فقه الصلاة : 32- سجود الشكر

تاريخ الإضافة 8 يونيو, 2023 الزيارات : 4003

فقه الصلاة : 32- سجود الشكر

ذهب جمهور العلماء إلى استحباب سجدة الشكر لمن تجددت له نعمة تسره أو صرفت عنه نقمة ؛ويجوز في أوقات النهي على الراجح .

عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر يسره أو بشر به خر ساجدا شكرا لله تعالى ، رواه أبو داود

وروى البيهقي بإسناد على شرط البخاري أن عليا رضي الله عنه لما كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بإسلام همذان خر ساجدا ثم رفع رأسه فقال : ( السلام على همذان ، السلام على همذان ) .

وعن عبد الرحمن ابن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج فاتبعته حتى دخل نخلا فسجد فأطال السجود حتى خفت أن يكون الله قد توفاه ، فجئت أنظر فرفع رأسه فقال : ( ما لك يا عبد الرحمن ؟ ) فذكرت ذلك له فقال : ( إن جبريل عليه السلام قال لي : ألا أبشرك ؟ إن الله عزوجل يقول لك : من صلى عليك صليت عليه ، ومن سلم عليك سلمت عليه ، فسجدت لله عز وجل شكرا ) . رواه أحمد

وروى البخاري أن كعب ابن مالك سجد لما جاءته البشرى بتوبة الله عليه .

وذكر أحمد أن عليا سجد حين وجد ذا الثدية (رجل من الخوارج) في قتلى الخوارج .

وذكر سعيد بن منصور أن أبا بكر سجد حين جاءه قتل مسيلمة .

ما يشترط له :

الصحيح أنه لا يشترط لسجود الشكر ما يشترط للصلاة ، من الطهارة ، وستر العورة – ومنه الحجاب للمرأة – ، واستقبال القبلة ، وغيرها .

 

وهذا قول كثير من السلف ، واختاره بعض المالكية ، وكثير من المحققين ، كابن جرير الطبري ، وابن حزم ، وشيخ الإسلام ابن تيمية ، وابن القيم ، والشوكاني ، والصنعاني وغيرهم .

خلافاً لمن اشترط لسجود الشكر ما يشترط للنافلة ، وهو مذهب الشافعية ، وقال به أكثر الحنابلة ، وبعض الحنفية ، وبعض المالكية .

ومما استدل به أصحاب القول الأول :

أ. أن اشتراط الطهارة ، أو غيرها من شروط الصلاة لسجود الشكر يحتاج إلى دليل ، وهو غير موجود ، إذ لم يأت بإيجاب هذه الأمور لهذا السجود كتاب ، ولا سنَّة ، ولا إجماع ، ولا قياس صحيح ، ولا يجوز أن نوجب على أمة محمَّد صلى الله عليه وسلم أحكاماً لا دليل عليها.

ب. أن ظاهر حديث أبي بكرة – ” أنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا جَاءَهُ أَمْرُ سُرُورٍ أَوْ بُشِّرَ بِهِ خَرَّ سَاجِدًا شَاكِرًا لِلَّهِ ” رواه الترمذي وغيره من الأحاديث التي روي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد سجود الشكر ، تدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يتطهر لهذا السجود ، فخروره صلى الله عليه وسلم مباشرةً يدل على أنه كان يسجد للشكر بمجرد وجود سببه ، سواء كان محدثا ، أم متطهراً ، وهذا أيضا هو ظاهر فعل أصحابه رضي الله عنهم .

ج. أنه لو كانت الطهارة – أو غيرها من شروط الصلاة – واجبة في سجود الشكر : لبيَّنها النبي صلى الله عليه وسلم لأمَّته ؛ لحاجتهم إلى ذلك ، ومن الممتنع أن يفعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا السجود ويسنُّه لأمته وتكون الطهارة – أو غيرها – شرطاً فيه ، ولا يسنُّها ، ولا يأمر بها صلى الله عليه وسلم أصحابَه ، ولا يروى عنه في ذلك حرف واحد .

د. أن سبب سجود الشكر يأتي فجأة ، وقد يكون من يريد السجود على غير طهارة ، وفي تأخير السجود بعد وجود سببه حتى يتوضأ أو يغتسل : زوالٌ لسرِّ المعنى الذي شُرع السجود من أجله .

 

هـ. أن هذه الشروط من الطهارة وغيرها إنما تشترط للصلاة ، ومما يدل على ذلك ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ الْخَلاءِ فَأُتِيَ بِطَعَامٍ فَذَكَرُوا لَهُ الْوُضُوءَ فَقَالَ : ( أُرِيدُ أَنْ أُصَلِّيَ فَأَتَوَضَّأَ ) رواه مسلم

وسجود الشكر ليس صلاة ؛ لأنه لم يرد في الشرع تسميته صلاة ، ولأنه ليس بركعة ولا ركعتين ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسن له تكبيراً ولا سلاماً ولا اصطفافاً ولا تقدم إمام ، كما سنَّ ذلك في صلاة الجنازة وسجدتي السهو بعد السلام وسائر الصلوات ، فلا يشترط لسجود الشكر ما يشترط للصلاة .

و. قياس السجود المجرد على سائر الأذكار التي تفعل في الصلاة وتشرع خارجها ، كقراءة القرآن – التي هي أفضل أجزاء الصلاة وأقوالها ، وكالتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل ، فكما أن هذه الأمور لا تشترط لها الطهارة إذا فعلت خارج الصلاة – مع أنها كلها من أجزاء الصلاة – : فكذلك السجود المجرد .

كيفية سجود الشكر :

القول الراجح في صفة سجود الشكر أنه لا يجب فيه تكبير في أوله ، أو في آخره ، أو تشهد ، أو سلام ، وهذا هو المنصوص عن الإمام الشافعي ، وهو قول الإمام أحمد في رواية عنه ، وهو وجه في مذهب الشافعية ؛ لعدم ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أو عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم .

وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أنه لا يشرع في هذا السجود تشهد أو سلام ، بل هو بدعة ، لا يجوز فعله .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : وأما سجود التلاوة والشكر : فلم يَنقل أحدٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أصحابه أن فيه تسليماً ، ولا أنهم كانوا يسلمون منه ، ولهذا كان أحمد بن حنبل ، وغيره من العلماء : لا يعرفون فيه التسليم ، وأحمد في إحدى الروايتين عنه لا يسلِّم فيه ؛ لعدم ورود الأثر بذلك ، وفي الرواية الأخرى يسلِّم واحدة ، أو اثنتين ، ولم يثبت ذلك بنصٍّ ، بل بالقياس ، وكذلك من رأى فيه تسليماً من الفقهاء ليس معه نصٌّ ، بل القياس أو قول بعض التابعين . مجموع الفتاوى ” ( 21 / 277 ) .

هل يسجد إذا بشر بأمر وهو يصلي ؟

لا يسجد للشكر إذا بُشِّر بما يسره وهو يصلي ، لأن سبب السجود ، في هذه الحالة ليس من الصلاة ، وليس له تعلق بها ، فإن سجد متعمِّداً : بطلت صلاته ، كما لو زاد فيها سجوداً متعمداً ، أو سجد فيها لسهو صلاة أخرى ، وكما لو صلى فيها صلاة أخرى ، وهذا القول هو مذهب الشافعية ، وقال به أكثر الحنابلة .

وقال بعض الحنابلة : إنه يستحب سجود الشكر في هذه الحالة ، قياساً على سجود التلاوة .

ويمكن أن يناقش دليلهم : بأن ما ذكروه من القياس غير صحيح ؛ لأنه قياس مع الفارق ، فإن سجود التلاوة سببه من أفعال الصلاة ، وهو القراءة ، أما سجود الشكر : فسببه من خارج الصلاة .

كيف يسجد الراكب ؟

سجود الشكر يُشرع للراكب على الراحلة بالإيماء ، ويومئ على قدر استطاعته .

هل فيه ذكر معين ؟

قال الشوكاني: ينبغي أن يستكثر فيه من شكر الله لأن السجود سجود شكر،  ويرى البعض أن يقول أذكار سجود الصلاة قياسا والأول أوجه

هل يقضى؟

قولان : 1- يقضى قياسا على النافلة .

2- لا يقضى لتعلقه بسبب عارض .

هل يسجد لله شكرا على كل نعمة ؟

سجود الشكر إنما يكون للنعم المتجددة ، كحصول ولد ، أو قدوم غائب أو نصر على عدو ، لا للنعم المستمرة كنعمة السمع والبصر ، لعدم ورود ذلك في الشرع ، ولو كان مشروعا لاقتضى أن يظل الإنسان طول عمره ساجداً للشكر .

قال ابن القيم رحمه الله في “إعلام الموقعين” (2/296) : ” فإن النعم نوعان : مستمرة , ومتجددة , فالمستمرة شكرها بالعبادات والطاعات , والمتجددة شرع لها سجود الشكر ; شكرا لله عليها , وخضوعا له وذلا , في مقابلة فرحة النعم وانبساط النفس لها , وذلك من أكبر أدوائها ; فإن الله سبحانه لا يحب الفرحين ولا الأشرين ; فكان دواء هذا الداء الخضوع والذل والانكسار لرب العالمين ” انتهى .

 

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في “الشرح الممتع على زاد المستقنع” (4/105) : ” قوله: «عند تجدد النعم» . أي: عند النِّعمة الجديدة، احترازاً مِن النِّعمة المستمرَّة، فالنِّعمة المستمرَّة لو قلنا للإنسان: إنه يستحبُّ أنْ يسجدَ لها لكان الإنسانُ دائماً في سُجود، لأن الله يقول: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا) إبراهيم/34 }، والنعمة المستمرَّة دائماً مع الإنسان فسلامةُ السمعِ، وسلامةُ البصرِ، وسلامةُ النُّطقِ، وسلامةُ الجسم، كلُّ هذا مِن النِّعَمِ.

والتنفُّس مِن النِّعَم وغير ذلك، ولم تَرِدِ السُّنَّة بالسُّجود لمثل ذلك، لكن لو فُرِضَ أنَّ أحداً أُصيب بضيق التنفُّس؛ ثم فَرَّجَ الله عنه؛ فَسَجَد شكراً لله؛ كان مصيباً؛ لأنَّ انطلاق نَفَسِهِ بعد ضيقه تجدّد نعمة.

مثال ذلك : إنسان نجح في الاختبار وهو مُشفِقٌ أنْ لا ينجح، فهذا تجدُّد نِعمةٍ يسجدُ لها.

مثال آخر : إنسانٌ سَمِعَ انتصاراً للمسلمين في أيِّ مكانٍ، فهذا تجدُّد نِعمةٍ يسجدُ لله شكراً.

مثال آخر : إنسانٌ بُشِّر بولد، هذا تجدُّد نِعمة يُسجدُ لها، وعلى هذا فَقِسْ.

قوله: «واندفاع النقم» أي: التي وُجِدَ سببُها فَسَلِمَ منها.

مثال ذلك : رجل حَصَلَ له حادث في السيارة وهو يسير، وانقلبت وخرجَ سالماً، فهنا يسجدُ؛ لأنَّ هذه النقمة وُجِدَ سببُها وهو الانقلاب لكنه سَلِمَ.

مثال آخر : إنسان اشتعل في بيته حريق، فَيَسَّرَ اللهُ القضاء عليه فانطفأ؛ فهذا اندفاعُ نِقْمَةٍ يَسجدُ لله تعالى شكراً.

مثال آخر : إنسانٌ سَقَطَ في بئر فَخَرَجَ سالماً، فهذا اندفاعُ نِقْمَةٍ؛ يسجدُ لله شُكراً عليها.

فالمُراد بذلك اندفاع النِّقم التي وُجِدَ سَبَبُهَا فَسَلِمَ منها، أمَّا المستمر فلا يمكن إحصاؤه، ولو أننا قلنا للإنسان يُستحبُّ أن تسجدَ لذلك لكان دائماً في سُجود ” انتهى .

سجود شكر أم صلاة شكر ؟

سجود الشكر اسمه ” سجود ” فهو سجود وليس صلاة .
لكن ورد أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلّى  يوم الفتح ثمان ركعات ، كما في الصحيحين .
واختُلِف في توجيه هذه الصلاة :
فقالت طائفة من أهل العلم : هي صلاة الضحى ، واستدلوا برواية لمسلم . قالت أم هانئ : ثم صلى ثمان ركعات ، سبحة الضحى .يعني سُنّة الضحى .

وقالت طائفة أخرى : هي صلاة شكر لله تعالى على الفتح .
ونقل الطبري عن خالد بن الوليد أنه صلى صلاة الشكر لما فتح الحيرة .

ولكن لا يُشرع للعبد كلما تجددت له نعمة أن يقوم إلى الصلاة ، فيُصلّي ركعتين .
وإن كانت الصلاة من شُكر الله عز وجل ، والتقرّب إلى الله بها من أفضل القربات ، لكن المشروع عند تجدد النّعم هو سجود الشكر .

قال بعضهم : الصلاة شكر ، والصيام شكر ، وكل خير تعمله لله عز وجل شكر ، وأفضل الشكر الحمد .
وقال : محمد بن كعب القرظي : الشكر تقوى الله تعالى ، والعمل الصالح .


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 351 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم