث:
وأنا قلت هذا الكلام كثيرا أيام حرب غزة وأكرره : إن مشاهدة نشرات الأخبار في هذه الأيام أول الأعراض الجانبية الإصابة بالاكتئاب والإحباط واليأس لأنك تنتقل من خبر عن مجزرة ثم مأساة ثم زلزال ثم انتشار مرض ثم انقلاب عسكري ثم …. النشرة ساعة متواصلة وربما لا تكفي لحصاد الساعة فيدخلون في النصف ساعة التالية أو أكثر وربما يحتاجون إلى تحليل ما وراء الخبر!!
فكونك تتابع هذه الأحداث وهذه الوقائع بدون زاد إيماني مهلكة بمعنى الكلمة لأن بها جرعات سلبية من الإحباط واليأس تؤدي بنا إلى أن نقنط من رحمة الله؛ ناهيك عن من يتحدث عن قرب قيام الساعة وأن الدنيا إلى زوال وأن الأمر كذا وكذا…
لقد علمنا نبينا صلى الله عليه وسلم أنه بعد الشدة يأتي دائما الفرج وأن أشد ساعات الليل حلكة وسوادا هي الساعة التي يعقبها بزوغ ضوء الفجر وأنه لا شر يدوم فننتظر الفرج وكلنا أمل في الله لأن انتظار الفرج عبادة .
لكن سؤالي هو:
لماذا لا ننشر إلا الشر والفساد والخيبة والخيانات والسرقات؟
لماذا لا ننشر أفكارا إيجابية؟
لماذا لا نحث الناس على أعمال لمواجهة هذا الظلم وهذا الفساد؟
لماذا لا نبتكر في النشر طالما أن هناك مساحات واسعة لهذه المنابر الإعلامية الجديدة حتى نحفز الناس لفعل الخيرات؟
النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من قال الناس هلك فهو أهلكهم) من قال الناس هلكى هذه سلبية ألست واحدا من الناس أنت أهلكتهم بسلبيتك عندما قلت: كل الناس يفعلون كذا …. كل الناس واقعون في كذا …. كل الناس ذاهبون إلى كذا….وماذا عنك أنت أبو بكر الصديق؟!!
فعلمنا النبي ألا يكون المسلم سلبيا يقول هلك الناس وأنا الوحيد الناجي إنما اعمل على التغيير، واعمل على أن تكون إيجابيا، وأن تبث جرعات من الأمل، وجرعات من التفاؤل، والإيجابية ؛ حتى لا يتعود الناس هذه الأمور، وتكون جزءا من تكوين حياتهم.
والإعلام الآن لا بد وأن تعلم أنه إعلام موجه ومدفوع أو ممول في كثير من الأحيان ما تراه على الفيسبوك أول خبر وثاني خبر هذا الترتيب غالبا يأتي بالأموال من خلال الإعلانات فالأخبار التي تأتيك ليست إعلانات عشوائية…. الرسائل التي تتداول بكثرة وراءها ذباب إلكتروني جيش من آلاف المدربين وشركات عالمية ضخمة جدا في سبيل هذا الذي تراه أمامك.
كان في فضيحة حصلت في أمريكا منذ شهرين ثلاثة شهر سبتمبر الماضي أن الحكومة الإسرائيلية عملت ميزانية ضخمة كبيرة جدا لعدد من الناشطين على التيك توك واليوتيوب وهذه الوسائل يأخذ سبعة آلاف دولار نظير أن ينشر منشورا إيجابيا أو مقطع فيديو إيجابيا عن إسرائيل لتكذيب ما يحدث من مجازر ومآس وتجويع ممنهج لإخواننا بغزة !!!
أي نعم بسبعة آلاف دولار في مقابل مقطع فيديو عدة ثوان أو بوست يكتبه على منصة إكس أو ما شابه ذلك.
فلماذا نحول أنفسنا إلى عقول متلقية وليست صانعة للأحداث؟
لماذا نحول أنفسنا إلى بريد ينقل هذه الجرعات من الفساد والأذى والكآبة والإحباط واليأس؟
والنبي صلى الله عليه وسلمعلمنا قال من قال الناس هلكى فهو أهلكهم ( بفتح الكاف) و تلفظ فهو أهلكهم(بضم الكاف) يعني أشدهم أو أولهم هلاكا .
وعلمنا ديننا حتى مع تأزم الأمور ألا نتوقف عن العمل وألا نتوقف عن الأمل فقال نبينا صلى الله عليه وسلم: (إذا قامت ساعة وفي يد أحدكم فسيلة) الفسيلة غرس نخلة يعني النخلة على أحسن الأحوال ممكن تبدأ تثمر شيئا بعد سبع سنوات فما فوق (فإذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة ؛ فإن استطاع ألا يقوم قبل أن يغرسها فليغرسها)
قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ:
اسمعوا للآية في سورة المائدة الله عز وجل يقول: قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ) [سورة المائدة الآية 100]
قل هذا خطاب للنبي وللأمة من بعده.
لا يستوي الخبيث والطيب لا يستوي المؤمن مع الكافر، لا يستوي المظلوم مع الظالم، لا يستوي الحلال مع الحرام، لا تستوي الفضيلة مع الرذيلة، لا يستوي الحق مع الباطل ، لا يستوي الخبيث والطيب….
الله تعالى قدر أن الدنيا فيها متضادات لأنها دار ابتلاء وليست دار راحة، ولا نعيم: الليل والنهار، النور والظلمة، الحق والباطل… هذه متضادات موجودة في الحياة حتى يستقيم الأمر ويستمر الاختبار، لأننا في دار الاختبار والابتلاء، (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا)[الملك:2]
فالله تعالى قال: قل لا يستوي الخبيث والطيب وقدم الخبيث هنا لأن الناس يعجبون به لكثرته أولحسن منطقه أولقدراته على الانتشار والإعلام ربما الكلام المنمق والأساليب البارعة وكونهم يملكون منصات وقنوات إعلامية عديدة، أو تمكن من تزيين الباطل وزخرفته …
فالله تعالى قال : (ولو أعجبك كثرة الخبيث ) فزخرفة الباطل أو الخبث لا يعني أنه صار طيبا واستساغة الناس لهذا الخبث لا يعني أنه صار طيبا الخنزير حديقة ديدان متنقلة يأكل الزبالة من يدمن أكله يعلم كم من الأمراض تصيبه أقلها الديدان التي تحتوي عليها لحوم الخنزير ولا أريد الاستفاضة أنتم تعلمون أكثر مني…
انظروا إلى الدعاية التي تدعم التجارة في لحم الخنزير ومنتجات الخنزير وشحم الخنزير إلى آخره هل هذا يغير غير من الحقيقة شيئا ؟
هل لو زينوه لك برائحة الباربكيو والشواء وبطعم كذا وبطعم كذا هل سيغير من حقيقة أنه لحم ضار ؟
لن يغيرشيئا… الخنزير هو الخنزير… ولحمه رجس وخبث ونجس.
فنفس الحكاية في أمور كثيرة جدا من الرذائل والخبائث والباطل مهما زينوه ومهما زخرفوه ومهما ادعوا فيه من أسماء هو في الأخير هو خنزير فلا تغتر.
(ولو أعجبك كثرة الخبيث ) ولذلك لو قرأت في التفسير العلماء قالوا : ما المقصود بالخبيث والطيب هنا ؟ بعضهم قال الحلال والحرام ، وبعضهم قال المؤمن والكافر، وبعضهم قال هذا يشمل كل طيب، أو خبيث في الأقوال والأفعال والناس والعلوم والطعام والشراب.
إذا ممكن ينتشر الخبيث من الأقوال، والخبيث من الأفعال، والخبيث من الناس، والخبيث من الطعام والشراب، لكن هذا لا يعني أنه صار طيبا بتعود الناس عليه، أو برضا بعض الناس به حينما تزدوج المعايير فتجد أن هناك شيئا غير طبيعي … وتجد نفسك نشاز غريب من هذا الذي يتكلم عن الفضيلة أو يتكلم عن الحلال أو يتكلم عن الإيمان أو يتكلم عن الخوف من الله؟ هذا إنسان كلاسيكي!!! هذا إنسان رجعي!!! هذا إنسان بعيد عن العصر الذي يعيش فيه!!!
ففتن من فتن بهذا الخبيث وهذا ما قاله الله: ( ولو أعجبك كثرة الخبيث) كن مؤمنا صاحب مبدأ عنده ميزان الحق الكتاب والسنة الذي إذا وزنت به الأمور تميز الحق من الباطل لكن لما تكون الموازين هي الهوى… أو لما تكون الموازين هي النفعية والمصلحة ماذا يجني من وراء هذا أو ذاك؟
تختل الموازين ولذلك ختمت الآية بقول الله تعالى : (فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [سورة المائدة الآية 100 ]
اذكر الخير فينتشر ودع الشر فيندثر:
ولذلك أنا أدعو إخواني ألا نكون أداة لنشر الباطل دون أن نقصد.
بعض الناس مثلا من الأشياء المنتشرة جدا على الميديا الفضائح وكشف العورات … أنت ليس عندك يقين، وليس عندك بينة ، وتتناقل الأخبار…
ليس مجرد أن الشخص مشهور أو مشهورة أو سياسي أو فنان أو لاعب كرة أن تستحل عرضه…. لكن هناك من يستحل النشر لأن هذا هو الخبر الذي يسمونه الآن ترند…. وكأنك لما تذيع الترند بكل ما فيه أنت العصري الذي يحصد ( like,share) وله يعني سبعة مليار من المتابعين وهذا كله إلى لا شيء قال تعالى: (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)[الرعد :17]
كان عندنا بمصر فيلم في السبعينيات اشتهر جدا وحقق مبيعات وإيرادات سألوا المخرج ما السر في نجاح هذا الفيلم؟
اسمعوا يا إخواني جيدا فقال: إن الفيلم كان فيلما عاديا جدا إلى أن خرج الشيخ عبد الحميد كشك ومن المؤكد أن الشيخ كان له غرض طيب وليس خبيثا غفر الله لنا وله .
الشيخ عبد الحميد كشك خطب وتكلم عن كثرة القبلات في الفيلم وأن البطل قبل البطلة مش عارف كم قبلة؟
فانتشر الفيلم واشتهر وصار يقبل عليه الشباب ليروا إيه موضوع القبلة؟
فالشيخ أراد أن يحذر الناس وأنه ينكر هذا الباطل لكنه للأسف لم يوفق في أنه ذكر اسم الفيلم…فشهره .
ومن ناحية أخرى فصل بعض التفاصيل التي تستهوي بعض الأنفس فانتشر الفيلم.
وأحد الإخوة المختصين أخبرني في موضوع السوشيال ميديا قال إن الذباب الإلكتروني أحيانا ينشرون الخبر يريدون من وراء نشره ليس الغيرة على الإسلام إنما نشر الباطل.
- كن مفتاح خير كن مغلاق شر.
- أحيي سنة وانشر سنة واهدم بدعة وأغلق باب فساد .
- لا تدل الناس على شيء محرم ولا تبشع المحرم بذكر تفاصيله فترغب فيه بعض الأنفس التي فيها هوى.
- ولا تمجد الباطل ولا تضخمه وإنما هو في الحقيقة هزيل ضعيف لأنه من كيد الشيطان وكيد الشيطان كما قال الله: ( إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) [سورة النساء الآية 76]
- وكلما نشرت الحق ودافعت عن الحق وسرت بسيرة الحق فأنت ممن يحبهم الله ورسوله.
- وهذه صفة هذه الأمة الملتصقة بها (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [ سورة آل عمران الآية 110]
نسأل الله أن نحقق شرف الخيرية بهذه الصفات
وأن يجعلنا من الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر اللهم آمين