شرح الدعاء :”رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ….”

تاريخ الإضافة 26 يونيو, 2023 الزيارات : 3076

شرح الدعاء :”رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ….”

قال تعالى : “وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ” الحشر 10

في الآيتين السابقتين لهذه الآية مدح الله المهاجرين بقوله : ” لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ” الحشر8.

ثم مدح  الأنصار بقوله : “وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ” الحشر9

وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ(المدينة) من قبلهم، وَأخلصوا الْإِيمَانَ لله يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا أي لا يجدون في صدورهم حقداً ولا حسداً على المهاجرين .

ثم مدح الله كل من سارعلى نهج المهاجرين والأنصار فى قوة الإيمان ، وفى طهارة القلب ، وسماحة النفس فقال – تعالى – : “وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ” الحشر10، وهم المؤمنون بعد الفريقين إلى يوم القيامة ، لأنهم هم التابعون بإحسان للمهاجرين والأنصار إلى يوم القيامة ، كما قال – تعالى – : ” والسابقون الأولون مِنَ المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ . . . ” التوبة 100.

وفي الحديث الصحيح : أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة فقال : ” السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، وددت أن رأيت إخواننا “ . قالوا : يا رسول الله ، ألسنا بإخوانك ؟ فقال : ” بل أنتم أصحابي ، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد ، وأنا فرطهم على الحوض “  فبين صلى الله عليه وسلم أن إخوانهم كل من يأتي بعدهم .

 والذين جاءوا من بعد المهاجرين والأنصار ، واتبعوهم بإحسان إلى يوم القيامة ( يَقُولُونَ رَبَّنَا اغفر لَنَا ) ربنا اغفر لنا ذنوبنا ، واغفر، لإخواننا ( الذين سَبَقُونَا بالإيمان ) فهم أسبق منا إلى الخير والفضل ( وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ ) أى : حسدا وحقدا ( لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ) تشمل المؤمنين جميعا ( رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ )

تضمن هذا الدعاء المبارك الدعاء لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمغفرة، والدعاء بنقاء القلب من الغل والحقد على المؤمنين .

أولا/ موقف المؤمنين من الصحابة

1- وجوب محبة الصحابة: 

وقد أخذ العلماء من هذه الآية الكريمة ، أن من حق الصحابة – رضى الله عنهم – على من جاءوا بعدهم ، أن يدعوا لهم ، وأن ينزلوهم فى قلوبهم منزلة الاحترام والتبجيل والتكريم .

قال الإمام الرازى : واعلم أن هذه الآيات قد استوعبت جميع المؤمنين لأنهم إما المهاجرون ، أو الأنصار ، أو الذين جاءوا من بعدهم ، وبين أن من شأن من جاء من بعد المهاجرين والأنصار ، أن يذكر السابقين ، وهم المهاجرون والأنصار بالدعاء والرحمة ، فمن لم يكن كذلك ، بل ذكرهم بسوء كان خارجا من جملة أقسام المؤمنين ، بحسب نص هذه الآية . 

وفي تفسير القرطبي لهذه الآية : قال ابن أبي ليلى : الناس على ثلاثة منازل : المهاجرون ، والذين تبوءوا الدار والإيمان ، والذين جاءوا من بعدهم ، فاجهد ألا تخرج من هذه المنازل .

وقال بعضهم : كن شمسا ، فإن لم تستطع فكن قمرا ، فإن لم تستطع فكن كوكبا مضيئا ، فإن لم تستطع فكن كوكبا صغيرا ، ومن جهة النور لا تنقطع ، ومعنى هذا : كن مهاجريا . فإن قلت : لا أجد ، فكن أنصاريا . فإن لم تجد فاعمل كأعمالهم ، فإن لم تستطع فأحبهم واستغفر لهم كما أمرك الله .

وروى مصعب بن سعد قال : الناس على ثلاثة منازل ، فمضت منزلتان وبقيت منزلة ; فأحسن ما أنتم عليه أن تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت .أهـ.

2- اتباعهم بإحسان:

فقد أثنى الله عز وجل على السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، وعلى كل من تبعهم بإحسان، قال تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ (التوبة:100) أى : الذين اتبعوا السابقين فى الإسلام من المهاجرين والأنصار ، اتباعا حسنا في أقوالهم وأعمالهم و جهادهم ونصرتهم لدعوة الحق .، فجعل اتباعهم بإحسان سبيلًا إلى مرضاته.

3- الثناء والترضي عليهم والاستغفار لهم :

فمن حق الصحابة الكرام رضي الله عنهم على كل من جاء بعدهم من عباد الله المؤمنين أن يدعو لهم ويستغفر لهم، ويترحم عليهم، لما لهم من القدر العظيم، ولما حازوه من المناقب الحميدة، والسوابق القديمة، والمحاسن المشهورة، ولما لهم من الفضل الكبير على كل من أتى بعدهم، فهم الذين نقلوا إلى من بعدهم الدين الحنيف الذي أخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور، ففضلهم مستمر على كل مسلم جاء بعدهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وقد ندب الله – جل وعلا – كل من جاء بعدهم من أهل الإيمان إلى أن يدعو لهم، ويترحم عليهم، وأثنى على من استجاب منهم.

أخرج ابن مردويه عن ابن عمر (أنه بلغه أن رجلاً نال من عثمان، فدعاه، فأقعده بين يديه، فقرأ عليه لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الآية، قال: من هؤلاء أنت؟ قال: لا، ثم قرأ وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ الآية، قال: من هؤلاء أنت؟ قال: أرجو أن أكون منهم، قال: لا والله ما يكون منهم من يتناولهم وكان في قلبه الغل عليهم)  
ولم يذكر الآية الواردة في الأنصار لكون الرجل تناول عثمان رضي الله عنه وهو من المهاجرين.

ثانيا / الدعاء بنقاء القلب من الغل أو الحقد على المؤمنين :

الغِل: هو الحقد الكامن في الصدر.

ولأن الجنة لا يصلح أن يدخلها إلا من كان قلبه سليماً نظيفاً تماماً، فإن الله لا يدخل أهل الجنة الجنة إلا بعد أن ينقوا ويهذبوا، وتكون صدورهم سليمة؛ كما قال الله -عز وجل-:وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ [الأعراف: 43]
وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (والذي نفس محمد بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أنبئكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم؛ أفشوا السلام بينكم) رواه الترمذي.
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: (قيل يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ قال: كل مخموم القلب صدوق اللسان، قيل صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي، ولا غل ولا حسد) رواه ابن ماجه
وقال رسول الله ﷺ: ” لا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا ” رواه البخاري ومسلم
قال ابن رجب -رحمه الله- في شرح لفظة: ” لا تباغضوا نهى المسلمين عن التباغض بينهم في غير الله -تعالى- بل على أهواء النفوس، فإن المسلمين جعلهم الله إخوة، والإخوة يتحابون بينهم ولا يتباغضون” [جامع العلوم والحكم: 2/265].
ويقول أيضا: “ولما كثر اختلاف الناس في مسائل الدين وكثر تفرقهم كثر بسبب ذلك تباغضهم وتلاعنهم، وكل منهم يظهر أنه يبغض لله، وقد يكون في نفس الأمر معذوراً، وقد لا يكون معذوراً، بل يكون متبعاً لهواه مقصراً بالبحث عن معرفة ما يبغض عليه” [جامع العلوم والحكم: 2/267]
 وقال زيد بن أسلم رضي الله عنه: (دُخل على أبي دجانة وهو مريض، وكان وجهه يتهلل، فقيل له: ما لوجهك يتهلل؟ فقال: ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنتين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، أما الأخرى فكان قلبي للمسلمين سليمًا).
وقال سفيان بن دينار لأبي بشر : أخبرني عن أعمال من كان قبلنا، قال: كانوا يعملون يسيرًا ويؤجرون كثيرًا، قال سفيان: ولم ذاك؟! قال أبو بشر: “لسلامة صدورهم”.
وسائل علاج الحقد
1- الدعاء:
قال تعالى: ” وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ” الحشر 10
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بسلامة القلب، وعلَّم بعضَ أصحابه ذلك، فقال: (يا شداد بن أوسٍ، إذا رأيت الناس قد اكتنـزوا الذهب والفضة، فأكثر هؤلاء الكلمات: اللّهم إني أسألك الثبات في الأمرِ، والعزيمة على الرُّشد، وأسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، وأسألك شكر نعمتِك، وحسن عبادتك، وأسألك قلباً سليماً، ولساناً صادقاً، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذُ بك من شرِّ ما تعلم، وأستغفرُك لما تعلمُ؛ إنك أنت علامُ الغيوب) رواه أحمد وصححه الألباني .
ومن دعائه صلى الله عليه وسلم : (رب أعني ولا تعن عليَّ، وانصرني ولا تنصر عليَّ، وامكر لي ولا تمكر عليَّ، واهدني ويسر الهدى لي، وانصرني على من بغى عليَّ، رب اجعلني لك شاكرًا، لك ذاكرًا، لك راهبًا، لك مطواعًا، إليك مخبتًا أو منيبًا، تقبل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبت حجتي، واهد قلبي، وسدد لساني، واسلل سخيمة قلبي).
والسخيمة هي الحقْدُ في النفس.
2- الصلح عند الخصام ونشر تحية الإسلام:
عن الزبير بن العوام رضي الله عنه، قال: قال صلى الله عليه وسلم: (دبَّ إليكم داء الأُمم قبلكم:… البغضاء، والبغضاء هي الحالقة، حالقة الدين لا حالقة الشعر، والذي نفس محمد بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أنبئكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم؛ أفشوا السلام بينكم)
 
3-التواضع:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد).
وقال أبو حاتم: (التواضع يكسب السلامة، ويورث الألفة، ويرفع الحقد).
4- تقديم الهدية:
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدر”  أي الحقد والغيظ  ، وقيل أشد الغضب 


اترك ردا

بدريك الإلكتروني لان يتم نشره.


قناة فتاوى أون لاين

تم إنشاء قناة جديدة تحت عنوان فتاوى أون لاين للإجابة على الفتاوى الشرعية
رابط الانضمام

رابط تيليجرام

الواتس اب

السيرة الذاتية للدكتور حسين عامر

رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود

 رسالة الدكتوراة المناهج الدعوية للأنبياء من خلال سورة هود   ما أجمل أن يتلمس الدعاة في عصرنا الحاضر السير على خطى الأنبياء، والتخلق بأخلاقهم، والاقتداء بهم في الدعوة إلى الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، من خلال المنهج القرآني في عرض قصصهم، وأحوالهم مع أقوامهم؛ من خلال دراستي لأحد سور القرآن (سورة هود)

تاريخ الإضافة : 24 أبريل, 2024 عدد الزوار : 87 زائر

خطبة الجمعة

تفسير القرآن

شرح صحيح البخاري

شرح مدارج السالكين

جديد الموقع