العلاقة مع الله سبحانه وتعالى

تاريخ الإضافة 18 يناير, 2023 الزيارات : 7881

العلاقة مع الله سبحانه وتعالى

نتكلم اليوم عن موضوع بناء شخصية المسلم، وهذا عنوان كبير حينما نتكلم عنه نقول :

إن كل واحد منا له ثلاث علاقات :
1- علاقة مع ذاته .
2- علاقة مع الخالق سبحانه وتعالى.
3- علاقة مع المخلوقين .
وكمال حال كل واحد منا على قدر كمال علاقاته مع هذه المحاور الثلاث ، ونقصه على مقدار نقص العلاقة أو اختلالها في هذه الثلاث .

سوء العلاقة مع الناس من الكبائر :

قد تجد البعض منا حسن العلاقة بالله سيء العلاقة مع الناس ،وحينما سئل رجل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-فقال : يا رسول الله إن فلانة فذكر من كثرة صلاتها وصدقتها وصيامها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها قال هي في النار، قال يا رسول الله فإن فلانة فذكر من قلة صيامها وصلاتها وأنها تصدق بالأثوار من الأقط ولا تؤذي بلسانها جيرانها قال هي في الجنة.
الأقط، وهو الجبن المجفف الذي يتخذ من اللبن .
وبين -صلى الله عليه وسلم- أن كمال الإيمان كما يكون بحسن العبادة لله فإنه أيضا يكون بحسن معاملة الناس ، وكف الأذى عنهم فقال -صلى الله عليه وسلم- ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ) ومعنى المسلم هنا : أي المسلم الحق أو المسلم الصادق ،لأنه لا يكتفى أن تكون حسن العبادة سيئ الأخلاق ، أو تكون مؤديا للفرائض مضيعا لحقوق العباد ، فهكذا يعلمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

بل بلغ الأمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقسم ثلاثا والله لا يؤمن ، قالوا من هذا يارسول الله خاب وخسر؟ قال من لا يأمن جاره بوائقه ،أي شروره وإيذاءه .
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ، فلا ينبغي أن تكون علاقة المسلم مع الله علاقة طيبة وعلاقته بالخلق علاقة سيئة ،وتأكيدا لهذا المعنى قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي ذر -رضي الله عنه- : “اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن .”

هباء منثورا :

هذا عن الارتباط الأول أما عن الارتباط الثاني فالبعض حسن الأخلاق لكنه سيء العبادة ، تجده في أخلاقه واحترامه ولطفه مع الناس ما شاء الله ، لكنه في العبادة العلاقة بينه وبين الله أسوأ ما تكون ، وهذا الأمر فيه فارق بين من كان مؤمنا بالله ولكنه عاص ، ومن كان بالله كافرا .
فمن كان بالله كافرا لا ينفع مع كفره عمل كما قال تعالى : -( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا )- [الفرقان/23] فكل عمل ليس معه الإيمان بالله لا يقبل ولا ينفع صاحبه إلا في الدنيا ، ولذلك لما سألت عائشة النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ابن جدعان وكان ابن جدعان من كرماء العرب وكان كثير الإطعام والإكرام للناس، فسألت عائشة النبي -صلى الله عليه وسلم- يا رَسُولَ اللّهِ! ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ؟ قَالَ: “لاَ يَنْفَعُهُ. إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْماً: رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ” أي لم يكن مصدقاً بالبعث فلا ينفعه عمل.

وأبو طالب عم النبي -صلى الله عليه وسلم- مثال آخر فقد كان شهما كريما ، وقف كحائط صد أمام قريش حينما أرادوا أن يؤذوا رسول الله لما بعث بالحق وكان كريما مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكرمه صغيرا وكبيرا بحسن معاملته والدفاع عنه ، لكنه أبى إلا أن يموت على غير ملة التوحيد ومات على ما عليه قومه من الشرك وعبادة الأصنام ، وفيه نزل قوله تعالى : -( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين )- [القصص/56]
أما من كان حسن الأخلاق وهو عاص لله فلا شك في ضعف إيمانه بالله لكنه يرجى معه الخير حينما يذكر وحينما يوعظ وينبه فيعود إلى تحسين علاقته بالله سبحانه وتعالى- فإن حسن الخلق دال على طهارة أو نفاسة معدن هذا الشخص .

هذا هو المحور الثلاثي :
العلاقة مع الله.
العلاقة مع الناس.
العلاقة مع الذات.
أما إدراك الكمال في العلاقة مع الله فهو أن تبلغ مرتبة الإحسان ، والإحسان كما عرفه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- “أن تعبد الله كأنك تراه “

أولا / الإحسان في العبادة :

إذا بلغت هذه الدرجة فأنت في أعلى مراقي العبادة لله سبحانه وتعالى ؛ تحسن العمل كله والعبادة كلها ؛ فصلاتك ليست عبارة عن حركات تقوم بها بين خفض ورفع ؛ إنما هي صلاة خاشعة تقبل فيها علي الله بوجهك وقلبك، كما قال تعالى : ( قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) [المؤمنون1 /2] العلاقة بينك وبين الله حينما تصوم مثلا صيام الفريضة في رمضان فإنك تصوم ذلك إيمانا واحتسابا لله فتصوم مع امتناعك عن الطعام والشراب وسائر المفطرات تصوم عن جميع ما حرم الله فهذا من إحسان العبادة .
ومع القرآن لا تكتفي بمجرد تلاوته ، بل تصل معه لدرجة الإحسان في التلاوة ” الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة “

حينما تنفق من مالك زكاة أو صدقة لا تخرج الخبيث ومالا تطيب نفسك بأخذه إنما تخرج أطيب ما عندك كما قال تعالى : -( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم )- [آل عمران/92]

وقال تعالى : -( يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غني حميد )- [البقرة/267] يعني لا تقصد في زكاتك أو صدقتك أخبث المال وأردأه الذي إن أعطيته أعرضت عنه ، ومعنى لا تيمموا : التيمم القصد أي لا تقصدوا إنفاق الخبيث الذي لا تقبلونه إلا إذا تغاضيتم عما فيه من رداءة أو سوء فننفق لله أحسن النفقة وأطيب النفقة .

ورضى الله عن أم المؤمنين عائشة حينما كانت تنفق الدراهم فتعطرها بالمسك وتقول : إن الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع بيد الفقير .
وهكذا في سائر عباداتنا وأعمالنا ، في بيعنا وشرائنا ، تظهر أخلاقنا بالأمانة والصدق ، والصدق في التجارة نادر والأمانة كذلك لكنه يحسن فيما بينه وبين ربه ، ولا يغالي أو يستغل جهل من أمامه ليستولي على ماله ، إنما يحسن في معاملاته ويحسن بأمانته وصدقه بين الناس وما عرف المسلمون في بقاع كثيرة في العالم إلا من خلال إحسانهم في المعاملة ، كثير من الأماكن في إفريقيا وغيرها لم تفتح فتحا عسكريا إنما فتحت على يد التجار المسلمين الذين عرفوا بأمانتهم وصدقهم . 

لماذا تتصدع جدران المساجد ولا تتصدع جدران الكنائس ؟

وأذكر أن أحدهم كتب على الفيس بوك يقول :سئل أحد المشايخ : لماذا تتصدع جدران المساجد ولا تتصدع جدران الكنائس ؟
فأجاب الشيخ على الفور : قال تعالى ( -( لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون )- [الحشر/21]
فقلت له يا أخي هذا تنزيل للآية في غير موضعها الذي قام ببناء المسجد رجل غشاش غش في المؤن والمواد فتصدعت الجدران أما الذي بنى الكنيسة فإنه أتقن البناء ووضع المواد اللازمة بلا غش ، فنجد للأسف الشديد جدران المساجد تتصدع لأن الذي بناها غش في المواد ولا تتصدع جدران الكنائس لأن أبنيتها قائمة على ماهي عليها ، فلا علاقة بأن هذا مسجد ، وهذه كنيسة ، المشكلة ترجع لمن بنى وغش، وأساء في بناء بيت الله ولم يحسن .
فالإحسان في كل شيء تبلغ به أعلى مراقي الإيمان وأعلى درجات العلاقة بينك وبين الله .

ثانيا / إكمال الفرائض:

وليس هناك بعد الإحسان من شيء أتم من إكمال الفرائض، وفي الحديث القدسي : ” وما تقرب إلى عبدي بشئ أحب إلي مما افترضته عليه ” فالفرائض هي أول ما تطالب به ، والفرائض تشمل فعل ما أمر الله واجتناب ما نهى الله عنه.

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ بن جبل : ” اتق المحارم تكن أعبد الناس ” المحارم : كل ما حرم الله عز وجل ، فالمسلم يأتي الفرائض ويتجنب النواهي فيكون بذلك من الذين حسنت علاقتهم بالله سبحانه وتعالى .

ثالثا / الاهتمام بطهارة القلب : 
 الاهتمام بالقلب ، فإن الاهتمام بالقلب وطهارته يكون سببا لحسن العلاقة بينك وبين ربك لأن القلب هو محل نظر الرب جل وعلا ، الله تعالى لا ينظر لطولنا وعرضنا ، ولا ثيابنا وأموالنا ، ولا لشيء من بهرجة الدنيا من زينة ومتاع ورتب ؛ إنما ينظرالله إلى قلوبنا وأعمالنا كما قال نبينا -صلى الله عليه وسلم- ” إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا أموالكم إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ” فطهارة القلب وأن يكون عامرا بالعبادات التي أمرنا الله تعالى بها من الخوف والرجاء والصبر والرضا والشكر …. وغيرها ، ثم تطهره من الأمراض التي تضعف سيره إلى الله كأمراض الحسد والحقد والغل ، والبغضاء والشحناء وهذه الأمراض كلها فيكون قلبك بين يدي ربك قلبا سليما معافى قال تعالى -( وإن من شيعته لإبراهيم إذ جاء ربه بقلب سليم )- [الصافات83 /84] لن يصل إلى الله صاحب القلب المريض ، ومن كان في قلبه شحناء وبغضاء .

ورحم الله من قال : وددت لو أن الناس يهتمون بقلوبهم كما يهتمون بنعالهم ، اللهم طهر قلوبنا يارب العالمين .

رابعا / دوام التوبة والاستغفار:

وهذا يصلح العلاقة بينك وبين الله ، إن أصابها رتق ( فتق في الثوب مع كثرة اللبس والاستعمال يصاب الثوب برتق فيقطع ) فكأن العلاقة بينك وبين ربك حبل ممدود موصول فالذنوب تقطع هذه العلاقة وتضعف سيرك إلى الله فتداوم التوبة والاستغفار ، بهذا تبلغ درجة الإحسان مع الله بدوام التوبة .

ونبينا المصطفى -صلى الله عليه وسلم- كان يقول : (إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر اللَّه في اليوم مائة مرة) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال سمعت رَسُول اللَّهِ ﷺ يقول: (والله إني لأستغفر اللَّه وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

الغين هو السحاب الخفيف بخلاف الغيم بالميم وهو السحاب الثقيل الممطر .

والمعنى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول أنه مع انشغاله بأمور الدنيا والمعاش والأهل شبهه بهذا الغين السحاب الذي يمر فيحجب أشعة الشمس حجبا خفيفا أو وجه السماء فقال : ” إنه ليغان على قلبي ” فكان يستغفر في اليوم أكثر من سبعين مرة لحرصه على أن يبقى قلبه طاهرا لا غبش ولا غين فيه ، ولا تعلق بالدنيا يشغله عن ربه سبحانه وتعالى فماذا عنا نحن ؟

 وعن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قال: كنا نعد لرَسُول اللَّهِ ﷺ في المجلس مائة مرة (رب اغفر لي وتب عليّ إنك أنت التواب الرحيم) وفي رواية إنك أنت التواب الغفور.

فكل يوم تستغفر الله فيما لا يقل عن 100 مرة وتداوم التوبة والاستغفار وتطهرقلبك من المعاصي ، أو الانشغال عن الله كما تعلمنا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
إذن العلاقة مع الله بالإحسان في جميع العبادات والمعاملات وإتيان الفرائض بفعل ما أمر الله واجتناب مانهى الله عنه،  وبأن تداوم على عبادات قلبك فيكون عامرا بالخوف والرجاء والصبر والرضا والشكر ، وتطهره من الأمراض التي تضعف سيره إلى الله كأمراض الحسد والحقد والغل ، والبغضاء والشحناء ثم تلازم التوبة والاستغفار .


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر مشرف الموقع

هو الشيخ  الدكتور/ حسين محمد عامر من مواليد بلبيس بمحافظة الشرقية -مصر-عام 1976 م . الشهادات العلمية : 1- أتم حفظ القرآن وهو ابن الرابعة عشر عاما ، وحصل على إجازة برواية حفص بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على يد شيخه يوسف عبد الدايم -رحمه الله- . 2-  حصل على الإجازة

تاريخ الإضافة : 1 فبراير, 2024 عدد الزوار : 278 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم