كبسولة بالأذن
الفهم الصحيح ينتج التطبيق الصحيح
حدثت قصة طريفة لأحد الأطباء بمصر وهو متخصص في أمراض الأنف والأذن ، ذهب إليه فلاح بسيط يشتكي من التهابات بالأذن الوسطى ، فوصف له مضاد حيوي (Antibiotic) يأخذه كل ست ساعات ، بعد يومين جاء الرجل للطبيب قائلا : الألم كما هو ليس هناك أي تحسن ،فقال له المضاد الحيوي يحتاج لأربعة أيام حتى يأتي بنتيجة ، فبعد يومين نرى ، فقال يا دكتور لم أعد أقدر أن آخذ أدوية نهائيا ،فقال له تعال لأعيد الفحص الطبي عليك ، فلما كشف الطبيب على الأذن وجد كبسولة في أذنه !! ما هذا ؟ قال : أنا أضعها هكذا كل ست ساعات (كل ست ساعات يضع كبسولة بأذنه ) فالرجل فعلا أخذ الدواء لكن بطريقة خطأ ، وهذا لا يحل المشكلة ،ولن يقضي على الألم أبدا.
من الممكن أن نضحك جميعا من القصة لكن الكثير منا يعمل نفس العمل بصورة أخرى ، يأخذ الدواء بشكل خاطيء ، يفهم الأمور لكن بشكل خاطيء ، شكل شخصي أو فيه انعدام الصواب .
مثلا :البعض يظن أنه لو التزم بالدين سيضيق الالتزام عليه حياته ، لماذا ؟ هل تظن أن الدين يمنعك من ملذات الحياة حتى يتعسك ؟ كلا ،الدين هو الذي يوضح لك كيف تكون سعيدا سعادة حقيقية وليست مزيفة ، فإذا كنت تفهم الدين خطأ ،أو تطبقه خطأ ، فهذا عيبك وليس عيب في الدين .
ولذلك لما جاء ثلاثة إلى بيوتِ النَّبِيِّ يسألونَ أزواجَهُ عن عبادتِهِ فلمَّا أُخبِرُوا بها كأنَّهُم تقالُّوها أي : اعتبروها قليلةً ثُمَّ قالوا : أينَ نحنُ مِن رسولِ اللَّهِ و قد غَفرَ اللَّهُ له ما تقدَّمَ من ذنبِهِ و ما تأخَّرَ ؟ فقال أحدُهُم : أما أنا فأصومُ الدَّهرَ فلا أفطرُ و قال الثَّاني : و أنا أقومُ اللَّيلِ فلا أنامُ و قال الثَّالثُ : و أنا أعتَزِلُ النِّساءَ، فلمَّا بلغ ذلك النَّبيَّ بيَّنَ لهم خطأَهم و عِوَجَ طريقِهِم و قال لهم : “إنَّما أنا أعلمُكُم باللَّهِ و أخشاكم له و لكنِّي أقومُ و أنامُ وأصومُ و أفطِرُ و أتزوَّجُ النِّساءَ فمَن رغِبَ عن سُنَّتي فليسَ منِّي”فالغلو في العبادة هو فهم خاطيء للدين .
ونفس هذه القصة تجدها في الفهم الخاطيء للقرآن ، البعض يقول : الله سبحانه وتعالى يقول -( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين )- [الإسراء/82] يقول أنا لا أشعر بشيء أين الشفاء ؟ يا أخي أنت تقرأ القرآن هذرمة يعني بسرعة جدا ، فضلا عمن يقرأ صفحتين بعينيه فقط في 30 ثانية ، هل هؤلاء سيستفيدون من القرآن ؟ لسي هناك شيء اسمه تلاوة بالعين التلاوة باللسان ، ولذلك تسمع هذا الرجل في رمضان يقول أنا ختمت عشر ختمات في أسبوع !!
ختم بعينيه ولم يحرك إلا يده في قلب الصفحة !!
الاستفادة من القرآن بتلاوته وتدبره -( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب )- [ص/29] ليس هناك مانع من التلاوة للتعبد ، لكن لا تحرم نفسك من فهم القرآن وتدبره ، أنت حينما تقرأ وترتل تتعبد لله بصوتك وعينيك وأذنيك وجميع جوارحك وخلايا جسمك ، فضلا عمن يسمعونك من عباد الله من الملائكة وغيرهم .
يا إخواني لو تدبرنا فقط آية كقوله تعالى -( تنزيل من رب العالمين )- [الواقعة/80] والله تنخلع لها القلوب ، هل رأيت بعمرك كله بل في التاريخ كله كتابا كتب ونزل من الله رب العالمين غير القرآن ؟ انظر للقداسة والجلال والعظمة ، فرب العزة لم ينزل القرآن ليتلى بهذه الطريقة -( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته )- [ص/29] والتدبر يأتي بالفهم الصحيح وينتج عن ذلك العمل الصالح.
لو سألنا أحد الحفاظ في كم من الوقت حفظت سورة البقرة ؟ سيقول أحدهم في شهر أو شهرين أو ستة ، ابن عمر حفظ البقرة في ثماني سنين ،وفي بعض الروايات أربع سنين.
ليس ذلك لبطء حفظه – معاذ الله – بل لأنه كان يتعلم فرائضها وأحكامها وما يتعلق بها ، فلما آتاهم الله سبحانه وتعالى العمل مع القرآن كان معه الإيمان الصحيح .
وقال أبو عبد الرحمن السلمي : ” حدثنا الذين يُقرؤوننا القرآن أنهم كانوا لا يتجاوزون عشر آيات حتى يعلموا ويعرفوا ما فيها من علم وعمل ” .
مثال آخر : الحياة الزوجية ترى الرجل ظالم زوجته ويسيء إليها ويسبها ويهينها ، ثم يتساءل : أنا لا أدري لماذا تعمل معي هكذا؟ أنا اشتريت لها كذا وعملت كذا وكذا …أنت هدمت كل ما بنيته بسبها وإهانتها .
والزوجة نفس الكلام تقول أنا لا أدري لماذا زوجي يعاملني بهذا الشكل ؟ ثم تتفاجأ بأنها سليطة اللسان مهملة في حقه وحق بيتها وتجدها مسرفة ومضيعة …الخ
فالخلل ليس في الحياة الزوجية الخلل في الفهم والتطبيق ، ونفس الكلام في معاملاتك مع الناس وأمور الحلال والحرام .
فالخلل ليس في المعرفة الخلل في التطبيق فهناك من يطبق مبدأ (سمعنا وعصينا ) أو يضع الدواء في أذنه ويقول ليس هناك تحسن .
فنحن نحتاج للفهم الصحيح والتطبيق الصحيح فتكون النتيجة الصحيحة وهذا سواء في أمور الدنيا أو أمور الدين .
https://youtu.be/cqGV8SJh9dk