في عام 2008 م دعيت لإلقاء كلمة عن الهجرة النبوية في إحدى المدارس الإسلامية بمونتريال فارتديت الجبة الأزهرية والعمامة وذهبت برفقة بعض الإخوة الأفاضل حيث كنت حديث عهد بمونتريال وبعد انتهائي من الندوة دعاني الأخ لتناول طعام الغذاء في مطعم قريب من المكان.
وكان في خلدي أني لو بقيت بهيئتي وزيي الأزهري وهو زي غريب على أهل هذه البلد هنا سيكون مثارا للأسئلة عن الإسلام وربما فزت بواحد أو اثنين يسألون عن الإسلام؛ خاصة وأن الأخ الذي معي مغربي يجيد الفرنسية …..
لكن كانت المفاجأة بعد ثلاثين ثانية فقط من نزولنا من السيارة هبت ريح عاصفة لم أشهد مثلها من قبل -علمت فيما بعد أنها كانت بسرعة 80 كم في الساعة – فوضعت يدي على العمامة أثبتها حتى لا تقع على الأرض ، لكن اشتدت الريح أكثر فأكثر بصورة كبيرة فأشار علي صاحبي أن أسرع لنمسك بعمود الإنارة الذي كان على بعد خطوات منا وإلا سنطير وبينما أنا أتقدم نحو العمود إذا ببعض الأشخاص ينام في الأرض اتقاء للوقوع ، وبعضهم بدأ يتدحرج وفقد التوازن والبعض يحاول أن يتدرع بالسيارات الواقفة على جانبي الطريق …
المهم الحمد لله وصلنا إلى عمود الإنارة بأعجوبة وأمسكت فيه بقوة بيدي اليمين ووضعت يدي الأخرى على العمامة حتى لا تطير فتذروها الرياح، ومع اشتداد الريح نسيت العمامة، وأمسكت بيدي الاثنين بكل قوتي (وهذا ما نسميه بفقه الموازنات بين المصالح والمفاسد ) ،وما هي إلا لحظات حتى اقتلعت الريح العمامة عن رأسي، وطارت أمامي ونظرت إلى عمامتي وهي تتدحرج على الأرض على بعد أمتار مني والأمل يحذوني أن تنجو من الطيران والضياع والانسياح في الأرض ……
وفي لمح البصر طارت العمامة مع عشرات الأشياء الطائرة في الجو آنذاك أغصان أشجار وأوراق ومظلات وعلب وأشخاص يقعون على الأرض ….و….و… وعمامتي !!!! واعماماتاه!!!
وبقيت متماسكا أنا ورفيقي وأنا أردد الله أكبر الله أكبر سلم يارب -نسيت وقتها دعاء الريح لهول ما نحن فيه –
حتى هدأت العاصفة نوعا ما فقال لي رفيقي: هيا ندخل المطعم سريعا قبل أن تسوء الأمور أكثر فأكثر …فقلت له بكل ألم : وعمامتي ؟!!
فضحك ضحكة كبيرة قائلا : أي عمامة يا شيخ ؟!!
عمامتك الآن إن لم تصل مصر فهي الآن بالمغرب !!!!
فقلت بلهفة ولكن ربما نجدها في الشارع التالي ربما … ربما علقت بشيء …
قال : يا شيخ الريح عاصفة شديدة تعال ننجو أنا وأنت وندخل المطعم ….
فلما وجد علامات الأسى ظهرت على وجهي طاوعني وقال – والريح تكاد أن تذهب بملابسنا ونحن بداخلها – : أرأيت لا شيء انظر أين ستجد عمامتك فطاوعته مكرها لأنجو بنفسي ….وحمدت الله واسترجعت …بعد أن أصبحت شيخا بلا عمامة !!!
لكن وبصراحة شديدة داخلني شعور كبير بالخوف والهيبة من الله جل وعلا …فكيف لجندي من جنود الله (أقصد الريح) يقف الإنسان أمامه هكذا عاجزا ضعيفا لا حول له ولا قوة ووجدتني أردد قوله تعالى (َياأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الانفطار