كان سني وقتها أربعة عشر عاما وكنت أحب الصلاة في الصف الأول وفي يوم جمعة في صلاة العشاء أقيمت الصلاة والإمام عادة يحصل على إجازة مساء الجمعة، وتلفت الناس يمينا وشمالا ليروا من أقرؤهم ليدخل إماما فلم يجدوا، فصاح أحدهم : ادخل يا شيخ حسين وأردف قائلا :
يا جماعة هذا رجل أزهري يحفظ كلام الله .
ولم يمهلني لحظة حتى دفع بي دفعا خارج الصف إلى المحراب ، ووقفت والحياء يجللني ، وأنا أسمع دقات قلبي تدق دقا عنيفا لشعوري برهبة الموقف ، ولم أستطع وقتها أن أتلفظ ببنت شفة لأقول للناس استقيموا أو استووا بل لعلى نسيت في هذا الوقت الفاتحة .
فلما وليت ظهري للمصلين واستقبلت القبلة ، صاح أحد المصلين :هو الشيخ سيصلى برأسه عريانة !!!!
فقال أحد الوجهاء هذه عمامتي يا سيدي وبسرعة عجيبة ألبست العمامة ، وكانت عمامة كبيرة بالنسبة لرأسي الصغير تفوح منها رائحة العرق المسيلة للدموع ، وبلغت العمامة لاتساعها وكبرها إلى عيني فحجبت عنى نصف الرؤية ونظرا لنفاذ رائحة العرق إلى داخل أنفي هممت بأمر سوء لكني تماسكت !!!
وبدأت بقراءة الفاتحة وكأني ابن الرابعة أحاول التركيز جدا خوفا من نسيان آية أو بعض آية وتمت السورة بسلام ، وتنفست الصعداء وأنا أسمع المصلين يقولون بصوت قوي : آمين شعرت وقتها وكأني أنجزت انجازا لا مثيل له ،وكان تأمينهم أكبر تشجيع لي ، وتماسكت وارتفعت روحي المعنوية وانقشعت عني الرهبة التي كنت أجدها في أول الأمر واستفتحت بالآيات عقب الفاتحة .
وفي نهاية تلاوتي لاح لي خاطر عجيب ؛ ستضحكون طويلا منه ……
ما هو؟
خطر لي : ماذا يحدث لو ركعت فوقعت العمامة الكبيرة التي على رأسي على الأرض ؟!!!
فتخيلت أن أحد المصلين سيتحرك سريعا ليستر رأس الإمام العارية ، وربما خرج أحد الفقهاء الروس (نسبة إلى الرأس لا إلى روسيا ) ليفتي ببطلان الصلاة ووجوب إعادتها !!!
كان الخاطر سريعا وجاء الحل أسرع فقمت بوضع يدي اليمنى على العمامة وكبرت راكعا الله أكبر ، ثم رفعت ويدي على رأسي حامدا وهكذا ساجدا ، ورافعا للركعة التالية ، وتمت الصلاة بنجاح ولم تقع العمامة.
وبعد الصلاة أقبل الناس يهنئونني ويقولون دائما عند غياب الإمام ادخل من غير استئذان أحد.
فأردف أحد الفقهاء الروس الذين لا يخلو منهم مسجد: وابقى ضع في جيبك منديل قماش كبير لتربطه على رأسك بدلا من أن تصلي ورأسك عريانة ….
فأردف فقيه روسي آخر: منديل إيه هو رجل كبير في السن لا هو لازم يشوف له طاقية صغننة (صغيرة ) على مقاس رأسه أمال شيخ ايه !!!
وكانت هذه الصلاة فاتحة خير علي فيما بعد والحمد لله رب العالمين